من شعر المجنون
هام قيس ليلى في الصحراء،
فلما اشتد به الجوع اصطاد غزالا، ثم أطلقها، فخاطبها قائلا :
أيا شبه ليلى لا تراعى فإنني / لك اليوم من وحشية لصديقُ
فعيناك عيناها وجيدك جيدها / سوى أن عظم الساق منك دقيقُ
أقول وقد أطلقتها من وثاقها / لأنت لليلى لو عرفت عتيقُ
وكادَتْ بلادُ اللّه يا أمّ مالكٍ / بما رَحُبَتْ مِنْكُمْ عليَّ تَضيقُ
كأنَّ فُؤَادِي فِيهِ مُورٍ بِقادِحٍ / وفيه لهيب ساطع وبروقُ
إذا ذَكرَتْها النفْس مَاتَتْ صَبابَة ً/ لَها زَفْرَة ٌ قَتَّالة ٌ وَشَهِيقُ
سبتني شمس يخجل البدر نورها / ويكسف ضوء البرق وهو بروقُ
غُرابِيَّة الْفرْعَيْنِ بَدرِيَّة ُ السَنا / وَمَنظَرُها بَادِي الْجَمَال أنِيقُ
وَقد صِرْتُ مَجْنُونا مِنَ الْحُبِّ هَائِماً / كأنِّي عانٍ في القُيُودِ وَثِيقُ
أظل رَزيحَ الْعَقْل مَا أُطْعَمُ الكرَى/ وللقلب منى أنة وخفوقُ
بَرى حُبُّها جِسْمِي وَقلبِي وَمُهْجَتِي / فلم يبق إلا أعظم وعروقُ
فلاَ تعْذلُونِي إنْ هَلَكْتُ تَرَحَّمُوا / عَليَّ فَفَقْدُ الرُّوحِ ليْسَ يَعُوقُ
وخطوا على قبري إذا مت واكتبوا / قَتِيلُ لِحاظٍ مَاتَ وَهوَ عَشِيقُ
إلى اللّهِ أشْكُو مَا أُلاَقِى مِنَ الْهَوَى / بليلى ففي قلبي جوى وحريقُ
يقولون ليْلى بالْعِرَاقِ مَريضة ٌ / فَمَا لَكَ لا تَضْنَى وأنْتَ صَديقُ
سقى الله مرضى بالعراق فإنني / على كل مرضى بالعراق شفيقُ
فإنْ تَكُ لَيْلَى بالْعِراقِ مَريضَة ً / فإني في بحر الحتوف غريقُ
أيا ظل ليلى أشهد الله أنني / بكل وداد في الغرام خليقُ
وأن الهوى في القلب يدفع نبضه / زفيرا ويحكي خافقيه شهيقُ
وإني إذا انسابت سفوح مشاعري / بشعر فإن الجانبين طريقُ
أقول لطرفي حين تهمس باسمها / دموع دعاها للهطول حريقُ!
ألم تعلمي يا فتنة النفس أنني / لكل مُعَنّى في الغرام شقيقُ؟
وأن انهمار العشق يحفر داخلي / نهيرا تغشى ضفتي رشيقُ
وإنك يا ليلاي قصد مصبه / ومنبعه فالغيث منك خفيقُ