التقديم والتأخير في باب المبتدأ والخبر
التقديم والتأخير في باب المبتدأ والخبر
يقول ابن مالك :
والأصل في الأخبار أن تؤخرا ..... وجوزوا التقديم إذ لا ضررا
الأصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر، وذلك لأن الخبر وصف في المعنى للمبتدأ فاستحق التأخير كالوصف. ويجوز تقديمه إذا لم يحصل بذلك لبس أو نحوه فتقول قائم زيد ، وقائم أبوه زيد ، وأبوه منطلق زيد ، وفى الدار زيد ، وعندك عمرو.
وقد وقع في كلام بعض الباحثين أنّ مذهب الكوفيين منع تقدم الخبر الجائز التأخير عند البصريين. وبعضهم نقل الإجماع من البصريين والكوفيين على جواز "في داره زيد" فنقل المنع عند الكوفيين بالإطلاق ليس بصحيح هكذا قال بعضهم. والحق الجواز إذ لا مانع من ذلك وإليه أشار بقوله:
"وجوزوا التقديم إذ لا ضررا" فتقول: قائم زيد، وقام أبوه زيد ومنه قوله:
قد ثكلت أمه من كنت واحده ..... وبات منتشبا في برثن الأسد
(فمن كنت واحده مبتدأ مؤخر وقد ثكلت أمه خبر مقدم) وأبوه منطلق زيد ومنه قوله: إلى ملك ما أمه من محارب أبوه ..... ولا كانت كليب تصاهره
فأبوه مبتدأ مؤخر وهو ما أمه من محارب خبر مقدم
ونقل هبة الله بن الشجري الإجماع من البصريين والكوفيين على جواز تقديم الخبر إذا كان جملة وليس بصحيح، وقد قدمنا نقل الخلاف في ذلك عن الكوفيين:
فامنعه حين يستوي الجزآن ..... عرفا ونكرا عادمي بيان
كذا إذا ما الفعل كان الخبرا ..... أو قصد استعماله منحصرا
أو كان مسندا لذي لام ابتدا ..... أو لازم الصدر كمن لي منجدا
ينقسم الخبر بالنظر إلى تقديمه على المبتدأ أو تأخيره عند ابن مالك ثلاثة أقسام:
ـ قسم يجوز فيه التقديم والتأخير.
ـ وقسم يجب فيه تأخير الخبر .
ـ وقسم يجب فيه تقديم الخبر .
فأشار بهذه الأبيات إلى الخبر الواجب التأخير فذكر منه خمسة مواضع:
ـ الأول: أن يكون كل من المبتدأ والخبر معرفة أو نكرة صالحة لجعلها مبتدأ ولا مبين للمبتدأ من الخبر نحو زيد أخوك ، وأفضل من زيد أفضل من عمرو، ولا يجوز تقديم الخبر في هذا ونحوه؛ لأنك لو قدمته قلت: أخوك زيد ، وأفضل من عمرو أفضل من زيد، لكان المقدم مبتدأ، وأنت تريد أن يكون خبرا من غير دليل يدُّل عليه فإن وجد دليل يدل على أن المتقدم خبر جاز كقولك : أبو يوسف أبو حنيفة، فيجوز تقديم الخبر. بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ..... بنوهن أبناء الرجال الأباعد
فقوله بنونا خبر مقدم وبنو أبنائنا مبتدأ مؤخر لأن المراد الحكم على بني أبنائهم بأنهم كبنيهم وليس المراد الحكم على بنيهم بأنهم كبني أبنائهم .
ـ والثاني: أن يكون الخبر فعلا رافعا لضمير المبتدأ مستترا، نحو : زيد قام، فقام وفاعله المقدر خبر عن زيد ولا يجوز التقديم فلا يقال : قام زيد، على أن يكون زيد مبتدأ مؤخراً والفعل خبرًا مقدماً بل يكون زيد فاعلاً لقام فلا يكون من باب المبتدأ والخبر بل من باب الفعل والفاعل فلو كان الفعل رافعا لظاهر نحو زيد قام أبوه، جاز التقديم فتقول : قام أبوه زيد، وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك، وكذلك يجوز التقديم إذا رفع الفعل ضميرا بارزا : نحو الزيدان قاما فيجوز أن تقدم الخبر فتقول : قاما الزيدان ويكون الزيدان مبتدأ مؤخرا وقاما خبرا مقدما ومنع ذلك قوم وإذا عرفت هذا فقول المصنف (كذا إذا ما الفعل كان الخبرا) يقتضي وجوب تأخير الخبر الفعلي مطلقا وليس كذلك بل إنما يجب تأخيره إذا رفع ضميرا للمبتدأ مستترا كما تقدم.
ـ الثالث أن يكون الخبر محصورا بإنما نحو (إنما زيد قائم) أو بإلا نحو (ما زيد إلا قائم) وهو المراد بقوله أو قصد استعماله منحصرًا فلا يجوز تقديم قائم على زيد في المثالين. وقد جاء التقديم مع إلا شذوذا كقول الشاعر:
فيارب هل إلا بك النصر يرتجى ..... عليهم وهل إلا عليك المعول
الأصل: وهل المعول إلا عليك . فقدم الخبر .
ـ الرابع : أن يكون خبرا لمبتدإ قد دخلت عليه لام الابتداء نحو (لزيد قائم) وهو المشار إليه بقوله (أو كان مسندا لذي لام ابتدا) فلا يجوز تقديم الخبر على اللام، فلا تقول (قائم لزيد) لأن لام الابتداء لها صدر الكلام. وقد جاء التقديم شذوذا كقول الشاعر:
خالي لأنت ومن جرير خاله ..... ينل العلاء ويكرم الأخوالا
فلأنت مبتدأ مؤخر وخالي خبر مقدم
ـ الخامس: أن يكون المبتدأ له صدر الكلام كأسماء الاستفهام نحو (من لي منجدا) فمن مبتدأ ولي خبر ومنجدا حال ، ولا يجوز تقديم الخبر على من فلا تقول لي من منجدا.
والله أعلم ...