فى ليلة القدر
فى ليلة القدر
د. عبد الفتاح محمود إدريس
فضل الله تعالى ليلة القدر على غيرها, إذ قال جل شأنه: «ليلة القدر خير من ألف شهر», فالعمل فيه خير من العمل فى ألف شهر ليس فيها ليلة القدر, وقال على وعروة: «ذكر النبى أربعة من بنى إسرائيل. فقال: عبدوا الله ثمانين سنة, ولم يعصوه طرفة عين, فذكر أيوب وزكريا وحزقيل ويوشع بن نون, فعجب أصحابه من ذلك, فأتاه جبريل فقال: يا محمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة, لم يعصوا الله طرفة عين, فقد أنزل الله عليك خيرا من ذلك, ثم قرأ سورة القدر, فسر بذلك رسول الله», وروى عنه أنه قال عن شهر رمضان: «فيه ليلة خير من ألف شهر, من حرم خيرها فقد حرم», وروى عنه أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا, غفر له ما تقدم من ذنبه», وفى هذه الليلة تنزل الملائكة من كل سماء, ومن سدرة المنتهى إلى الأرض, فيؤمنون على دعاء الناس إلى مطلع الفجر, أو أنه يكثر تنزلهم فى هذه الليلة لكثرة بركتها, شأنهم عند تنزل البركة والرحمة, وقد روى عن رسول الله أنه قال: «إذا كان ليلة القدر نزل جبريل فى كبكبة من الملائكة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله تعالى», ومن فضائل هذه الليلة أنها ليلة سلام, أى أنها ليلة سالمة, لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا ولا أذى, وقد جاء فى الحديث: «إن الشيطان لا يخرج فى هذه الليلة حتى يضيء فجرها, ولا يستطيع أن يصيب فيها أحدا بخبل ولا شيء من الفساد, ولا ينفذ فيها سحر ساحر». وقد اختلف العلماء فى تعيينها, والصحيح أنها فى العشر الأواخر من رمضان, على خلاف بين العلماء فى تعيينها من هذه العشر, وقد روى أن رسول الله قال: «التمسوها فى العشر الأواخر من رمضان, فى تاسعة تبقى, فى سابعة تبقى, فى خامسة تبقى», ومن الخير للمسلمين ألا يعلموا وقتها من شهر رمضان, حتى يجتهدوا فى العبادة فيه بغية إصابتها, بخلاف ما إذا علموا عينها, فإن هممهم تتقاصر على قيامها دون سائر ليالى الشهر أو العام, فتقل عبادتهم فى غيرها, وهذا يتنافى مع ما قصد إليه الشارع, وقد روى عن النبى أمارات هذه الليلة, وأنها تبدو لناظرها صافية مضيئة, كأن فيها قمرا ساطعا, وأن الطقس فيها معتدل, وأن الشمس تطلع فى صبيحتها لا شعاع لها, كالقمر ليلة البدر, فقد قال رسول الله فى ليلة القدر: «ليلة سمحة طلقة, لا حارة ولا باردة, وتصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء», وروى عنه أنه قال فيها: «إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة, كأن فيها قمرا ساطعا, ساكنة ساجية, لا برد فيها ولا حر, ولا يحل لكوكب يرمى به حتى يصبح, وإن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية, ليس لها شعاع, مثل القمر ليلة البدر», وإذا كان الدعاء مستحبا فى كل الأوقات, إلا أن الإكثار منه فى شهر رمضان وخاصة فى العشر الأواخر منه وفى أوتاره مستحب, ومن الدعاء الذى يستحب الإكثار منه «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى», لما روى عن عائشة قالت: «يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر فما أدعو ؟, قال: قولى: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى».
د. عبد الفتاح محمود إدريس