لصوص الأحلام
لصوص الأحــــــلام
×××××
العياشي كيمية
ربما نسمع عن سراق المال وأغراض الناس، فنقول فلان سرق مالا، وفلان سرق بيضة، وأخر سرق ثورا. وننسى السراق الحقيقيين، الذين يسرقون أحلامنا، بل وحياتنا . السراق الحقيقيون هم أولئك الذين تقلدوا المسؤوليات برغبة منا، وبقناعتنا، ولما احكموا قبضتهم على الكرسي ، تفرغوا لتحقيق أحلامهم فقط ، فبنوا مشاريعهم ، ورفعوا أرصدتهم في البنوك ، وأصبحوا من أثرياء القوم وعليتهم،وغيروا حتى أماكن إقامتم. كانوا إلى العهد القريب يمشون في أسواقنا ، ويرتادون مقاهينا ، ويشاركوننا أفراحنا وأحزاننا ، فتحولوا بين عشية وضحاها إلى أناس يتحاشون النظر إلى وجوهنا ،أو سماع أصواتنا ،بل تركونا لمصيرنا ، وأصبحنا في نظرهم سذجا وهمجا ، ومطية تركب كلما حلموا بمزيد من الجاه والسلطة والجبروت. هؤلاء ، كانوا يسكنون مساكن طينية .يشاركون فيها الحمير والبقر والغنم والكلاب ... ، ولا يملكون حتى دراجة هوائية ، وفي صباهم ، كانت أعناقهم حمراء اللون من أثر قرس (البرغوت) ، وجلودهم كلها قروح بسبب مرض (الحيكا)، أما القمل فقد استوطن أجسادهم ، ولم يرحل عنها إلا بعد أن تمت الإستعانة بسلاح ( كادوم )و (جافيل ). أما اليوم ، فقد أصبحوا يسكنون الفيلات ، ويركبون الكاتكات ،ويؤسسون الشركات ، وأصبحنا لديهم شيئا من الماضي ، الذي يذكرهم بالتعاسة والشقاء ،رغم أننا كنا السبب في رقيهم الإجتماعي . أوهمونا أنهم سينتشلوننا من مستنقع الفقر والتهميش .سيبنون المدارس كي يتعلم أبناؤنا ، ويشيدون المستشفيات لنعالج مرضانا وننقذ أرواح أبنائنا من لدغات الأفاعي والعقارب و حياة نسائنا الحوامل من الموت ،ويبنون الطرقات والجسور كي نتمكن من قضاء حوائجنا بسهولة ويسر ، وسيمدون دواويرنا بالكهرباء والماء الشروب ، حتى يتسنى لأبنائنا التفرغ لدراستهم ويستريحوا من معاناة البحث عن الماء لمسافات طويلة،وسيحققون التنمية بجماعاتنا ، فيوفرون فرص الشغل لأهلها كي يتحقق حلهم في عيش يحفظ إنسانيتهم. هؤلاء ياسادة هم من جعلناهم أعضاء بمجالسنا الجماعية ،ورؤساء لجماعاتنا ، ومستشارين ببرلماننا ، ووزراء بحكومتا .ثقنا في وعودهم وخدعنا بفصاحة كلامهم ،لأننا اعتقدنا أنهم ملح ترابنا ،وأنهم لن ينسواالأرض التي احتضنتهم ، ولا اليد التي انتشلتهم من الضياع. هؤلاء هم من سرقوا أحلام طفل بدوار عين ليهودي بجماعة الوردزاغ ،أو طفلة بدوار المقوقين بجماعة مولاي بوشتى، أوبدوار القلايع بغفساي ،سرقوا حقهم في التمدرس ، في أن يكونوا رجالا أونساء كرماء كباقي أبناء المغرب النافع ،وسرقوا حقهم في أن يعيشوا طفولتهم ، وجعلوهم كبارا قبل الأوان ،فأصبحوا رعاة غنم وخماسة وحراسا في أباوب جلاديهم ، أو عمالا في مزارع وشركات سراق الوطن. هؤلاء ،أيضا ، هم من وأدوا أحلام امرأة في أن تكون أسرة ، فماتت في طريقها إلى المستشفى بفاس ،ووأدوا أحلام ساكنة في أن يكون لها حقها في التعليم والتطبيب والشغل والعيش الكريم ...إلخ. ومايحز في نفسي ، ويحدث لي دوارا في رأسي ، وأعجز عن تفسيره ، هو انخداعنا مرة تلو المرة لأكاذيبم ووعودهم ،رغم أننا نشكوا كل يوم مرارة انعدام مياه الشرب ، وعدم توفر خدمات صحية ، ورداءة في المسالك والطرقات ،أما الشغل فقد أصبح من باب المستحيلات. سراق الأحلام هؤلاء ، سيأتون هذه الأيام إلينا (طالبين راغبين) ودنا ، وسيقيمون لنا الولائم ، وسيأخذونا في الأحضان ، وسيظهرون السخاء والكرم الحاتمي ، وقد يبكون لحالنا البئيس ، وهم يعلمون أنهم سبب مآسينا وويلاتنا ومعاناتنا اليومية . سيأتون إلينا ، وقد تأبطوا محافظهم الملأى ب(الزرقة) 200 درهم ، فيشترون بالأموال، التي سرقوها من جيوبنا ،كرامتنا ،وسيلقنونا عبارات وشعارات لنرددها كالببغاوات "طارطور يدي فديك تاونات كتبغيك "و "وتاونات يا أبية طارطور اعزيز اعلي "و"بلا سكر بلا طحين طارطور هو الأمين "، وسيشحنوننا كالخراف في سيارات 207 فيتنقلون بنا بين جبال وسهول وهضاب إقليم تاونات ليشهدوننا على واقعنا المأزوم ،وفي جهل وغباء منا سنتوجهم مرة أخرى ناطقين باسمنا ، وننصبهم أمناء على مصير ومستقبل أبنائنا ، وهم للأسف من سرقوا أحلامنا. دمتم ودام الوطن في أمان الله