عبد الله بن المبارك
عبد الله بن المبارك
النسب والقبيلة
عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي مولاهم التركي ثم المروزي الحافظ. فريد الزمان وشيخ الإسلام. كانت أمه خوارزمية ولد سنة 118هـ وتوفي سنة 181هـ وقيل 182هـ.
وعن زواج أبيه بأمه تقول الروايات أن أباه كان يعمل لدى قاض اسمه نوح بن مريم وكان رئيسا أيضا وكانت له بنت ذات جمال خطبها جماعة من الأعيان والأكابر، فذهب يوما إلى البستان فطلب من غلامه شيئا من العنب فأتى بعنب حامض فقال له: هات عنبا حلوا فأتى بحامض فقال القاضي: ويحك ما تعرف الحلو من الحامض. فقال: بلى ولكنك أمرتني بحفظها وما أمرتني بالأكل منها ومن لا يأكل لا يعرف فتعجب القاضي من كلامه وقال: حفظ الله عليك أمانتك. وزوج منه ابنته فولدت عبد الله بن المبارك المشهور بالعلم والورع وكان يحج سنة ويغزو في سنة أخرى
وأكثر الترحال والتطواف إلى الغاية في طلب العلم والجهاد والحج والتجارة.
نشأة عبد الله بن المبارك
لقد نشأ عبد الله يبن المبارك في بيت تقوى وورع فأبوه الذي كان يعمل في بستان لا يعرف حلو الفاكهة من حامضها وتزوج بامرأة ذات دين وخلق وهي ابنة صاحب البستان فكان أثر ذلك عبد الله ابن المبارك الذي كان يحج عاماً ويغزو عاماً الذي اشتهر بالزهد والورع والتقوى.
وكانت نشأته أيضاً بمرو هذا البلد الذي اشتهر عنه العلم، فتربى عبد الله ابن المبارك على يد أبويه التقوى والورع وأخذ العلم عن علماء بلدته كما أنه لم يكتف بذلك بل رحل في طلب العلم فكان له في ذلك شأن كبير.
جهاده
يقول عبدة بن سليمان المروزي: كنا في سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم. فصادفنا العدو ولما التقى الجمعان خرج رجل للمبارزة فبرز إليه رجل فقتله ثم آخر فقتله ثم آخر فقتله ثم دعا إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة ثم طعنه فقتله فازدحم الناس فزاحمت فإذا هو ملثم وجهه فأخذت بطرف ثوبه فمدته فإذا هو عبد الله بن المبارك فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا.
وعن عبد الله بن سنان قال: كنت مع ابن المبارك والمعتمر بن سليمان بطرسوس فصاح الناس النفير فخرج ابن المبارك والناس فلما اصطف المسلمون والعدو خرج رومي وطلب البراز فخرج إليه رجل فشد العلج على المسلم فقتله حتى قتل ستة من المسلمين وجعل يتبختر بين الصفين يطلب المبارزة ولا يخرج إليه أحد. قال: فالتفت إلي ابن المبارك وقال: يا فلان إن حدث بن الموت فافعل كذا وكذا. وحرك دابته وبرز للعلج فعالج معه ساعة فقتل العلج وطلب المبارزة فبرز إليه علج آخر فقتله حتى قتل ستة علوج وطلب البراز. قال: فكأنهم كاعوا عنه فضرب دابته وطرد بين الصفين وغاب. فلم نشعر بشيء إذ أنا بابن المبارك في الموضع الذي كان. فقال لي: يا أبا عبد الله لأن حدثت بهذا أحدا وأنا حي وذكر كلمة.
أخلاقه
حكي عنه رحمه الله عليه أنه قال: خرجت للغزو مرة فلما تراءت الفئتان خرج من صف الترك فارس يدعو إلى البراز فخرجت إليه فإذا قد دخل وقت الصلاة قلت له: تنح عني حتى أصلي ثم أفرغ لك فتنحى فصليت ركعتين وذهبت إليه فقال لي: تنح عني حتى أصلي أنا أيضا فتنحيت عنه فجعل يصلي إلى الشمس فلما خر ساجدا هممت أن اغدر به فإذا قائلا يقول:"وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا" فتركت الغدر فلما فرغ من صلاته قال لي لما تحركت؟ قلت: أردت الغدر بك قال: فلم تركته؟ قلت لأني أمرت بتركه. قال الذي أمرك بترك الغدر أمرني بالإيمان وآمن والتحق بصف المسلمين. فقد دعته أخلاقه ألا يغدر بأعدائه فكانت بركة أخلاقه أن انضم عدوه إلى الإسلام بعد أن كان من المحاربين له.
قالوا عنه
قال عنه ابن حنبل: لم يكن في زمانه مثله ولا أطلب منه للعلم.
وقال العباس بن مصعب: جمع ابن المبارك والحديث والفقه والعربية وأيام الناس والشجاعة والسخاء ومحبة الفرق له. وكان غنياً رأس ماله نحوٌ من أربعمائة ألف درهم وكان من فحول الشعراء ولما بلغ الرشيد موته قال: مات سيد العلماء.
قال إسماعيل بن عياش ما على وجه الأرض مثله وما أعلم خصلة من الخير إلا وقد جعلها الله في ابن المبارك ولقد حدثنى أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة فكان يطعمهم الخبيص وهو الدهر صائم وقدم مرة الرقة وبها هارون الرشيد فلما دخلها احتفل الناس به وازدحم الناس حوله فأشرفت أم ولد للرشيد من قصر هناك فقالت ما للناس فقيل لها قدم رجل من علماء خراسان يقال له عبد الله بن المبارك فانجفل الناس إليه فقالت المرأة هذا هو الملك لا ملك هارون الرشيد.[1]
من كلماته
قال ابن المبارك: رب عمل صغير تكبره النية ورب عمل كبير تصغره النية.
وقال حبيب الجلاب: سألت ابن المبارك: ما خير ما أعطي الإنسان؟
قال: غريزة عقل
قلت: فإن لم يكن قال: حسن أدب
قلت: فإن لم يكن قال: أخ شفيق يستشيره
قلت: فإن لم يكن قال: صمت طويل
قلت: فإن لم يكن قال: موت عاجل
قال عبد الله: إذا غلبت محاسن الرجال على مساوئه لم تذكر المساوئ وإذا غلبت المساوئ على المحاسن لم تذكر المحاسن.
وقال في رسالة بعث بها إلى الفضيل بن عياض:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا *** لعلمت أنك بالعبادة تلعب
من كان يخطب خده بدموعه *** فنحورنا بدمائنا تتخضب
وغبار خيل الله في أنف امرئ *** ودخان نار جهنم لا يذهب
هذا كتاب الله يحكم بيننا *** ليس الشهيد كغيره لا يكذب
وفاته
قال أبو عمر بن عبد البر: أجمع العلماء على قبوله وجلالته وإمامته وعدله.
توفي عبد الله بن المبارك سنة 181هـ عن ثلاث وستين سنة.[2]
[1] ابن كثير: البداية والنهاية 10/178.
[2] ابن كثير: البداية والنهاية 10/179.
_________________