النحو العربي
النحو العربي:هو أسسٌ وقواعدُ يُعْرف بها أحوالُ أواخرِ الكلماتِ العربيةِ التي حصلت بتركيب بعضها مع بعضٍ من إعرابٍ وبناء وتقديمٍ وتأخيرٍ وحذفٍ وأساليب ينتظم فيها الكلامُ العربي.
هذا العلمُ وُضِعَ بسبب بواعثَ مختلفةٍ أهمها الباعث الديني،وذلك من الحرص الشديد للمسلمين
على أداءِ نصوص الذكر الحكيم أداءً فصيحاً سليماً إلى أبعد حدود السلامة والفصاحة؛لاسيّما بعد أنْ
أخذ اللحنُ يشيعُ على الألسنة بسبب الفتوحات الإسلامية الكثيرة التي فتحت المجال للتلاقح
الحضاري بين الحضارة الإسلامية والفارسية واليونانية والهندية، ودخول الكثير من غير العرب في دين الإسلام وحاجتهم إلى تعلّم لغة القرآن وغيرها من الأمور....
كلُّ ذلك وغيره جعل العلماءَ الأوائل يتحرّكون لوضع أنظمةٍ وقواعدَ للغة العربية ،
ولكن مَن أوّلُ مَن وضع علم النّحو ؟وكيف كان صنيعه؟
حقيقةً لم يُعرف للنحو واضعٌ محدّد وإنّما هناك مَن نُسِبت إليهم الخطوات الأولى في وضع هذا العلم،
كما في قول السيرافي : ( اختلف الناسُ في أوّل مَن رسم النّحو فقال قائلون:أبو الأسود الدؤلي وقيل هو نصر بن عاصم وقيل عبد الرحمن بن هرمز،وأكثر الأقوال على أنّه أبو الأسود الدّؤلي)/
وهناك مَن يرفع الأمرَ إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنّه ألقى لأبي الأسود الدؤلي صحيفةً فيها أقسام الكلام وأنواع الضمائر وقال له فانحُ مثلَ هذا النّحو؟؟
وحقيقةً هذه روايةٌ ضعيفةٌ ضعّفها كثيرٌ من العلماء،وحتّى قصّة أبي الأسود الدؤلي وكيف أنّه سمع ابنته تقول:ما أحسنُ السّماء وهي تريد التعجّب ،فقال لها قولي :ما أحسنَ السّماءَ)وبسببها رسم النّحو)هذه أيضاً شكّك بها العلماء وقالوا هذا عبثٌ الرواة والوضّاعين ،
إذاً لماذا توجّهت الأنظار إلى أبي الأسود دون غيرهِ؟؟ لقد توجّهت الأنظار والأقوال إلى أبي الأسود لأنّه وبأمرٍ مِن (زياد بن أبيه وقيل ابنه عبد الله بن زياد)وضع أوّلَ نقطٍ يحرّرُ أواخر الكلمات في القرآن الكريم،فقد اتّخذ كاتباً فَطِناً حاذقاً من بني عبد القيس ،وقال له:إذا رأيتني قد فتحتُ شفتي بالحرف فانقط نقطة فوق الحرف،وإنْ ضممتُ شفتي فانقط بين الحرف(وسط)وإنْ كسرتُ فانقط تحت الحرف ،فإن اتبعتُ شيئاً غنّةً(تنويناً)فاجعل مكان النقطة نقطتين،،وابتدأ أبو الأسود والكاتب ينقط معه)نعني بنقط الإعراب أي نقط يبين الحركة فيُقرأ فتحة إذا كانت في الأعلى،وضمّةً إذا كانت بين الحرف،وكسرة إذا كانت أسفل الحرف،،وبقيت نقط تشير للحركات وبألوان مغاير لخط المصحف إلى أنْ جاء بعد زمنٍ العالم الفذّ ((الخليل بن أحمد الفراهيدي)) فأبدل النقاط برسم مبدع وهي الحركات التي نقرأُ بها إلى يومنا هذا وكما يأتي((غيّر النقطة في الأعلى فتحة لِأنّ الفم يُفتح معها،وغيّر النقطة بين الحرف إلى ضمّة لِأنّ الفم يُضمّ بنطقها ،وغيّر النقطة في أسفل الحرف إلى كسرة ،وجعل النقطتين تنوين فتحٍ وضمٍّ وكسرٍ أيضاً وفقا للنطق بها)))
وبذلك أصبحت الحركات الإعرابية كما نقرأُ بها اليوم والفضل لعلمائنا (أبو الأسودِ أولاً والخليلُ ثانياً )
هذا كلُّ ما فعله أبو الأسود الدّؤلي والتزم به تلاميذه،فهو لم يضع النّحو وإنّما وضع نقط إعراب القرآن الكريم فالتبس ذلك على الرواة هذا.
ونريد أنْ نبيّنَ نقطاً آخر قام به تلاميذُ أبي الأسود وهم ((نصر بن عاصم وعبد الرحمن بن هرمز ويحيى بن يعمر)) هؤلاء الأفاضل أضافوا عملاً جليلاً آخر وهو ((نقط الإعجام)والمقصود به ((نقط الحروف المتشابهة في القرآن الكريم لِإزالة الإشكال منها على حديثي الإسلام من غير العرب ، فقد وضعوا نقطة للضاد تمييزاً لها عن الصّاد ،وكذلك مع الظاء والشين والذال والزاي...))
واستمرت الجهود إلى أنْ ظهر أوّل نحويٌّ بصريُّ هو((عبد الله بن اسحق الحضرمي )من أئمة قرّاء البصرة الذي كان يُعلّم مريديه وتلاميذه اللمسات الأولى لعلم النحو فقد قال فيه ابن سلام : (كان أوّل من بعج النّحو ومدّ القياس وشرح العلل)
طبقات فحول الشعراء14 - وكذلك قول الكثير مِن العلماء في جهده النحويّ.
وتبع الحضرمي تلاميذه وفي مقدّمتهم((عمرو بن العلاء و عيسى بن عمر و يونس بن حبيب)) وغيرهم مثل الأخفش الكبير شيخ يونس بن حبيب وسيبويه جميعاً ،وكذلك لا ننسى فضل الخليل بن أحمد الفراهيدي في نشأة النحو ووضع القواعد الأولى واستمرت الجهود في البصرة بين هذا الجليل المبارك من العلماء وأُلّفت فيه كتب منها الإنصاف والإكمال لـ(عيسى بن عمر الثقفي)، وكان خلاصة علم هذا الجيل الفريد من القرّاء والنحاة في الجهد النحويّ ما ألّفه سيبويه من كتاب وصِفَ بقرآن النّحو لما احتواه من مادّةٍ علميّةٍ رائعة للآن تنهل منها كل الجهود النحوية،وقد ألّفَ هذا الكتابَ بعد وفاة أستاذه الخليل بن أحمد الفراهيدي ،خشيةً منه على فقدان العلم الذي تعلّمه ونهلهُ من علمائه الأوائل ومن عجلتهِ أنّه لم يضع له اسماً ولا مقدمةً لأنّ الموت سبقه وكأنّه أحسّ بذلك لا سيّما بعد موت الخليل الفراهيدي ،،مما أدى إلى عدم تسمية كتابه حتّى وضعوا له اسم هو((الكتاب))وكما قلتُ وصف بقرآن النحو مجازاً ...
ومِن هذا نخلص أنّه لا يوجد لعلم النّحو واضع معيّن وإنّما هي جهود متواصلة أثمرت في البصرة علماء حملوا لواء العربية وأسّسوا لها بطريقة قائمةٍ على ما عُرفتْ به مدرسة البصرة من معرفة بعلوم الفلسفة والمنطق فجاء النحو العربي بقواعد وتعليلات وتصنيفات وتبويبات لمسائله مبدعة كلّ الإبداع كلّلها كتاب سيبويه ((الكتاب))الذي تضمّن كل قواعد اللغة والصّرف فلم يكن يُفْصلُ بينهما ،فضلاً عن الدراسات الصوتية فيه.
ثمّ تبعتها بذلك المدرسة الكوفية مع الاختلاف في المنهج وغيرها من المدارس