من جمال الصرف
من جمال الصرف
قال تعالى :((حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ ))
لكلمة (ازينت)وقع خاص ومعنى سام من الناحية الصرفية وما حدث فيها من تغيير يوضح أن لها من اسمها نصيبا في المعنى
يريد القرآن أن يعطي دلالة خاصة عن وضع الأرض وتفوق أهلها ووصولهم درجة عظمى فيما يتصل بالتحضر والتطور ، وأنها دخلت أطوارا وتحوّلت أحوالا ، فراح يستخدم لفظة تغيرت عددا من المرات في سبيل أن تصل إلى وضعها النهائي ، فكأنها في كل تغيير صرفي تلبس ثوبا تَزَّيَّنُ به ، وتبدي فيه جمالها ، وتعرض فيه زينتها ثوبا بعد ثوب
فانظر إلى التغيير الحاصل في هذه الكلمة والذي يبرز عظمة اللفظ وحلاوة النظم واتساق الحرف مع السياق
ازَّيَّنتْ أصله تَزَيَّنَتْ(تفعلت) سكنت تاء الفعل فصارت تْزَيَّنَتْ(وتأمل قيمة السكون الذي يعقبه حركة ورشاقة الغمض يتلوه ابتصار) فهذا ثوب أول
واللغة لا تبدأ بساكن ، فتجلبُ ألفا ترتكز عليها للنطق بالساكن بعدها فتصير اتْزَيَّنَتْ (وهذا ثوب ثان)
ثم يجتمع حرف مهموس ساكن وهو التاء مع حرف مجهور متحرك هو الزاي وهذا نشاز لا تقول فيه اللغة بالجواز ، فتتحول فيه الكلمة من زينة ترفل فيها إلى زينة أخرى تخطر فيها ، فتنقلب التاء الساكنة زايا أخرى فتتلاقى الزايان بِدَلِّهما وحركتهما واهتزازهما فتصير الكلمة ازْزَينت
ثم تلبس الكلمة ثوبا آخر بعطف طرف زينتها على طرفه الآخر وتدغم الزاي فتصير في شكلها البهيّ (ازّينت) قد تراكمت عليها الزينة وتكاثفت عليها الثياب القشيبة ، وتعانقت الحروف مع الشفوف ، والتقى اللفظ والمعنى لقاء وُد ودلال وحب وكمال