حزب الأصالة والمعاصرة : حزب وظيفي لا علاقة له بإدارة الشأن العام.
حزب الأصالة والمعاصرة : حزب وظيفي لا علاقة له بإدارة الشأن العام.
×××××
العياشي كيمية
ليس كل حزب يمارس السياسة ، ويشارك في الانتخابات ويتواجد في المؤسسات المنتخبة ، هو حزب سياسي ،إنما الذي يحدد الدور السياسي لهذا الحزب ويسحبه من ذاك ،هو مشروعه المجتمعي الذي يتبناه كخيار بديل للمشاريع المجتمعية القائمة ، وقاعدته الفكرية التي يستمد منها توجهه السياسي العام،وهو أيضا رصيده النضالي داخل المجتمع.
ومن هذا المنطلق ، أعتبر أن حزب الأصالة والمعاصرة لم يكن ولن يكون يوما حزبا سياسيا ،إنما هو حزب جيء به من طرف جهة ، تعرف بالدولة العميقة أو المخزن، أو إسما آخر تنضوي تحته فئة ضيقة من المجتمع ،تريد كبح التغيير والإصلاح وحركية المجتمع ، من أجل الحفاظ على مصالحها التي راكمتها من خلال استفرادها بالتسيير والحكم خلال فترة طويلة. وهو ما يمكن أن نسميه ب"الحزب الوظيفي " ، فما المقصود بهذا التوصيف لحزب الجرار..؟؟
بالنظر إلى حزب الأصالة والمعاصرة ،و أخذا بعين الاعتبار السياق السياسي المغربي العام ،وبالرجوع إلى ظروف نشأة الحزب ، ومعرفة طبيعة الملتحقين به ، وإلى نوعية الخطاب الذي يوظفه أمينه العام السيد إلياس العمري في لقاءاته مع المواطنين وأعضاء حزبه ، فإن ثمة حقيقة تتضح لكل متتبع للشأن السياسي المغربي .
1 – السياق السياسي المغربي العام:
من المعلوم أن المخزن أو الدولة العميقة ..لا يمكن أن تترك الحرية للمغاربة في ممارسة اختياراتهم السياسية بشكل حر وطبيعي ، كما هو الحال في الدول الديمقراطية العريقة .فهي تتوجس خيفة من التيارات السياسية التي تخرج من رحم المجتمع وتعبر عن تطلعاته وطموحاته الحقيقية ،لأنها ليست مستعدة لتقديم تنازلات ،وأي انفتاح على المجتمع قد يعصف بامتيازاتها .وحتى لا ينكشف أمرها في التعبير عن مواقفها،فهي توظف كل أذرعها الحزبية والاقتصادية والإعلامية من أجل فرملة تلك الرغبة المجتمعية في التغيير ، وتتحاشى أي صدام .لهذا السبب تلجأ إلى توظيف أحزاب للقيام بدور التوازنات السياسية ، خاصة عندما ترى تنظيما أو حزبا ما قد أصبح يشكل قوة مؤثرة تنافسها في الأدوار ،ويمكن أن تكون بديلا حقيقيا في المستقبل.
على ضوء هذا المعطى ، نجد أن الدولة العميقة تخلق بين الفينة والأخرى أحزابا لتقوم بهذا الدور بدلا عنها ، ومن هنا نفهم سبب تأسيس كل من حزب الأحرار والإتحاد الدستوري، وهو ما اصطلح على تسميتهما بحزبي الإدارة، ونفهم كذلك معني الحزب الوظيفي .
حزب الجرار أنشئ ليقوم بالهدف نفسه ،فإذا كان حزب الأحرار والإتحاد الدستوري جيئ بهما لكبح جماح حزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، والذي كان يمثل قوة صاعدة ومؤثرة ، فإن حز ب الجرار جيء به لفرملة تقدم حزب العدالة والتنمية ليس إلا....هذا باختصار شديد.
2 – ظروف نشأة الحزب .
لم يكن لزعماء الحزب ، وخاصة أمينه العام ، رصيدا نضاليا يمكن أن نعتبره تعبيرا عن إرادة فئة من المجتمع ، كانت ولمدة من الزمن تدافع ،من خلال منابر معينة أوتنظيمات أو احتجاجات...، عن رؤية سياسية معينة ،إنما هو حزب تفاجأ بمولده الجميع ، وأصبح في لمح من البصر يتصدر كبرى الأحزاب المغربية العريقة وذات الجذور التاريخية ،مما يخالف منطق التطور الطبيعي للأحزاب ، ولعل هذا ما دفع البعض لتسمية هذا الحزب بالحزب "اللقيط "، إشارة إلى كونه لم ينشأ نشأة طبيعية، كما هو معهود ومتعارف عليه في المجال السياسي.
3 – طبيعة الملتحقين بالحزب.
عندما تلقي نظرة في سجلات الملتحقين بحزب الجرار ، تجد أنهم فئات متعددة ، تراهم جميعا وأهدافهم شتى ، اللهم ذلك الهد ف البئيس ، وهو تنفيذ قرارات تملى عليهم من طرف الجهة التي تدعم وتمول وتشرعن تحركاتهم ، من أجل إجهاض الإرادة الشعبية في الإصلاح و التغيير التي يقودها اليوم حزب العدالة والتنمية وبعض الأحزاب اليسارية .
منخرطوا الحزب ،هم أصحاب رؤوس أموال خائفون على مصالح شركاتهم ، وإذا كان المال جبانا ،كما يقال ، فإنهم مجبرون على الانخراط في هذا الحزب ، خاصة بعد الترويج لقرب الحزب من مراكز النفوذ ببلدنا ،وهذه الفئة ، تاريخا، تصطف مع الجهة التي تؤمن مستقبلها وتحافظ على امتيازاته.
ومن هذا المنطلق ، فهي لا تحمل أي تصور مجتمعي ، ولا يهمها أمر الأيديولوجيات ، ولا يحركها منطق الصراعات، وإنما هي فئة مستعدة أن تضع بيضها في سلة أي حزب يؤمن مصالحها.
فئة أخرى ، وهي التي تتحمل مسؤولية الترويج للشعارات السياسية الزائفة ، وهي فئة تمثل مشارب فكرية عدة ، يحتل فيها اليسار القاعدي المتطرف اللبنة الصلبة ،ويعتبر السيد إلياس العمري أحد رموزها وعرابها الأبرز. تدرك هذه الفئة ، التي تنكرت لخطها الثوري وارتمت في أحضان المخزن ، حسب الكثيرين ، أن سبيلها الوحيد للوصول إلى السلطة ، هو التقرب من مركز القرار ،والتحالف مع كل قوى الفساد بالمغرب ، والتي ساءها أن ترى ملفات وازنة توضع أمام القضاء ليقول كلمة الفصل فيها ، وأن عهد "باك صاحبي" قد ولا وراح ، وأن منطقا جديدا في التعامل مع الأفراد والمؤسسات والهيئات قد بدأ. مما اضطرها إلى التكتل داخل حزب ،الذي جعل من أهم مرتكزاته المال ثم المال ، ولو كان من جيوب بارونات المخدرات ، والمتهربين من دافعي الضرائب.
والفئة الثالثة ، هي فئة الغوغاء والانتهازيين الصغار ، غرضهم من دعم حزب الجرار ، الاستفادة من بعض الامتيازات التي يتيحها تسيير الحزب لبعض المجالس الجماعية أو الجهوية ...أونظرا لوجوده في بعض المؤسسات ذات النفع المباشر أو غير المباشر ..، وممن أعرفهم من هذه الفئة أيضا ، أناس فشلوا في نيل ثقة مناضلين داخل أحزاب وطنية وديمقراطية ، فحطوا الرحل في هذا الحزب لاعتقادهم أنه الطريق إلى المجد والسلطة والترقي الاجتماعي .
إذن ، من خلال هذه التشكيلة الغير منسجمة للحزب ، يتبين أن الحزب يمكن أن ينهار في أية لحظة ، ولأبسط سبب.
4 - التنظيم الداخلي للحزب:
كلنا تابعنا كيف تم اختيار الأمين العام للحزب ، فلا وجود لانتخابات ولا تداول ..، وإنما هي قرارات فوقية من خارج الحزب تحدد من يتولى المسؤولية السياسية داخل التنظيم ، إذ كيف يعقل أن يترشح رجل واحد لمهمة الأمانة العامة ، لولا قرار بتكليف السيد إلياس العمري من هذه المهمة ؟ لأنه هو الذي سيكون الأمين الوفي لتنفيذ الإملاءات وتصريف الأجندات في الزمان والمكان المطلوبين ،ولا بأس أن نرى نوعا من الانتخابات في بعض الهيئات داخل الحزب ، لأن ذلك لا يعدوا أن يكون فلكلورا للتسويق السياسي . وكون تلك الهيئات لا وزن ولاتأثير لها في القرارات المصيرية التي ستوكل إلى الحزب لاتخاذها.
بناء على ما سبق ، يتأكد أن حزب الأصالة والمعاصرة ماهو إلا أداة سياسية وظفت من أجل خلق توازنات سياسية ، وسلاحا استراتيجيا لقوى التحكم بالمغرب ، لكبح أي إصلاح سياسي حقيقي ، ومن منطلف هذه القراءة، أعتقد أن على القوى الحية ببلدنا ، سواء كانت إسلامية أو يسارية ، أن تدع خلافاتها الأيديولوجية جانبا ، وتتكتل من أجل مواجه الأجندة التحكمية المتخلفة لهذا الحزب .
أوردزاغ :الأحد 10أبريل 2016.