زهد الفراهيدي
(( زهد الفراهيدي ))
كان الخليل بن أحمد الفراهيدي رحمه الله رجلاً صالحًا عاقلاً، وقورًا كاملاً، مفرط الذكاء، وأكثر ما كان من صفاته بعد سيادته في العلم وانقطاعه له ما كان من زهده وورعه؛ إذ كان متقللاً من الدنيا جدًّا، متقشفًا متعبدًا، صبورًا على خشونة العيش وضيقه، وكان يقول: "إني لأغلق عليَّ بابي فما يجاوزه همي".
وليس أدل على ذلك مما حكاه عنه تلميذه النضر بن شميل حيث قال: "أقام الخليل في خُصٍّ من أخصاص البصرة، لا يقدرُ على فَلْسَيْنِ، وأصحابه يكسبون بعلمه الأموال ،،،،،
فمن حكايات زهده أن سليمان بن عليٍّ والي البصرة وجَّه إليه يلتمس منه الشخوص إليه وتأديب أولاده نظير راتب يُجرِيه عليه، فأخرج الخليل إلى رسول سليمان خبزًا يابسًا، وقال: ما عندي غيره، وما دمت أجده فلا حاجة لي في سليمان. فقال الرسول: فماذا أبلغه عنك؟ فأنشأ يقول:
أبلغ سليمان أني عنـه في سعـةٍ *** وفي غِنًى غير أني لسـت ذا مـالِ
سخَّى بنفسيَ أني لا أرى أحـدًا *** يموت هزلاً ولا يبقي على حـالِ
والفقر في النفس لا في المال نعرفه *** ومثل ذاك الغنى في النفس لا المـالِ
فالرزق عن قَدَرٍ لا العجز ينقصـه *** ولا يزيـدك فيه حَـْولُ محتـال ،،
فقطع عنه سليمان الراتب، فقال الخليل:
إن الذي شقَّ فمي ضامن *** للـرزق حتى يتوفـاني
حرمتني خيرًا قليلاً فما *** زادك في مالك حرمـاني
فبلغت سليمان، فأقامته وأقعدته، وكتب إلى الخليل يعتذر إليه، وأضعف راتبه، فقال الخليل:
وزَلَّة يكثر الشيطان إن ذكرت *** منها التعـجب جاءت من سليمـانا
لا تعجبَنَّ لخيرٍ زلَّ عن يـده *** فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانا ،،