مدينة بنغازي

رغم أن واحات فزان تعد من الأماكن النائية، وكان المفروض أنها تبقى نقية السلالات والأجناس التي سكنتها، إلا أن الحقيقة أن تلك الواحات كانت منذ القدم نقطا هاما في الطرق التجارية التي تصل سواحل البحر المتوسط بالسافانا الإفريقية، وكانت في نفس الوقت تقع على الطرق الذي يربط وادي النيل بسواحل المحيط الأطلسي، ولذا فقد كانت فزان كما يقول "ديبوا"despois " ملتقى الشعوب والطرق، وقد نجم عن ذلك أن سكن فزان عدد كبير من القبائل التي ترجع في أصولها إلى سلالات مختلفة. ففي الجهات الشمالية تسكن القبائل التي ترجع لأصول عربية مثل أولاد سليمان، الذين يسكنون سواحل سرت وشمال فزان، ويمتدون إلى سبها، وهم يرجعون إلى العرب الأوائل من بني هلال وبني سليم. ومنهم قبائل المقارحة مضاربهم حتى وادي الشاطيء، ويسكن إلى جوار القبائل العربية قبائل أخرى ترجع إلى أصل بربري ليبي قديم، وهي القبائل التي ورد ذكرها في كتب المؤرخين المسلمين الأوائل، وقد تعربت بعض هذه القبائل مثل قبائل ورفلة، بينما ظل البعض الآخر محتفظا بلغته الليبية القديمة. وتنتمي كل من القبائل العربية والبربرية الشمالية إلى سلالة البحر المتوسط، ذات البشرة السمراء الفاتحة، والوجوه الطويلة المستطيلة، والأنوف المستقيمة، وهم من البدو الرحل. أما النواحي الجنوبية الشرقية من فزان فيسكنها التبو، وهم قبائل سودانية تتكلم إحدى اللغات الكوشية، وهي التدا. والتبو من القبائل الليبية القديمة، ولعلهم أحفاد التمحو الذين ورد ذكرهم في النصوص الفرعونية، ويسكن التبو المناطق الواقعة شرق جبل بن غنيمة حتى واحات الكفرة وهم من البدو الرحل. أما المنطقة الغربية من فزان فيسكنها القبائل الشهيرة باسم الطوارق، وهم أخلاط من السلالات البيضاء والسوداء، مزيج من بربر الشمال والزنوج اللذين عاشوا في جنوب فزان وامتزجوا هناك، ثم خرجوا في موجات بشرية متعاقبة في فترات متباعدة واستقروا بغرب فزان، وهم من البدو الرحل. ويكثر بوسط فزان، لا سيما في وادي الآجال، السكان المعروفون باسم الفزازنة، وهم قوم تظهر على وجوههم ملامح سلالات البحر المتوسط من الأنوف المستقيمة، والشعر الخشن، والوجه الطويل، إلا أنهم مع ذلك شديدو السمرة، لعل هؤلاء الفزازنة هم أحفاد الجرامنت القدماء، وهم من المزارعين المستقيين، وتعيش إلى جوار الفزازنة مجموعتان من ذوي الملامح الزنجية وهم المعروفون باسم الشواشنة، أي العبيد الموجودين في وادي الآجال ، إلا أنه إنصافا للحق نقول أنه ليس صحيحاً أن جميع السود الذين بفزان جاءوا في قوافل العبيد، فقد جاء الكثير منهم لا سيما أجداد تراغن مع الفاتحين الكانيين، الذين جاءوا من تشاد في القرن الثالث عشر الميلادي وفتحوا فزان. وإالى جوار السلالات السالفة الذكر، يوجد بعض السكان الذين يقطنون بعض الواحات الغابية ويعرفون باسم الدوادة، وهم قصار القامة ذو ملامح زنجية واضحة، ولعل هؤلاء القوم هم البقايا الذين ظلوا على مر الدهور من أبناء الذين سماهم الكتاب الكلاسيك بالترجلوداي، والذين يظن أنهم كانوا من ضمن شعوب الأقزام التي سكنت إفريقيا قديما .