في ذكر الاستمطار
[ في ذكر الاستمطار ]
.
عن رُقَيْقَة بنتِ أبي صَيْفي ، وكانت لِدَةَ عبد المطلب بن هاشم :
.
تتابَعتْ على قريش سِنُوُّ جَدْبٍ أقْحلَتِ الضَّرع ، وأرَقَّتِ العَظْم ،
.
فبينا أنا راقدةٌ ، اللهمَّ أو مُهَوِّمَةٌ ، ومعي صِنْوِي، إذا أنا بهاتفٍ
.
صَيِّتٍ ، يصرخُ بصوتٍ صَحْلٍ ،
.
يقول : يا معشرَ قريش : إنَّ هذا النبي المبعوثَ منكم ، قد أظَلَّتْكم
.
أيامُه ، وهذا إبَّانُ نُجُومِه ، فَحَيَّهَلا بالحَيَا والخِصْب ، ألا فانْظُروا
.
منكم رجلاً وَسِيطاً عُظاماً جُساماً ، أبيضَ بَضَّاً أوْطَفَ الأهداب ،
.
سهلَ الخَدَّين ، أشَمَّ العِرنين ، له فخرٌ يَكْظُمُ عليه ، وسُنَّةٌ تَهْدي إليه ،
.
ألا فَلْيَخْلُصْ هو ووَلَدُه ، ولْيَدْلُفْ إليه مِن كلِّ بَطْنٍ رَجُل ،
.
ألا فَلْيَشُنُّوا عليهم مِن الماء ، ولْيَمَسُّوا مِن الطِّيب ، ولْيَطًُوفوا
.
بالبيتِ سَبعاً ، ألا وفيهمُ الطَّيِّبُ الطاهر لداته ، ألا فَلْيَسْتَسْقِ الرجلُ ،
.
ولْيُؤَمِّنِ القوم ، ألا فغِثْتُم إذن ما شِئْتُم وعِشْتُم .
.
قالت : فأصبحْتُ عَلِمَ اللهُ مَذْعورةً ، قد قَفَّ جِلْدي، ودَلِهَ عقلي ،
.
فقَصَصْتُ رُؤْيايَ فذهبَتْ في شِعابِ مكة ، فَوَالْحُرْمةِ والحَرَمِ إنْ
.
بَقِيَ أبْطَحِيٌّ إلا قال : هذا شَيبةُ الحَمْد ، فتَنَامَتْ إليه رِجالاتُ
.
قريش ، وانْقَضَّ إليه الناسُ مِن كلِّ بَطْنٍ رَجل ، فشَنَّوا ومَسَّوا
.
واسْتَلَموا وطَوَّفوا ، ثم ارْتَقوا أبا قُبَيس ، وطَفِقَ القوم يَدِفُّونَ حَولَهُ ،
.
ما إنْ يُدْرِك سَعْيُهم مَهَلَهُ ، حتى قَرُّوا بِذِرْوةِ الجبل ، واسْتَكَفُّوا
.
جنابَيْه ، فقامَ عبدُ المطلب فاعْتَضَدَ ابْنَ ابْنِه مُحَمَّداً ، فرَفَعَه على
.
عاتِقِه ، وهو يومَئِذٍ غلامٌ قد أيْفَعَ أو كَربَ ،
.
ثم قال : لاهُمَّ : سادَّ الخَلَّة ، وكاشفَ الكَرْبَة ، أنتَ عالمٌ غيرُ
.
مُعَلَّمٍ ، مَسْؤولٌ غيرُ مُبَخَّل ، وهذه عَبْداؤُكَ وإماؤُك ، بِعَذِراتِ
.
حَرَمِك ، يَشْكونَ إليكَ سَنَتَهُمُ التي أذْهبَتِ الخُفَّ والظِّلْف ، فاسْمَعَنَّ
.
اللهُمَّ ، وأمْطِرَنَّ علينا غَيْثَاً مُغْدِقاً مَريعاً ، فَوَالكَعبةِ ما رَامُوا حتى
.
انْفَجَرَتِ السماءُ بمائِها ، واكْتَظَّ الوادي بِثَجِيْجِه ، فسَمِعْتُ شِيْخَانَ
.
قريشٍ وجِلَّتَها عبد الله بن جُدعان وحرب بن أُمَيَّة وهشام بن المُغيرة
.
يقولون لعبدِ المُطلب : هنيئاً لكَ أبا البَطْحاء .
.
وفي ذلك أقول :
.
بِشَيبةَ الحَمْدِ أسْقَى اللهُ بَلْدَتَنا ... وقد فَقَدْنا الحَيَا واجْلَوَّذَ المطرُ
.
فجاءَ بالماءِ وَسْمِيٌّ له سُبُلٌ ... ثَجَّاً فعاشَتْ به الأنعامُ والشجرُ
.
ربيع الأبرار للزمخشري (ت538هـ) ج1 ص109
اللدة : الترب المساوي لك في العمر
الضرع للشاء والبقر كالثدي للمساء
مهومة : نائمة نوماً خفيفاً
صنوي : شقيقي
صيّت : شديد الصوت
الصوت الصحل : الذي فيه بحة
الحيا : المطر
الأوطف : كثير شعر الحاجبين والعينين
العرنين : الأنف
يكظم عليه : يمسك به
يدلف إليه : يقبل عليه
شنَّ الماء : صبه
قف الجلد : يبس
دَلِه العقل : وَلِه
شيبة الحمد : عبد المطلب
يدفون حوله : يسرعون
جنابيه : حواليه
أيفع أو كرب : شارف الاحتلام أو قارب
الخلَّة : الحاجة
عذرات الحرم : أفنيتها
السنة : الأرض المجدبة
مريع : مخصب
الثجيج : السيل
شيخان : جمع شيخ
اجْلوَّذ المطر : دام مع السرعة
الوسمي : مطر الربيع الأول .