الحق أنطقها والباطل أخرسه
الحق أنطقها والباطل أخرسه :
(كان الخليفة العباسي "المأمون" يجلس للمظالم في يوم الأحد، فنهض ذات يومٍ من مجلسه فتلقته امرأةٌ في ثيابٍ رثة، فقالت:
يا خير منتصفٍ يهدي له الرشد .. ويا إماماً به قد أشرق البلد
تشكو إليك عميد الملك أرملةٌ .. عدا عليها فما تقوى به أسد
فابتز منها ضياعاً بعد منعتها .. لما تفرق عنها الأهل والولد
فأطرق المأمون يسيراً ثم رفع رأسه وقال:
من دون ما قلت عيل الصبر والجلد .. وأقرح القلب هذا الحزن والكمد
هذا أوان صلاة الظهر فانصرفي .. وأحضري الخصم في اليوم الذي أعد
المجلس السبت إن يقض الجلوس لنا .. أنصفك منه وإلا المجلس الأحد
فانصرفت، وحضرت في يوم الأحد أول الناس؛ فقال لها المأمون: من خصمك؟ فقالت: القائم على رأسك العباس بن أمير المؤمنين؛ فقال المأمون لقاضيه يحيى بن أكثم، وقيل بل قال لوزيره أحمد بن أبي خالد: أجلسها معه وانظر بينهما؛ فأجلسها معه ونظر بينهما بحضرة المأمون، فجعل كلامها يعلو، فزجرها بعض حجابه؛ فقال المأمون: دعها فإن الحق أنطقها والباطل أخرسه.
وأمر برد ضياعها إليها..!).
"نهاية الأرب في فنون الأدب- للنويري"