من أنواع البَلاغةِ في صِناعةِ الشعر
( من أنواع البَلاغةِ في صِناعةِ الشعر )
أنواعُ البلاغةِ في صناعةِ الشعرِ سَمّاها المُحدَثونَ
صَنعَة البَديع ، والشُعراءُ يَتفاضلونَ في سِياقها والاقتدارِ
عليها ، وهي في أشعارِ العربِ مَوجودَة ، وفي الشعرِ
المُوَلَّدِ أكثَر ، ونبدأ بــ ( التَجنيس ) :
وهو اتفاقُ اللفظِ أو أكثره واختلاف الحُكمِ وهو من أضيقِ أنواعِ البَديع ،
والتّجنيس أنواع ، فمنه تَجنيس اللفظ كقوله تعالى ( وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ )
، ومنه تجنيس الخط كقوله تعالى ( وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) ،
ومنه تجنيس السمع كقوله تعالى ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * الَى? رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )
، ومنه تجنيس المُضارعة كقولِ أبي تمّام :
يَمدّونَ من أيدٍ عَواصٍ عَواصِمٍ
تَصولُ بأسيافٍ قَواضٍ قَواضِبِ
( التَشبيه ) :
وهو على ضُروب مُختَلِفة منها
تشبيه الشيء بالشيءِ صورة وهيئة كقول امرىء القيس :
كأنَّ قلوبَ الطّيرِ رَطباً ويابِساً
لدى وكرها العنّابُ والحَشفُ البالى
، ومعنىً كتشبيهِ الشجاع بالأسد ، ولوناً كقول ابن هرمة :
وليلٍ كَسِربالِ الغُرابِ ادَّرعتُهُ
إليكَ كما احتَثَّ اليَمامةَ أجدَلُ
، وصوتاً كقولِ النّابغة :
" لهُ صريفٌ صريفُ القَعوِ بالمَسَدِ"
، ومنها تشبيهه بهِ حركة وسرعة كقول امرىء القيس :
" كَجلمودِ صَخرٍ حطَّهُ السيلُ من عَلِ "
، وأصدق التّشبيهات ما إذا عُكِس لم ينتقض .
( الاستعارة ) :
وهي أن يُعيرَ الشاعرُ المعنى ألفاظاً غير لفظهِ المَوضوع له ،
وهي ثلاثة أوجه : الأوّل يستعيرهُ الشاعرُ من الألفاظِ على سبيلِ
التَمثيل وتَتميم المعنى كقول امرىء القيس :
" وليلٍ كمَوجِ البَحرِ أرخى سُدولَهُ "، وهو موجود في القرآن الكريم
كقوله تعالى (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ) ، الثاني أن يَنتَحلَ الشاعرُ قولاً
لِغيره فيُدخِلهُ في شِعره ، وهذا هو الاجتلاب الَّذي نَفاهُ جرير عن نفسه
بقوله :
ألم تخبر بِمَسرَحيَ القوافي
فلا عيّاً بِهِنَّ ولا اجتِلابا
الثالث أن يَستعيرَ الشاعرُ ألفاظاً كانَ غَنيّاً عنها ، والمعنى غير مُفتَقِرٍ إليها
، ويُسمى الحَشو و الاستعانة ، ويَحسُنُ بِقَدرِ ما يَتَحَمَّلُ من الفَوائدِ ويقبحُ إذا
فرغَ منها .
( الإشارة ) :
وهي اشتمالُ اللفظِ القليل على المَعاني الكثيرة
باللَمحَةِ الدالّة كقول زهير :
وإنّي لو لَقيتُكَ فاجتَمَعنا
لــكـــانَ لِكلِّ مُنديَةٍ لقاءُ
والإشارة من غرائب الشعر ومُلَحه ولا يأتي بِها إلّا شاعر قدير ،
وتُسمّى اللمحة الدّالّة ،وهي أنواع ، فمنها( الوحي )
كقولِ الشاعر :
جَعلتُ يَديَّ وشاحاً لَـــــــهُ
وبَعضُ الفَوارِسِ لا تُعتَنَق
فقوله " جعلتُ يَديَّ وشاحاً له " إشارة بَديعيّة دالّة على الاعتناق
بِغيرِ لَفظة .
ومنها ( الإيماء ) كقول كثيّر :
تَجافيتِ عنّي حينَ لا لـــــي حيلَةٌ
وغادَرتِ ما غادَرتِ بينَ الجَوانِحِ .
قولهُ " غادَرتِ ما غادَرتِ " إيماء مليح .
ومنها ( التَلويح ) كقول النابغة :
تَطاوَلَ حتّى قلتُ ليسَ بِمُنقَضٍ
وليسَ الَّذي يَرعى النُّجومَ بِآيِبِ .
فالَّذي يَرعى النُّجومَ هنا الصبح ، أقامَهُ مَقامَ الراعي ، يَغدو
فَتَذهب الإبل ، فَتلويحهُ هذا عَجَب في الجَودَة .
ومنها ( التَعريض ) كقولِ عمرو بن معديكرب :
فَلو أنَّ قَومي أنطَقَتني رِماحُهم
نَطَقتُ ولـــكـــنَّ الـــرِماحَ أجَرَّتِ .
أي لو أنَّ قومي صَدَقوا في القتالِ وطَعَنوا بِرِماحهم لَمَدَحتُهم ، لكنَّهم
صَرَفوها مُنهَزمينَ ، فكأنَّها شَقَّت لِساني فأسكَتَتني ، فَهذا تَعريض
يَنوبُ عن التَصريح .
ومنها ( التَفخيم ) كقولِ الغنوي :
" أخي ما أخي " لا فاحشٌ عندَ بَيتِهِ
ولا وَرِعٌ عـــنــدَ الـــلّــقـــاءِ هَـيُـوبُ .
ومن التَفخيمِ ما يَجيءُ على التَهويلِ والتَعظيمِ نحو قولهِ تَعالى :
( الحآقَّةُ * ما الحآقَّةُ ) .
( المُطابَقة ) :
ويَزعمُ الأكثرونَ أنَّها ذكرُ الشيءِ وضِدّه ، فيَجمعهما اللفظ لا المعنى
، وطائفة تَقولُ : هو اشتراك المَعنَيين في لفظ واحد ، وقيلَ : المطابقة
أن يأتيَ الشاعرُ بِلَفظَين مختَلفينِ في المعنى واللفظ في بيت واحد ، كقولِ
عبد الله الأسديّ :
فَرَدَّ شعورَهُنَّ السُّودَ بيضاً
ورَدَّ وجوهَهُنَّ البيضَ سُودا
وقيلَ : المطابقة أن يأتي الشاعر بلَفظتين مختلفتين في المعنى واللفظ
في بيت واحد ، نحو قوله تعالى ( ولَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ )
( التَقسيم ) :
وهو أن يَستَقصيَ الشاعرُ تفصيل ما ابتَدأ به فيستَوفيهِ ، فلا يُغادرُ
قِسماً يَقتَضيهِ إلّا أورَدَه ، كقول عمر بن أبي ربيعة :
تَهيمُ إلـــــــى نُعمٍ فلا الشَّملُ جامِعٌ
ولا الحَبلُ مَوصولٌ ولا أنتَ تَصبِرُ
( التَسهيم ) :
وصِفَة الشعرِ المُسَهَّمِ أن يَسبِقَ المُستَمِعُ الى قوافيهِ قبلَ أن يَنتهي
إليها راويه .
( التَتميم ):
وهو أن يَذكرَ الشاعرُ معنى فلا يَترك ما يتمّ ويَتكامل الإحسان معه
فيه إلّا أتى به ،
( التَرديد ) :
وهو تَعليق الشاعرِ لَفظة في البيتِ بِمعنى ، ثمَّ يُرَدِّدها فيه بِعَينها
ويُعلِّقها بِمَعنى آخر .
( التَجريد ) :
وهو أن يُجَرِّدَ الشاعرُ مَوصوفَهُ من صِفَته ، ويُسنِدها لِأجنَبيّ في الظاهر
، وهو يُريد الأوّل في المَعنى .
( التَتبيع ) :
وهو أن يريدَ الشاعرُ معنى فلا يأتي باللفظِ الدالّ عليه ، بل بِلَفظٍ تابع له
، فإذا قالَ التابع أبانَ عن المَتبوع ، كقول ابن أبي ربيعة :
بَعيدَةُ مَهوى القُرطِ إمّا لِنوفلٍ
أبوها وإمّــا عبدُشَمسٍ وهاشمُ
ذَهبَ الى طول العنق ، فلم يذكره ودَلَّ عليه بقوله
" بعيدة مهوى القرط ".
( التَبليغ ) :
وسَمّاه قومٌ الإيغال ، وهو أن يأتيَ الشاعرُ بالمَعنى في البيتِ تامّاً قبلَ
انتهائهِ الى القافية ، ثمَّ يبلغ القافية بِزيادةٍ مُفيدَةٍ تَزيد معنى البيتِ براعة .
( التَصدير ) :
وهو أن يَبدأ الشاعرُ بِكلمة في البيتِ ثمَّ يُعيدها في عجزه ، أو في النصف
منه ثمَّ يُردّدها في النصف الآخر عنه ، فإذا نظمَ الشعر هكذا أمكنَ استخراج
قوافيه قبلَ أن يطرق أسماع مُستَمعيه ، والتصدير والتَرديد المُتَقَدّم يُسمّيه
كثير من البُلَغاءِ رَدّ الاعجاز الى الصدور ،كقول عامر بن الطفيل :
وكنتُ سَناماً في فَزارَةَ تامكاً
وفـــــي كلِّ قَومٍ ذروَةٌ وسَنامُ
( الاستثناء ) :
قيلَ إنَّ أوَّل مَن بدأ بهِ النابغة كقوله :
ولا عيبَ فيهم غَيرَ أنَّ سيوفَهم
بِهـنَّ فُلولٌ مـــن قِراعِ الكتائبِ
ويُسمى هذا تأكيد المَدح بِما يُشبهُ الذَمّ .
( الالتفات ) : كقولِ جرير :
أتَنسى إذ تودّعني سُليمى
بِبَطنِ بشامةٍ سُقِيَ البَشامُ .
كانَ مُقبلاً على شعره ، ثمَّ التفتَ الى البشامِ فدَعا له .
( الاعتراض ) :
وهو انصراف الشاعر عن الإخبارِ الى المُخاطبة ، وعن المخاطبة الى
الإخبار ، كقول النابغة :
ألا زَعَمَت بَـنــو عَبسٍ بأنّي
- ألا كَذَبوا - كبيرَ السِّنِّ فانِ
فقوله " ألا كذبوا " اعتراض بين أوّل الكلام وآخره ، وفيه زيادة حسنة .
( الاستطراد ) :
وهو أن يُريكَ الشاعر شيئاً وهو يُريدُ شيئاً آخر .
وإليكم هذا النصّ الَّذي كتبته تَطبيقاً عملياً مُرَصَّعاً بِبَعضِ ما نقلتُ اليكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( شرح مقامات الحريري ) للشريشي .
_________________