مثّال
" مثّال "
للشاعر الدكتور عبد القادر القط - رحمة الله عليه - :
طرقـــــت بابي وقد أخلدت للأحـــــــلام دهرا
وانطوت نفسي وألقت دون دنيا الناس سترا
طرقـــــت بابي ففاض البيــــت إشراقا وبشرا
قد تجلى الحســـــن في أعطافها لينا ويسرا
وتناهى وجههــــــــــا الفتــــــان إقبالا وبشرا
قالت : اصنــــع لي تمثالا يرد الصخـــــر سحرا
ألق فيه من معانيـــــــك ، وخذ ما شئت أجرا
قبلة من شفتي الحــــــرى تريك الليـــل فجرا
أو عناقا أرتمي فيــــــه على صــــدرك سكرى
أنت كل الناس إن هيئــت لي في الناس ذكرا
************
قلت لبيــــــك ، وهل أسطيــــع للحسناء ردا
أنا إن ضاق خيـــــــالي أو غدا فكـــــري صلدا
فسناك الحلــــو يغذو الفـــــــن إلهامـا وجهدا
ويمـــــد الأفـــــــــق الضيق للإبــــــــداع مدا
واستوى الإزميــــل في كفي يقد الصخـر قدا
ويسـوي الخشـــــــن الناتئ سيقانـــا وخدا
ووراء الكــــف إحســــــــاس يـذود الزيـغ ذودا
وخيال يخلـع السحــــر على الأحجــــــار بردا
نفحة من عـــــالم الـــــــروح تجلت بعــد خلدا
في مثال يهب الفــــــن على الأجيــــال مجدا
************
ورفعت الستـر مزهـــــوا وقــــــد ملئت عجبا
هــــــذه آيتي الكبـــــــرى إلى الحسنــاء قربا
سـوف تبقى في سمــــــــاء الفن للأربـاب ربا
فرنت عجلى ، وردت طرفها للبــــــاب غضبى
وأشاحت ثم قالــــــت : قد مـلات القلـب كربا
وسكبت الخيبة المــرة في الآمــــــــال سكبا
أنا لــــم أسألك أوهامـــــا تخــال الأرض سحبا
أنا بنت الأرض لــم آل التـــــــــــراب الحي حبا
قد رفعت الستر عــن زيـــف يرد السهــل صعبا
أمثالي ذاك ؟ لا . ما كنــــــــت للأفـــلاك تربا
***********
لم ملأت الوجه والعينيـــــــن أحلاما ونجـوى ؟
وجعلت الجسد المستوفز المشــــــدود رخوا ؟
ورسمت الطهر في ثغر من التقبيــــل أحـوى ؟
لم أضحى خطوي المستيقظ الممــــراح رهـوا ؟
واستحالت لهفة القلــــب إلى اللذات سلوى ؟
أين نهد جمشته الرغبـــة الملحــــــــاح صحوا ؟
وفم كالبرعــــم الظمـــــــآن بالنيـــــران يروى ؟
ولحاظ - قبــــــل أن تشهد لون الراح - نشوى ؟
ذاك صــــوت الحــق قد أضحى على زيفك لغوا
وأباطيــــــــل تريــــــد الفـــــن إيمانـــا و تقوى
***********
وهوت بالمعول المشــــــــــؤوم للتمثال حطما
فهوى كالقمـــــة الشمــــــــــاء عـدوانا وظلما
بددا قد خلتهـــــا في موطئ الأقـــــدام تدمى
ومضت في ثورة هوجــــــــاء كالإعصــــار قدما
توسع الأرض خطاها الحمـــــر تمزيقــــا ولطما
وعلى آثارها خـــــط الدم المسفـــــوك رسما :
ها هنا منذ قليـــــل أزهـــــق الواقـــــــع حلما
وبلى الفنــــان روحا صـــــولة الحسناء جسما
ومضت واصطفـــــق الباب فألقى الباب حكما :
عد إلى وحدتك الخرســــــاء يا مسكيــن رغما
***********
عدت يا وحدتي الظمـــــأى فروي الثــــأر مني
واتل يا ليـــــــل غياباتي وخــذ يا صمت عني
وقفي ما بيــن هذا النــــــور يا حجبي وبيني
دفء شمس الكون يكويني ويؤذي النور عيني
اسكتي أيتها الأحـــــــلام .. فالبلــــــوى تغني
ألف بــــوق .. ألف طبـــــــل من أغانيهـا بأذني
أو أسلو ؟ كيــــف للسلــــوان أن يرتاد سجني ؟
وأمامي في الثرى أشـــلاء أحـــلامي وفني
يا شـــــــذاها .. أو ما زلت بأعــــطافي وردني ؟
ويحها .. غابت وأبقت سمها في الجو يضني
_________
_________________
