الغزو الوهابي (الأخوين) الأول والثاني لشرقي الأردن
الغزو الوهابي (الأخوين) الأول والثاني على شرقي الأردن
بنادق بني صخر وعشائر البلقاوية، لم تنكسر يوما في مواجهة الغزوات الوهابية الحثيثة التي لم تتوقف إلا في العام 1924م ؛ لقد رسمنا حدودنا بالدم.. حتر، عمون 2/11/2014.
يروي خير الدين الزركلي في كتابه (عامان في عمّان) الذي صدر في القاهرة عام 1925م، ويتحدث فيه عن عامين في عاصمة شرق الاردن بين 1921 – 1923م، ويعتبر الزركلي من رجالات حزب الاستقلال السوري الذين تركوا دمشق بعد سقوط عرش الملك فيصل الاول على يد الجنرال الفرنسي غورو، وقد شغل خلال هذين العامين مناصب مدنية وعسكرية في شرق الاردن.
وقد اصدر الزركلي من معان جريدة صغيرة اسمها "الحق يعلو" وقد كتب تحت عنوانها "جريدة عربية ثوروية تصدر مرة في الاسبوع" وعنوان الجريدة هو "المقر" اي "مقر سمو الأمير عبد الله ". وقد اطلق على الامير في معان لقب "نائب جلالة الملك" لانه جاء لينوب عن اخيه الملك فيصل في انقاذ سورية،
ويتحدث الزركلي عن ثالث اهم الاحداث في تلك الفترة التي وقعت في عام 1922 نجاح العشائر الاردنية بزعامة مثقال الفايز وحديثه الخريشة ومنور الحديد في الحاق الهزيمة بجيش الوهابيين الذي هدد عمان بوصوله الى سهل ام العمد على اطراف العاصمة وكان عدد المهاجمين 1500 رجل، وقد رفض البريطانيون الاشتراك في القتال.
وفي مقال للكاتب طاهر العدوان في جريدة الرأي الأردنية بعنوان " اليادودة: معركة الصمود أمام الوهابيين"، تاريخ النشر: الثلاثاء 2013-01-08 ، عنوان رسالة الدكتور رؤوف أبو جابر إلى «بوح القرى» هو: «قصة تاريخية غزوة الوهابيين (الأخوين)، وصمود اليادودة عام 1924م»، وهي في تفاصيلها ورقة تاريخية، موثقة، تحفل بالمراجع، والهوامش، والخرائط، والصور، وقد خصّنا الدكتور أبو جابر بأن بعث هذه التفاصيل لنا، وهذا ما نعتز به في «بوح القرى»، شاكرين للدكتور رؤوف أبو جابر هذا التواصل الذي يعبر عن جسر ثقة، وعنوان مسؤولية، تتشارك فيه موثوقية الكتابة التاريخية، ورسالة الكتابة الإعلامية، في حالة تكاملية تراعى فيها صدقية المعلومة، مع الحرص على الانتشار الاعلامي لتلك التفاصيل في فضاءات أوسع.
يقول الدكتور رؤوف أبو جابر: (في بداية هذا المقال يتوجب علينا أن نحدد للقارئ الكريم أن توجهنا سيكون نحو الحديث عن الغزوة الثانية التي وقعت في الصباح الباكر يوم الخميس الرابع عشر من آب 1924م، أما الغزوة الأولى التي وقعت يوم 22 آب 1923م، والتي كانت، حسب رواية اللفتاننت كولونيل فردريك ج. بيك في كتابه (تاريخ شرقي الأردن وقبائلها)، عندما (فاجأت جموع من الأخوين الوهابيين قرية الطنيب، حوالي 15 كيلو متراً جنوب عمان وقتلوا عدداً من أهلها ثم لاذوا بالفرار دون أن تلحقهم خسارة في النفوس بالرغم من الجهود التي بذلها بنو صخر).
يكمل الدكتور أبو جابر قائلا: «أما غزوة الأخوين الثانية فقد ورد في «كتاب تاريخ الأردن في القرن العشرين»، لمنيب الماضي وسليمان موسى، ذكر أن عبد العزيز بن سعود ملك السعودية رأى الفرصة سانحة لغزو شرقي الأردن، فتولى تجهيز الحمله، بناء على أمره، كلاً من الشيخ نهدى ابن نهير من قبيلة شمر، والشيخ هندي الذويبي من قبيلة حرب، ثم التحق بها عدد آخر من شيوخ قبيلة عنتره، وأفراد من قبائل الشرارات والروله، حيث بلغ عدد راياتهم عشرين بيرقاً يتراوح عددهم بين الثلاثة وأربعة آلاف من الهجانة. هذا الغزو الذي التقت طليعته بقافلة تموين أردنية في طريقها إلى قريات الملح، استولت عليها بعد قتل أفرادها الثمانية عشر، ثم قضت أول ليلة في قصر المشتى، حيث قسم عقيدهم ابن نهير الجيش إلى أربعة أقسام، موجهاً الأول إلى اللبن والطنيب، والثاني إلى أم العمد وضواحيها، والثالث إلى زيزياء والقسطل، وجعل القسم الرابع احتياط ومؤخرة للمحافظة على الذخائر والغنائم، ولقد قام الدكتور معن أبو نوار بنشر مخطط يبين هذه التحركات، في كتابه (تاريخ المملكة الأردنية الهاشمية).
يتابع الدكتور رؤوف أبو جابر كتابته، وهو عارف بما يريد الوصول اليه، ليقف عند نقطة هي بالنسبة له مقلقة، وعليه كمؤرخ وكعارف وكمعني بها في البعدين العام والخاص، وهي منطقة اليادودة، وما كان من جوانب متعلقة بتاريخها في تلك المرحلة، كونه وثق كثيرا من تفاصيلها، ودون الرواية الشفوية من الشخوص المعنيين مباشرة، إضافة إلى تملكه لوثائق وكتابات وصور، واطلاعه على مراجع ومصادر تصب في هذا الاتجاه.
يضيف الدكتور في ذات سياق غزو الوهابيين لقرى المنطقة، ومنها اليادودة قائلا: «الروايات عن هذه الغزوة كثيرة وقد لخصها كتاب «الشيخ مثقال الفايز»، للكاتبين عواد البخيت وعمر العرموطي، بالقول (إن الهجوم بدأ صباح يوم الخميس 14 آب 1924م، حيث باغت الغزاة أهالي قرية اللبن، والطنيب، والقسطل، وأم العمد، وقد تمكن ابن نهير من احتلال القرى التي هاجمها، ونصب خيمته في أم العمد، كما نهب الوهابيون قرية اليادودة، وتبعد عن عمان خمسة أميال، ولكن عشائر بني صخر، والبلقاء، والعدوان، والعجارمه، وبني حميدة، سرعان ما وحدت صفوفها وصدت المهاجمين).
والذي يعنينا في هذا القول، الرواية بأن الوهابيين نهبوا اليادودة، وهو ما لم يقع على الإطلاق، وإن نظره بسيطة إلى صورة قرية اليادودة كما كانت في العام 1970م، وفي المراحل السابقة، تعطي المطالعين فكرة واضحة عن استحالة اقتحام أسوارها من قبل فريق من الهجانه، ليس لديهم من المعدات أي شيء، ولا يحملون سوى البنادق والسيوف والرماح.
النذير الأول
الرواية هنا، كما يوثقها الدكتور رؤوف أبو جابر، نقلا عن شاهد عيان، حاضر لتلك المواجهة، وهنا يقول في رسالته: «أما حقيقة ما حصل في اليادودة فقد ورد في كتابي «قصة عائلة»، حيث يشار في الكتاب الى أحد الذين عاشوا تلك الفترة، وشاركوا في الدفاع عن اليادودة، المرحوم الشيخ سعد أبو جابر، وهو يذكر أن النذير الأول في الصباح الباكر يوم الغزو كان أحد ملاكي الطنيب، المرحوم فريد بن حبيب فارس، الذي هرب من وجه الغزاة في الطنيب، وقد وصل إلى اليادودة، كذلك، أكثر من أربعمائة من النساء والأطفال، من المناطق المجاورة، فأسعفهم الجوابرة، بما أمكن، ورتبوا إقامتهم في بايكة فرحان الأمامية، بينما خصصت بايكة فرحان الخلفية، وبايكة فريح، للحيوانات التي تمكنت من العودة إلى القرية المحصنة، والإلتجاء إلى البوايك داخل الأسوار.
الدفاع.. وانسحاب المهاجمين
يضيف الدكتور رؤوف أبو جابر بحسب تلك الشهادة التي وثقها عن المرحوم سعد أبو جابر، وقد كان جزءا من المتابعين لمسار المعركة، والمدافعين عن قرية اليادودة، وتأتي هذه الشهادة في سياق ما يورده الدكتور أبو جابر في كتابه «قصة عائلة»، وفيه أن «معركة الدفاع عن اليادودة تمت بإشراف المرحوم سعيد باشا أبو جابر (أبو فهد)، وأخيه المرحوم الشيخ سعد (أبو فرحان)، والمرحوم إبراهيم (أبو فواز)، وقد كانوا عمادها، بالإضافة إلى سبعة من البواردية، من أهالي اليادودة، الذين تمكنوا من حماية الأسوار بعد أن توفرت لهم الذخيرة، من الصندوقين الذين وضعهما سعد تحت تصرفهم في صباح ذلك اليوم. وقد كانت الأسوار العالية السند لأهل القرية فلم يتمكن وهابي واحد من دخول اليادودة، وكانوا قد قاموا بمحاولتين لتسلق الأسوار فردوا على أعقابهم في كل مرة خاسرين، وقد أصيبت أعداد من رواحلهم، خصوصا ً وأن المدافعين كانوا تلقوا تعليمات واضحة بأن يتجنبوا إصابة الوهابيين المهاجمين وتوجيه النار إلى الرواحل لمنع حركتهم.
لقد أفلحت اليادودة في الدفاع عن نفسها منذ الصباح الباكر، ولم يصب من أهلها سوى أربعة، وكانت إصابة سالم الغريب، وهو من قبيلة الشرعة، حلفاء بني صخر، بينهم الإصابة الوحيدة البالغة، اذ اضطروا إلى قطع يده ، وقد تمت المدافعة حتى بعد الرابعة مساءً عندما انسحب المهاجمون».
أما كتاب تاريخ الأردن في القرن العشرين، منيب الماضي وسليمان موسى، الفصــل الخـامـس، يتحدث عن تثبيــت دعـائــم الإمـــارة ومحاولات سـلطان نجـد غزو جنـوب الإمـارة، فلـم يمضي على تشكيل حكومة علي رضا الركابي وسيطرتها على تمرد وعصيان سكان ناحية الكورة سوى ثلاثة أشهر، حتى واجهت أول غزو من خارج حدود الإمارة لمناطقها الجنوبية خلال ربيع وصيف عام 1922م، سيطر سلطان نجد وملحقاتها ـ عبد العزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود ـ على مناطق الجوف ووادي سرحان التي كانت تحت نفوذ وسيطرة الشيخ ـ نوري الشعلان ـ شيخ قبيلة الرولة، الواقعة شمال الجزيرة العربية وعلى الطريق المباشر لمناطق شرق الأردن وفلسطين وسوريا والعراق. ومنطقة الجوف بالذات قريبة من خليج العقبة والعراق ( كان أسم الجوف سابقا ـ دومة الجندل ـ المكان التاريخي المشهور، الذي عقد فية اللقاء التاريخي بين أنصار علي بن أبي طالب يمثلهم أبو موسى الأشعري وأنصار معاوية بن أبي سفيان يمثلهم عمرو بن العاص، وأطلق أسم الجوف على تلك المنطقة فيما بعد لأنها منخفضة حوالى 500 قدم عما حولها من سطح الصحراء).
وعندما سيطرت قوات سلطان نجد على وادي السرحان، طمعت في الإستيلاء على مناطق أخرى بجواره، فتوجهت قوة منهم تقدر بحوالى ألفين رجلا، أغلبهم من قبيلتي عتيبة ومطير، الى المناطق الجنوبية من إمارة شرق الأردن، حيث وصلت منازل ومضارب بني صخر في الطنيب وقصر المشتى في منتصف شهر/آب/1922، وشنّـوا عليهم هجوما مفاجئا في ظلام الليل، يقتلون كل من يصادف ويتحرك أمامهم وعند بزوغ الشمس وصلت النجدة من مختلف مضارب بني صخر في المنطقة، يدافعون عن مضاربهم وحلالهم، وخلال نفس اليوم وصلت أنباء المعركة الى عمّان، فبادرت الحكومة بإرسال قواتها العسكرية الى المنطقة، مع المتطوعين من بعض العشائر التي بادرت لنجدة بني صخر ورد القوات الغازية.
إستمرت المعارك يومين بثلاث ليالي، أبلى خلالها رجال بني صخر بلاءا جيدا بقيادة مشايخهم : مثقال الفايز ، منور بن حديد ، حديثة الخريشة ، حيث تمكنوا من ردّ الغزاة، بعد تكبيدهم خسائر كبيرة من الضحايا، قدرت بأكثر من خمسمائة رجل، وأسر ثلاثين آخرين، وإصابة حوالي ثمانين رجلا من بني صخر وسكان قرية الطنيب والعديد من الجرحى.
كما تم مطاردة قوات سلطان نجد الهاربه حتى منطقة قصر الخرانة والعمري، حيث مات الكثير منهم بسبب الجوع والعطش أثناء إنسحابهم نحو وادي السرحان خلال مدة القتال، رفض المعتمد البريطاني في عمّـان طلب علي رضا الركابي، في أن تشترك الطائرات والسيارات المصفحة البريطانية في صدّ الهجوم الخارجي.
فذهب فور ذلك الى القدس، وأبلغ المندوب السامي البريطاني رغبة حكومة الإمارة في ضرورة إحتلال منطقة ـ القريات – في وادي السرحان لحماية الإمارة من إعتداءات مماثلة في المستقبل، ولما عاد الى عمّـان أرسل قوة عسكرية الى تلك المنطقة، بقيادة الزعيم بيك ومساعده القائد فؤاد سليم، مؤلفة من سرية مشاة بقيادة القائد صبحي العمري، وسرية فرسان بقيادة الرئيس محمد جانبك، وسرية رشاش بقيادة الرئيس شكري العموري.
إحتلت تلك القوة وبدون صعوبة منطقة ـ قريات الملح ـ الغنية بمعادن الملح ، الواقعة في بداية وادي السرحان من الشرق، وإتخذت من قلعة كاف مقرا لها، تواجد فيها حامية مؤلفة من خمسين جنديا لمدة أكثر من عام، بدون تزويدها بجهاز لاسلكي يكون وسيلة إتصال مع قيادتها في عمّـان، ولحين تم إنسحابها بعد أن هاجمتها قوات سلطان نجد في خريف عام 1924م وسيطرتها على المنطقة.
الصيف الحار : تصفية الإستقلاليين وغـزو آل سعود
لـم تستطع وزارة السيد حسن خالد أبو الهدى حل المشاكل الإدارية والمالية خلال فترة الأشهر القليلة من عمرها، فقرر الأمير عبدالله إستدعاء علي رضا الركابي، بعد أن تباحث مع والده الملك حسين بن علي خلال فترة زيارته حول أوضاع الإمارة.
في 3/5/1924 قدم حسن خالد أبو الهدى إستقالته ، وفي نفس اليوم تشكلت وزارة جديدة مؤلفة من السادة:
علي رضا الركابي رئيسا للنظار وناظرا للداخلية
حسن خالد أبو الهدى ناظرا للمالية
إبراهيم هاشم ناظرا للعدلية
الأمير شاكر بن زيد نائب العشائر
الشيخ سعيد الكرمي قاضي القضاة
وكـانت الحكومة البريطانية قد عيّـنت في الشهر السابق الكولونيل كوكس معتمدا جديدا لها في عمّـان، يكون تابعا للمندوب السامي في فلسطين، ويتلقى منه الأوامر والتعليمات، بعد أن كان المعتمد السابق الذي قدم إستقالته إحتجاجا على ذلك القرار، يتصل مباشرة بوزارة المستعمرات، وليس بالمندوب السامي على فلسطين، وكان هذا التغير في الإتصالات الرسمية وتلقي الأوامر بين المعتمد البريطاني في عمّـان ومسؤوليه، يهدف الى إطلاق يد المندوب السامي في فلسطين، على إمارة شرقي الأردن أيضا، خلافا لإعتراف بريطانيا بإستقلال الإمارة، وإستقلالها التام عن الإدارة في فلسطين.
غادر الأمير عبدالله عمّـان في 27/6 متوجها الى الحجاز لإداء فريضة الحج، وأناب عنه الأمير شاكر بن زيد، وفي أوائل شهر تموز حدث إعتداء من قبل مجموعة من الرجال التابعين لسلطان نجد على عمال سكة الحديد الحجاز، الذين كانوا يعملون في ترميم الخط بين محطتي الزرقاء والسمرا، فقتلوا منهم أربعة عمال وسلبوا معداتهم، فأرسل الأمير شاكر رجالا لمطارتهم، وتم القبض عليهم بعد أن قتل منهم إثنين، ونفذ فيهم حكم الإعدام ـ وكان عددهم حوالي عشرة رجال ـ في ساحة المدرج الروماني في عمّـان بتاريخ 16/7 بهدف إعطاء درسا لكل من يحاول القيام بمثل هذه الغزوات.
فـي نفس الفترة بالذات، كان سلطان نجد عبدالعزيز إبن سعود، يستعد لغزو الحجاز وشرقي الأردن لتوسيع مناطق نفوذه . فكلف ـ عبدالعزيز بن مساعد ـ بتجهيز القوات لغزو شرقي الأردن، الذي جمع نحو أربعة آلاف شخصا من قبائل شمر وحرب وعنزة والشرارات والرولة، موزعين على عشرين راية " فرقة".
دخلت تلك القوات أراضي شرق الأردن من منطقة ـ العمري ـ ، متوجهين الى منطقة ـ قصر المشتى ـ ومنها نحو ضواحي عمّـان، بعد أن أغاروا على قافلة تموين مؤلفة من نحو عشرين جنديا وخمسة وثلاثون شخصا من بني صخر، فقتلوا معظمهم وإستولوا على كافة المؤن والذخائر . وفي صباح يوم 14/آب، المصادف ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، هجموا على سكان قرى اللبن ـ الطنيب ـ القسطل ـ أم العمد، فهب أهالى تلك المناطق في مقاومتهم، ولكن القوات الغازية إستطاعت السيطرة وبسرعة على تلك القرى، وإتخاذ منطقة أم العمد مركزا لها، مع الإستمرار في الزحف نحو عمّـان، فوصلوا منطقة اليادودة . وما أن إنتشر خبر الهجوم فور وقوعه، حتى قامت عشائر المنطقة بالوصول الى مناطق الإشتباكات، وكذلك أرسل علي رضا الركابي الجنود مع طائرة تكشف مناطق الهجوم.
ما أن وصل رجال عشائر المنطقة من بني صخر والحويطات وعشائر البلقاء من العدوان والعجارمة وبني حميدة وغيرهم من أهالي قرى صويلح ووادي السير وناعور وعمّـان، حتى إشتبكت مع القوات الغازية، وإستطاعوا إيقاف زحفهم وصدهم، حيث بدأت تلك القوات بالتراجع عن المواقع التي إحتلتها . وعندما بدأت عملية التراجع، وصلت قوات جنود الجيش العربي مع أربعة من السيارات البريطانية المصفحة التي قامت بإطلاق نيرانها بشكل عشوائي، أصابت الكثير من أهالي ورجال عشائر البلاد، كما قامت الطائرات البريطانية بإطلاق قنابلها على الغزاة في سهول زيزياء، إستمرت عملية مطاردة قوات سلطان نجـد حتى الليل، الى ما بعد شرقي منطقة قصر المشتى، وردهم على أعقابهم ، بعد أن وصلوا على بعد بضعة أميال من عمّـان.
كانت حصيلة تلك الغزوة، التي تعتبر الثانية من قبل قوات سلطان نجد، مقتل حوالي خمسمائة شخصا والعشرات من الجرحى، وأسر ثلاثمائة من القوات الغازية، ونحو مائة وعشرين بين قتيلا وجريحا من أهالي شرقي الأردن، ولما عاد الأمير عبدالله من الحجاز يوم 19/آب، أطلق سراح جميع الأسرى، وسمح لهم بالعودة الى ديارهم، بعد أن تم تزويدهم بعددا من الجمال والمؤن.
ويذكر الكاتب مفلح العدوان في مقال له في أبواب جريدة الرأي، تاريخ النشر: الثلاثاء 2012-12-25
القسطل.. قصر الغبار الساطع (4)
هنا زخم من التاريخ لا ينضب.. نسيج متصل منذ الماضي البعيد، وحتى الزمن القريب، ولذا فلا بد من قراءة كل جوانب هذه المدونة التي تشكل السيرة التاريخية لقرية القسطل، لأن مكان بهذا الحضور يجعل اسم منطقة قالها مضيفنا الفاضل صايل غالب نواف سطام الفايز (أبو صخر)، عنوانا لفترة زمنية في الأردن، كانت القسطل، وقرى أخرى على امتداد الوطن، هي القلاع التي تصد هجمات الوهابيين على الأردن.
كان الحديث يدور حول مناطق القسطل، وأحواضها، وكانت إشارة إلى حوض في القرية يسمى «حوض أم العظام»، حيث تحول مسار الكلام هنا إلى حرب الوهابيين، عندما دار النقاش حول سبب تسمية الحوض بهذا الاسم، فكانت الإجابة تتمحور في فضاءات معركة دارت رحاها هناك، في القسطل، وعلى هذه البقعة، مع الوهابيين، واخذ المكان هذا الاسم من كثرة عظام القتلى فيه أثناء تلك المعركة.
الموحّدون
هنا لا بد من تسليط الضوء على جانب معرفي حول الوهابيين، وحركتهم، وجذورهم في البدايات الأولى، إذ أنهم ينسبون إلى محمد بن عبد الوهاب الذي ولد سنة 1115ه/1703م، في العينية بوادي حنيفة، وقيل في حريملة في ارض نجد. وقد شرع ابن عبد الوهاب يبث مبدأ توحيد الله تعالى، وينادي بإخلاص العبادة له وحده في وقت كثرت فيه البدع، وانتشر الفسق والانحلال والابتعاد عن الدين، وكان العثمانيون يطلقون على هذه الجماعة الوهابيين، وأحيانا الخوارج، وأما الوهابيون فكانوا يلقبون أنفسهم بالموحدين، إذ كانوا يعدون من سواهم من المسلمين غير موحدين.
المبايعة.. التهديد
لقد أورد الدكتور مفلح النمر الفايز في كتابه «عشائر بني صخر/ تاريخ ومواقف حتى سنة 1950م»، كثيرا من التفاصيل حول الوهابيين، وحروبهم في شرق الأردن، والتصدي لهم في هذه المنطقة خاصة في جانب المواجهات والمعارك بينهم وبين بني صخر، حيث يشير في هذا السياق بأنه كان «قد بايع الشيخ محمد بن عبد الوهاب الأمير محمد بن سعود أمير الدرعية سنة 1744م على أن يكون إماما يتبعه المسلمون، وتعاهدا على نشر كلمة التوحيد بين العرب. فشكل الوهابيون بذلك خطرا على الدولة العثمانية، وهددوا الحجاز غير مرة، كما هددوا طريق قافلة الحج، ولم يمض وقت طويل حتى سيطرت دعوتهم على نجد والحسا والقطيف، ثم الحجاز ومكة والمدينة والطائف ومعظم الجزيرة العربية، وهددوا كربلاء وجنوب حوران.
الوهابيون.. قادمون
هذه هي البدايات بالنسبة للوهابيين، ولكن الدكتور مفلح الفايز يستمر خلال كتابه في بحثه حول الوهابيين، ومراحل تاريخهم، وتوسعهم، وانحسارهم، وانتصاراتهم، وانهزامهم، إلى أن يصل إلى الفترة ما بين 1920 إلى 1924م، والحملات الوهابية في تلك الفترة حيث ظروف تأسيس إمارة شرق الأردن، والصراعات الإقليمية في تلك المرحلة، حيث يشار إلى الحملة الوهابية الأولى وبأنه «تقدمت مجموعة من الإخوان (الوهابيين) يبلغ عدد رجالها حوالي ألف وخمسمائة رجل إلى شرقي الأردن، وكانت هذه المجموعة تقسم إلى أربعة ألوية يقود كل لواء منها شيخ يسمونه عقيدا. والعقداء الأربعة هم: عقاب بن ميحا، وهويمل بن جبريل، وقعدان بن دويش، ونافل بن محمد. وانقسم كل لواء إلى عدد من البيارق (الرايات) تراوحت في مجموعها ما بين (7-14)بيرقا. وفي ليلة الثلاثاء (22 آب) سنة 1922م وصل المهاجمون إلى مضارب بني صخر في الطنيب والمشتى والقسطل، فباغتوهم صباحا في مضاربهم، وأخذوا يقتلون كل من يصادفونه في طريقهم، لا يفرقون بين المحاربين وغير المحاربين.
وكانت أحوال إمارة شرقي الأردن في تلك السنة مضطربة بسبب وقوع أحداث الكورة في عهد حكومة رضا باشا الركابي. وقد أطلق عليهم أهالي شرق الأردن ثلاثة أسماء: الوهابيون نسبة إلى محمد ابن عبد الوهاب مؤسس الحركة الوهابية، والإخوان أو (الخوين) لأنهم كانوا يتآخون في الله، والمدينة: أي المتدينون ذوو اللحى الطويلة. وما أن طلع الصباح حتى بلغ الإخوان المشتى والطنيب والقسطل، ولكنهم لم يصلوا إلى أم العمد.
وكانت المقاومة في البداية ضعيفة، لأنهم هاجموا بني صخر قبل طلوع الشمس في فصل الصيف فصل البيادر، إلا أن الغبين جمعت جموعها بزعامة شيوخها آنذاك ومنهم: الشيخ مثقال باشا الفايز، والشيخ ظاهر الذياب الفايز، والشيخ صياح النمر الفايز، والشيخ قفطان الحامد، والشيخ زعل كنيعان الفايز، والشيخ عواد السطام الفايز، والشيخ فالح ابو جنيب الفايز، والشيخ درداح البخيت الفايز وغيرهم، والشيخ منور الحديد وأخوه الشيخ النوري الحديد، وبشير الحويان وغيرهم من عشائر البلقاء، فاشتبك الفريقان في معركة حامية الوطيس، فريق يدافع عن أرضه ومضاربه ومواشيه، وفريق يهاجم دون خوف، بسبب عقيدته الدينية، وصدف في ذلك اليوم الثلاثاء أن قوة من مشاة الجيش العربي كانت في طريقها إلى الكرك، ومن ضباطها: بهجت طبارة، وعارف سليم، وسليمان صبحي العمري فاشتركت في مقاتلة الوهابيين. وبلغت أنباء المعركة صبيحة يوم الثلاثاء عمان، فدوت الطبول معلنة الانذار لأهل عمان، فبادر المتطوعون من عشائر البدو الأخرى والأهلين إلى مكان المعركة، واستمر القتال طيلة يوم الثلاثاء حتى ضحى الأربعاء، وأبلى بنو صخر في هذه المعركة بلاء الأبطال، وتمكنوا من رد الغزاة على أعقابهم بعد أن تكبدوا خسائر فادحة.
ملحمة بطولية
أما الحملة الوهابية الثانية فكانت في صيف عام 1924م، حيث كان الإعداد للغزو ثاني أيام عيد الأضحى، وكانت الحملة تضم (4000-5000) مقاتل، بقيادة ندى بن نهير الشمري، ومعه من العقداء الذين رافقوا الحملة كل من ذويبي بن ناهش، ومناب بن ناجي، وسابان بن جدية من حرب، وعيد الزغيتي بن سليمان، وصباح المرتعد، وابن سويلم، والعوادي من عنزة، وفندي بن نوماص، ووليم بن برق من حاتم، وابن سادان أخو فجان من العوادي، وخجاب بن بخيت ومرغيلس، وجادي بن زومال، وابن فندي من شمر، وعاقر بن دغمي من الرولة، واللحاوي من الشرارات وغيرهم. «وقد بدأ هجوم الإخوان صباح يوم الخميس (14) آب عام 1924م فباغت الغزاة أهالي قرى اللبن والطنيب والقسطل وأم العمد، وسرعان ما انتشر نبأ الغزو بين أهالي شرقي الأردن، فهب رجال عشائر البلقاء وبعض أهالي عمان، وناعور، ووادي السير، وصويلح، لمؤازرة قبيلة بني صخر، وكذلك اشتركت في هذه الملحمة البطولية أربع سيارات مسلحة وطائرات تابعة للقوات الجوية الملكية البريطانية، وقد تمكن ابن نهير من احتلال القرى التي هاجمها، ونصب خيمته في أم العمد، ونهب الوهابيون قرية اليادودة وهي على بعد خمسة أميال من عمان. ولكن عشائر بني صخر والبلقاء والعدوان والعجارمة وبني حميدة، وحدت صفوفها، وصدت المهاجمين، فبدأ الأعداء يتراجعون، وبينما كان فرسان البلاد يطاردونهم ويضربون أقفيتهم، وصلت أربع سيارات بريطانية مصفحة، فأخذ رجالها يطلقون الرصاص كيفما اتفق، فكانت أكثر الإصابات منها في رجال شرقي الأردن.
وحلقت الطائرات بأمر فريدريك بيك باشا قائد الجيش العربي آنذاك، فوق العربان المتلاحمين، ورمتهم بالقذائف في سهل زيزاء، فأوقعت الرعب في قلوبهم. وقد قدر المؤرخون خسائر الوهابيين في هذه الحملة بحوالي (500) قتيل، وحوالي (300) أسير، بالإضافة إلى عدد آخر توفوا في أثناء انهزامهم بسبب العطش والإنهاك. وغنم أهالي شرقي الأردن عددا من الخيول والإبل والبنادق، كما غنموا سبع رايات من راياتهم، وجيء إلى عمان بالأسرى، فأدخل الجرحى منهم المستشفى الحكومي للمعالجة، وبعد ثلاثة أسابيع أطلق سمو الأمير عبد الله سراح الأسرى وأعطاهم عددا من الجمال وكمية من الطعام، وسمح لهم بالعودة إلى بلادهم. وفي اليوم التالي خرجت بعض الطائرات لاستكشاف مواقع الغزاة فلم تعثر لهم على أثر. وأما ضحايا هذه الحملة فذكر المؤرخون أنها بلغت حوالي (120-130) قتيلا وجريحا من أهالي البلاد، وجرح اثنان من ضباط القوة الجوية الملكية البريطانية، وكانت جراحهما بسيطة.
ويذكر الشيخ صالح الهزاع الحديد من مواليد عام 1929م في مذكراتة: لقد شارك فرسان عشائر البلقاء فرسان عشائر بني صخر ببسالة في التصدي لغزو الوهابين «الخوين» الأول والثاني، وكان من بين فرسان الحديد الذين شاركوا في هذا القتال الشرس الشيخ منور شتيوي الحديد والشيخ شاهر صايل الحديد والشيخ نوري شتيوي الحديد، وكان لمنور الحديد دوراً كبيراً في رص الصفوف والقتال خاصة في معركة (رجم الخمان) التي كانت المعركة الفاصلة لتضع حداً لتلك الاعتداءات، وقد غنم منور بن حديد في تلك المعركة راية ندى بن نهير، حيث شارك بها بدو البلقاء ((السبع قبائل)) بالاضاقة إلى عشيرة الفايز من بني صخر.
سطر أبطالنا البواسل في تلك المعارك صور مشرفة في الذود عن حمى الوطن بالشجاعة والشموخ، وقد سقط العديد من الشهداء ليكونوا قدوة ونبراساً لأجيالنا الحالية والمستقبلية ، نذكر منهم على سبيل المثال: «الشهيد بشير محمد الحويان، والشهيد بخيت سعود الرقاد، والشهيد علي الفارس الشوابكة، والشهيد سليمان العيسى القطارنة» وقد جرح الشيخ النوري الحديد في تلك المعركة، وقد استشهدوا اثناء تصديهم للغزو الاخيرة بأطراف عمّان.