اسطورة تاغنجا
أسطورة «تاغنجا» عادات وتقاليد احتفالية قديمة لاستدرار الغيث
بين الخرافة والدين الاسلامي
ارتبطت بطلب المطر، طقوس وعادات وتقاليد ، ضمنها خرفات وحكايات و واهازيج شعبية موروثة عن الأجداد، كتراث ثقافي شعبي مغربي، تعرفه جل مناطق المغرب، وبعض البلدان العربية، عند تأخر هطول المطر أو انحباسه، لكون الماء كان ولازال مصدر الحياة و الرزق عند جميع ، مصداقا لقوله تعالى )وخلقنا من الماء كل شيء حي(.
وقد أفرد التراث الشعبي المغربي، مساحة مهمة لأهازيج المطر، تلك التي دأب الأطفال والنساء ،وحتى الرجال ايضا، على التغني بها، وخاصة كلما انحبس المطر وتأخر، واشتدت الحاجة اليه.
ترى ماذا تعني هذه كلمة « تاغنجا » ؟
انها اسم لشخصية أسطورية ، على شكل عروس خرافية ، ما تزال تعيش وتعشش في المعتقد الشعبي المغربي، وفي مخيلة نساء البادية ورجالها الذين لا يمكنهم الكسب من دون مطر، لاعتمادهم على الفلاحة بدرجة أولى، التي تعتمد بدورها على الأمطار. و« تاغنجا » وسيلة للتبرك ما يزالوا غالبية الناس، يعتقدون بها وبقدرتها على مساعدتهم على طلب الغيث وأمطار الخير والنماء . وأصلها كلمة أمازيغية، معناها معلقة مصنوعة من الخشب، كانت تلف بقطع من الثوب ،حتى تصبح على شكل مجسم عروس، وتربط بقصبة لتكون طويلة، وتحمل من طرف طفلة صغيرة، غالبا ما تكون يتيمة، يتجمهر حولها بنات وأطفال الحي ، ليجوبوا بها ، جواب الدوار بالبوادي، وأزقة و شوارع الأحياء الشعبية بالمدينة، مبتهجين بهذه المناسبة التي توارثتها الأجيال ، أبا عن جد، منشدين مجموعة من الأهازيج، وغالبا ما يكاد هؤلاء صبية الصغار الابرياء من كل المعاصي والذنوب، يكملون جولتهم حتى تمطر السماء. وهنا السؤال الكبير: هل هي الصدفة؟ أم أنه القدر قد شاء؟
وبالمناسبة ، وبحكم اهتمامي بالتراث الشعبي المغربي، أبيت الا أن أتابع عن كتب ، بأحد دواوير جماعة أولاد حمدان، طقوس « تاغنجا » بالرغم من ايماني وعلمي بأن الاسلام قد أبطلها، و أنها مجرد عادات وتقاليد قديمة، تدخل ضمن الخرافات والأساطير، يلجأ اليها الناس ، كلما انحبس المطر مضطرين مكرهين لا أبطالا. تتشبث بها نساء البادية ، و ان كان الجميع يعتبرها خرافات، فهن يقدرنها ، كتقليد دأب عليه أجدادهن، وهن واعيات كل الوعي بأنه ليس شركا بالله، وانما عرف و عادة محترمة. تقول احدى العجوزات : ) بقات عادة كبرنا معلها وغدية تبقى لولادنا، وكنطلبو الشتاء من الله عز وجل القادر على كل شيء( و يقول رجل عمره تجاوز الستين "الشتاء كنطلبوها من الله، لكن تاغنجا بقات عادة كبرت معانا، وكنديرو الصبيان في القدام باش ربي كيرحمنا".
في البداية استشارة نسوة الدوار مع رجالهن، في موضوع طلب المطر، فلم يمانعوا، لحاجتهم الشديدة الى المطر، وقد بدأ الزرع والنبت يصفر، بسبب الحرارة وانحباس المطر. فاجتمع النسوة، وقررن الخروج طلبا للغيث، وبدأ ت جولتهن ،مصحوبين بالرجال، انطلاقا من الدوار، في مسيرة تقشعر لها الأجساد، يسير في المقدم البنات و الأطفال الصغار، وأخذ الجميع يتجول في الدوار وكلما وصلوا الى خيمة ، مدهم صاحبها بمساهمة أما نقدية أو عبارة عن مقدار من الحبوب ، شعيرا أو قمحا، كان الرجال يتكلفون بجمعه، ويحملونه على ظهر بعض الدواب، ومع طواف يكثر عدد المشاركين في هذه المسيرة الاجتماعية الشعبية السليمة، طلب للغيث. ولما طافوا بالدوار توجهوا صوب دوار مجاور، وقاموا بنفس الجولة، والصبية يرددون الأرجوزة الشهيرة «تاغنجا.. تاغنجا.. يا ربي تصب الشتا»، وأيضا «السبولة عطشانة غيتها يا مولانا..»، وخلال تلك الجولة ، التي دامت أربع ساعات مشيا على الأقدام، كانوا يضربون موعدا بينهم ، على أساس الاجتماع ليلا مباشرة بعد صلاة المغرب ، بمسجد الدوار، لتناول طعام «الصدقة» مولانا..»، كان الجميع يمشي وأعينهم إلى السماء طلبا للغيث ، والنساء ترشن الماء على بعضهن البعض وعلى الأطفال.
ولما أكموا الجولة، تكلف بعض الرجال بشراء مستلزمات عشاء «الصدقة» والبعض الأخر تكلف ببناء خيمة، لأن مسجد الدوار صغير المساحة، بينما بدأت بعض النسوة تهيء أدوات الطبخ. بعد مغرب الشمس اجتمع الجميع في جو روحاني، النساء يهيئن الكسكس، والرجال يستمعون الى آيات بينات من الذكر الحكيم، يتلوها تلة من حفظة القرآن الكريم، وبين الفينة والاخرى يرفعون أكف الدعاء الى الله تعالى ، طالبا الغيث مرددين: اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت.
أما الصبية الصغار فلم يغالبهم التعب ولا النوم، بل ظلوا ينشدون« تاغنجا تاغنجا يا ربي تصب الشتا»، وهم يرشون بعضهم البعض بالماء، كأنها زخات مطرية، واستغل المناسبة بعض الشباب ، وبتعليمات من احدى النساء ، اخرجوا بقرة لونها يميل الى الأحمر، و اخذوا يطوفون بها، رحاب الدوار، الى أن تبولت ، فعادوا الى حيث يجتمع سكان الدوار، فرحين بما حدث، ولما اخبروا النسوة بأن البقرة قد بالت، تعالت الزغاريد، وهن يعتقدن أن تبول البقرة مؤشر على نزول المطر . وبعد تناول العشاء ختموا المناسبة بدعاء جماعي الى الله عز وجل ، اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت.
*** نظرة الدين الاسلامي الى هذه الأساطير:
هذه أساطير وخرافات وحكايات وأهازيج، وعادات وتقاليد شعبية قديمة قدم البشرية. أبطلها الاسلام جملة وتفصيلا. وجعل الدعاء والتضرع الى الله الوسيلة الوحيدة لاستنزال المطر. أما كيفية الاستسقاء فنجدها في السنة النبوية الشريفة ، يقول ابن القيم :ثبت عن الرسول [ص] انه استسقى على وجوه : أحدها يوم الجمعة على المنبر في اثناء خطبته وقال : اللهم اغثنا، اللهم اغثنا، اللهم اسقنا . الثاني انه [ص] وعد الناس يوما يخرجون فيه الى المصلى، فخرج، لما طلعت الشمس، متواضعاً، متبذلاً، متخشعاً، متوسلاً، متضرعاً ، ولما وافى المصلى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وكبره، وكان مما حـُفظ من خطبته ودعائه :" الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ، لا إله إلا الله يفعل ما يريد ، اللهم انت الله تفعل ما تريد ، اللهم لا إله إلاّ انت ، انت الغني ونحن الفقراء ، انزل علينا الغيث واجعل ما انزلته علينا قوة وبلاغاً الى حين ، ثم رفع يديه وأخذ في التضرع والابتهال والدعاء وبالغ في الرفع حتى بدا بياض ابطيه ، ثم حوّل الى الناس ظهره واستقبل القبلة وحوّل اذْ ذاك ردائه وهو مستقبل القبلة فجعل الايمن على الايسر والايسر على الايمن وظهر الرداء لبطنه وبطنه لظهره وأخذ في الدعاء مستقبلاً القبلة والناس كذلك، ثم نزل فصلى بهم ركعتين كصلاة العيد من غير اذان ولا إقامة ولا نداء البتة ، جهر فيهم بالقراءة، وقرأ في الاولى بعد فاتحة الكتاب :سبح اسم ربك الاعلى، وفي الثانية : هل أتاك حديث الغاشية. الوجه الثالث : انه استسقى على منبر المدينة استسقاء مجرداً في غير يوم جمعة، ولم يـُحفظ عنه [ص] في هذا الاستسقاء صلاة .
الوجه الرابع انه استسقى وهو جالس في المسجد . الوجه الخامس : انه استسقى عند احجار الزيت قريباً من الزوراء ، خارج باب المسجد الذي يـُدعى باب السلام . الوجه السادس : انه استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون الى الماء فأصاب المسلمين العطش فشكوا الى الرسول [ص] ، وقال بعض المنافقين : لو كان نبياً لاستسقى لقومه كما استسقى موسى لقومه ، فبلغ ذلك النبي [ص] فقال : أوَ قد قالوها، عسى ربكم ان يسقيكم، ثم بسط يديه ودعا فما ردّ يديه من دعائه حتى اظلّتهم السحاب وأُمطروا فأفعم السيل الوادي فشرب الناس وارتووا، وحـُفظ من دعائه : اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً خصيباً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل.
محمد الغوات