فضاءات شنهور

شنهور

فضاء الثقافة والمواضيع العامة

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
الطيب سيد أحمد محمد
مسجــل منــــذ: 2011-02-13
مجموع النقط: 1458.41
إعلانات


أشجع الناس


(أشجع الناس):
قيل: دخل عمر بن معد يكرب الزبيدي على عمر بن الخطاب، رضي الله عنه فقال عمر: أخبرني عن أجبن من لقيت وأحيل من لقيت وأشجع من لقيت.
أما عن أشجع من لقيت فقد قال عمر بن معد يكرب :
خرجت مرة حتى انتهيت إلى موضع كنت أقطع فيه الطريق فلم أر أحداً، فأجريت فرسي يميناً وشمالاً وإذا أنا بفارس، فلما دنا مني، فإذا هو غلام حسن نبت عذاره من أجمل من رأيت من الفتيان، وأحسنهم. وإذا هو قد أقبل من نحو اليمامة، فلما قرب مني سلم علي ورددت عليه السلام وقلت: من الفتى؟ قال: الحارث بن سعد فارس الشهباء.
فقلت له: خذ حذرك فإني قاتلك! فقال: الويل لك، فمن أنت؟ قلت: عمرو بن معد يكرب الزبيدي.
قال: الذليل الحقير، والله ما يمنعني من قتلك إلا استصغارك.
فتصاغرت نفسي، يا أمير المؤمنين، وعظم عندي ما استقبلني به. فقلت له: دع هذا وخذ حذرك فإني قاتلك، والله لا ينصرف إلا أحدنا.
فقال: اذهب، ثكلتك أمك، فأنا من أهل بيت ما أثكلنا فارس قط.
قلت: هو الذي تسمعه.
قال: اختر لنفسك فإما أن تطرد لي، وإما أن أطرد لك.
فاغتنمتها منه فقلت له: أطرد لي.
فأطرد وحملت عليه فظننت أني وضعت الرمح بين كتفيه فإذا هو صار حزاماً لفرسه ثم عطف علي فقنع بالقناة رأسي وقال: يا عمرو خذها إليك واحدةً، ولولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك.
قال: فتصاغرت نفسي عندي، وكان الموت، يا أمير المؤمنين أحب إلي مما رأيت، فقلت له: والله لا ينصرف إلا أحدنا. فعرض علي مقالته الأولى فقلت له: أطرد لي، فأطرد فظننت أني تمكنت منه فاتبعته حتى ظننت أني وضعت الرمح بين كتفيه. فإذا هو صار لبباً لفرسه، ثم عطف علي فقنع بالقناة رأسي وقال: خذها إليك يا عمرو ثانية.
فتصاغرت علي نفسي جداً، وقلت: والله لا ينصرف إلا أحدنا فاطرد لي، فاطرد حتى ظننت أني وضعت الرمح بين كتفيه فوثب عن فرسه، فإذا هو على الأرض فأخطأته فاستوى على فرسه واتبعني حتى قنع بالقناة رأسي! وقال: خذها إليك يا عمرو ثالثة، ولولا كراهتي لقتل مثلك لقتلتك.
فقلت: اقتلني أحب إلي ولا تسمع فرسان العرب بهذا.
فقال: يا عمرو، إنما العفو عن ثلاث، وإذا استمكنت منك في الرابعة قتلتك وأنشد يقول:
وكدت إغلاظاً من الإيمان ... إن عدت يا عمرو إلى الطعان
لتجدن لهب السنان ... أولاً فلست من بني شيبان
فهبته هيبة شديدة، وقلت له: إن لي إليك حاجة.
قال: وما هي؟ قلت: أكون صاحباً لك.
قال: لست من أصحابي.
فكان ذلك أشد علي وأعظم مما صنع، فلم أزل أطلب صحبته حتى قال: ويحك أتدري أين أريد؟ قلت: لا والله.
قال: أريد الموت الأحمر عياناً.
قلت: أريد الموت معك.
قال: امض بنا.
فسرنا يومنا أجمع حتى أتانا الليل ومضى شطره. فوردنا على حي من أحياء العرب، فقال لي: يا عمرو في هذا الحي الموت الأحمر فإما أن تمسك علي فرسي فأنزل وآتي بحاجتي، وإما أن تنزل وأمسك فرسك فتأتيني بحاجتي.
فقلت: بل أنزلت أنت. فأنت أخبر بحاجتك مني.
فرمى إلي بعنان فرسه ورضيت والله يا أمير المؤمنين بأن أكون له سائساً، ثم مضى إلى قبة فأخرج منها جارية لم تر عيناي أحسن منها حسناً وجمالاً، فحملها على ناقة ثم قال: يا عمرو، فقلت: لبيك! قال: إما أن تحميني وأقود الناقة أو أحميك وتقودها أنت؟ قلت: لا بل أقودها وتحميني أنت.
فرمى إلي بزمام الناقة ثم سرنا حتى أصبحنا. قال: يا عمرو قلت: ما تشاء؟ قال: التفت فانظر هل ترى أحداً؟
فالتفت فرأيت رجالاً فقلت: اغذذ السير. ثم قال: يا عمرو انظر إن كانوا قليلاً فالجلد والقوة وهو الموت الأحمر. وإن كانوا كثيراً فليسوا بشيء.
فالتفت وقلت: وهم أربعة أو خمسة.
قال: اغذذ السير ففعلت. ووقف وسمع وقع حوافر الخيل عن قرب فقال: يا عمرو. كن عن يمين الطريق وقف وحول وجه دوابنا إلى الطريق ففعلت ووقفت عن يمين الراحلة ووقف عن يسارها ودنا القوم منا وإذا هم ثلاثة أنفار: شابان وشيخ كبير، وهو أبو الجارية والشابان أخواها. فسلموا فرددنا السلام. فقال الشيخ: خل عن الجارية يا ابن أخي.
فقال: ما كنت لأخليها ولا لهذا أخذتها.
فقال لأحد ابنيه: اخرج إليه، فخرج وهو يجر رمحه فحمل عليه الحرث وهو يقول:
من دون ما ترجوه خضب الذابل ... من فارس ملثم مقاتل
ينمي إلى شيبان خير وائل ... ما كان يسري نحوها بباطل
ثم شد على ابن الشيخ بطعنة قد منها صلبه، فسقط ميتاً، فقال الشيخ لابنه الآخر: اخرج إليه فلا خير في الحياة على الذل، فأقبل الحرث وهو يقول:
لقد رأيت كيف كانت طعنتي ... والطعن للقرم الشديد الهمة
والموت خير من فراق خلتي ... فقتلتي اليوم ولا مذلتي
ثم شد على ابن الشيخ بطعنة سقط منها ميتاً، فقال له الشيخ: خل عن الظعينة يا ابن أخي، فإني لست كمن رأيت، فقال: ما كنت لأخليها، ولا لهذا قصدت.
فقال الشيخ: يا ابن أخي اختر لنفسك فإن شئت نازلتك وإن شئت طاردتك فاغتنمها الفتى ونزل فنزل الشيخ وهو يقول:
ما أرتجي عند فناء عمري ... سأجعل التسعين مثل شهر
تخافني الشجعان طول دهري ... إن استباح البيض قصم الظهر
فأقبل الحارث وهو ينشد ويقول:
بعد ارتحالي ومطال سفري ... وقد ظفرت وشفيت صدري
فالموت خير من لباس الغدر ... والعار أهديه لحي بكر
ثم دنا فقال له الشيخ: يا ابن أخي إن شئت ضربتك، فإن أبقيت فيك بقية فيَّ فاضربني، وإن شئت فاضربني. فإن أبقيت بقية ضربتك.
فاغتنمها الفتى وقال: أنا أبدأ فقال الشيخ: هات ، فرفع الحارث يده بالسيف فلما نظر الشيخ أنه قد أهوى به إلى رأسه ضرب بطنه بطعنة قد منها أمعاءه ووقعت ضربة الفتى على رأس الشيخ فسقطا ميتين. فأخذت يا أمير المؤمنين أربعة أفراس وأربعة أسياف ثم أقبلت إلى الناقة فقالت الجارية: يا عمرو: إلى أين ولست بصاحبتك ولست لي بصاحب ولست كمن رأيت. فقلت: اسكتي.
قالت: إن كنت لي صاحباً فأعطني سيفاً أو رمحاً فإن غلبتني فأنا لك وإن غلبتك قتلتك.
فقلت: ما أنا بمعط ذلك. وقد عرفت أهلك وجراءة قومك وشجاعتهم.
فرمت نفسها عن البعير ثم أقبلت تقول:
أبعد شيخي ثم بعد أخوتي ... يطيب عيشي بعدهم ولذتي
وأصحبن من لم يكن ذا همةٍ ... هلا تكون قبل ذا منيتي
ثم أهوت إلى الرمح وكادت تنزعه من يدي. فلما رأيت ذلك منها خفت إن ظفرت بي قتلتني. فقتلتها. فهذا يا أمير المؤمنين أشجع من رأيت.
_________________


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة