جحدر بن ربيعة العكلي
جحدر بن ربيعة العكلي، كان بطلاً شجاعاً فاتكاً مغيراً شاعراً، قهر أهل اليمامة، وأبادهم، فبلغ ذلك الحجاج بن يوسف، فكتب إلى عامله يوبخه بتغلب جحدر عليه، ويأمر بالتجرد له حتى يقتله، أو يحمله إليه أسيراً، فوجه العامل إليه فتية من بني حنظلة، وجعل لهم جعلاً عظيماً إن هم قتلوا جحدراً أوأتوا به أسيراً، فتوجه الفتية في طلبه حتى إذا كانوا قريباً منه أرسلوا يقولون له: إنهم يريدون الانقطاع إليه والارتفاق به، فوثق بذلك منهم، وسكن إلى قولهم، فبينما هومعهم يوماً إذ وثبوا عليه فشدوه وثاقاً، وقدموا به على العامل، فوجه به إلى الحجاج معهم، فلما قدموا به عليه ومثل بين يديه قال له: أنت جحدر؟ قال: نعم. أصلح الله الأمير. قال: ما جرأك على ما بلغني عنك؟ قال: أصلح الله الأمير: كلب الزمان، وجفوة السلطان وجرأة الجنان. قال: وما بلغ من أمرك. قال: لو ابتلاني الأمير، وجعلني مع الفرسان لرأى مني ما يعجبه، قال: فتعجب الحجاج من ثبات عقله، ومنطقه، ثم قال: يا جحدر إني قاذف بك في حاجر فيه أسد عظيم، فإن قتلك كفانا مؤنتك، وإن قتلته عفونا عنك. قال: أصلح الله الأمير قرب الفرج إن شاء الله تعالى، فأمر به، فصفدوه بالحديد، ثم كتب إلى عامله أن يرتاد له أسداً ويحمله إليه، فتحيل العامل وارتاد له أسداً كان كاسراً خبيثاً قد أفنى عامة المواشي، فتحيلوا حتى أخذوه وصيروه في تابوت وسحبوه على عجل، فلما قدموا به على الحجاج أمر به فألقي في الحاجر ولم يطعم شيئاً ثلاثة أيام حتى جاع واستكلب، ثم أمر بجحدر أن ينزلوه إليه، فأعطوه سيفاً وأنزلوه إليه مقيداً، وأشرف الحجاج والناس حوله ينظرون إلى الأسد ما هو صانع بجحدر، فلما نظر الأسد إلى جحدر نهض ووثب وتمطى وزعق زعقة دويت منها الجبال، وارتاعت أهل الأرض، فشد عليه جحدر، وهو ينشد ويقول:
ليث وليث في مجال ضنك ... كلاهما ذو قوة وسفك
وصولة وبطشة وفتك ... إن يكشف الله قناع الشك
فأنت لي في قبضتي وملكي
ثم دنا منه وضربه بسيفه ففلق هامته، فكبر الناس وأعجب الحجاج ذلك، وقال: لله درك ما أنجبك، ثم أمر به، فأخرج من الحاجز وفك عنه قيوده وقال له: اختر إما أن تقيم معنا فنكرمك، ونقرب من منزلتك وإما أن نأذن لك، فتلحق ببلادك وأهلك على أن تضمن لنا أن لا تحدث بها حدثاً، ولا تؤذي بها أحداً، قال: بل أختار صحبتك أيها الأمير، فجعله من سماره وخواصه، ثم لم يلبث أن ولاه على اليمامة. وكان من أمره ما كان.