الشيخ الرباني العلامة الحاج الحسين الافراني
×××××
هو الحاج الحسين بن الحاج أحمد بن الحاج بلقاسم بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الكريم بن علي بن عمارة الإفراني الإدريسي الحسين السوسي الملقب بشجاع الطريقة رجل ماجد من حيث جانب إن أردت التعريف به أذهلك بكماله وشموخه وتواضعه وعلما ازددت معرفة به، زاد تعظيمك له، نسبه الشريف متأصل متوارث، وأسرته عريقة مشهورة بالعلم والإصلاح والوجاهة تنتسب إلى محمد بن ادريس بن ادريس، كما حققه المترجم وعرف به. فقد كان مختصا في ،الأنساب ومعرفة البيوتات الشريفة بسوس بل له تأليف في الموضوع " تحفة الأكياس في أنساب الناس"
نشأته وأطوار تعليمه :
مسقط رأسه : ولد الحاج الحسين، على حد قول صاحب المعسول العلامة سيدي محمد المختار السوسي سنة 1248 هجرية الموافق لسنة 1832م، بقرية السوق بإفران (الأطلس الصغير) بواد سوس، المذكورفي كتب التاريخ بحيث أنجب العديد من العلماء والأدباء والصلحاء حتى أطلق عليه اسم وادي الأدباء والقبيلة التي ينتمي لها أهله تسمى "تانكرت".
نشأ بقرية السوق وترعرع وشب وعاش، فقد أباه في سن مبكرة فتولت أمه تربيته والإشراف على شؤونه وشؤون إخوته، كما اعتنت بتوجيهه في التعليم توجيها كاملا حتى أنها كانت تصاحبه إلى الجامع ذهابا وإيابا وتؤكد مع المعلم بتعليمه تجويد القرآن وإتقان المحفوظ منه على أن ختم حفظ الكتاب الكريم، ثم توجه بإشارة من أمه إلى مدرسة أدوز عند الفقيه العربي ين ابراهيم الأدوزي شيخ الجماعة بجزولة لأخذ مبادئ العلم الذي أمره أن يتفرغ لدراسته بعد أن علم أستاذه أنه بدأ يتلقى الطريقة التجانية وأمره أن لا يشتغل بها . ومن أساتذته سيدي سعيد بن عبد الله اللأساكي الإفراني وهو أول من أخذ عليه مبادئ العلم والأستاذ بن علي العركوبي وسيدي سعيد الإبرايمي والأستاذ أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن الجشتيمي.
وقد رحل إلى فاس أولا بمصاحبة رفيقه عبد الرحمان السالمي ومحمد بن براهيم الإفراني، وأخذ كذلك في مراكش من العلامة أكنسوس الذي أخذ عنه الطريقة التجانية، تم بعد ذلك أخذ أيضا من مصر فأدى في هذه الفترة فريضة الحج وكانت حجته الأولى.
استقر الحاج الحسين الإفراني بداره حوالي 1285 هجرية وأنه صار يجول في النوازل ويتصل بأهلها كالأستاذ محمد بن عبد الله الإلغي وكان يتردد على مجلس سيدي الحسين بن هاشم ومجلسه إذ ذاك بإليغ أعظم مجلس يضم أفذاذ علماء الجنوب السوسي كسيدي محمد بن عبد الله الأساكي وسيدي أحمد بن محمد بن عدي العركوبي وسيدي أحمد بن ابراهيم السملالي وسيدي محمد بن صالح التدارتي الباعمراني خصوصا في الرمضانات حيث يقام حفل عظيم للبخاري كما كانت العادة.
مكانته العلمية :
نال سيدي الحاج الحسين الإفراني شغوفا يتزايد مع مرور الآيام فكانت مكانته في التحصيل للمعارف، واتساع أخلاقه، ودماثة جانبه، تتسامى به شيئا فشيئا فكما صنفه العلامة المختار السوسي فهو صنو العلامة العربي الأدوزي وأخو الشيخ الإمام الحاج أحمد بن عبد الرحمان الجشتيمي علما وجلالة وهمة وتفوقا، بل له نواح أخرى ما عجزا عنه لاقتصارهما على الأخذ بسوس خاصة، فقد تافن في فاس وكرع في مصر، فخلط بين المشرق والمغرب، فانقاد له فضلهما، فالعلامة الإفراني خاض العلوم بسوس في عصره إلا أنه ضم إلى ما ورثه عن آله، وارتضعه من مشايخ جزولة، ما فاز به أثناء رحلات قام بها خارج جزولة فرجع منها بأفهام نادرة ملقحة بالروح الجديدة وبكتب نادرة استوعبها مطالعة، فاستوعب ما يشد به أقرانه كالأستاذ الأدوزي لابن العربي الذي يقول من أين للحاج الحسين ما يأتي به فعندنا من الكتب ما عنده، فكانت كلمة تدل من الأستاذ الأدوزي على انه لم يدرك بعد أن كل ما حوته خزائن سوس من الكتب ليس إلا كقلامة ظفر إزاء ما أظهرته هذه الأعصار من المطبوعات فضلا عن الآلاف المؤلفة من مخطوطات المكاتب الكبرى في الحواضر ففاز بذلك من اعمل الرحلة وتفان الرجال وبادل الأفكار.
فقد ارتضى العلامة الإفراني في المهمات، فإليه رفعت القضية التي كانت بين العلامة أحمد السملالي والفقيه التدرارتي، كما هو مبين في تراجيم التدرارتيين ومجالس رؤساء إجرض بتامانارت وإيلييغ بتزروالت واكلميم بوادي نون يزيده رفعة شأن وترددا على الألسنة، والناس مولعون طبيعة أن يكبروا من رأوه مع الأكابر وإن لم تكن له مزايا يكبر بها فكيف بمثل الحاج الحسين الإفراني الذي له مؤهلات كثيرة من نواح شتى تعلى مقامه في أوج قلما يناله الأفذاذ، ثم إن تردده في جولاته لم يقتصر على رؤساء الجنوب السوسي فقط، بل كانت له قدمات على رؤساء رأس الوادي وحاحة والمدن، فقد كان يتردد على شيخه الكنسوسي حين لا يزال حيا حتى نال من ورائه معاريف مما فتح الباب للعلامة الإفراني للاتصال بالدوائر المخزنية ممن كانوا يعتنقون الطريقة الأحمدية التجانية.
من أجل ذلك تمتع بشهرة طويلة عريضة قبل أن تأفل شمس القرن الماضي أو يرفل في حلة لحمتها علمه المتين، وسداها خلقه الرصين، وطرازها كرمه المعين فكان له في كل ميدان ذكر فكان مفتيا فنجد في فتواه اطلاعه وتعاليه إلى مصادر عالية بالنسبة إلى وسطه، تم يتطاول إلى الحديث مستدلا به وذلك ما لم يعهد عن أحد من أهل بلاده، ثم بينما هو مرسل لقلم الإفتاء، إذا به يمد له من ناحية أخرى رواقا متسعا من القضاء، فيقصده أرباب الخصومات ويرون منه ما لا يرون عنه كثيرين من معاصريه من كرم، ويرحب بهم أولا، ثم يفرش لهم مواطئ لبنة، ومن قله طمع فيما لديهم من وراء فض نوازلهم، على حين أن غالب أقرانه يماكسون من يقضون له كما يماكس البائع وراء معروض عرضه في السوق، فأين هذا من سيدي الحاج الحسين المتساهل الذي لا يطلب ما لم يكن مقدما إليه، ولا يفتح للمماكسة والمساومة حول النازلة باب، فبذلك كانت مثابته في إفران.
إذن هو مفت وقاض، ولكن هل نال ما نال بالفتوى والقضاء وحدهما. كلا، بل هناك التدريس أيضا، فقد حال فيه ما شاء الله، فكانت مدارس تازروالت، وأيت رخا، وسيدي بوعبلي، فيكون بالفتوى والقضاء والتدريس حازما حاز من الشفوف بين أقرانه الأعلين.
ومن كثرة اتصاله بأهل البيوتات الماجدة في سوس علا له شأن حتى كان كذلك عند البيوتات خارج سوس، فقد كان للاكلاويين فيه اعتقاد، وهو أستاذهم في الطريقة التجانية الأحمدية كما هو أستاذ أمثالهم فيها في سوس وبهذه الاتصالات تتوالى إليه الهدايا من الجميع، كما يختار أن يتصدر في المجامع. وإذا كان العلامة الإفراني من علماء المغرب الأفذاذ، فقد حمل إلى جانب لواء العلم والعرفان، لواء الطريقة الأحمدية التجانية وسعى في نشرها وكان قطبها في الجنوب المغربي بلا منازع إلى جنوب إفريقيا خلال أوساط القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين، ويحج إليه الناس من فاس ومراكش وغيرهما، لما متعه الله به من علم وفضل ومنهج في التربية فبذلك كان له الفضل الكبير في نشر الطريقة التجانية وتربية المريدين، فسجل التاريخ بمداد الفخر والاعتزاز آثاره القيمة ومنهاجه القويم وأفكاره النيرة وذوقه الرفيع ودوره الفعال في نشر العلم والإفتاء والقضاء والتأليف والوساطة بين السلطة والأمة وتربية الجميع
مكانته السياسية في تلك الفترة والدور الذي لعبه في استقرار منطقة سوس:
كانت للعلامة الإفراني المكانة المتقدمة في قلوب الناس فكان لاشك قذى في بعض الأعين، فقد كان له اتصال بإليغ وحين رجع سيدي محمد بن الحسين إلاليغي من عند السلطان مولانا الحسن الأول بقيادة قبائل منها إفران وكان آل العلامة الإفراني آل الحاج بلقاسم صاغية إيليغ من قبل هذا العصر فشاع في أفق تانكرت أن العلامة جاد في تطلب تنفيذ كلام سلطان البلاد وأن يتم ما صدر به أمره الشريف، فانقلب آل تانكرت على إيليغ عام1302ه، وبقي آل العلامة الإفراني يفون لإيليغ فتهمهم أهل تنكرت بالغدر وكان هذا سببا في مغادرة الحاج الحسين وأهله إفران إلى تغجيجت واستقر بها سنة 1306ه .
حقا كانت للعلامة الإفراني نظرة عامة فاق بها فقهاء عصره كافة وهي أنه لا يريد إلا أن يكون دائما في كفة الحكومة كيفما كان الأمر ويسعى في تنفيذ أوامرها وبهذا عرف طوال حياته.
وبعد وسائط رجع الحاج الحسين إلى داره فاسترجع ما كان له من مكانة فأقبلت عليه الوفود من كل جهة فتعالى شأنه فأفاض الله عليه من نعمه فكان انشغاله وهمه الكبير جمع الكتب والمخطوطات فلا تقع عينه على مطبوع أو مخطوط إلا اشتراه إن أمكن فينتقي ما يفيد حتى كانت خزانته أعظم خزانة في جهته.
كما كان يتردد إلى الحواضر فيزداد تعرفا بأكابر المغرب فأدرك في هذه الحقبة مركبة لا مثيل لها وبدأت الطريقة الأحمدية التجانية تنتشر على يده وكان وحده قطب رحاها في الجنوب، واتصل به القائد المدني الكلاوي آنداك فتلقنوا منه الطريقة، وكذلك بعض رؤساء حاحة فتكونت له في قلوب الناس شهرة ما بين فاس والحمراء إلى وادي نون، فذكره العلماء بعلمه الواسع والرؤساء ما خودون بسؤدده الذي أجهرهم مما لا يجدونه في كثير من علماء قطره. إلا أن التانكرتيين ورغم أن الحاج الحسين الإفراني لم يأخذ تأره منهم في عهد الجلوليين، مازالوا يحملوا ضغينتهم وحقدهم لما رأوه يتمتع به من مكانة وسؤدد، فما كادت الجيوش الجيلولية تنزاح عن سوس أوائل عام 1318ه حتى قامت تانكرت تفعل ما فعلوا برؤسائها الرسميين، فمالوا إلى دار الأستاذ فجعلوا أعاليها سافلها فنهبوا من المتاع والكتب الشيء الكثير (1600 مجلد)، وقد حرص الناس وخصوصا الطلبة أن يجمعوها من أيدي الناهبين، فكانت محنته الثانية من أهل إفران وكانت سبب مغادرته النهائية لبلده واستقر في مدينة تزنيت.
التحق العلامة الإفراني بتزنيت وبعد أن تيقنت الحكومة أنه ما أصابه كان بسبب موالاته لها، فاقتطعته دار أمضى فيها ما بقي من حياته فعرف فيها عزا ورفاهية فأقبلت إليه الإعانات من كل جهة وتوجه إلى داره الجميع وخصوصا النفلوسيين الذين خلفوا الجلوليين، وهكذا دائما تكون محن من أراد الله بهم خيرا، فإنه يكنز لهم مما أصابهم خيرا يجدونه في الحياة الدائمة يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا."أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم، فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين (صدق الله العظيم ).
وبعد استيلاء الجيوش النفلوسية على جميع القبائل وكان رئيسها الأعلى تيجاني الطريقة تفتحت الأبواب للعلامة الإفراني فترادفت عليه الهدايا وطفحت إلى غديره السيول وكان وجهه عند الناس نورا يستضاء به فكانت عتبة بابه كعتبة الآمال، فبدأ قياد الجنوب يترددون إليه، وكذلك رؤساء أزغار، فتسابقوا إلى مصاهرته تقويا بمركزه، فتزوج من عنده القائد مبارك البنيراني، والقائد سعيد المجاطي والقائد أحمد الإليغي فتسابق إليه الجميع وهو يماشي كل واحد بما يليق به ونشر الطريقة الأحمدية التجانية بسمعته وبقلمه وبكرمه، فأسس زاويته بتزنيت فزادت شهرته لدى المعتنقين لتلك الطريقة، فيردون إليه تبركا للقاء بصاحب الكرامات التي يتداولها أصحابه، فسافر إليه أناس من فاس وقد كانت له في فاس مكانة عند أهل الطريقة التجانية يرونه من أجل عملها فيسند إليه عليتهم سندها إلى الشيخ الأكبر سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه والعلامة الإفراني وإن نال ما نال من شهرة وسؤدد ومكانة عند الجميع لم يتجاوز منطقة التواضع الذي عرف به يوم لم يكن له هذا الشأن العظيم، والنفوس الشريفة لا تزداد بالرفعة إلا تواضعا.
وكانت الأواصر بين العلامة الإفراني وبين الدوائر المخزنية العليا بسبب ماقاساه من تلك المحن من أجل موالاته للحكومة فكان ذلك سبب إكماله بمسامع الجالس على العرش في الدولة العزيزية ولما ترقى المولى عبد الحفيظ إلى العرش بايعه العلامة الإفراني مع التزنيتيين
×××××
×××××