القناعة
القناعة
القناعة كنز لا يملكه إلا من آمن بحكمة الله قولا وعملا فيما قَسَم لخلقه....
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات .
ثم أما بعد :
فيا أيها الإخوة الكرام : يقول الله تعالى " أَهُمْ يَقْسِمُونَ رحمةَ ربِّكَ نحن قَسمْنَا بينَهُمْ معيشَتَهُمْ في الحياةِ الدُّنيا ورفعنا بعضَهُمْ فوق بعضٍ درجاتٍ ليتَّخِذَ بعضُهُمْ بعضاً سُخْريّاً ورحمةُ ربِّك خيرٌ ممَّا يَجمعون " ( الزخرف : 32 )
* عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ قَالَ: " قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافاً، وَقَنَّعَهُ اللّهُ بِمَا آتَاهُ " ) مسلم )
قال الشافعي – رحمه الله : .... *
رأيت القناعة رأس الغنى --- فصرت بأذيالها متمسك فلا ذا يراني على بابـــــه --- ولا ذا يراني به منهمك فصرت غنياً بلا درهــــم --- أمر على الناس شبه الملك
* قال الشافعي رحمه الله : .....
وجدت القناعة ثوب الغنى --- فصرت بأذيالها أمتسك
فألبسني جاهها حلــــــــــة --- يمر الزمان ولم تنتهك
فصرت غنيا بلا درهــــــم --- أمرعلى الناس كأني ملك
عن ابن عُمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تزالُ المسألةُ بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجههِ مزعةُ لحم " ( متفق عليه )
* عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" من أصابته ُفاقةُ فانزلها بالناس لم تسد فاقتهُ، ومن أنزلها بالله، فيُوشك الله له برزق عاجلٍ أو آجل " رواه أبو داود، والترمذي، وقال حديث حسن)
إخواني الكرام من تدبر هذه الآيات وهذه الأحاديث النبوية تبين له أن القناعة كنز لا يملكه إلا من آمن بحكمة الله قولا وعملا فيما قَسَم لخلقه ، تبين له أيضا أن الله عز وجل يريد العزة لعباده ....
ولذلك قال ابن القيم رحمه الله .... لا عيش في الدنيا إلا للقنوع باليسير ، فإنه كلما زاد الحرص على فضول العيش زاد الهم ، وتشتت القلب ، واستعبد العبد ....
فالقنوع لا يحتاج إلى مخالطة من هو فوقه ، ولا يبالى بمن هو مثله لأنه عنده ما هو عنده ، وإذا نظر من هو دونه وأقل منه حمد ربه ....
* أما والعياذ بالله غير القنوع فنراه دائما شارد الذهن ، مشتت فى جميع أموره ، غير راض بما قسمه له ربه . كسولا عن كل عمل شريف يقيه ذل السؤال ويكون سببا في عزته وكرامته .... نراه أيضا حقودا على جميع خلق الله حتى على من هو مثله .... نراه عبدا ذليلا لكل من يرى فيه مصلحته ، لا يهمه الحلال والحرام بخيلا حتى على نفسه ....
والطامة الكبرى أننا نرى من هؤلاء أخذوا الدين سترا لهم فارتدوا عباءة وعمامة العلماء ليتقربوا لأصحاب الجاه والسلطان من الفاسقين ليقروا لهم فسقهم ويؤولون آيات الله على حسب أهواءهم يلبسون الحق بالباطل ليضلوا العامة من الناس ، هؤلاء هم أصحاب الهوى .... طلبوا لذيذ العيش وسكن القصور .... فأذروا بدينهم ، وأغضبوا ربهم ، وذلوا لغيرهم .... ترددوا على الأمراء فاستعبدوهم ، ورأوا فيهم المنكرات فلم ينهوهم ، يمدحونهم إما لطلب عطاء أو اتقاء شرهم ....هؤلاء هم شرار الخلق .... أعاذنا الله منهم ووقانا شرهم .... أقول قولي هذا واستغفر الله تعالى لي ولكم ...
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .....