الصبر
الصبر
--------
ثمن الجنة :
من ظن أن طريق الإيمان مفروشة بالأزهار والرياحين، فقد جهل طبيعة الإيمان بالرسالات، وطبيعة الأعداء، يقول تعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)} [العنكبوت: 1 - 2]،وقال أيضا: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا} [البقرة: 214] الجنة إذن لا بد لها من ثمن، وهي سلعة غالية، فلا مفر من الثمن، وقد دفعه أصحاب الدعوات من قبل، فلا بد أن يدفعه إخوانهم من بعد.
بيان من الله :
يقول تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].
فالبلاء هنا بلاء عام، يصيب القلوب بالخوف، والبطون بالجوع، والأموال بالنقص، والأنفس بالموت، والثمرات بالآفات، ومن لطف الله تعالى ورحمته بالناس هنا أنه جعل البلاء {بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} [البقرة: 155] وتنكير شيء هنا للتقليل والتحقير، لأن ما هو أكبر وأكثر لا يطيقونه، فمسهم بشيء قليل من البلاء، تخفيفًا عنهم، وقال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: 186] فوصف الله الأذى المسموع من أهل الكتب والمشركين بالكثرة (أذى كثيرًا) وهذا يدل على أن حربًا كلامية ستعلن على أهل الإيمان.
لا لأخلاق الأطفال :
الصبر من عناصر الرجولة الناضجة، فإن أثقال الحياة لا يطيقها المهازيل، والمرء إذا كان لديه متاع ثقيل يريد نقله، لم يستأجر أطفالاً أو مرضى إنما ينتقي له ذوي الكواهل الصلبة، ومن ثم كان نصيب القادة من العناء والبلاء مكافئ لما أوتوا من مواهب ولما أدوا من أعمال.
وهذا قائد أمريكي يقول: لا تسأل الله أن يخفف حملك، ولكن اسأل الله أن يقوي ظهرك، وإن خفة الحمل وفراغ اليد، وقلة المبالاة، صفات قد يظفر الأطفال منها بقسط كبير، لكن مشاغل العيش وهموم الواجب ومرارة الكفاح واستدامة السعي، هي أخلاق المجاهدين البنائين.
الصبور :
هو الذي لا يستعجل في معاقبة العاصين وتأديب المذنبين، وهو الذي لا تضره المعاصي، وهو الآخذ بالنواصي، وهو الذي إذا قابلته بالجفاء قابلك بالإحسان، وإذا واجهته بالعصيان أقبل عليك بالغفران، أما صبر المولى عز وجل على العاصي وعدم أخذه بالعقوبة العاجلة فظاهر في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس أحد أو ليس شيء أصبر على أذى يسمعه من الله، إنهم ليدعون له ولداً وإنه ليعافيهم ويرزقهم" فعبد الصبور لا يستعجل دفع الملمات وما أمره الله به من الطاعات.
غالب أعداءك :
الصبر واجب لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]، وصيغة المصابرة تفيد مفاعلة من جانبين، والمعنى هنا مغالبة الأعداء في الصبر، وذلك أننا إذا كنا نصبر على حقنا، فإن المشركين يصبرون على باطلهم، فلابد أن نغلبهم بصبرنا، وأن يكون صبرنا آكد وأقوى، ولذا حكى القرآن عن المشركين استمساكهم بالصبر على ضلالهم وشركهم وتواصيهم بذلك: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص: 6] فالصبر مع نفسك، والمصابرة: بينك وبين عدوك، والمرابطة: الثبات وإعداد العدة. وكما أن الرباط لزوم الثغر لئلا يهجم منه العدو فكذلك الرباط أيضًا، لزوم ثغر القلب، لئلا يهجم منه الشيطان فيملكه أو يخربه.
عجبًا لك :
عن أبي يحيى صهيب بن سنان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له" [رواه مسلم].
اتق الله :
عن أنس قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - على امرأة تبكي عند قبر فقال:"اتقي الله واصبري" فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه فقيل لها: إنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تجد عنده بوابين فقالت: لم أعرفك، فقال: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى" [متفق عليه].
امرأة من أهل الجنة :
عن عطاء بن أبي رباح: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي- صلى الله عليه وسلم -فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله تعالى لي قال:"إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك" فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها. [متفق عليه].
بشرى :
عن أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" [متفق عليه].
وعن ابن مسعود قال: دخلت على النبى - صلى الله عليه وسلم - وهو يوعك فقلت: يا رسول الله إنك توعك وعكًا شديدًا قال: "أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم" قلت: ذلك أن لك أجرين؟ قال: "أجل ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته، وحُطت عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها" [متفق عليه].