بشـرى الكئيب بلقــاء الحبيب
بشـرى الكئيب
بلقــاء الحبيب
للإمام الحافظ علامة عصره:
جـلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السـيوطي
المتوفى سنة 911 هجرية
مقدمـة المؤلـف.. 1
ذكر فضل الموت وأنه خير من الحياة 2
ذكر أن الموت انتقال من دار ضيَّقة إلى دار واسعة 3
ذكر ما يلقاه المؤمن عند قبض روحه من الكرامة 3
ذكر ملاقاة الأرواح للميت إذا خرجت روحه واجتماعهم به وسؤالهم عنه 6
ذكر معرفة الميت لمن يغسله ويجهزه 6
ذكر بكاء السماء والأرض على الميت.. 7
ذكر تخفيف ضمة القبر على المؤمن. 7
ذكر الترحيب بالمؤمن في القبر. 7
ذكر ما يبشر به المؤمن عند سؤال منكر ونكير. 7
ذكر ألم المؤمن في قبره 9
ذكر صلاة الموتى في قبورهم. 10
ذكر قراءة الموتى في قبورهم. 10
ذكر تعليم الملائكة المؤمن القرآن في قبره 11
ذكر كسوة المؤمن في قبره 11
ذكر الفراش للمؤمن في قبره 11
ذكر تزاور الموتى في قبورهم. 11
ذكر علم الموتى بزوارهم وأنسهم بهم. 12
ذكر مقر الأرواح. 13
ذكر رضاع أطفال المؤمنين وحضانتهم. 16. 17
مقدمـة المؤلـف
بســم الله الرحمـن الرحيـم
الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، هذا كتاب سمَّيته: (بشرى الكئيب بلقاء الحبيب) لخصته من كتابي الكبير الذي ألَّفته في أحوال البرزخ فصَّيرته على البشرى بما يلقاه المؤمن عند موته وفي قبره من التكريم والترحيب، وبالله التوفيق.
ذكر فضل الموت وأنه خير من الحياة
عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحفة المؤمن الموت).
وعن الحسين بن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الموت ريحانة المؤمن).
وعن عائشة-رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الموت غنيمة المؤمن).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدنيا سجن المؤمن وسنته، فإذا فارق الدنيا فارق السجن والسنة).
وعن عبد الله بن عمرو قال: (الدنيا جنة الكافر وسجن المؤمن، وإنما مثل المؤمن حين تخرج نفسه كمثل رجل كان في سجن فأخرج منه، فجعل يتقلب في الأرض ويتفسح فيها).
وعن عبد الله بن عمرو قال: (الدنيا سجن المؤمن، فإذا مات يخلى سربه يسرح حيث يشاء).
وعن ابن مسعود قال: (الموت تحفة لكل مسلم).
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الموت كفَّارة لكل مسلم).
وعن الربيع بن خثيم قال: (ما من غائب ينتظره المؤمن خير له من الموت).
وعن مالك بن مغول قال: (بلغني أن أول سرور يدخل على المؤمن الموت، لما يرى من كرامة الله تعالى وثوابه).
وعن ابن مسعود قال: (ليس للمؤمن راحة دون لقاء الله).
وعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: (ما مِن مؤمن إلا والموت خير له، وما من كافر إلا والموت شر له،فمن لم يصدقني فإن الله تعالى يقول: {وَما عِندَ اللَهِ خَيرٌ لِلأَبرارِ} ويقول: {وَلا يَحسَبَنَّ الَّذينَ كَفَروا أَنَّما نُملي لَهُم خَيرٌ}.
وعن ابن مسعود قال: ما من بر ولا فاجر إلا والموت خير له من الحياة إن كان براً، فقد قال الله تعالى: {وَما عِندَ اللَهِ خَيرٌ لِلأَبرارِ} وإن كان فاجراً،فقد قال الله تعالى: {وَلا يَحسَبَنَّ الَّذينَ كَفَروا أَنَّما نُملي لَهُم خَيرٌ لِأَنفُسِهِم إِنَّما نُملي لَهُم لِيَزدادوا إِثماً وَلَهُم عَذابٌ مُهينٌ}.
وعن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهم حبِّب الموت إلى من يعلم أني رسولك).
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إِن حفظت وصيتي فلا يكون شيء أحب إليك من الموت).
وعن أبي الدرداء قال: (ما أهدى إليَّ أخ هدية أحبَّ إلىّ من السلام، ولا بلغني عنه خبر أحب من موته).
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (أتمنى لحبيبي أن يعجل موته).
وعن محمد بن عبد العزيز التيمي قال: قيل لعبد الأعلى التيمي: (ما تشتهي لنفسك ولمن تحب من أهلك؟ قال: الموت).
وعن ابن عبيد الله أنه قال لمكحول: أتحب الجنة؟ قال: ومن لا يحب الجنة، قال: (فأحب الموت فإنك لن ترى الجنة حتى تموت).
وعن حبان بن الأسود قال: (الموت خير يوصل الحبيب إلى الحبيب).
عن مسروق قال: (ما من شيء خير للمؤمن من لحد، فمن لحد فقد استراح من هموم الدنيا وآمن من عذاب الله).
عن طاووس قال: (لا يحرز دين الرجل إلا حفرته).
وعن عطية قال: أنعم الناس جسداً في لحد قد أمن من العذاب).
وعن سفيان قال: (كان يقال للموت راحة للعابدين).
عن ربيعة بن زهير قال: قيل لسفيان الثوري كم تتمنى الموت، وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لو سألني ربي لقلت يا رب لثقتي بك وخوفي من الناس كأني لو خالفت واحداً فقلت حلوة، وقال: مرة لخفت أن يتعاطى دمي.
وقال الخطّابي أنشدنا بعض أصحابنا المنصور بن إسماعيل قد قلت:
إِذا مَدَحوا الحَياةَ فَأَكثَروا في المَوتِ أَلفَ فَضيلَةٍ لا تُعرَفِ
مِنها أَمانُ لِقائِهِ بِلِقائِهِ وَفِراقُ كُلِّ مُعاشِرٍ لا يُنصَفِ
قال الخطّابي:
يَبكي الرِجالُ عَلى الحَياةِ وَقَد ..... أَفنى دُموعي شَوقي إِلى الأَجَلِ
أَموتُ مِن قَبلِ أَنَّ الدَهرَ يَعثُرُ بي ..... فَإِنَّني أَبَداً مِنهُ عَلى وَجَلِ
ذكر أن الموت انتقال من دار ضيَّقة إلى دار واسعة
قال العلماء: الموت ليس بعدم محض، ولا فناء صرف،وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن، ومفارقة وحيلولة بينهما، وتبدل حال، وانتقال من دار إلى دار.
عن بلال بن سعد أنه قال: إنكم لن تخلقوا للفناء، وإنما خلقتم للخلود والأبد، ولكنكم تنتقلون من دار إلى دار.
عن بلال بن سعد أنه قال إنكم لن تخلقوا للفناء، وإنما خلقتم للخلود والأبد، ولكنكم تنتقلون من دار إلى دار.
وقال ابن القاسم: للنفس أربعة دور كل دار أعظم من التي قبلها.
الأولى: بطن الأم، وذلك محل الضيق والحصر والغم والظلمات الثلاث.
والثاني: هي الدار التي أنشأتها وألفتها واكتسبت فيها الشر والخير.
والثالثة: هي دار البرزخ وهو أوسع من هذه الدار وأعظم، ونسبة هذا الدار إليها كنسبة البطن إلى هذه.
والرابعة: هي دار القرار الجنة أو النار، ولها في كل دار من هذه الدور حكم وشأن غير شأن الأخرى. انتهى.
ومن مراسيل سليم بن عامر الحباري مرفوعاً: (إن مثل المؤمن في الدنيا كمثل الجنين في بطن أمه إذا خرج من بطنها بكى على مخرجه، حتى إذا رأى الضوء ورضع لم يحب أن يرجع إلى مكانه، وكذلك المؤمن يجزع من الموت فإذا مضى إلى ربه لم يحب أن يرجع إلى الدنيا كما لم يحب الجنين أن يرجع إلى بطن أمه).
أيضاً من مراسيل عمرو بن دينار: أن رجلاً مات. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أصبح هذا مرتحلاً من الدنيا، فإن قد رضي فلا يسره أن يرجع إلى الدنيا كما لا يسر أحدكم أن يرجع إلى بطن أمه).
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما شبهت خروج ابن آدم من الدنيا إلا كمثل خروج الصبي من بطن أمه من ذلك الغم والظلمة إلى روح الدنيا).
وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما على الأرض من نفس تموت ولها عند الله خير تحب أن ترجع إليكم ولها نعيم الدنيا وما فيها).
ذكر ما يلقاه المؤمن عند قبض روحه من الكرامة
عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس معهم أكفان من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس المطمئنة أُخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء، وإن كنتم ترون غير ذلك فيخرجونها فإذا أخرجوها لم يدعوها في يده طرفة عين، فيجعلونها في تلك الأكفان والحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا به إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة، فيقول الله تعالى: اكتبوا كتابه في عليين وأعيدوه إلى الأرض. فيعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسان فيقولان له: من ربك وما دينك؟ فيقول: الله ربي والإسلام ديني، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث إليكم وفيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله تعالى وآمنت به وصدقته، فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي، فافرشوا له من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من ريحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الثياب طيب الرائحة فيقول له: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت فوجهك يجىء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة رب أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي).
وأخرج ابن أبي الدنيا رضي الله عنه مرفوعا: (إن المؤمن إذا احتضر ورأى ما أعد الله له جعل يتهوع نفسه من الحرص على أن تخرج فهناك أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا احتضر ورأى ما أعد له جعل يتبلع نفسه كراهية أن تخرج، فهناك كره لقاء الله، وكره الله لقاءه).
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن ابن الخزرجي عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ونظر إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار فقال: يا ملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن، فقال ملك الموت: طب نفساً وقر عيناً واعلم أني بكل مؤمن رفيق).
وعن كعب أن إبراهيم عليه السلام قال لملك الموت: (أرني الصورة التي تقبض بها المؤمن، فأراه ملك الموت من النور والبهاء والحسن، فقال: (لو لم ير المؤمن عند موته من قرة العين والكرامة إلا صورتك هذه لكانت تكفيه).
عن الضحاك قال: (إذا قبض روح العبد المؤمن عرج به إلى السماء فينطلق معه المقربون، ثم عرج به إلى الثانية، ثم إلى الثالثة ثم إلى الرابعة، ثم إلى الخامسة، ثم إلى السادسة، ثم إلى السابعة حتى ينتهوا به إلى سدرة المنتهى فيقولون: ربنا عبدك فلان، وهو أعلم به، فيأتيه صك مختوم بأمانه من العذاب فذلك قوله تعالى: {كَلا إِنَّ الأَبرارَ لَفي عِلِيّين، وَما أَدراكَ ما عِلِيّون كِتابٌ مَرقومٌ يَشهَدُهُ المُقَرَّبونَ}.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة، وإدبار من الدنيا نزل ملائكة من السماء كأنهم وجوههم الشمس بكفنه وحنوطه من الجنة، فيقعدون حيث ينظر إليهم، فإذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك في السماء والأرض).
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ المؤمن إذا قبض أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فتخرج كالطيب وأطيب من ريح المسك حتى إنه يناوله بعضهم بعضا فيسمونه بأحسن الأسماء له حتى يأتوا به باب السماء فيقولون: ما هذه الريح التي جاءت من الأرض؟ وكلما أتوا سماء قالوا مثل ذلك حتى يأتوا به أرواح المؤمنين فلم يكن لهم فرح أفرح من أحدهم عند لقياه، ولا قدم على أحد كما قدم عليهم، فيسألونه ما فعل فلان بن فلان؟ فيقولون: دعوه حتى يستريح فإنه كان في غم الدنيا).
وأخرج البراء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (إن المؤمن إذا احتضر أتته الملائكة بحريرة فيها مسك وعنبر وريحان فتسل روحه كما تسل الشعرة من العجين، ويقال: أيتها النفس المطمئنة اخرجي راضية مرضياً عليك إلى رَوح الله وكرامته، فإذا خرجت روحه وضعت على ذلك المسك والريحان وطويت عليه الحريرة وذهب به إلى عليين).
وعن ابن عباس في قوله تعالى: {وَالسابِحاتِ سَبحاً} قال: (أرواح المؤمنين لما عاينت ملك الموت قال: اخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى روح وريحان ورب غير غضبان، سبحت سبح الغائص في الماء فرحاً وشوقاً إلى الجنة {فَالسابِقاتِ سَبقاً} يعني تمشي إلى كرامة الله عز وجل).
عن عبيد الله بن عمرو قال: إذا توفى الله العبد أرسل الله تعالى ملكين بخرقة من الجنة وريحان من الجنة فقالا: أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان، اخرجي فنعم ما قدمت، فتخرج كأطيب رائحة من المسك وجدها أحدكم بأنفه، وعلى أرجاء السماء ملائكة يقولون: سبحان الله لقد جاءنا من الأرض اليوم روح طيبة فلا يمر بباب إلا فتح له، ولا ملك إلى صلى عليه، ويشيع حتى يؤتى به ربه فتسجد الملائكة قبله، ثم يقولون: ربنا هذا عبدك فلان توفيناه وأنت أعلم به، فيقول: مروه بالسجود فتسجد النسمة، ثم يدعى ميكائيل فيقال اجعل هذه النسمة مع أنفس المؤمنين حتى أسألك عنها يوم القيامة. فيؤمر بقبره فيتسع له طوله سبعين وعرضه مثل ذلك فيبسط فيه الحرير، وإن كان معه شيء من القرآن نوره، وإلا جعل له نور مثل الشمس، ثم يفتح له باب إلى الجنة فينظر إلى مقعده في الجنة بكرة وعشية).
وعن الحسن قال: إذا احتضر المؤمن حضره خمسمائة ملك فيقبضون روحه، فيعرجون إلى السماء الدنيا فتلقاهم أرواح المؤمنين الماضية فيريدون أن يستخبروه فتقول الملائكة اِرفقوا به فإنه خرج من كرب عظيم، ثم يستخبرونه حتى يستخير الرجل عن أخيه وعن صاحبه فيقول: هو كما عهدت منه).
وعن أبى موسى الأشعري قال: تخرج نفس المؤمن وهي أطيب ريحاً من المسك، فتصعد بها الملائكة الذين يتوفونها فتلقاهم الملائكة دون السماء فيقولون من هذا الذي معكم؟ فيقولون: فلان، ويذكرونه بأحسن عمله، فيقولون: حياكم الله وحيا من معكم، فيفتح له أبواب السماء فيصعدونه من الباب الذي كان منه عمله فيشرق وجهه، فيأتي الرب ولوجهه برهان مثل الشمس).
وعن الضحاك في قوله تعالى: {وَاِلتَفَّتِ الساقُ بِالساقِ} قال: الناس يجهزون بدنه، والملائكة يجهزون روحه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لا يقبض المؤمن حتى يرى من البشرى، فإذا قبض نادى وليس في الدار دابة صغيرة ولا كبيرة إلا وهي تسمع صوته إلا الثقلين: الجن والإنس. تعجلوا بي إلى أرحم الراحمين، فإذا وضع على سريره قال: ما أبطأ ما تمشون، فإذا أُدخل في لحده أقعد فأري مقعده من الجنة وما أعد الله له، وملىء قبره من روح وريحان ومسك فيقول: يا رب قدمني، فيقال: إن لك إخوة وأخوات لم يلحقوا، ونم قرير العين).
وعن ابن جريج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: (إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا نرجعك إلى الدنيا؟ فيقول إلى دار الهموم والأحزان، قدماني إلى الله تعالى).
وعن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما قال: تخرج روح المؤمن في ريحانة، ثم قرأ (فَأَمّا إِن كانَ مِنَ المُقَرَّبينَ فَرَوحٌ وَرَيحانٌ وَجَنَّتُ نَعيمٍ}.
وعن قتادة رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى: {فَرَوحٌ وَرَيحانٌ} الروح والريحان يلتقي بهما عند الموت المؤمن.
وعن بكر بن عبيد الله قال: إذا أمر ملك الموت بقبض روح المؤمن أتى بريحان من الجنة، فقيل له اقبض روحه فيه.
وعن أبي عمران الجوني قال: بلغنا أن المؤمن إذا حضِّر أتى بضبائر الريحان من الجنة فيجعل روحه فيها.
وعن مجاهد قال: تنزع روح المؤمن في حريرة من حرير الجنة.
عن أبي العالية قال: لم يكن أحد من المقربين يفارق الدنيا حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه ثم يقبض).
عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أوَّل ما يُبشَّر به المؤمن في قبره أن يقال له: أبشر برضا الله والجنة، قدمت خير مقدم، قد غفر الله لمن يُشَيِّعُكَ إلى قبرك، وصدق من شهدك، واستجاب لمن يستغفر لك).
وعن أبي مسعود قال: إذا أراد الله قبض روح المؤمن أوحى إلى ملك الموت أقرئه مني السلام فإذا جاء ملك الموت يقبض روحه قال له: ربك يقرئك السلام.
عن محمد القرظي قال: إذا استبلغت نفس العبد المؤمن عاد ملك الموت فقال: السلام عليك يا ولي الله، الله يقرئك السلام، ثم قرأ هذه الآية {الَّذَينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبينَ يَقولُونَ سَلامٌ عَلَيكُم}.
وعن مجاهد قال: إن المؤمن لَيُبَشَّرُ بصلاح ولده من بعده لتقر عينه.
وعن الضحّاك في قوله تعالى: {لَهُمُ البُشرى في الحَياةِ الدُنيا وَفي الآخِرَةِ} قال: يعلم أين هو قبل الموت.
وعن مجاهد في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذينَ قالوا رَبُّنا اللَهُ ثُمَّ اِستَقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلا تَخافوا وَلا تَحزَنوا وَأَبشِروا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم توعَدونَ} قال: ذلك عند الموت.
وعن مجاهد في الآية قال: {أَلا تَخافوا وَلا تَحزَنوا وَأَبشِروا} أي لا تخافوا مما تقدمون عليه من الموت وأمر الآخرة، ولا تحزنوا على ما خلفتم من أمر الدنيا من ولد وأهل ودين، فإنا نستخلفكم في ذلك كله.
وعن زيد بن أسلم قال: (يؤتى المؤمن عند الموت فيقال له: لا تخف مما أنت قادم عليه فيذهب خوفه، ولا تحزن على الدنيا ولا على أهلها وأبشر بالجنة فيذهب خوفه، ولا تحزن على الدنيا فيموت وقد أقر الله عينه).
وعن الحسن أنه سئل عن قوله تعالى: {يا أَيَّتُها النَفسُ المُطمَئِنَّةُ اِرجِعي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً} قال: إن الله إذا أراد قبض روح عبده المؤمن اِطمأنت النفس إلى الله تعالى واطمأن الله إليها.
وقال البيهقي في المشيخة البغدادية:
سمعت أبا سعيد والحسن بن علي الواعظ يقول: سمعت محمد بن الحسن الواعظ يقول: سمعت أبي يقول: رأيت في بعض الكتب أن الله تعالى يظهر على كف ملك الموت بسم الله الرحمن الرحيم بخط من نور، ثم يأمره أن يبسط كفيه للعارف في وقت وفاته فيريه تلك الكتابة، فإذا رأتها روح العارف طارت إليه في أسرع من طرفة العين.
وعن ابن عباس مرفوعاً: (إذا أمر الله ملك الموت بقبض أرواح من استوجب النار من مذنبي أمتي قال: بشرهم بالجنة بعد انتقام كذا وكذا على قدر ما يعملون يحبسون في النار. فالله سبحانه أرحم الراحمين).
ذكر ملاقاة الأرواح للميت إذا خرجت روحه واجتماعهم به وسؤالهم عنه
عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل الرحمة من عباد الله تعالى، كما يلقون البشير من أهل الدنيا، ويقولن: انظروا صاحبكم يستريح فإنه كان في كرب شديد، ثم يسألونه ما فعل فلان، وفلانة تزوجت).
وعن أبي هريرة يرفعه: (إن المؤمن إذا نزل به الموت ويعاين ما يعاين يود لو خرجت روحه والله يحب لقاءه، وإن المؤمن تصعد روحه إلى السماء فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الدنيا).
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن روحي المؤمنين ليلتقيان مسيرة يوم وما رأى أحدهما صاحبه قط).
وعن ابن لبيبة قال: لما مات بشر بن البراء بن معرور، وجدت عليه أمه وجداً شديداً، فقالت: يا رسول الله لا يزال الهالك يهلك من بني سلمة، فهل تتعارف الموتى فأرسل إلى بشر السلام؟ قال نعم والذي نفسي بيده إنهم ليتعارفون كما يتعرف الطير في رؤوس الشجر).
وكان لا يهلك هالك من بني سلمة إلا جاءته أم بشر فقالت يا فلان عليك السلام، فيقول: وعليك، فيقول: اقرأ على بشر السلام.
وعن سعيد بن جبير قال: (إذا مات الميت استقبله ولده كما يستقبل الغائب).
وعن ثابت البنانى قال: بلغنا أن الميت إذا مات احتوشته أهله وأقاربه الذين تقدموه من الموتى، فلهم أفرح به وهو أفرح بهم من المسافر إذا قدم إلى أهله).
ذكر معرفة الميت لمن يغسله ويجهزه
عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت يعرف من يغسله ويحمله، ومن يكفنه ويدليه في حفرته).
وعن عمر بن دينار قال: ما من ميت يموت إلا وروحه في يد ملك ينظر إلى جسده كيف يغسل، وكيف يكفن، وكيف يمشى به، ويقال له وهو على سريره: اسمع ثناء الناس عليك.
عن سفيان قال: إن الميت ليعرف كل شىء حتى إنه ليناشد غاسله بالله إلا خففت على غسلي. قال: ويقال له وهو على سريره: اسمع ثناء الناس عليك.
وعن بكر المزني قال: (حُدِّثت أن الميت يستبشر بتعجيله إلى المقابر).
وعن أيوب قال: يقال (من كرامة الميت على أهله تعجيله إلى حفرته).
ذكر بكاء السماء والأرض على الميت
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من إنسان إلا له بابان في السماء باب يصعد منه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات العبد بكيا عليه).
وعن علي بن أبي طالب قال: (إن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه في الأرض ومصعد عمله في السماء).
وعن عطاء الخراساني قال: (ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت).
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المؤمن إذا مات تجملت المقابر بموته، فليس منها بقعة إلا وهي تتمنى أن يدفن فيها).
ذكر تخفيف ضمة القبر على المؤمن
عن سعيد بن المسيب أن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إنك منذ حدثتني بصوت منكر ونكير وضغطة القبر ليس ينفعني شىء. قال: (يا عائشة إن صوت منكر ونكير في أسماع المؤمنين كالإثمد في العين، وضغطة القبر على المؤمن كالأم الشفيقة يشكو إليها ابنها الصداع فتغمز رأسه غمزاً رفيقاً، ولكن يا عائشة ويل للشاكّين في الله كيف يضغطون في قبورهم كضغطة الصخرة على البيضة).
عن محمد التيمي قال: (كان يقال إن ضمة القبر إنما أصلها أنها أمهم، ومنها خلقوا فغابوا عنها الغيبة الطويلة، فلما رد إليها أولادها ضمتهم ضم الوالدة الشفيقة التي غاب عنها ولدها ثم قدم عليها، فمن كان لله مطيعاً ضمته برفق ورأفة، ومن كان لله عاصياً ضمته بعنف سخطاً منها عليه).
ذكر الترحيب بالمؤمن في القبر
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دفن العبد المؤمن قال له القبر: مرحباً وأهلاً أما إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إلي، فإذا وليتك اليوم وصيرت إلي فسترى صنعي بك فيتسع له مد بصره، ويفتح له باب إلى الجنة).
قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار).
ذكر ما يبشر به المؤمن عند سؤال منكر ونكير
عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، قال: يأتيه ملكان فيقعدانه، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقولان: أُنظر إلى مقعدك في النار وقد أبدلك الله به مقعداً من الجنة. فيراهما جميعاً).
قال قتادة: وذُكِرَ لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعاً ويملأ عليه خضراً.
ومن حديث أنس نحوه وزاد في آخره (فيقول دعوني حتى أذهب فأبشِّرَ أهلي: فيقال له اسكن).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما منكر وللآخر نكير، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين عرضاً، ثم ينور له فيقول: دعوني أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان: نم نومة العروس بالذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله تعالى من مضجعه ذلك).
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده إن الميت إذا وضع في قبره أنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، فإذا كان مؤمنا جاءت الصلاة عند رأسه، والزكاة عن يمينه، والصوم عن شماله، وفعل الخيرات والمعروف والإحسان إلى الناس من قبل رجليه، فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة: ليس من قبلي مدخل، فيؤتى من قبل يمينه فتقول الزكاة: ليس من قبلي مدخل، فيؤتى من قبل شماله فيقول الصوم: ليس من قبلي مدخل، فيؤتى من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات وما يليها من المعروف والإحسان إلى الناس: ليس من قبلنا مدخل، فيقال له اجلس: فيجلس وقد مثلت له الشمس وقد قربت من الغروب، فيقال له: أخبرنا عما نسألك؟ فيقول: دعوني أصلي، فيقولون: إنك مشتغل فأخبرنا عما نسألك؟ فيقول عما تسألوني؟ فيقال له: ما تقول في هذا الرجل الذي كان فيكم؟ فيقول: أشهد أنه رسول الله جاءنا بالبينات من عند ربنا فصدقنا واتبعنا، فيقال، صدقت على هذا حييت وعلى هذا مت وعليه تبعث إن شاء الله من الآمنين. ويفتح له في قبره مد بصره، ويقال: افتحوا له بابا إلى النار فيفسح له فيقال: هذا منزلك لو عصيت الله، فيزداد غبطة وسروراً، ويقال: افتحوا له باباً إلى الجنة، فيفتح له، فيقال: هذا منزلك وما أعد الله لك، فيزداد غبطة وسروراً، فيعاد الجسد إلى أصله من التراب، ويجعل روحه في النسيم الطيب، وهي طير أخضر تعلق في شجر الجنة).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إذا وضع الميت في قبره جاءت أعماله الخالصة فاحتوشته، فإن أتاه من قبل رأسه جاءت قراءة القرآن، وإن أتاه من قبل رجليه جاء قيام الليل، وإن أتاه من قبل يديه قالت اليدان: كان والله يبسطنا للدعاء والصدقة لا سبيل لكم عليه، وإن أتاه من قبل فيه جاء ذكره وصيامه، وكذلك الصلاة والصبر ناحية، فيقول أما إن لو رأينا خللاً كنت صاحبه، وتجاحش عنه أعماله الصالحة، كما يجاحش الرجل عن أخيه وصاحبه وأهله وولده، ويقال له عند ذلك: نم بارك الله في مضجعك، فنعم الحال حالك، ونعم الأصحاب أصحابك.
وعن أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل الإنسان في قبره، فإن كان مؤمناً أحف به عمله: الصلاة والصوم، فيأتيه الملك من نحو الصلاة فترده، ومن نحو الصيام فيرده، فيأتيه فيناديه اجلس فيجلس فيقول ما تقول في هذا الرجل؟ قال: محمد، فيقول أشهد أنه رسول الله،فيقول: ما يدريك؟ أدركته؟ قال: أشهد أنه رسول الله. قال: فيقول على ذلك عشت وعليه مت وعليه تبعث).وعن بحر بن نصر الصائغ قال: كان أبي مولعاً بالصلاة على الجنائز، فقال: يا بني حضرت يوماً جنازة فلما ذهبوا بذلك ودفنوها نزل القبر نفسان ثم خرج واحد، وبقي الآخر، وحثى الناس التراب، فقلت: يا قوم يدفن حي مع ميت؟ فقالوا: ما ثَمَّ أحد، فقلت: لعله شُبِّهَ لي، رجعت فقلت: لا أبرح حتى يكشف الله لي ما رأيته، فجئت القبر فقرأت عشر مرات يس وتبارك الملك وبكيت، فقلت: يا رب اكشف لي عما رأيت فإني خائف على عقلي وديني، فانشق القبر وخرج منه شخص فولى مدبراً، فقلت: يا هذا بمعبودك إلا وقفت لي أسألك فما التفت إلىّ، فقلت له الثانية والثالثة، فالتفت وقال: أنت نصر الصائغ؟ قلت: نعم: فما تعرفني؟ قلت: لا. قال: نحن ملكان من ملائكة الرحمة وكلنا بأهل السنة إذا وضعوا في قبورهم نزلنا حتى نلقنهم الحجة وغاب عني).
وعن شقيق البلخى قال: طلبنا ضياء القبور فوجدناه في صلاة الليل، وطلبنا جواب منكر ونكير فوجدناه في قراءة القرآن، وطلبنا العبور على الصراط فوجدناه في الصوم والصدقة، وطلبنا ظل يوم الحساب فوجدناه في الخلوة.
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم أو مسلمة يموت ليلة الجمعة أو يوم الجمعة إلا وقي عذاب القبر، وفتنة القبر، ولقي الله ولا حساب عليه، وجاء يوم القيامة ومعه شهود يشهدون له أو طابع).
وقد وردت الأحاديث ونصوص العلماء بإستثناء جماعة من السؤال منهم الشهداء والصديقون والمرابطون والمطيعون وكذلك الأطفال في أرجح القولين.
ذكر ألم المؤمن في قبره
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار).
وأخرج الترمذي مثله في حديث أبي سعيد الخدري.
وأخرج الطبراني في الأوسط مثله من حديث أبي هريرة.
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل إذا توفي في غير مولده يفسح له من مولده إلى منقطع أثره).
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أرحم ما يكون الله بالعبد إذا وضع في حفرته).
وأخرج الديلمي: يفسح للرجل في قبره كبعده من أهله.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن في قبره في روضة خضراء، ويرحب له في قبره سبعون ذراعاً، وينور له في قبره كليلة البدر).
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أرجى ما يكون الله تعالى بالعبد إذا وضع في حفرته).
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات العالم صور الله له علمه في قبره، فيؤنسه إلى يوم القيامة ويدرأ عنه هوام الأرض).
وأوحى الله إلى موسى (تعلم الخير وعلمه الناس، فإنى منور لمعلم العلم ومتعلمه قبورهم لا يستوحشوا بمكانهم).
وعن ابن كاهل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كف أذاه عن الناس كان حقاً على الله أن يكف عنه عذاب القبر).
وعن بعض الأولياء قال: سألت الله تعالى أن يريني مقامات أهل القبور فرأيت في ليلة من الليالي القبور قد انشقت، وإذا فيها النائم على السرير، وفيهم الباكي، والضاحك، فقلت يا رب لو شئت ساويت بينهم في الكرامة، فنادى مناد من أهل القبور يا فلان هذه منازل الأعمال، أما أصحاب السندس فهم أصحاب الخلق الحسن، وأما أصحاب الحرير والديباج فهم الشهداء، وأما أصحاب الريحان فهم الصائمون، وأما أصحاب السرور فهم المتحابون في الله، وأما أصحاب البكاء فهم المذنبون.
قال اليافعي: رؤية الموتى في خير أو شر نوع من الكشف يظهره الله تبشيراً أو موعظة أو لمصلحة الميت أو إسداء خير له، أو قضاء دين أو غير ذلك، ثم هذه الرؤية قد تكون في النوم وهو الغالب، وقد تكون في اليقظة انتهى.
قال في كفاية المعتقد: أخبرنا بعض الأخيار عن بعض الصالحين أنه كان يأتي والده في بعض الأوقات ويتحدث معه.
وعن يحيى بن معين، قال لي حفار: أعجب ما رأيت من هذه المقابر أنى سمعت من قبر أنينا كأنين المريض، وسمعت من قبر والمؤذن يؤذن وهو يجيبه من القبر.
ذكر صلاة الموتى في قبورهم
عن جبير قال: أما والله الذي لا إله إلا هو لقد أدخلت ثابتاً البناني في لحده ومعي حميد الطويل، فلما سوينا عليه اللبن سقطت لبنة فإذا هو في قبره يصلي، وكان يقول في حياته: اللهم إن كنت أعطيت أحداً من خلقك الصلاة في قبره فأعطنيها فما كان الله ليرد دعاءه).
ذكر قراءة الموتى في قبورهم
عن ابن عباس قال : إن بعض أصحاب النبي جلس على قبر وهو لا يحسب أنه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هي المانعة، وهي المنجية تنجيه من عذاب القبر).
قال أبو القاسم السعدي في كتاب الإفصاح: هذا تصديق من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المبيت يقرأ في قبره، فإن عبد الله أخبره بذلك وصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن طلحة بن عبيد الله قال: أردت مالي بالغابة فأدركني الليل، فآويت إلى قبر عبد الملك بن عمرو بن حرام فسمعت قراءة القرآن في القبر، ما سمعت أحسن، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال (ذلك عبد الله، ألم تعلم أن الله قبض أرواحهم فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت، ثم علقها وسط الجنة، فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم فلا تزال كذلك حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر ردت أرواحهم إلى مكانها الذي كانت فيه.
وعن إبراهيم بن عبد الصمد المهدي قال: حدثني الذين كانوا يمرون بالحصن بالأسحار قالوا: كنا إذا مررنا بجبانة قبر ثابت البنانى سمعنا قراءة القرآن.
وعن عكرمة قال: يؤتى المؤمن مصحفاً يقرأ فيه.
وعن عاصم السقطي قال: حفرنا قبراً ببلخ فنقب في قبره، فإذا شيخ في القبر متوجه إلى القبلة وعليه إزار أخضر واخضر ما حوله، وفي حجره مصحف يقرأ فيه.
وعن أبي النضر النيسابوري الحفار وكان صالحاً ورعاً قال: حفرت قبراً فانفتح في القبر، قبر آخر فنظرت فيه، فإذا أنا بشاب حسن الثياب حسن الوجه طيب الرائحة جالساً متربعاً، وفي حجر كتاب مكتوب بخط أحسن ما رأيت من الخطوط، وهو يقرأ القرآن فنظر الشاب إلىّ وقال: أقامت القيامة؟ فقلت: لا، فقال: أعد المدرة على ّموضعها فأعدتها إلى موضعها.
ونقل السهيلي في دلائل النبوة عن بعض الصحابة: أنه حفر قبراً في موطن فانفتحت طاقة، فإذا شخص على سرير وبين يديه مصحف يقرأ فيه، وأمامه روضة خضراء وذلك بأحد، وعلم أنه من الشهداء لأنه رأى ررأىى في صفحة وجهه جرحاً. وأورد ذلك ابن ابن حبان في تفسيره.
وحكى اليافعي في روضة الرياحين عن بعض الصالحين قال: حفرت قبر رجل من العباد ولحدته، فبينما أنا أسوي إذ سقطت لبنة من لحد يليه، فنظرت فإذا شيخ جالس في القبر عليه ثياب بيض تقعقع، وفي حجره مصحف من ذهب مكتوب بالذهب وهو يقرأ فيه، فرفع رأسه إليّ وقال لي: أقامت القيامة؟ فقلت: لا، فقال: رد اللبنة إلى موضعها عافاك الله تعالى فرددتها.
وقال اليافعي أيضاً:روينا عمن حفر القبور من الثقات أنه حفر قبراً فأشرف منه على إنسان جالس على سريره وبيده مصحف يقرأ فيه، وتحته نهر فغشي عليه، وأخرج من القبر يدور ولم يتمالك مما أصابه فلم يفق إلا في اليوم الثالث.
ذكر تعليم الملائكة المؤمن القرآن في قبره
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن ثم مات ولم يستظهره أتاه ملك يعلمه في قبره فيلقى الله وقد استظهره).
وعن عطية العوفي قال: بلغني أن العبد المؤمن إذا لقي الله تعالى ولم يتعلم كتابه علمه الله تعالى في قبره حتى يثيبه عليه.
وعن الحسن قال: بلغني أن العبد المؤمن إذا مات ولم يحفظ القرآن أمر حفظته أن يعلموه القرآن في قبره حتى يبعث الله تعالى يوم القيامة مع أهله.
وعن يزيد الرقاشي قال: بلغني أن المؤمن إذا مات وقد بقي عليه شيء من القرآن لم يتعلمه بعث الله له ملائكة يحفظونه ما بقي عليه منه حتى يبعث من قبره.
ذكر كسوة المؤمن في قبره
عن عبّاد بن بشر قال: لما حضَرَت أبا بكر الوفاة قال لعائشة اغسلي ثوبَيَّ هذين وكفّنيني بهما، فإنما أبو بكر أحد الرجلين إما مكسُوّاً أحسن الكسوة وإما مسلوباً أسوأ السلب.
وعن يحيى بن راشد أن عمر بن الخطاب قال في وصيته: اقتصدوا في كفني، فإنه إن كان لي عند الله خير أبدلني ما هو خير منه، وإن كنت على غير ذلك سلبني وأسرع سلبي، واقتصدوا في حفرتي فإنه إن كان لي عند الله خير وسع لي في قبرى مد البصر، وإن كنت على غير ذلك ضيق عليَّ حتى تختلف أضلاعي.
وعن حذيفة رضي الله عنه أنه قال عند موته: ابتاعوا لي ثوبين ولا عليكم فإن يصب صاحبكم خيراً ألبسني خيراً منها وإلا سلبها سلباً سريعاً.
وعن حذيفة رضي الله عنه أنه قال عند موته: اشتروا لي ثوبين أبيضين فإنهما لا يتركان عليَّ إلا قليلاً حتى أبدل بهما خيراً منهما أو شراً منهما.
وعن علية بن أبان بن صيفي الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أوصانا أبي أن لا نكفنه في قميص. قالت فلما أصبحنا من الغد من يوم دفناه، إذ نحن بالقميص الذي كفناه فيه على المشجب.
ذكر الفراش للمؤمن في قبره
عن مجاهد في قوله تعالى {فَلأَنفُسِهِم يَمهَدونَ} قال: في القبر.
وعن مجاهد في الآية قال: يُسَوون المضاجع.
وعن أبي هريرة قال: يقال للمؤمن في قبره ارقد رقدة العروس.
ذكر تزاور الموتى في قبورهم
عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه، فإنهم يتزاورون في قبورهم).
قال البيهقي بعد تخريجه: وهذا لا يخالف قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الكفن إنما هو للمهلة والصديد، لأن ذلك كذلك في رؤيتنا ويكون كما شاء الله في علم الله، كما قال في الشهداء {بَل أَحياءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقونَ} وهو ذا نراهم يتشحطون في الدماء ثم ينشفون، وإنما يكونون كذلك في رؤيتنا، ويكونون في الغيب كما أخبر الله عنهم، ولو كانوا في رؤيتنا كما أخبرنا الله تعالى عنهم لارتفع الإيمان بالغيب.
وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حسِّنوا أكفان موتاكم فإنهم يتباهون ويتزاورون في قبورهم).
وأخرج ابن عدي في الكامل من حديث أبي هريرة مرفوعاً مثله.
وأخرج الخطيب في التاريخ من حديث أنس مرفوعاً مثله.
وعن ابن سيرين قال: كان يحب حسن الكفن، ويقال: إنهم يتزاورون في أكفانهم.
وعن محمد بن سيرين قال: كانوا يستحبون أن يكون الكفن ملفوفاً مزروراً وقال: إنهم يتزاورون في قبورهم).
وعن راشد بن سعد: أن رجلاً توفيت امرأته، فرأى نساء في المنام ولم يرى امرأته معهن، فسألهن فقلن إنكم قصرتم في كفنها فهي تستحي أن تخرج معنا، فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنظر هل إلى ثقة من سبيل) فأتى رجلاً من الأنصار قد حضرته الوفاة فأخبره فقال الأنصاري: إن كان أحد يبلغ الموتى بلغت فتوفي الأنصاري فجاء بثوبين مصبوغين بالزعفران فجعلهما في كفن الأنصاري، فلما كان الليل رأى النسوة ومعهن امرأته وعليها الثوبان الأصفران.
وعن قيس بن قبيصة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يؤمن لم يؤذن له في الكلام) قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل يتكلم الموتى؟ قال: (نعم، ويتزاورون).
وعن الشعبي قال: إن الميت إذا وضع في لحده أتاه أهله وولده فيسألهم عمن خلف بعده كيف فعل فلان وما فعل فلان.
وعن مجاهد: إن الرجل ليسر بصلاح ولده في قبره.
قال ابن القيم: الأرواح قسمان منعمة ومعذبة، فأما المعذبة فهي في شغل عن التزاور والتلاقي، وأما المنعمة المرسلة غير المحبوسة فتتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا، فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو مثل عملها، وروح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى. قال الله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَهَ وَالرَسولَ فَأُؤلَئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنعَمَ اللَهُ عَلَيهِم مِنَ النَبِيّينَ وَالصِدّيقينَ وَالشُهَداءَ وَالصالِحينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفيقاً} ، وهذه المعية ثابتة في الدنيا وفي دار البرزخ وفي الجزاء والمرء مع من أحب في الدور الثلاثة.
قال السلفي: عود الروح إلى الجسد في القبر ثابت على الصحيح لجميع الموتى وإنما الخلاف في استمرارها في البدن، وهو أن البدن يصير حياً بها كحالته في الدنيا أو حياً بدونها، وهي حيث يشاء الله، فإن ملازمة الحياة للروح أمر عادي لا عقلي، هذا وإن البدن يصير بها حياً كحالته في الدنيا مما يجوزه العقل فإن صح به سمع اتبع وقد ذكره جماعة من العلماء ، ويشهد له صلاة موسى في قبره فلا تستدعي جسداً حياً، وكذلك الصفات المذكورات في الأنبياء ليلة الإسراء كلها صفات لا أجساد ولا يلزم من كونها حياة حقيقية أن تكون الأبدان معها كما في الدنيا من الاحتياج إلى الطعام والشراب وغير ذلك من صفات الأجسام التي نشاهدها بل يكون لها حكم آخر. وأما الأول كالعلم والسماع فلا شك أن ذلك ثابت لجميع الموتى، هذا كلام السبكي.
قال اليافعي: مذهب أهل السنة أن أرواح الموتى ترد في بعض الأوقات من عليّين أو من سجين إلى أجسادهم في قبورهم عند إرادة الله تعالى، وخصوصاً ليلة الجمعة ويجلسون ويتحدثون وينعم أهل النعيم ويعذب أهل العذاب مادام في عليين أو سجين، وفي القبر يشترك الروح والجسد.
ذكر علم الموتى بزوارهم وأنسهم بهم
عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من رجل يزور أخاه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم).
وعن أبي هريرة قال: إذا مر رجل بقبر يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام.
وأخرج ابن عبد البر في الاستذكار والتمهيد عن زرارة بن أوفى (من كان يعرفه ويحبه في الدنيا).
وعن محمد بن واسع قال: بلغني أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوماً قبله، ويوماً بعده.
وعن الضحاك قال: من زار قبراً يوم السبت قبل طلوع الشمس علم الميت، قيل له: وكيف ذلك؟ قال: لمكان يوم الجمعة.
قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام).
وعن أبي هريرة مرفوعاً: (ما من عبد يمر على رجل يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه، إلا عرفه، ورد عليه السلام).
وفي الأربعين الطائية روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (آنس ما يكون الميت في قبره إذا زاره من كان يحبه في دار الدنيا).
قال ابن القيم: الأحاديث والآثار تدل على أن الزائر متى جاء علم به الميت وسمع سلامه، وأنس به ورد عليه، وهذا عام في حق الشهداء وغيرهم، فإنه لا يُوَقَّت.
قال وهو أصح من أثر الضحاك الدال على التوقيت.
قال: قد شرع صلى الله عليه وسلم لأمته أن يسلموا على أهل القبور سلام من يخاطبونه ممن يسمع ويعقل.
ذكر مقر الأرواح
عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش).
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لما أصيب أصحابكم بأحد جعل الله أرواحهم في حواصل طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش).
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهداء على بارق نهر الجنة في قبة خضراء يخرج إليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشية).
وعن أبي بن كعب قال: الشهداء في قباب في رياض الجنة يبعث إليهم ثور وحوت فيعتركان بهما، فإذا احتاجوا إلى شيء عقر أحدهما صاحبه فيأكلون فيجدون فيه طعم كل شيء في الجنة).
وعن أنس أن حارثة لما قتل، قالت أمه: يا رسول الله قد علمت منزلة حارثة، فإن يكن في الجنة أصبر، وإن يكن في غير ذلك ترى ما أصنع؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها جنات كثيرة وإنه في الفردوس الأعلى).
وعن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما نسمة المؤمن طائر يتعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه).
وعن أم هانىء أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزاور إذا متنا، وبر بعضنا بعضاً. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون بأنعم طير يتعلق بالشجر، حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها).
وعن أم بشر بن البراء أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يتعارف الموتى؟ قال: (تربت يداك النفس الطيبة طير خضر في الجنة فإن كان الطير يتعارفون في رؤوس الشجر فإنهم يتعارفون).
وعن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: لما حضرت كعباً الوفاة أتته أم بشر بن البراء وقالت: يا أبا عبد الرحمن إن لقيت فلاناً فأقرئه مني السلام قال لها: يغفر الله لك يا أم بشر نحن أشغل من ذلك، فقالت: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن نسمة المؤمن تسرح في الجنة حيث شاءت ونسمة الكافر في سجّين مسجونة) قال: بلى قالت هو ذلك.
وفي مراسيل عمرو بن الحبيب قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أرواح المؤمنين فقال: (في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت قالوا يا رسول الله وأرواح الكفار؟ قال: محبوسة في سجّين).
وعن سعيد بن المسيب أن سلمان الفارسي وعبد الله بن سلام التقيا، فقال أحدهما لصاحبه: إن لقيت ربك قبلي فأخبرني بماذا لقيت؟ فقال: أو تلقى الأحياء الأموات؟ قال: نعم. أما المؤمنون فإن أرواحهم في الجنة وهي تذهب حيث شاءت.
وعن عبد الله بن عمرو قال: أرواح المؤمنين كالزرازير تأكل من ثمر الجنة وأخرجه ابن منده مرفوعاً.
وعن كعب قال: جنة المأوى فيها طير خضر ترتقي فيها أرواح المؤمنين الشهداء تسرح في الجنة،وأرواح آل فرعون في أجواف طير سود وعلى النار تغدو وتروح وإن أطفال المؤمنين في عصافير في الجنة.
وعن هذيل قال: إن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود تروح وتغدو على النار وأرواح الشهداء في أجواف طير خضر، وأولاد المسلمين لم يبلغوا الحلم في عصافير من عصافير الجنة ترعى وتسرح.
وعن ابن عمرو قال: أرواح المؤمنين في صور طير بيض في ظل العرش وأرواح الكافرين في الأرض السابعة.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم فلم ير الخلائق أحسن من المعراج الذي يراه الميت حين يشق بصره إلى السماء فإن ذلك عجبه فصعدت أنا وجبريل فاستفتحت باب السماء فإذا أنا بآدم تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول: روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (إن أرواح المؤمنين في السماء السابعة ينظرون إلى منازلهم في الجنة).
وعن وهب بن منبه قال: (إن لله في السماء السابعة داراً يقال لها البيضاء تجتمع فيها أرواح المؤمنين فإذا مات من أهل الدنيا أحد تلقته الأرواح يسألونه عن أخبار الدنيا كما يسأل الغائب عن أهله إذا قدم عليهم).
وعن ابن عمر أنه عزى أسماء بابنها عبد الله بن الزبير وجثته مصلوبة فقال: لا تحزني فإن الأرواح عند الله في السماء وإنما هذه جثة.
وعن عبد الله بن الزبير عن العباس بن عبد المطلب قال: ترفع أرواح المؤمنين إلى جبريل فيقال: أنت ولي هذه إلى يوم القيامة.
وعن المغيرة بن عبد الرحمن قال: لقي سلمان الفارسي عبد الله بن سلام فقال له: إن مت قبلى فأخبرني بما تلقى، وإن مت قبلك أخبرتك. قال: وكيف وقد مت؟ فقال (إن الروح إذا خرج من الجسد كان بين السماء والأرض حتى يرجع إلى جسده).
وعن ابن عباس في قوله تعالى: {اللَهُ يَتَوَفّى الأَنفُسَ حينَ مَوتِها وَالَّتي لَم تَمُت في مَنامِها فَيُمسِكُ الَّتي قَضى عَلَيها المَوتُ وَيُرسِلُ الأُخرى إِلى أَجَلٍ مُسَمّى} قال: سبب ممدود ما بين المشرق والمغرب بين السماء والأرض، فأرواح الموتى وأرواح الأحياء إلى ذلك السبب تتعلق النفس الميتة بالنفس الحية، فإذا أذن لهذه الحية بالانصراف إلى جسدها لتستكمل رزقها، فأمسكت الميتة، وأرسلت الأخرى).
وفي الفردوس ولم يسنده ولده من حديث أبي الدرداء: (الميت إذا مات دير به حول داره شهراً وحول قبره سنة، ثم يرفع إلى السبب الذي تلتقي فيه أرواح الأحياء والأموات).
وعن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي قال: أرواح المؤمنين في برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت، وأنفس الكافرين في سجين.
وقال ابن القيم: البرزخ هو الحاجز بين الشيئين، وكأنه أراد في أرض بين الدنيا والآخرة.
وعن مالك بن أنس قال: بلغني أن أرواح المؤمنين مرسلة تذهب حيث شاءت.
وعن عبد الله عمرو قال: أرواح الكفار تجمع ببرهوت- سبخة بحضرموت- وأرواح المؤمنين تجمع بالجابية.
وعن عروة بن رويم قال: الجابية تجيء إليها كل روح طيبة.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: أرواح المؤمنين في بئر زمزم، وأرواح الكافرين في واد يقال له برهوت.
وعن عبد الله بن عمرو قال: أرواح المؤمنين تجمع بأريحاً، وأرواح المشركين تجمع بظافر من حضرموت.
وعن وهب بن منبه قال: إن أرواح المؤمنين إذا قبضت ترفع إلى ملك يقال له رميائيل وهو خازن أرواح المؤمنين.
وعن أبان بن ثعلب عن رجل من أهل الكتاب قال: الملك الذي على أرواح الكفار يقال له دوحة.
وعن كعب قال: الخضر على منبر من نور بين البحر الأعلى والبحر الأسفل وقد أمرت دواب الأرض أن تسمع له وتطيع، وتعرض عليه الأرواح بكرة وعشية.
هذا مجموع ما وقفنا عليه من الأحاديث والآثار في مقر الأرواح، وقد اختلفت أقوال العلماء فيه بحسب اختلاف هذه الآثار.
قال ابن القيم: والتحقيق أنه لا خلاف، وأن الأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت، ولا تعارض بين الأدلة فإن كلاً منها وارد على فرق من الناس بحسب درجاتهم.
قال: وعلى كل تقدير فللروح بالبدن اتصال بحيث يصح أن تخاطب ويسلم عليها ويعرض عليها مقعدها وغير ذلك مما ورد، فإن للروح شأناً آخر فتكون في الرفيق الأعلى وهي متصلة بالبدن إذا سلم المسلم على صاحبه رد عليه السلام وهي مكانها هناك، وإنما يأتي الغلط هنا من قياس الغائب على الشاهد، فيعتقد أن الروح من حيث ما يعهد من الأجسام التي إذا بلغت مكاناً لم يمكن أن تكون في غيره وهذا غلط محض، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء موسى قائماً في قبره، ورآه في السماء السادسة، والروح هناك كانت في مثال البدن ولها اتصال بالبدن حيث يصلي في قبره ويرد السلام، فالروح ترد عليه وهو في الرفيق الأعلى، ولا تباين بين الأمرين فإن شأن الأرواح غير شأن الأبدان، وقد مثل ذلك بعضهم بالشمس في السماء وشعاعها في أرض، وقد قال صلى الله عليه وسلم(من صلّى عليَّ عند قبري سمعته، ومن صلى عليَّ نائياً بلغته).
هذا مع القطع بأن روحه في عليين مع أرواح الأنبياء وهو الرفيق الأعلى أو في حاجز بين السماء والأرض أو سجين ولها اتصال بالبدن حيث يدرك ويسمع ويصلي ويقرأ، وإنما يستغرب هذا لكون الشاهد الدنيوي ليس فيه ما يشابه هذا، وأمور الآخرة والبرزخ على نمط غير المألوف في الدنيا إلى أن قال: والحاصل أنه ليس للأرواح سعيدها وشقيها مستقر واحد وكلها على اختلاف محلها وسائر مقارها، لها اتصال بأجسادها في قبورها يحصل لها من النعيم أو العذاب المقيم ما كتب.
وقال الحافظ ابن حجر: أرواح المؤمنين في عليين، وأرواح الكافرين في سجين، ولكل روح بجسدها اتصال معنوي لا يشبه الاتصال في الحياة الدنيا بل أشبه شيء به حال النائم، وإن كان هو أشد من حال النائم اتصالاً.
قال: وبهذا يجمع بين ما ورد أن مقرها في عليين أو سجين أو بئر، وما نقله ابن عبد البر عن الجمهور أنها عند أفنية قبورها.
قال: ومع ذلك فهي مأذون لها في التصرف وتأوي إلى محلها من عليين أو سجين.
قال: وإذا نقل الميت من قبر إلى قبر فالاتصال المذكور مستمر وكذا إذا تفرقت الأجزاء.
وقال صاحب الإفصاح: المنعم على جهات مختلفة، منها ما هو طائر في أشجار مختلفة في الجنة، ومنها ما هو في حواصل طير خضر.
ومنها: ما هو في حواصل طير كالزرازير.
ومنها: ما هو في أشجار الجنة.
ومنها: ما هو في صور تخلق لهم من ثواب أعمالهم.
ومنها: ما تسرح وترد إلى جثتها تزورها.
ومنها: ما تتلقى أرواح المقبوضين.
ومنها: ما هو في كفالة ميكائيل.
ومنها: ما هو في كفالة آدم.
ومنها: ما هو في كفالة إبراهيم.
قال القرطبي: وهذا قول حسن يجمع الأخبار حتى لا تتدافع.
وذكر البيهقي في كتاب (عذاب القبر) نحوه لما ذكر حديث ابن مسعود في أرواح الشهداء وحديث ابن عباس ثم أورد حديث البخاري عن البراء قال: لما توفي إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن له مرضعاً في الجنة).
ثم قال يحكيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابنه إبراهيم بأنه يرضع في الجنة، وهو مدفون بالبقيع في قبره بالمدينة.
قال النسفي في بحر الكلام: الأرواح على أربعة وجوه: أرواح الأنبياء تخرج من جسدها وتصير صورتها مثل المسك والكافور، وتكون في الجنة تأكل وتشرب وتنعم وتأوي بالليل إلى قناديل العرش وأرواح المطيعين من الشهداء تخرج من جسدها وتكون في أجواف طير خضر في الجنة، تأكل وتشرب وتنعم، وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش وأرواح الطائعين بربض الجنة، لا تأكل ولا تنعم، ولكن تنطلق إلى الجنة.
وأرواح العصاة من المؤمنين تكون بين السماء والأرض في الهواء.
وأما أرواح الكفار، فهي في سجين في جوف طير سود تحت الأرض السابعة، وهي متصلة بأجسادها فتعذب الأرواح، وتتألم الأجساد منه كالشمس في السماء ونورها في الأرض.
ذكر رضاع أطفال المؤمنين وحضانتهم
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد في الإسلام فهو في الجنة شبعان ريان، يقول يا رب أورد علىَّ أبوىَّ).
وعن خالد بن معدان قال: إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى كلها ضروع، فمن مات من الصبيان الذين يرضعون رضع من تلك الشجرة، وحاضنهم خليل الرحمن عليه السلام.
وعن خالد بن معدان قال: إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى كلها ضروع يرضع منها صبيان الجنة، وإن سقط المرأة يكون في نهر من أنهار الجنة يتقلب فيه حتى تقوم القيامة فيبعث ابن أربعين سنة.
وعن عبيد الله بن عمر قال: إن في الجنة شجرة لها ضروع كضروع البقر يتغذى بها ولدان أهل الجنة.
ومن طريق أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أولاد المؤمنين في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة).
والحمد لله رب العالمين
بلقــاء الحبيب
للإمام الحافظ علامة عصره:
جـلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السـيوطي
المتوفى سنة 911 هجرية
مقدمـة المؤلـف.. 1
ذكر فضل الموت وأنه خير من الحياة 2
ذكر أن الموت انتقال من دار ضيَّقة إلى دار واسعة 3
ذكر ما يلقاه المؤمن عند قبض روحه من الكرامة 3
ذكر ملاقاة الأرواح للميت إذا خرجت روحه واجتماعهم به وسؤالهم عنه 6
ذكر معرفة الميت لمن يغسله ويجهزه 6
ذكر بكاء السماء والأرض على الميت.. 7
ذكر تخفيف ضمة القبر على المؤمن. 7
ذكر الترحيب بالمؤمن في القبر. 7
ذكر ما يبشر به المؤمن عند سؤال منكر ونكير. 7
ذكر ألم المؤمن في قبره 9
ذكر صلاة الموتى في قبورهم. 10
ذكر قراءة الموتى في قبورهم. 10
ذكر تعليم الملائكة المؤمن القرآن في قبره 11
ذكر كسوة المؤمن في قبره 11
ذكر الفراش للمؤمن في قبره 11
ذكر تزاور الموتى في قبورهم. 11
ذكر علم الموتى بزوارهم وأنسهم بهم. 12
ذكر مقر الأرواح. 13
ذكر رضاع أطفال المؤمنين وحضانتهم. 16. 17
مقدمـة المؤلـف
بســم الله الرحمـن الرحيـم
الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، هذا كتاب سمَّيته: (بشرى الكئيب بلقاء الحبيب) لخصته من كتابي الكبير الذي ألَّفته في أحوال البرزخ فصَّيرته على البشرى بما يلقاه المؤمن عند موته وفي قبره من التكريم والترحيب، وبالله التوفيق.
ذكر فضل الموت وأنه خير من الحياة
عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحفة المؤمن الموت).
وعن الحسين بن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الموت ريحانة المؤمن).
وعن عائشة-رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الموت غنيمة المؤمن).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدنيا سجن المؤمن وسنته، فإذا فارق الدنيا فارق السجن والسنة).
وعن عبد الله بن عمرو قال: (الدنيا جنة الكافر وسجن المؤمن، وإنما مثل المؤمن حين تخرج نفسه كمثل رجل كان في سجن فأخرج منه، فجعل يتقلب في الأرض ويتفسح فيها).
وعن عبد الله بن عمرو قال: (الدنيا سجن المؤمن، فإذا مات يخلى سربه يسرح حيث يشاء).
وعن ابن مسعود قال: (الموت تحفة لكل مسلم).
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الموت كفَّارة لكل مسلم).
وعن الربيع بن خثيم قال: (ما من غائب ينتظره المؤمن خير له من الموت).
وعن مالك بن مغول قال: (بلغني أن أول سرور يدخل على المؤمن الموت، لما يرى من كرامة الله تعالى وثوابه).
وعن ابن مسعود قال: (ليس للمؤمن راحة دون لقاء الله).
وعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: (ما مِن مؤمن إلا والموت خير له، وما من كافر إلا والموت شر له،فمن لم يصدقني فإن الله تعالى يقول: {وَما عِندَ اللَهِ خَيرٌ لِلأَبرارِ} ويقول: {وَلا يَحسَبَنَّ الَّذينَ كَفَروا أَنَّما نُملي لَهُم خَيرٌ}.
وعن ابن مسعود قال: ما من بر ولا فاجر إلا والموت خير له من الحياة إن كان براً، فقد قال الله تعالى: {وَما عِندَ اللَهِ خَيرٌ لِلأَبرارِ} وإن كان فاجراً،فقد قال الله تعالى: {وَلا يَحسَبَنَّ الَّذينَ كَفَروا أَنَّما نُملي لَهُم خَيرٌ لِأَنفُسِهِم إِنَّما نُملي لَهُم لِيَزدادوا إِثماً وَلَهُم عَذابٌ مُهينٌ}.
وعن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهم حبِّب الموت إلى من يعلم أني رسولك).
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إِن حفظت وصيتي فلا يكون شيء أحب إليك من الموت).
وعن أبي الدرداء قال: (ما أهدى إليَّ أخ هدية أحبَّ إلىّ من السلام، ولا بلغني عنه خبر أحب من موته).
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (أتمنى لحبيبي أن يعجل موته).
وعن محمد بن عبد العزيز التيمي قال: قيل لعبد الأعلى التيمي: (ما تشتهي لنفسك ولمن تحب من أهلك؟ قال: الموت).
وعن ابن عبيد الله أنه قال لمكحول: أتحب الجنة؟ قال: ومن لا يحب الجنة، قال: (فأحب الموت فإنك لن ترى الجنة حتى تموت).
وعن حبان بن الأسود قال: (الموت خير يوصل الحبيب إلى الحبيب).
عن مسروق قال: (ما من شيء خير للمؤمن من لحد، فمن لحد فقد استراح من هموم الدنيا وآمن من عذاب الله).
عن طاووس قال: (لا يحرز دين الرجل إلا حفرته).
وعن عطية قال: أنعم الناس جسداً في لحد قد أمن من العذاب).
وعن سفيان قال: (كان يقال للموت راحة للعابدين).
عن ربيعة بن زهير قال: قيل لسفيان الثوري كم تتمنى الموت، وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لو سألني ربي لقلت يا رب لثقتي بك وخوفي من الناس كأني لو خالفت واحداً فقلت حلوة، وقال: مرة لخفت أن يتعاطى دمي.
وقال الخطّابي أنشدنا بعض أصحابنا المنصور بن إسماعيل قد قلت:
إِذا مَدَحوا الحَياةَ فَأَكثَروا في المَوتِ أَلفَ فَضيلَةٍ لا تُعرَفِ
مِنها أَمانُ لِقائِهِ بِلِقائِهِ وَفِراقُ كُلِّ مُعاشِرٍ لا يُنصَفِ
قال الخطّابي:
يَبكي الرِجالُ عَلى الحَياةِ وَقَد ..... أَفنى دُموعي شَوقي إِلى الأَجَلِ
أَموتُ مِن قَبلِ أَنَّ الدَهرَ يَعثُرُ بي ..... فَإِنَّني أَبَداً مِنهُ عَلى وَجَلِ
ذكر أن الموت انتقال من دار ضيَّقة إلى دار واسعة
قال العلماء: الموت ليس بعدم محض، ولا فناء صرف،وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن، ومفارقة وحيلولة بينهما، وتبدل حال، وانتقال من دار إلى دار.
عن بلال بن سعد أنه قال: إنكم لن تخلقوا للفناء، وإنما خلقتم للخلود والأبد، ولكنكم تنتقلون من دار إلى دار.
عن بلال بن سعد أنه قال إنكم لن تخلقوا للفناء، وإنما خلقتم للخلود والأبد، ولكنكم تنتقلون من دار إلى دار.
وقال ابن القاسم: للنفس أربعة دور كل دار أعظم من التي قبلها.
الأولى: بطن الأم، وذلك محل الضيق والحصر والغم والظلمات الثلاث.
والثاني: هي الدار التي أنشأتها وألفتها واكتسبت فيها الشر والخير.
والثالثة: هي دار البرزخ وهو أوسع من هذه الدار وأعظم، ونسبة هذا الدار إليها كنسبة البطن إلى هذه.
والرابعة: هي دار القرار الجنة أو النار، ولها في كل دار من هذه الدور حكم وشأن غير شأن الأخرى. انتهى.
ومن مراسيل سليم بن عامر الحباري مرفوعاً: (إن مثل المؤمن في الدنيا كمثل الجنين في بطن أمه إذا خرج من بطنها بكى على مخرجه، حتى إذا رأى الضوء ورضع لم يحب أن يرجع إلى مكانه، وكذلك المؤمن يجزع من الموت فإذا مضى إلى ربه لم يحب أن يرجع إلى الدنيا كما لم يحب الجنين أن يرجع إلى بطن أمه).
أيضاً من مراسيل عمرو بن دينار: أن رجلاً مات. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أصبح هذا مرتحلاً من الدنيا، فإن قد رضي فلا يسره أن يرجع إلى الدنيا كما لا يسر أحدكم أن يرجع إلى بطن أمه).
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما شبهت خروج ابن آدم من الدنيا إلا كمثل خروج الصبي من بطن أمه من ذلك الغم والظلمة إلى روح الدنيا).
وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما على الأرض من نفس تموت ولها عند الله خير تحب أن ترجع إليكم ولها نعيم الدنيا وما فيها).
ذكر ما يلقاه المؤمن عند قبض روحه من الكرامة
عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس معهم أكفان من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس المطمئنة أُخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء، وإن كنتم ترون غير ذلك فيخرجونها فإذا أخرجوها لم يدعوها في يده طرفة عين، فيجعلونها في تلك الأكفان والحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا به إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة، فيقول الله تعالى: اكتبوا كتابه في عليين وأعيدوه إلى الأرض. فيعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسان فيقولان له: من ربك وما دينك؟ فيقول: الله ربي والإسلام ديني، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث إليكم وفيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله تعالى وآمنت به وصدقته، فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي، فافرشوا له من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من ريحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الثياب طيب الرائحة فيقول له: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت فوجهك يجىء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة رب أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي).
وأخرج ابن أبي الدنيا رضي الله عنه مرفوعا: (إن المؤمن إذا احتضر ورأى ما أعد الله له جعل يتهوع نفسه من الحرص على أن تخرج فهناك أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا احتضر ورأى ما أعد له جعل يتبلع نفسه كراهية أن تخرج، فهناك كره لقاء الله، وكره الله لقاءه).
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن ابن الخزرجي عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ونظر إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار فقال: يا ملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن، فقال ملك الموت: طب نفساً وقر عيناً واعلم أني بكل مؤمن رفيق).
وعن كعب أن إبراهيم عليه السلام قال لملك الموت: (أرني الصورة التي تقبض بها المؤمن، فأراه ملك الموت من النور والبهاء والحسن، فقال: (لو لم ير المؤمن عند موته من قرة العين والكرامة إلا صورتك هذه لكانت تكفيه).
عن الضحاك قال: (إذا قبض روح العبد المؤمن عرج به إلى السماء فينطلق معه المقربون، ثم عرج به إلى الثانية، ثم إلى الثالثة ثم إلى الرابعة، ثم إلى الخامسة، ثم إلى السادسة، ثم إلى السابعة حتى ينتهوا به إلى سدرة المنتهى فيقولون: ربنا عبدك فلان، وهو أعلم به، فيأتيه صك مختوم بأمانه من العذاب فذلك قوله تعالى: {كَلا إِنَّ الأَبرارَ لَفي عِلِيّين، وَما أَدراكَ ما عِلِيّون كِتابٌ مَرقومٌ يَشهَدُهُ المُقَرَّبونَ}.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة، وإدبار من الدنيا نزل ملائكة من السماء كأنهم وجوههم الشمس بكفنه وحنوطه من الجنة، فيقعدون حيث ينظر إليهم، فإذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك في السماء والأرض).
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ المؤمن إذا قبض أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فتخرج كالطيب وأطيب من ريح المسك حتى إنه يناوله بعضهم بعضا فيسمونه بأحسن الأسماء له حتى يأتوا به باب السماء فيقولون: ما هذه الريح التي جاءت من الأرض؟ وكلما أتوا سماء قالوا مثل ذلك حتى يأتوا به أرواح المؤمنين فلم يكن لهم فرح أفرح من أحدهم عند لقياه، ولا قدم على أحد كما قدم عليهم، فيسألونه ما فعل فلان بن فلان؟ فيقولون: دعوه حتى يستريح فإنه كان في غم الدنيا).
وأخرج البراء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (إن المؤمن إذا احتضر أتته الملائكة بحريرة فيها مسك وعنبر وريحان فتسل روحه كما تسل الشعرة من العجين، ويقال: أيتها النفس المطمئنة اخرجي راضية مرضياً عليك إلى رَوح الله وكرامته، فإذا خرجت روحه وضعت على ذلك المسك والريحان وطويت عليه الحريرة وذهب به إلى عليين).
وعن ابن عباس في قوله تعالى: {وَالسابِحاتِ سَبحاً} قال: (أرواح المؤمنين لما عاينت ملك الموت قال: اخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى روح وريحان ورب غير غضبان، سبحت سبح الغائص في الماء فرحاً وشوقاً إلى الجنة {فَالسابِقاتِ سَبقاً} يعني تمشي إلى كرامة الله عز وجل).
عن عبيد الله بن عمرو قال: إذا توفى الله العبد أرسل الله تعالى ملكين بخرقة من الجنة وريحان من الجنة فقالا: أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان، اخرجي فنعم ما قدمت، فتخرج كأطيب رائحة من المسك وجدها أحدكم بأنفه، وعلى أرجاء السماء ملائكة يقولون: سبحان الله لقد جاءنا من الأرض اليوم روح طيبة فلا يمر بباب إلا فتح له، ولا ملك إلى صلى عليه، ويشيع حتى يؤتى به ربه فتسجد الملائكة قبله، ثم يقولون: ربنا هذا عبدك فلان توفيناه وأنت أعلم به، فيقول: مروه بالسجود فتسجد النسمة، ثم يدعى ميكائيل فيقال اجعل هذه النسمة مع أنفس المؤمنين حتى أسألك عنها يوم القيامة. فيؤمر بقبره فيتسع له طوله سبعين وعرضه مثل ذلك فيبسط فيه الحرير، وإن كان معه شيء من القرآن نوره، وإلا جعل له نور مثل الشمس، ثم يفتح له باب إلى الجنة فينظر إلى مقعده في الجنة بكرة وعشية).
وعن الحسن قال: إذا احتضر المؤمن حضره خمسمائة ملك فيقبضون روحه، فيعرجون إلى السماء الدنيا فتلقاهم أرواح المؤمنين الماضية فيريدون أن يستخبروه فتقول الملائكة اِرفقوا به فإنه خرج من كرب عظيم، ثم يستخبرونه حتى يستخير الرجل عن أخيه وعن صاحبه فيقول: هو كما عهدت منه).
وعن أبى موسى الأشعري قال: تخرج نفس المؤمن وهي أطيب ريحاً من المسك، فتصعد بها الملائكة الذين يتوفونها فتلقاهم الملائكة دون السماء فيقولون من هذا الذي معكم؟ فيقولون: فلان، ويذكرونه بأحسن عمله، فيقولون: حياكم الله وحيا من معكم، فيفتح له أبواب السماء فيصعدونه من الباب الذي كان منه عمله فيشرق وجهه، فيأتي الرب ولوجهه برهان مثل الشمس).
وعن الضحاك في قوله تعالى: {وَاِلتَفَّتِ الساقُ بِالساقِ} قال: الناس يجهزون بدنه، والملائكة يجهزون روحه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لا يقبض المؤمن حتى يرى من البشرى، فإذا قبض نادى وليس في الدار دابة صغيرة ولا كبيرة إلا وهي تسمع صوته إلا الثقلين: الجن والإنس. تعجلوا بي إلى أرحم الراحمين، فإذا وضع على سريره قال: ما أبطأ ما تمشون، فإذا أُدخل في لحده أقعد فأري مقعده من الجنة وما أعد الله له، وملىء قبره من روح وريحان ومسك فيقول: يا رب قدمني، فيقال: إن لك إخوة وأخوات لم يلحقوا، ونم قرير العين).
وعن ابن جريج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: (إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا نرجعك إلى الدنيا؟ فيقول إلى دار الهموم والأحزان، قدماني إلى الله تعالى).
وعن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما قال: تخرج روح المؤمن في ريحانة، ثم قرأ (فَأَمّا إِن كانَ مِنَ المُقَرَّبينَ فَرَوحٌ وَرَيحانٌ وَجَنَّتُ نَعيمٍ}.
وعن قتادة رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى: {فَرَوحٌ وَرَيحانٌ} الروح والريحان يلتقي بهما عند الموت المؤمن.
وعن بكر بن عبيد الله قال: إذا أمر ملك الموت بقبض روح المؤمن أتى بريحان من الجنة، فقيل له اقبض روحه فيه.
وعن أبي عمران الجوني قال: بلغنا أن المؤمن إذا حضِّر أتى بضبائر الريحان من الجنة فيجعل روحه فيها.
وعن مجاهد قال: تنزع روح المؤمن في حريرة من حرير الجنة.
عن أبي العالية قال: لم يكن أحد من المقربين يفارق الدنيا حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه ثم يقبض).
عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أوَّل ما يُبشَّر به المؤمن في قبره أن يقال له: أبشر برضا الله والجنة، قدمت خير مقدم، قد غفر الله لمن يُشَيِّعُكَ إلى قبرك، وصدق من شهدك، واستجاب لمن يستغفر لك).
وعن أبي مسعود قال: إذا أراد الله قبض روح المؤمن أوحى إلى ملك الموت أقرئه مني السلام فإذا جاء ملك الموت يقبض روحه قال له: ربك يقرئك السلام.
عن محمد القرظي قال: إذا استبلغت نفس العبد المؤمن عاد ملك الموت فقال: السلام عليك يا ولي الله، الله يقرئك السلام، ثم قرأ هذه الآية {الَّذَينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبينَ يَقولُونَ سَلامٌ عَلَيكُم}.
وعن مجاهد قال: إن المؤمن لَيُبَشَّرُ بصلاح ولده من بعده لتقر عينه.
وعن الضحّاك في قوله تعالى: {لَهُمُ البُشرى في الحَياةِ الدُنيا وَفي الآخِرَةِ} قال: يعلم أين هو قبل الموت.
وعن مجاهد في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذينَ قالوا رَبُّنا اللَهُ ثُمَّ اِستَقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلا تَخافوا وَلا تَحزَنوا وَأَبشِروا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم توعَدونَ} قال: ذلك عند الموت.
وعن مجاهد في الآية قال: {أَلا تَخافوا وَلا تَحزَنوا وَأَبشِروا} أي لا تخافوا مما تقدمون عليه من الموت وأمر الآخرة، ولا تحزنوا على ما خلفتم من أمر الدنيا من ولد وأهل ودين، فإنا نستخلفكم في ذلك كله.
وعن زيد بن أسلم قال: (يؤتى المؤمن عند الموت فيقال له: لا تخف مما أنت قادم عليه فيذهب خوفه، ولا تحزن على الدنيا ولا على أهلها وأبشر بالجنة فيذهب خوفه، ولا تحزن على الدنيا فيموت وقد أقر الله عينه).
وعن الحسن أنه سئل عن قوله تعالى: {يا أَيَّتُها النَفسُ المُطمَئِنَّةُ اِرجِعي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً} قال: إن الله إذا أراد قبض روح عبده المؤمن اِطمأنت النفس إلى الله تعالى واطمأن الله إليها.
وقال البيهقي في المشيخة البغدادية:
سمعت أبا سعيد والحسن بن علي الواعظ يقول: سمعت محمد بن الحسن الواعظ يقول: سمعت أبي يقول: رأيت في بعض الكتب أن الله تعالى يظهر على كف ملك الموت بسم الله الرحمن الرحيم بخط من نور، ثم يأمره أن يبسط كفيه للعارف في وقت وفاته فيريه تلك الكتابة، فإذا رأتها روح العارف طارت إليه في أسرع من طرفة العين.
وعن ابن عباس مرفوعاً: (إذا أمر الله ملك الموت بقبض أرواح من استوجب النار من مذنبي أمتي قال: بشرهم بالجنة بعد انتقام كذا وكذا على قدر ما يعملون يحبسون في النار. فالله سبحانه أرحم الراحمين).
ذكر ملاقاة الأرواح للميت إذا خرجت روحه واجتماعهم به وسؤالهم عنه
عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل الرحمة من عباد الله تعالى، كما يلقون البشير من أهل الدنيا، ويقولن: انظروا صاحبكم يستريح فإنه كان في كرب شديد، ثم يسألونه ما فعل فلان، وفلانة تزوجت).
وعن أبي هريرة يرفعه: (إن المؤمن إذا نزل به الموت ويعاين ما يعاين يود لو خرجت روحه والله يحب لقاءه، وإن المؤمن تصعد روحه إلى السماء فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الدنيا).
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن روحي المؤمنين ليلتقيان مسيرة يوم وما رأى أحدهما صاحبه قط).
وعن ابن لبيبة قال: لما مات بشر بن البراء بن معرور، وجدت عليه أمه وجداً شديداً، فقالت: يا رسول الله لا يزال الهالك يهلك من بني سلمة، فهل تتعارف الموتى فأرسل إلى بشر السلام؟ قال نعم والذي نفسي بيده إنهم ليتعارفون كما يتعرف الطير في رؤوس الشجر).
وكان لا يهلك هالك من بني سلمة إلا جاءته أم بشر فقالت يا فلان عليك السلام، فيقول: وعليك، فيقول: اقرأ على بشر السلام.
وعن سعيد بن جبير قال: (إذا مات الميت استقبله ولده كما يستقبل الغائب).
وعن ثابت البنانى قال: بلغنا أن الميت إذا مات احتوشته أهله وأقاربه الذين تقدموه من الموتى، فلهم أفرح به وهو أفرح بهم من المسافر إذا قدم إلى أهله).
ذكر معرفة الميت لمن يغسله ويجهزه
عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت يعرف من يغسله ويحمله، ومن يكفنه ويدليه في حفرته).
وعن عمر بن دينار قال: ما من ميت يموت إلا وروحه في يد ملك ينظر إلى جسده كيف يغسل، وكيف يكفن، وكيف يمشى به، ويقال له وهو على سريره: اسمع ثناء الناس عليك.
عن سفيان قال: إن الميت ليعرف كل شىء حتى إنه ليناشد غاسله بالله إلا خففت على غسلي. قال: ويقال له وهو على سريره: اسمع ثناء الناس عليك.
وعن بكر المزني قال: (حُدِّثت أن الميت يستبشر بتعجيله إلى المقابر).
وعن أيوب قال: يقال (من كرامة الميت على أهله تعجيله إلى حفرته).
ذكر بكاء السماء والأرض على الميت
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من إنسان إلا له بابان في السماء باب يصعد منه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات العبد بكيا عليه).
وعن علي بن أبي طالب قال: (إن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه في الأرض ومصعد عمله في السماء).
وعن عطاء الخراساني قال: (ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت).
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المؤمن إذا مات تجملت المقابر بموته، فليس منها بقعة إلا وهي تتمنى أن يدفن فيها).
ذكر تخفيف ضمة القبر على المؤمن
عن سعيد بن المسيب أن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إنك منذ حدثتني بصوت منكر ونكير وضغطة القبر ليس ينفعني شىء. قال: (يا عائشة إن صوت منكر ونكير في أسماع المؤمنين كالإثمد في العين، وضغطة القبر على المؤمن كالأم الشفيقة يشكو إليها ابنها الصداع فتغمز رأسه غمزاً رفيقاً، ولكن يا عائشة ويل للشاكّين في الله كيف يضغطون في قبورهم كضغطة الصخرة على البيضة).
عن محمد التيمي قال: (كان يقال إن ضمة القبر إنما أصلها أنها أمهم، ومنها خلقوا فغابوا عنها الغيبة الطويلة، فلما رد إليها أولادها ضمتهم ضم الوالدة الشفيقة التي غاب عنها ولدها ثم قدم عليها، فمن كان لله مطيعاً ضمته برفق ورأفة، ومن كان لله عاصياً ضمته بعنف سخطاً منها عليه).
ذكر الترحيب بالمؤمن في القبر
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دفن العبد المؤمن قال له القبر: مرحباً وأهلاً أما إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إلي، فإذا وليتك اليوم وصيرت إلي فسترى صنعي بك فيتسع له مد بصره، ويفتح له باب إلى الجنة).
قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار).
ذكر ما يبشر به المؤمن عند سؤال منكر ونكير
عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، قال: يأتيه ملكان فيقعدانه، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقولان: أُنظر إلى مقعدك في النار وقد أبدلك الله به مقعداً من الجنة. فيراهما جميعاً).
قال قتادة: وذُكِرَ لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعاً ويملأ عليه خضراً.
ومن حديث أنس نحوه وزاد في آخره (فيقول دعوني حتى أذهب فأبشِّرَ أهلي: فيقال له اسكن).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما منكر وللآخر نكير، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين عرضاً، ثم ينور له فيقول: دعوني أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان: نم نومة العروس بالذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله تعالى من مضجعه ذلك).
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده إن الميت إذا وضع في قبره أنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، فإذا كان مؤمنا جاءت الصلاة عند رأسه، والزكاة عن يمينه، والصوم عن شماله، وفعل الخيرات والمعروف والإحسان إلى الناس من قبل رجليه، فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة: ليس من قبلي مدخل، فيؤتى من قبل يمينه فتقول الزكاة: ليس من قبلي مدخل، فيؤتى من قبل شماله فيقول الصوم: ليس من قبلي مدخل، فيؤتى من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات وما يليها من المعروف والإحسان إلى الناس: ليس من قبلنا مدخل، فيقال له اجلس: فيجلس وقد مثلت له الشمس وقد قربت من الغروب، فيقال له: أخبرنا عما نسألك؟ فيقول: دعوني أصلي، فيقولون: إنك مشتغل فأخبرنا عما نسألك؟ فيقول عما تسألوني؟ فيقال له: ما تقول في هذا الرجل الذي كان فيكم؟ فيقول: أشهد أنه رسول الله جاءنا بالبينات من عند ربنا فصدقنا واتبعنا، فيقال، صدقت على هذا حييت وعلى هذا مت وعليه تبعث إن شاء الله من الآمنين. ويفتح له في قبره مد بصره، ويقال: افتحوا له بابا إلى النار فيفسح له فيقال: هذا منزلك لو عصيت الله، فيزداد غبطة وسروراً، ويقال: افتحوا له باباً إلى الجنة، فيفتح له، فيقال: هذا منزلك وما أعد الله لك، فيزداد غبطة وسروراً، فيعاد الجسد إلى أصله من التراب، ويجعل روحه في النسيم الطيب، وهي طير أخضر تعلق في شجر الجنة).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إذا وضع الميت في قبره جاءت أعماله الخالصة فاحتوشته، فإن أتاه من قبل رأسه جاءت قراءة القرآن، وإن أتاه من قبل رجليه جاء قيام الليل، وإن أتاه من قبل يديه قالت اليدان: كان والله يبسطنا للدعاء والصدقة لا سبيل لكم عليه، وإن أتاه من قبل فيه جاء ذكره وصيامه، وكذلك الصلاة والصبر ناحية، فيقول أما إن لو رأينا خللاً كنت صاحبه، وتجاحش عنه أعماله الصالحة، كما يجاحش الرجل عن أخيه وصاحبه وأهله وولده، ويقال له عند ذلك: نم بارك الله في مضجعك، فنعم الحال حالك، ونعم الأصحاب أصحابك.
وعن أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل الإنسان في قبره، فإن كان مؤمناً أحف به عمله: الصلاة والصوم، فيأتيه الملك من نحو الصلاة فترده، ومن نحو الصيام فيرده، فيأتيه فيناديه اجلس فيجلس فيقول ما تقول في هذا الرجل؟ قال: محمد، فيقول أشهد أنه رسول الله،فيقول: ما يدريك؟ أدركته؟ قال: أشهد أنه رسول الله. قال: فيقول على ذلك عشت وعليه مت وعليه تبعث).وعن بحر بن نصر الصائغ قال: كان أبي مولعاً بالصلاة على الجنائز، فقال: يا بني حضرت يوماً جنازة فلما ذهبوا بذلك ودفنوها نزل القبر نفسان ثم خرج واحد، وبقي الآخر، وحثى الناس التراب، فقلت: يا قوم يدفن حي مع ميت؟ فقالوا: ما ثَمَّ أحد، فقلت: لعله شُبِّهَ لي، رجعت فقلت: لا أبرح حتى يكشف الله لي ما رأيته، فجئت القبر فقرأت عشر مرات يس وتبارك الملك وبكيت، فقلت: يا رب اكشف لي عما رأيت فإني خائف على عقلي وديني، فانشق القبر وخرج منه شخص فولى مدبراً، فقلت: يا هذا بمعبودك إلا وقفت لي أسألك فما التفت إلىّ، فقلت له الثانية والثالثة، فالتفت وقال: أنت نصر الصائغ؟ قلت: نعم: فما تعرفني؟ قلت: لا. قال: نحن ملكان من ملائكة الرحمة وكلنا بأهل السنة إذا وضعوا في قبورهم نزلنا حتى نلقنهم الحجة وغاب عني).
وعن شقيق البلخى قال: طلبنا ضياء القبور فوجدناه في صلاة الليل، وطلبنا جواب منكر ونكير فوجدناه في قراءة القرآن، وطلبنا العبور على الصراط فوجدناه في الصوم والصدقة، وطلبنا ظل يوم الحساب فوجدناه في الخلوة.
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم أو مسلمة يموت ليلة الجمعة أو يوم الجمعة إلا وقي عذاب القبر، وفتنة القبر، ولقي الله ولا حساب عليه، وجاء يوم القيامة ومعه شهود يشهدون له أو طابع).
وقد وردت الأحاديث ونصوص العلماء بإستثناء جماعة من السؤال منهم الشهداء والصديقون والمرابطون والمطيعون وكذلك الأطفال في أرجح القولين.
ذكر ألم المؤمن في قبره
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار).
وأخرج الترمذي مثله في حديث أبي سعيد الخدري.
وأخرج الطبراني في الأوسط مثله من حديث أبي هريرة.
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل إذا توفي في غير مولده يفسح له من مولده إلى منقطع أثره).
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أرحم ما يكون الله بالعبد إذا وضع في حفرته).
وأخرج الديلمي: يفسح للرجل في قبره كبعده من أهله.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن في قبره في روضة خضراء، ويرحب له في قبره سبعون ذراعاً، وينور له في قبره كليلة البدر).
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أرجى ما يكون الله تعالى بالعبد إذا وضع في حفرته).
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات العالم صور الله له علمه في قبره، فيؤنسه إلى يوم القيامة ويدرأ عنه هوام الأرض).
وأوحى الله إلى موسى (تعلم الخير وعلمه الناس، فإنى منور لمعلم العلم ومتعلمه قبورهم لا يستوحشوا بمكانهم).
وعن ابن كاهل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كف أذاه عن الناس كان حقاً على الله أن يكف عنه عذاب القبر).
وعن بعض الأولياء قال: سألت الله تعالى أن يريني مقامات أهل القبور فرأيت في ليلة من الليالي القبور قد انشقت، وإذا فيها النائم على السرير، وفيهم الباكي، والضاحك، فقلت يا رب لو شئت ساويت بينهم في الكرامة، فنادى مناد من أهل القبور يا فلان هذه منازل الأعمال، أما أصحاب السندس فهم أصحاب الخلق الحسن، وأما أصحاب الحرير والديباج فهم الشهداء، وأما أصحاب الريحان فهم الصائمون، وأما أصحاب السرور فهم المتحابون في الله، وأما أصحاب البكاء فهم المذنبون.
قال اليافعي: رؤية الموتى في خير أو شر نوع من الكشف يظهره الله تبشيراً أو موعظة أو لمصلحة الميت أو إسداء خير له، أو قضاء دين أو غير ذلك، ثم هذه الرؤية قد تكون في النوم وهو الغالب، وقد تكون في اليقظة انتهى.
قال في كفاية المعتقد: أخبرنا بعض الأخيار عن بعض الصالحين أنه كان يأتي والده في بعض الأوقات ويتحدث معه.
وعن يحيى بن معين، قال لي حفار: أعجب ما رأيت من هذه المقابر أنى سمعت من قبر أنينا كأنين المريض، وسمعت من قبر والمؤذن يؤذن وهو يجيبه من القبر.
ذكر صلاة الموتى في قبورهم
عن جبير قال: أما والله الذي لا إله إلا هو لقد أدخلت ثابتاً البناني في لحده ومعي حميد الطويل، فلما سوينا عليه اللبن سقطت لبنة فإذا هو في قبره يصلي، وكان يقول في حياته: اللهم إن كنت أعطيت أحداً من خلقك الصلاة في قبره فأعطنيها فما كان الله ليرد دعاءه).
ذكر قراءة الموتى في قبورهم
عن ابن عباس قال : إن بعض أصحاب النبي جلس على قبر وهو لا يحسب أنه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هي المانعة، وهي المنجية تنجيه من عذاب القبر).
قال أبو القاسم السعدي في كتاب الإفصاح: هذا تصديق من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المبيت يقرأ في قبره، فإن عبد الله أخبره بذلك وصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن طلحة بن عبيد الله قال: أردت مالي بالغابة فأدركني الليل، فآويت إلى قبر عبد الملك بن عمرو بن حرام فسمعت قراءة القرآن في القبر، ما سمعت أحسن، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال (ذلك عبد الله، ألم تعلم أن الله قبض أرواحهم فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت، ثم علقها وسط الجنة، فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم فلا تزال كذلك حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر ردت أرواحهم إلى مكانها الذي كانت فيه.
وعن إبراهيم بن عبد الصمد المهدي قال: حدثني الذين كانوا يمرون بالحصن بالأسحار قالوا: كنا إذا مررنا بجبانة قبر ثابت البنانى سمعنا قراءة القرآن.
وعن عكرمة قال: يؤتى المؤمن مصحفاً يقرأ فيه.
وعن عاصم السقطي قال: حفرنا قبراً ببلخ فنقب في قبره، فإذا شيخ في القبر متوجه إلى القبلة وعليه إزار أخضر واخضر ما حوله، وفي حجره مصحف يقرأ فيه.
وعن أبي النضر النيسابوري الحفار وكان صالحاً ورعاً قال: حفرت قبراً فانفتح في القبر، قبر آخر فنظرت فيه، فإذا أنا بشاب حسن الثياب حسن الوجه طيب الرائحة جالساً متربعاً، وفي حجر كتاب مكتوب بخط أحسن ما رأيت من الخطوط، وهو يقرأ القرآن فنظر الشاب إلىّ وقال: أقامت القيامة؟ فقلت: لا، فقال: أعد المدرة على ّموضعها فأعدتها إلى موضعها.
ونقل السهيلي في دلائل النبوة عن بعض الصحابة: أنه حفر قبراً في موطن فانفتحت طاقة، فإذا شخص على سرير وبين يديه مصحف يقرأ فيه، وأمامه روضة خضراء وذلك بأحد، وعلم أنه من الشهداء لأنه رأى ررأىى في صفحة وجهه جرحاً. وأورد ذلك ابن ابن حبان في تفسيره.
وحكى اليافعي في روضة الرياحين عن بعض الصالحين قال: حفرت قبر رجل من العباد ولحدته، فبينما أنا أسوي إذ سقطت لبنة من لحد يليه، فنظرت فإذا شيخ جالس في القبر عليه ثياب بيض تقعقع، وفي حجره مصحف من ذهب مكتوب بالذهب وهو يقرأ فيه، فرفع رأسه إليّ وقال لي: أقامت القيامة؟ فقلت: لا، فقال: رد اللبنة إلى موضعها عافاك الله تعالى فرددتها.
وقال اليافعي أيضاً:روينا عمن حفر القبور من الثقات أنه حفر قبراً فأشرف منه على إنسان جالس على سريره وبيده مصحف يقرأ فيه، وتحته نهر فغشي عليه، وأخرج من القبر يدور ولم يتمالك مما أصابه فلم يفق إلا في اليوم الثالث.
ذكر تعليم الملائكة المؤمن القرآن في قبره
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن ثم مات ولم يستظهره أتاه ملك يعلمه في قبره فيلقى الله وقد استظهره).
وعن عطية العوفي قال: بلغني أن العبد المؤمن إذا لقي الله تعالى ولم يتعلم كتابه علمه الله تعالى في قبره حتى يثيبه عليه.
وعن الحسن قال: بلغني أن العبد المؤمن إذا مات ولم يحفظ القرآن أمر حفظته أن يعلموه القرآن في قبره حتى يبعث الله تعالى يوم القيامة مع أهله.
وعن يزيد الرقاشي قال: بلغني أن المؤمن إذا مات وقد بقي عليه شيء من القرآن لم يتعلمه بعث الله له ملائكة يحفظونه ما بقي عليه منه حتى يبعث من قبره.
ذكر كسوة المؤمن في قبره
عن عبّاد بن بشر قال: لما حضَرَت أبا بكر الوفاة قال لعائشة اغسلي ثوبَيَّ هذين وكفّنيني بهما، فإنما أبو بكر أحد الرجلين إما مكسُوّاً أحسن الكسوة وإما مسلوباً أسوأ السلب.
وعن يحيى بن راشد أن عمر بن الخطاب قال في وصيته: اقتصدوا في كفني، فإنه إن كان لي عند الله خير أبدلني ما هو خير منه، وإن كنت على غير ذلك سلبني وأسرع سلبي، واقتصدوا في حفرتي فإنه إن كان لي عند الله خير وسع لي في قبرى مد البصر، وإن كنت على غير ذلك ضيق عليَّ حتى تختلف أضلاعي.
وعن حذيفة رضي الله عنه أنه قال عند موته: ابتاعوا لي ثوبين ولا عليكم فإن يصب صاحبكم خيراً ألبسني خيراً منها وإلا سلبها سلباً سريعاً.
وعن حذيفة رضي الله عنه أنه قال عند موته: اشتروا لي ثوبين أبيضين فإنهما لا يتركان عليَّ إلا قليلاً حتى أبدل بهما خيراً منهما أو شراً منهما.
وعن علية بن أبان بن صيفي الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أوصانا أبي أن لا نكفنه في قميص. قالت فلما أصبحنا من الغد من يوم دفناه، إذ نحن بالقميص الذي كفناه فيه على المشجب.
ذكر الفراش للمؤمن في قبره
عن مجاهد في قوله تعالى {فَلأَنفُسِهِم يَمهَدونَ} قال: في القبر.
وعن مجاهد في الآية قال: يُسَوون المضاجع.
وعن أبي هريرة قال: يقال للمؤمن في قبره ارقد رقدة العروس.
ذكر تزاور الموتى في قبورهم
عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه، فإنهم يتزاورون في قبورهم).
قال البيهقي بعد تخريجه: وهذا لا يخالف قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الكفن إنما هو للمهلة والصديد، لأن ذلك كذلك في رؤيتنا ويكون كما شاء الله في علم الله، كما قال في الشهداء {بَل أَحياءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقونَ} وهو ذا نراهم يتشحطون في الدماء ثم ينشفون، وإنما يكونون كذلك في رؤيتنا، ويكونون في الغيب كما أخبر الله عنهم، ولو كانوا في رؤيتنا كما أخبرنا الله تعالى عنهم لارتفع الإيمان بالغيب.
وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حسِّنوا أكفان موتاكم فإنهم يتباهون ويتزاورون في قبورهم).
وأخرج ابن عدي في الكامل من حديث أبي هريرة مرفوعاً مثله.
وأخرج الخطيب في التاريخ من حديث أنس مرفوعاً مثله.
وعن ابن سيرين قال: كان يحب حسن الكفن، ويقال: إنهم يتزاورون في أكفانهم.
وعن محمد بن سيرين قال: كانوا يستحبون أن يكون الكفن ملفوفاً مزروراً وقال: إنهم يتزاورون في قبورهم).
وعن راشد بن سعد: أن رجلاً توفيت امرأته، فرأى نساء في المنام ولم يرى امرأته معهن، فسألهن فقلن إنكم قصرتم في كفنها فهي تستحي أن تخرج معنا، فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنظر هل إلى ثقة من سبيل) فأتى رجلاً من الأنصار قد حضرته الوفاة فأخبره فقال الأنصاري: إن كان أحد يبلغ الموتى بلغت فتوفي الأنصاري فجاء بثوبين مصبوغين بالزعفران فجعلهما في كفن الأنصاري، فلما كان الليل رأى النسوة ومعهن امرأته وعليها الثوبان الأصفران.
وعن قيس بن قبيصة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يؤمن لم يؤذن له في الكلام) قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل يتكلم الموتى؟ قال: (نعم، ويتزاورون).
وعن الشعبي قال: إن الميت إذا وضع في لحده أتاه أهله وولده فيسألهم عمن خلف بعده كيف فعل فلان وما فعل فلان.
وعن مجاهد: إن الرجل ليسر بصلاح ولده في قبره.
قال ابن القيم: الأرواح قسمان منعمة ومعذبة، فأما المعذبة فهي في شغل عن التزاور والتلاقي، وأما المنعمة المرسلة غير المحبوسة فتتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا، فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو مثل عملها، وروح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى. قال الله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَهَ وَالرَسولَ فَأُؤلَئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنعَمَ اللَهُ عَلَيهِم مِنَ النَبِيّينَ وَالصِدّيقينَ وَالشُهَداءَ وَالصالِحينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفيقاً} ، وهذه المعية ثابتة في الدنيا وفي دار البرزخ وفي الجزاء والمرء مع من أحب في الدور الثلاثة.
قال السلفي: عود الروح إلى الجسد في القبر ثابت على الصحيح لجميع الموتى وإنما الخلاف في استمرارها في البدن، وهو أن البدن يصير حياً بها كحالته في الدنيا أو حياً بدونها، وهي حيث يشاء الله، فإن ملازمة الحياة للروح أمر عادي لا عقلي، هذا وإن البدن يصير بها حياً كحالته في الدنيا مما يجوزه العقل فإن صح به سمع اتبع وقد ذكره جماعة من العلماء ، ويشهد له صلاة موسى في قبره فلا تستدعي جسداً حياً، وكذلك الصفات المذكورات في الأنبياء ليلة الإسراء كلها صفات لا أجساد ولا يلزم من كونها حياة حقيقية أن تكون الأبدان معها كما في الدنيا من الاحتياج إلى الطعام والشراب وغير ذلك من صفات الأجسام التي نشاهدها بل يكون لها حكم آخر. وأما الأول كالعلم والسماع فلا شك أن ذلك ثابت لجميع الموتى، هذا كلام السبكي.
قال اليافعي: مذهب أهل السنة أن أرواح الموتى ترد في بعض الأوقات من عليّين أو من سجين إلى أجسادهم في قبورهم عند إرادة الله تعالى، وخصوصاً ليلة الجمعة ويجلسون ويتحدثون وينعم أهل النعيم ويعذب أهل العذاب مادام في عليين أو سجين، وفي القبر يشترك الروح والجسد.
ذكر علم الموتى بزوارهم وأنسهم بهم
عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من رجل يزور أخاه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم).
وعن أبي هريرة قال: إذا مر رجل بقبر يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام.
وأخرج ابن عبد البر في الاستذكار والتمهيد عن زرارة بن أوفى (من كان يعرفه ويحبه في الدنيا).
وعن محمد بن واسع قال: بلغني أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوماً قبله، ويوماً بعده.
وعن الضحاك قال: من زار قبراً يوم السبت قبل طلوع الشمس علم الميت، قيل له: وكيف ذلك؟ قال: لمكان يوم الجمعة.
قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام).
وعن أبي هريرة مرفوعاً: (ما من عبد يمر على رجل يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه، إلا عرفه، ورد عليه السلام).
وفي الأربعين الطائية روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (آنس ما يكون الميت في قبره إذا زاره من كان يحبه في دار الدنيا).
قال ابن القيم: الأحاديث والآثار تدل على أن الزائر متى جاء علم به الميت وسمع سلامه، وأنس به ورد عليه، وهذا عام في حق الشهداء وغيرهم، فإنه لا يُوَقَّت.
قال وهو أصح من أثر الضحاك الدال على التوقيت.
قال: قد شرع صلى الله عليه وسلم لأمته أن يسلموا على أهل القبور سلام من يخاطبونه ممن يسمع ويعقل.
ذكر مقر الأرواح
عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش).
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لما أصيب أصحابكم بأحد جعل الله أرواحهم في حواصل طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش).
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهداء على بارق نهر الجنة في قبة خضراء يخرج إليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشية).
وعن أبي بن كعب قال: الشهداء في قباب في رياض الجنة يبعث إليهم ثور وحوت فيعتركان بهما، فإذا احتاجوا إلى شيء عقر أحدهما صاحبه فيأكلون فيجدون فيه طعم كل شيء في الجنة).
وعن أنس أن حارثة لما قتل، قالت أمه: يا رسول الله قد علمت منزلة حارثة، فإن يكن في الجنة أصبر، وإن يكن في غير ذلك ترى ما أصنع؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها جنات كثيرة وإنه في الفردوس الأعلى).
وعن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما نسمة المؤمن طائر يتعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه).
وعن أم هانىء أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزاور إذا متنا، وبر بعضنا بعضاً. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون بأنعم طير يتعلق بالشجر، حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها).
وعن أم بشر بن البراء أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يتعارف الموتى؟ قال: (تربت يداك النفس الطيبة طير خضر في الجنة فإن كان الطير يتعارفون في رؤوس الشجر فإنهم يتعارفون).
وعن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: لما حضرت كعباً الوفاة أتته أم بشر بن البراء وقالت: يا أبا عبد الرحمن إن لقيت فلاناً فأقرئه مني السلام قال لها: يغفر الله لك يا أم بشر نحن أشغل من ذلك، فقالت: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن نسمة المؤمن تسرح في الجنة حيث شاءت ونسمة الكافر في سجّين مسجونة) قال: بلى قالت هو ذلك.
وفي مراسيل عمرو بن الحبيب قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أرواح المؤمنين فقال: (في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت قالوا يا رسول الله وأرواح الكفار؟ قال: محبوسة في سجّين).
وعن سعيد بن المسيب أن سلمان الفارسي وعبد الله بن سلام التقيا، فقال أحدهما لصاحبه: إن لقيت ربك قبلي فأخبرني بماذا لقيت؟ فقال: أو تلقى الأحياء الأموات؟ قال: نعم. أما المؤمنون فإن أرواحهم في الجنة وهي تذهب حيث شاءت.
وعن عبد الله بن عمرو قال: أرواح المؤمنين كالزرازير تأكل من ثمر الجنة وأخرجه ابن منده مرفوعاً.
وعن كعب قال: جنة المأوى فيها طير خضر ترتقي فيها أرواح المؤمنين الشهداء تسرح في الجنة،وأرواح آل فرعون في أجواف طير سود وعلى النار تغدو وتروح وإن أطفال المؤمنين في عصافير في الجنة.
وعن هذيل قال: إن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود تروح وتغدو على النار وأرواح الشهداء في أجواف طير خضر، وأولاد المسلمين لم يبلغوا الحلم في عصافير من عصافير الجنة ترعى وتسرح.
وعن ابن عمرو قال: أرواح المؤمنين في صور طير بيض في ظل العرش وأرواح الكافرين في الأرض السابعة.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم فلم ير الخلائق أحسن من المعراج الذي يراه الميت حين يشق بصره إلى السماء فإن ذلك عجبه فصعدت أنا وجبريل فاستفتحت باب السماء فإذا أنا بآدم تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول: روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (إن أرواح المؤمنين في السماء السابعة ينظرون إلى منازلهم في الجنة).
وعن وهب بن منبه قال: (إن لله في السماء السابعة داراً يقال لها البيضاء تجتمع فيها أرواح المؤمنين فإذا مات من أهل الدنيا أحد تلقته الأرواح يسألونه عن أخبار الدنيا كما يسأل الغائب عن أهله إذا قدم عليهم).
وعن ابن عمر أنه عزى أسماء بابنها عبد الله بن الزبير وجثته مصلوبة فقال: لا تحزني فإن الأرواح عند الله في السماء وإنما هذه جثة.
وعن عبد الله بن الزبير عن العباس بن عبد المطلب قال: ترفع أرواح المؤمنين إلى جبريل فيقال: أنت ولي هذه إلى يوم القيامة.
وعن المغيرة بن عبد الرحمن قال: لقي سلمان الفارسي عبد الله بن سلام فقال له: إن مت قبلى فأخبرني بما تلقى، وإن مت قبلك أخبرتك. قال: وكيف وقد مت؟ فقال (إن الروح إذا خرج من الجسد كان بين السماء والأرض حتى يرجع إلى جسده).
وعن ابن عباس في قوله تعالى: {اللَهُ يَتَوَفّى الأَنفُسَ حينَ مَوتِها وَالَّتي لَم تَمُت في مَنامِها فَيُمسِكُ الَّتي قَضى عَلَيها المَوتُ وَيُرسِلُ الأُخرى إِلى أَجَلٍ مُسَمّى} قال: سبب ممدود ما بين المشرق والمغرب بين السماء والأرض، فأرواح الموتى وأرواح الأحياء إلى ذلك السبب تتعلق النفس الميتة بالنفس الحية، فإذا أذن لهذه الحية بالانصراف إلى جسدها لتستكمل رزقها، فأمسكت الميتة، وأرسلت الأخرى).
وفي الفردوس ولم يسنده ولده من حديث أبي الدرداء: (الميت إذا مات دير به حول داره شهراً وحول قبره سنة، ثم يرفع إلى السبب الذي تلتقي فيه أرواح الأحياء والأموات).
وعن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي قال: أرواح المؤمنين في برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت، وأنفس الكافرين في سجين.
وقال ابن القيم: البرزخ هو الحاجز بين الشيئين، وكأنه أراد في أرض بين الدنيا والآخرة.
وعن مالك بن أنس قال: بلغني أن أرواح المؤمنين مرسلة تذهب حيث شاءت.
وعن عبد الله عمرو قال: أرواح الكفار تجمع ببرهوت- سبخة بحضرموت- وأرواح المؤمنين تجمع بالجابية.
وعن عروة بن رويم قال: الجابية تجيء إليها كل روح طيبة.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: أرواح المؤمنين في بئر زمزم، وأرواح الكافرين في واد يقال له برهوت.
وعن عبد الله بن عمرو قال: أرواح المؤمنين تجمع بأريحاً، وأرواح المشركين تجمع بظافر من حضرموت.
وعن وهب بن منبه قال: إن أرواح المؤمنين إذا قبضت ترفع إلى ملك يقال له رميائيل وهو خازن أرواح المؤمنين.
وعن أبان بن ثعلب عن رجل من أهل الكتاب قال: الملك الذي على أرواح الكفار يقال له دوحة.
وعن كعب قال: الخضر على منبر من نور بين البحر الأعلى والبحر الأسفل وقد أمرت دواب الأرض أن تسمع له وتطيع، وتعرض عليه الأرواح بكرة وعشية.
هذا مجموع ما وقفنا عليه من الأحاديث والآثار في مقر الأرواح، وقد اختلفت أقوال العلماء فيه بحسب اختلاف هذه الآثار.
قال ابن القيم: والتحقيق أنه لا خلاف، وأن الأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت، ولا تعارض بين الأدلة فإن كلاً منها وارد على فرق من الناس بحسب درجاتهم.
قال: وعلى كل تقدير فللروح بالبدن اتصال بحيث يصح أن تخاطب ويسلم عليها ويعرض عليها مقعدها وغير ذلك مما ورد، فإن للروح شأناً آخر فتكون في الرفيق الأعلى وهي متصلة بالبدن إذا سلم المسلم على صاحبه رد عليه السلام وهي مكانها هناك، وإنما يأتي الغلط هنا من قياس الغائب على الشاهد، فيعتقد أن الروح من حيث ما يعهد من الأجسام التي إذا بلغت مكاناً لم يمكن أن تكون في غيره وهذا غلط محض، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء موسى قائماً في قبره، ورآه في السماء السادسة، والروح هناك كانت في مثال البدن ولها اتصال بالبدن حيث يصلي في قبره ويرد السلام، فالروح ترد عليه وهو في الرفيق الأعلى، ولا تباين بين الأمرين فإن شأن الأرواح غير شأن الأبدان، وقد مثل ذلك بعضهم بالشمس في السماء وشعاعها في أرض، وقد قال صلى الله عليه وسلم(من صلّى عليَّ عند قبري سمعته، ومن صلى عليَّ نائياً بلغته).
هذا مع القطع بأن روحه في عليين مع أرواح الأنبياء وهو الرفيق الأعلى أو في حاجز بين السماء والأرض أو سجين ولها اتصال بالبدن حيث يدرك ويسمع ويصلي ويقرأ، وإنما يستغرب هذا لكون الشاهد الدنيوي ليس فيه ما يشابه هذا، وأمور الآخرة والبرزخ على نمط غير المألوف في الدنيا إلى أن قال: والحاصل أنه ليس للأرواح سعيدها وشقيها مستقر واحد وكلها على اختلاف محلها وسائر مقارها، لها اتصال بأجسادها في قبورها يحصل لها من النعيم أو العذاب المقيم ما كتب.
وقال الحافظ ابن حجر: أرواح المؤمنين في عليين، وأرواح الكافرين في سجين، ولكل روح بجسدها اتصال معنوي لا يشبه الاتصال في الحياة الدنيا بل أشبه شيء به حال النائم، وإن كان هو أشد من حال النائم اتصالاً.
قال: وبهذا يجمع بين ما ورد أن مقرها في عليين أو سجين أو بئر، وما نقله ابن عبد البر عن الجمهور أنها عند أفنية قبورها.
قال: ومع ذلك فهي مأذون لها في التصرف وتأوي إلى محلها من عليين أو سجين.
قال: وإذا نقل الميت من قبر إلى قبر فالاتصال المذكور مستمر وكذا إذا تفرقت الأجزاء.
وقال صاحب الإفصاح: المنعم على جهات مختلفة، منها ما هو طائر في أشجار مختلفة في الجنة، ومنها ما هو في حواصل طير خضر.
ومنها: ما هو في حواصل طير كالزرازير.
ومنها: ما هو في أشجار الجنة.
ومنها: ما هو في صور تخلق لهم من ثواب أعمالهم.
ومنها: ما تسرح وترد إلى جثتها تزورها.
ومنها: ما تتلقى أرواح المقبوضين.
ومنها: ما هو في كفالة ميكائيل.
ومنها: ما هو في كفالة آدم.
ومنها: ما هو في كفالة إبراهيم.
قال القرطبي: وهذا قول حسن يجمع الأخبار حتى لا تتدافع.
وذكر البيهقي في كتاب (عذاب القبر) نحوه لما ذكر حديث ابن مسعود في أرواح الشهداء وحديث ابن عباس ثم أورد حديث البخاري عن البراء قال: لما توفي إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن له مرضعاً في الجنة).
ثم قال يحكيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابنه إبراهيم بأنه يرضع في الجنة، وهو مدفون بالبقيع في قبره بالمدينة.
قال النسفي في بحر الكلام: الأرواح على أربعة وجوه: أرواح الأنبياء تخرج من جسدها وتصير صورتها مثل المسك والكافور، وتكون في الجنة تأكل وتشرب وتنعم وتأوي بالليل إلى قناديل العرش وأرواح المطيعين من الشهداء تخرج من جسدها وتكون في أجواف طير خضر في الجنة، تأكل وتشرب وتنعم، وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش وأرواح الطائعين بربض الجنة، لا تأكل ولا تنعم، ولكن تنطلق إلى الجنة.
وأرواح العصاة من المؤمنين تكون بين السماء والأرض في الهواء.
وأما أرواح الكفار، فهي في سجين في جوف طير سود تحت الأرض السابعة، وهي متصلة بأجسادها فتعذب الأرواح، وتتألم الأجساد منه كالشمس في السماء ونورها في الأرض.
ذكر رضاع أطفال المؤمنين وحضانتهم
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد في الإسلام فهو في الجنة شبعان ريان، يقول يا رب أورد علىَّ أبوىَّ).
وعن خالد بن معدان قال: إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى كلها ضروع، فمن مات من الصبيان الذين يرضعون رضع من تلك الشجرة، وحاضنهم خليل الرحمن عليه السلام.
وعن خالد بن معدان قال: إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى كلها ضروع يرضع منها صبيان الجنة، وإن سقط المرأة يكون في نهر من أنهار الجنة يتقلب فيه حتى تقوم القيامة فيبعث ابن أربعين سنة.
وعن عبيد الله بن عمر قال: إن في الجنة شجرة لها ضروع كضروع البقر يتغذى بها ولدان أهل الجنة.
ومن طريق أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أولاد المؤمنين في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة).
والحمد لله رب العالمين