أيا خدد الله ورد الخدود
أيا خدد الله ورد الخدود
أبو الطيب المتنبي
أيَا خَدّدَ الله وَرْدَ الخُدودِ وَقَدّ قُدودَ الحِسانِ القُدودِ
فَهُنّ أسَلْنَ دَماً مُقْلَتي وَعَذّبْنَ قَلبي بطُولِ الصّدودِ
وكَمْ للهَوَى من فَتًى مُدْنَفٍ وكَمْ للنّوَى من قَتيلٍ شَهيدِ
فوَا حَسْرَتَا ما أمَرّ الفِراقَ وَأعْلَقَ نِيرانَهُ بالكُبُودِ
وأغْرَى الصّبابَةَ بالعاشِقِينَ وَأقْتَلَهَا للمُحِبّ العَميدِ
وَألْهَجَ نَفْسي لغَيرِ الخَنَا بحُبّ ذَواتِ اللَّمَى والنّهُودِ
فكانَتْ وكُنّ فِداءَ الأميرِ ولا زالَ مِنْ نِعْمَةٍ في مَزيدِ
لقَد حالَ بالسّيفِ دونَ الوَعيدِ وحالَتْ عَطاياهُ دونَ الوُعودِ
فأنْجُمُ أمْوالِهِ في النّحُوسِ وأنْجُمُ سُؤّالِهِ في السّعُودِ
ولَوْ لمْ أخَفْ غَيرَ أعْدائِهِ عَلَيْهِ لَبَشّرْتُهُ بالخُلُودِ
رَمَى حَلَباً بِنَواصِي الخُيُولِ وسُمْرٍ يُرِقْنَ دَماً في الصّعيدِ
وبِيضٍ مُسافِرَةٍ ما يُقِمْـ ـنَ لا في الرّقابِ ولا في الغُمُودِ
يَقُدْنَ الفَنَاءَ غَداةَ اللّقاءِ إلى كلّ جيشٍ كَثيرِ العَديدِ
فَوَلّى بأشياعِهِ الخَرْشَنيُّ كَشاءٍ أحَسّ بِزَأرِ الأسُودِ
يَرَوْنَ مِنَ الذّعر صَوْتَ الرّياحِ صَهيلَ الجِيادِ وخَفْقَ البُنُودِ
فَمَنْ كالأميرِ ابنِ بنْتِ الأميـ ـرِ أوْ مَنْ كآبائِهِ والجُدُودِ
سَعَوْا للمَعالي وَهُمْ صبْيَةٌ وسادوا وجادوا وهُمْ في المُهودِ
أمَالِكَ رِقّي ومَنْ شَأنُهُ هِباتُ اللُّجَينِ وعِتْقُ العَبيدِ
دَعَوْتُكَ عِندَ انْقِطاعِ الرّجَا ءِ والمَوْتُ مني كحَبل الوَريدِ
دَعَوْتُكَ لمّا بَراني البَلاءُ وأوْهَنَ رِجْليّ ثِقْلُ الحَديدِ
وقَدْ كانَ مَشيُهُما في النّعالِ فقَد صارَ مَشيُهُما في القُيُودِ
وكنت منَ النّاسِ في مَحْفِلٍ فَها أنَا في مَحْفِلٍ مِنْ قُرُودِ
تُعَجِّلُ فيّ وُجوبَ الحُدودِ وَحَدّي قُبَيلَ وُجوبِ السّجودِ
وقيل: عَدَوْتَ على العالمينَ بَينَ وِلادي وبَينَ القُعُودِ
فَما لَكَ تَقْبَلُ زُورَ الكَلامِ وقَدْرُ الشّهادَةِ قَدْرُ الشّهُودِ
فَلا تَسْمَعَنّ مِنَ الكَاشِحِينَ وَلا تَعْبَأنّ بِعِجْلِ اليَهُودِ
وكنْ فارِقاً بينَ دَعوَى أرَدتُ وَدَعوَى فَعَلْتُ بشَأوٍ بَعيدِ
وفي جُودِ كَفّيْكَ ما جُدْتَ لي بنَفسي ولوْ كنتُ أشْقَى ثَمُودِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المُتَنَبّي
303 - 354 هـ / 915 - 965 م
أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي، أبو الطيب.
الشاعر الحكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي، له الأمثال السائرة والحكم البالغة المعاني المبتكرة.
ولد بالكوفة في محلة تسمى كندة وإليها نسبته، ونشأ بالشام، ثم تنقل في البادية يطلب الأدب وعلم العربية وأيام الناس.
قال الشعر صبياً، وتنبأ في بادية السماوة (بين الكوفة والشام) فتبعه كثيرون، وقبل أن يستفحل أمره خرج إليه لؤلؤ أمير حمص ونائب الإخشيد فأسره وسجنه حتى تاب ورجع عن دعواه.
وفد على سيف الدولة ابن حمدان صاحب حلب فمدحه وحظي عنده. ومضى إلى مصر فمدح كافور الإخشيدي وطلب منه أن يوليه، فلم يوله كافور، فغضب أبو الطيب وانصرف يهجوه.
قصد العراق وفارس، فمدح عضد الدولة ابن بويه الديلمي في شيراز.
عاد يريد بغداد فالكوفة، فعرض له فاتك بن أبي جهل الأسدي في الطريق بجماعة من أصحابه، ومع المتنبي جماعة أيضاً، فاقتتل الفريقان، فقتل أبو الطيب وابنه محسّد وغلامه مفلح بالنعمانية بالقرب من دير العاقول في الجانب الغربي من سواد بغداد.
وفاتك هذا هو خال ضبة بن يزيد الأسدي العيني، الذي هجاه المتنبي بقصيدته البائية المعروفة، وهي من سقطات المتنبي.