حصري. "اكتشاف مكان العقيدين "عميروش" و"سي الحواس" لم يكن بفعل الوشاية بل نتيجة تعذيب أحد أسرى معركة جبل ثامر"
المجاهد محمد بوزيد
تنشر "الجلفة إنفو" ولأول مرة شهادة حية للمجاهد "محمد بوزيد" الذي كان حاضرا في معركة "جبل ثامر" وكان مرافقا للعقيد "سي الحواس" وهي الشهادة التي تأتي لتساهم في النقاش الكبير الذي أثاره البعض بخصوص استشهاد العقيدين "سي الحواس " و"عميروش". ومن خلال تطرقها الى العديد من الشهادات الحية، تؤكد الجريدة الإلكترونية "الجلفة انفو" أن الهدف من ذلك هو السعي الى كتابة تاريخ الثورة في الولاية السادسة عموما وفي ولاية الجلفة خصوصا. لكن في بعض الأحيان قد نجد تداخلا في المعلومات بين أصحاب الشهادات الحية، خاصة إذا ما تعلق الأمر بحادثة واحدة مثل معركة "جبل ثامر". لذلك نؤكد من منبرنا هذا أن أصحاب الشهادات الحية يتحمّلون المسؤولية كاملة فيما يدلونه من أقوال حول العديد من القضايا. فنحن كمؤسسة إعلامية نسعى إلى نقل الحقيقة من أفواه من عايشوا الحدث بكل أمانة دون زيادة أو نقصان، والتاريخ كفيل بان يحاسب كل من زيف أو حيف في سرد حادثة تاريخية، خاصة إذا كانت تنقص من قيمة الشهداء أو من قيمة المناطق التي جاهدت أو عانت ويلات الخيانة مثلما هو الحال في ولاية الجلفة.
وانطلاقا مما سبق ذكره، وبالتزامن مع الاحتفال بالذكرى التاسعة والخمسين لاندلاع الثورة التحريرية المباركة، ارتأت "الجلفة إنفو" أن تواصل نشر الشهادات الحية لمن عايشوا الحدث، حيث كانت "الجلفة إنفو" هذه المرة ضيفة على أحد رفقاء الشهيد "سي الحواس" وأحد الشهود الحاضرين في معركة "جبيل ثامر" يوم 29 مارس 1959 ألا وهو المجاهد "محمد بوزيد" المدعو "بن صابر" الذي حدثنا عن بدايات دخوله للثورة التحريرية وعن الشخصية الثورية للعقيد "سي الحواس" وعن معركة "جبيل ثامر" وعن الغموض الذي مازال يكتنف استشهاد العقيدين.
بداية من هو المجاهد "محمد بوزيد"؟ ومتى كان انضمامه للثورة؟
أنا من مواليد 25 جانفي 1939 بمدينة الجلفة التحقت بصفوف الثورة التحريرية في شهر نوفمبر 1956 بالحدود الليبية الجزائرية نواحي ولاية اليزي، ثم التحقت بوحدات جيش التحرير بالحدود الجزائرية التونسية والتي كانت تحت قيادة الرائد "ايدير الحاج علي".
ماهي أسباب دخولك أرض الوطن وكيف كان لقاؤك الأول مع القائد "سي الحواس"؟
كان دخولي أرض الوطن في أواخر 1957 و بطلب مني قدمته الى العقيد "عبد الله بلهوشات" الذي كان قائد المجموعة التي كنت من ضمنها والمتكونة من 57 جنديا. عندما دخلت إلى الجزائر كان أول اتصال لنا بجيش العقيد "سي الحواس" في أوائل مارس 1958 عندما كان مسؤولا على المنطقة الثالثة التابعة للولاية الأولى. فبعد مكوثنا عدة أيام في المنطقة توجهنا إلى الناحية الثانية "بجبل امساعد" ثم الى "جبل الميمونة" وكان ذلك في غضون شهر ماي أين التحق بنا الرائد "عمر ادريس" قادما من الغرب على رأس كتيبتين من جيش التحرير.
بما أنك كنت ملازما للعقيد "سي الحواس" حدثنا عن "لقاء العقداء" في الولاية الثالثة وما هي أهم القرارات التي خرج بها؟
تلقى العقيد سي الحواس رسالة من العقيد "عميروش" يطلب فيها الحضور إلى الولاية الثالثة وذلك قصد تصفية المؤامرة التي وقعت في الولاية بالإضافة إلى التوجه نحو الولاية الثانية من أجل حضور مؤتمر العقداء الذي أنقعد في شهر نوفمبر سنة 1958 .
قبل مغادرتنا الولاية الثالثة، اتصل بنا العقيد "امحمد بوقرة " والذي أقام معنا حوالي 05 أيام قبل التوجه إلى الولاية الثانية. في تلك الأثناء احتفظ "سي الحواس" بـ 17 جنديا فقط في حين أمر البقية بالرجوع إلى الولاية السادسة. بعد ذلك توجهنا إلى الولاية الثانية أين وجدنا في استقبالنا قائد الولاية "علي كافي" حيث حضر هذا الاجتماع قادة خمس ولايات وهي: الولاية الأولى والثانية والثالثة والرابعة والسادسة فيما غابت الولاية الخامسة نظرا لبعد المسافة بالإضافة إلى مخاطر الطريق.
قرارات هذا الاجتماع كانت واضحة وهي إيفاد كل من العقيد "سي الحواس" والعقيد "عميروش" إلى تونس من أجل الاتصال بقيادة الأركان والحكومة المؤقتة. وقد كان هذا الاجتماع مغلقا لكنه كان ناجحا نظرا لعدم تمكن فرنسا من اكتشاف مكانه.
العقيد "عميروش" زار الولاية السادسة في بداية مارس 1959 خلال رحلته الى تونس رفقة العقيد "سي الحواس" ماذا كانت انطباعاته عن هذه الزيارة؟
عقب عودتنا من لقاء العقداء إلى الولاية السادسة اجتمع العقيد "سي الحواس" بالجيش من أجل معرفة مدى جاهزيته. وفي تلك الأثناء، منتصف شهر مارس 1959، تفاجئنا بزيارة العقيد "عميروش" إلى المنطقة قادما من الولاية الثالثة رفقة كاتبه "آيت سعادة "وحارسه الشخصي "محمد الشريف شافعي". كان هذا الاتصال بمنطقة "المهشم" بجبل "القسوم" بالناحية الثانية.
خلال هذا اللقاء خطب فينا العقيدان "سي الحواس" و"عميروش" خطابا حماسيا موضّحين سبب هذه الزيارة. وبعد استراحة دامت أسبوعا، انتقلنا بعدها إلى جبل "الميمونة" بالناحية الأولى بالمنطقة الثالثة من الولاية السادسة، أين التقى العقيدان هناك بقادة الجيش وذلك من أجل ضبط بعض الأمور وعلى رأسها تحديد المعنيين بالسفر إلى تونس رفقة العقيدين. ومما علمته فيما بعد، أي بعد معركة "جبل ثامر" التي نجوت منها، أن القائدين اتفقا على أن يتوجه معهما "04" أربع جنود فقط إلى تونس، وبأن مكان الافتراق سيكون في "جبل ثامر" من جهة أخرى. كما أني علمت أيضا أنه تم في هذا اللقاء ترقية رتب بعض الجنود والقادة. وكنت من بينهم حيث تم ترقيتي من رتبة "عريف" إلى رتبة "عريف أول" وقد كان هذا الاجتماع يوم 20 مارس 1959.
بعد هذا اللقاء انطلقنا من جبل "الميمونة" إلى "جبل ثامر" مساء يوم 28 مارس 1959 ولم نكن نعلم كجنود وجهتنا بالنظر إلى سرية المهمة. وقد توزعنا إلى مجموعتين من أجل الالتقاء في جبل ثامر. فالمجموعة التي كنت فيها كان قوامها 48 جنديا لكن للأسف المجموعة الأخرى ظلت طريقها نظرا لوعورة الطريق التي ذهبوا منها بالإضافة إلى تشابه مداخل ومخارج جبل الميمونة.
أثناء سيرنا إلى "جبل ثامر" وجدنا البغال والجمال في انتظارنا من أجل حمل الأمتعة والتناوب على ركوبها لأن المسافة كانت طويلة فهي تقدر بـ 70 كلم بالإضافة إلى وعورة الطريق. وفي حدود منتصف الليل، لاحظنا أن القوات الفرنسية بدأت تتحرك وذلك من خلال رؤيتنا لأضواء الشاحنات المنبعثة من نواحي "بوسعادة، واد الشعير، بسكرة، أولاد جلال". ورغم ذلك واصلنا رحلتنا لعدم شكنا بأن القوات الفرنسية قد تكون متوجهة نحو "جبيل ثامر" الذي كنا نجهل مقصدنا إليه.
كنت من بين الحاضرين لمعركة "جبيل ثامر" حدثنا عن أطوار هذه المعركة، وبرأيك هل معرفة الجيش الفرنسي لتواجد العقيدين كان صدفة أم أنها خيانة؟
في صبيحة يوم 29 مارس 1959 وعند وصولنا إلى "جبل ثامر" علمنا بأن العقيد "سي الحواس" كان الوحيد الذي يعلم بتوجهنا اليه كما كان يعلم أيضا بوجود كتيبة كل من "رمضان حسوني" وكتيبة "رابح تينة" اللذين لم يكونا على علم بمجيء "سي الحواس". وهو ما جعلهما يغيّران موقعهما نظرا لقدوم الجيش الفرنسي. وهنا أقف عند نقطة تاريخية يجب ذكرها وهي أن فرضية الخيانة كانت موجودة، فليس من الممكن معرفة مكان كتيبة كل من "رابح تينة" و"رمضان حسوني" لولا وجود وشاية و أؤكد هنا أن الوشاية الأولى التي وصلت للفرنسيين لم تكن تتعلق بالعقيدين بل كانت تتعلق بالكتيبتين سالفتي الذكر.
عند وصولنا إلى "جبل ثامر" في حدود الساعة السادسة صباحا، وجدنا المكان خاليا لكننا أصبحنا في مواجهة مباشرة مع العدو نظرا لقرب قواته منا. هذا ما استدعى "سي الحواس" أن يأمرنا بالتمركز جيدا في الجبل من أجل الاستعداد للمعركة.
في حدود الساعة السابعة والنصف صباحا (7:30) بدأت الطائرات تحوم فوق "جبل ثامر" أين اكتشفت مكاننا، لتبدأ المدفعية بالقصف. ورغم أن 30 جنديا من مجموع 48 مجاهدا كانوا معنا ممن يمكن الاعتماد عليهم في المعركة، الا أننا دخلنا في المواجهة. ففي حدود الساعة العاشرة صباحا بدأت طائرات العدو بالقصف اتجاهنا حيث استشهد من استشهد وأثناء المعركة تمّ أسر أحد جنودنا، واقتيد إلى مقر القيادة أين تم استجوابه تحت التعذيب وذلك من أجل معرفة مكان قائدي الكتيبتين "رابح تينة" و"رمضان حسوني" لكن الجندي كان ينكر وجودهما أصلا لأنه في حدود علمه الموجودون في المعركة هما "سي الحواس" والعقيد "عميروش". وبعد تعذيبه أشد العذاب، اعترف بأن من بين الموجودين في ميدان المعركة العقيدان.
في تلك اللحظات أعطيت الأوامر مباشرة بتوقيف المعركة وسحب القوات والاعتماد على طائرات الإنزال. حيث تم إنزال المظليين من أجل البحث عن العقيدين أحياء، لكن القوات الفرنسية جاءت متأخرة فقد كانت المعركة قد حسمت للفرنسيين و استشهد خلالها من جيش التحرير الوطني 36 شهيد منهم العقيدان "سي الحواس" والعقيد "عميروش" في خندق واحد. فيما تم أسر ثمانية مجاهدين وهم (الرائد عمر إدريس، المجاهد نبق بن حرزالله، بوعزة قويدر، دريويلة، سلطاني الميلود، بن خليل اسماعيل، بكورة لمبارك، مزياني).
بعد انتهاء المعركة في حدود الساعة الثانية والنصف زوالا، استطعت أنا رفقة اثنين من المجاهدين، وهما "إبراهيم ساتا" والمجاهد "احمد بن عكشة بن عمار" وقد خرج كل واحد منا من المعركة لوحده، استطعنا أن نتسلل إلى داخل شجرة وكنت أرى الجنود الفرنسيين يمرون من إمامي لكنهم لم يشعروا بتواجدي.
وفي آخر كلامي ومما أؤكده أن فرضية الوشاية أو الخيانة لم تكن موجودة أبدا في قضية تواجد العقيدين "سي الحواس" و"عميروش" في"جبل ثامر"، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون. لأن العقيد "سي الحواس" هو الوحيد الذي كان يعلم بالمسيرة من جبل "الميمونة" إلى "جبل ثامر". إضافة إلى ذلك فإنني أفند فكرة بأن للولاية الخامسة يدا في الخيانة، فهناك من يقول بأن العقيد "عبد الحفيظ بوصوف" كان وراء فتح شفرة للفرنسيين عندما كان في اتصال مع قيادة أركان الجيش والحكومة المؤقتة في تونس والتي أفضت إلى المطالبة بمعرفة حيثيات لقاء العقداء والذي بموجبه سيتم إرسال العقيدين سي الحواس وعميروش إلى تونس. ومن منبر "الجلفة إنفو"، أؤكد بأن المتعارف عليه بأن الفرنسيين لا يمكن لهم معرفة المكان لان الشيفرة تتغير من أسبوع إلى أسبوعين بالإضافة إلى أن قادة الثورة عموما، والعقيدين "عميروش" و"سي الحواس" خصوصا، يغيرون مكانهم كل مرة.
شهادة من العقيد محمد شعباني للمجاهد "محمد بوزيد"
شهادة تسريح المجاهد "محمد بوزيد" من الجيش الوطني الشعبي و تعيينه شرطي مدني في جويلية 1962