تفسير سورة الفجر
تفسير سورة الفجر
بقلم - د. فالح الحجية
بسم الله الرحمن الرحيم
( وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ (Cool وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الاوْتَادِ (10) الَّذِينَ طغَوْا فِي الْبِلاَدِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) فَأَمَّا الاِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلا بَلْ لاتُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً (20) كلا إِذَا دُكَّتِ الاَرْضُ دَكّاً دَكّاً (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الاِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لايُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي ( 30))
سورة الفجر كاملة
الحمد لله :
اقسم الله تعالى بالفجر وهو الوقت بين اخر الليل وطلوع الشمس وفيه صلاة الفجر وهي افضل الصلوات عند الله واكد الله تعالى على تلاوة القرآن الكريم في هذا الوقت ا ذ قال تعالى ( وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كانت مشهودا ) وقيل المقصود بها صلاة الفجر وقيل انها الصلاة الوسطى اذا حسبنا ان وقت اليوم التالي يبدأ بصلاة المغرب فيقال مثلا ليلة الجمعة فيوم الجمعة يبدأ بغروب شمس يوم الخميس ودخول ليلة الجمعة بصلاة المغرب فتكون صلاة الفجر هي الصلاة الوسطى قال تعالى: ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فهي مخصوصة وفضلها جليل وقيل ان الفجر الذي اقسم الله تعالى به هو فجر يوم النحر.
كما اقسم الله تعالى بالليالي العشر وهي الايام العشرة من اول شهر ذي الحجة الى العاشر منها وهي من الايام الفضيلة عند الله تعالى و فيها الوقوف بعرفة و بداية ايام الحج وفيها النحر والاضحى وفيها وفيها..
وقال في فضلها النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
(ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام يعني عشر ذي الحجة - قالوا : و لا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : و لا الجهاد في سبيل الله إلا رجلا خرج بنفسه و ماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء).
ثم اقسم الله تعالى بالشفع والوتر والشفع يعني المزدوج مهما كثر والوتر يعني المفرد مهما كثر او قل وهذا القسم هو كل الشفع وكل الوتر لان القسم فيهما جاء مطلقا وقيل انها الصلاة فانها شفع الا صلاة المغرب فانها وتر والمقصود بالوتر المفرد وقيل صلاة وتر اي انها صلاة الوتر بعد العشاء وخاتمة الصلوات الليلية حيث انها ثلاث ركعات تصلى ركعتين مجتمعة والثالثة مفردة وعند الامام ابي حنيفة النعمان تصلى مجتمعة فهي تشتمل على الشفع والوتر .والله تعالى اعلم
واقسم الله تعالى ب( والليل اذا يسر) وهو السير فيه اي يسير او يجري فكل سير او مشي في وقت الليل يسمى ( سرى ) ذهابا او ايابا وسار يسير سيرا اذا مشى في الليل وقد استفهم الله تعالى عباده هل في هذه القسوم (جمع قسم )تدبر لذي العقول الناضجة او الراجحة وقيل ان هذه الاقسام بها بذوي النهى وهم اصحاب العقل والادراك والتدبر وهي اغلظ الاقسام
ويقع القسم اعلاه على عقوبة الكافرين والمشركين والعصاة من البشر ممن ذكرهم الله تعالى في هذه السورة المباركة وهم :
1- قبيلة عاد الساكنين في مدينة (ارم ) وهم قوم هود عليه السلام هذه المدينة التي كانت عامرة التي لم يخلق مثلها في البلاد جمالا وتنظيما في ذلك الوقت في كل بلاد الله تعالى فكانت بيوتها مبنية ارقى بناء وبعضها فوق بعض ومشيدة على اعمدة رخامية رائعة وذلك لانهم كفروا بربهم وكانوا خارجين عن طاعته فدمرهم تدميرا ب:
(ريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما فترى القوم فيها صرعى كانهم اعجاز نخل خاوية *)
2 - قبيلة ثمود وهم قوم صالح عليه السلام وكانت بيوتهم بين الجبال (وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين) وقيل انها كانت بوادي القرى وقيل غير ذلك
بروايا ت مختلفة .
3- قوم فرعون والمقصود بهم الفراعنة حكام مصر وقيل ان فرعون كان اذا اراد ان يبطش او يقتل من لم يؤمن به وخرج عن عبادته وطاعته يشده الى اربعة اوتاد من يديه ورجليه .
فكل هؤلاء طغوا في البلاد واكثروا فيها الفساد فارسل الله تعالى عليهم سوطا من العذاب الشديد اي انواعا معينة تختلف لكل منهم فاهلكهم بها فالله تعالى يعلم ما يفعله عباده من تجبر وفساد يجازيه اشد الجزاء في الحياة الدنيا وهو في الاخرة من الخاسرين اذ يعذبه في يوم القيامة حيث يجعله وقودا في نارجهنم .
فالانسان في طبيعة نفسه اذا ما ابتلاه ربه تعالى فاكرمه وانعم عليه بالمال والولد والصحة فيقول ويصرح ان ربه فضله على الاخرين وانعم عليه بالاكرام والنعم بينما في حقيقة الامر هو ابتلاء وامتحان لصاحب هذه النفس . ليريه ا يشكر ام يكفر اما اذا اختبره بضيق الرزق وقلته فيقول انما ربي اهانني ولا يهين ربك احدا . والحقيقة هو ليراه ماذا يفعل ا يصبر ا م يكفر وانما المدار في كل ذلك طاعة الله تعالى وعبادته فالانسان الجاحد لا يكرم اليتيم وهو الطفل الفاقد الابوين او احدهما فيكون قد صعبت عليه معيشته بما في ذلك الطعام والمسكن والحنان ولا يحض على طعام المسكين والمقصود به الحث على اطعام الفقراء والمساكين وقيل حثهم على ان لا ياكلون حق اليتامى والنساء من الميراث اكلا شديدا راغبة انفسهم فيه .وخوفهم ربهم في ذلك . فاذا كان يوم القيامة وفيه تدك الارض دكا شديدا حيث ستندك الارض وتتسطح وتسير الجبال وتتساوى في الارض وتصبح هباءا منثورا والهباء المنثور هو الغبار المتصاعد من سير قطيع الغنم في الصحراء او هو الغبار الاتي من كوة في غرفة ضوؤها قليل فيدخلها الضوء من الكوة فيرى الغبار كيف يجري خلال الضوء والمقصود به ان هذه الجبال العظيمة تكون يوم القيامة مثل هذا الغبار لا تساوي شيئا وفيه يبعث الناس ويحشرون من قبورهم للحساب والجزاء ويحضر الملائكة صفوفا صفوفا كما امرالله تعالى ثم جيئ بجهنم مزمومة ملجومة يجرها الملائكة جرا وهي ترعد وتزبد لتخوف الكافرين والمشركين والعصاة وآكلي المال الحرام حيث سيلقون فيها بعذاب شديد ليس كمثله عذاب وكل واحد من هؤلاء مقيد ومصفد بالسلاسل والقيود والاغلال في رقابهم بحيث لايستطيعون التحرك او النظر يمينا وشمالا فهم مقمحون لايستطيعون الحركة او الالتفات لشدة قيوهم فيرمون في النار ويكونون حصب لجهنم والحصب هو الحصى المشتعل في قعر النار فيبقون في جهنم داخرين الى ابد الابدين .
اما النفوس الامنة المطمئنة التي امنت بالله تعالى وكتبه وما جاء به رسله وما علموه للبشر واهتدت هذه النفوس بهديهم فهي التي ترجع الى ربها راضية بفوزها باكتسابها الثواب. مرضية في تصرفها بما كسبته نفسه في الجنة التي وعد المتقون فتكون في سعادة وهناء وتلك هي الكرامة الحقة .
والله تعالى اعلم
د.فالح نصيف الحجية
الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز