اعمل ماشئت
اعمل ما شئت؛ فإنك مَجْزِيٌّ به
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وعلى صحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن هذه الجملة - التي عنونا بها مقالنا هذا - قطعة من حديث نبوي شريف، يرويه الإمام علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أتاني جبريل، فقال لي: يا محمد، عِشْ ما شئت؛ فإنك ميت، وأحبِبْ من شئت؛ فإنك مفارقه، واعمل ما شئت؛ فإنك مَجْزِيٌّ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس))[1]. وما من شك أن ألفاظ هذا الحديث تشكِّل - منفردة ومجتمعة - موعظة بليغة، وتذكرة شافية، تذرف لها العيون، وتوجل منها القلوب، ليس هذا فحسب، بل إن كل لفظة منه أو كلمة تشكل معاني رائقة، وهي إلى ذلك: "جامعة لحكم الأولين والآخرين، وهي كافية للمتأملين، ولو وقفوا على معانيها، وغلبت على قلوبهم غلبة يقين - لاستغرقتهم، ولحالَتْ بينهم وبين التلفت إلى الدنيا بالكلية"[2]. ولك أن تنظر ما اشتملت عليه هذه الكلمات من العظات، حتى قال بعضهم: "فلو لم ينزل من السماء غيرها، لكانت كافية"، بل لقد ذكر بعض المفسرين: أن هذه الجمل هي المراد بقوله - عز وجل -: ? فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ?[النجم: 10][3]؛ فضَعْ هذه الكلمات دومًا في ذاكرتك، ولتكُنْ منك على بال.ولست في هذا المقال بصدد شرح الحديث، وبيان أو تبيان ما أشارت إليه تفصيلًا أو إجمالًا، ولكنني أريد أن آخذكم معي لنلقي - جميعًا - نظرة إجمالية، نتكلم فيها ونبين ونجلي بها إحدى هذه الجُمَل التي اشتمل عليها هذا الحديث، ونشير إليها، ولا أريد أن أفوت على نفسي وعليكم فائدة التنبيه عليها، وهي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((واعمل ما شئت؛ فإنك مَجْزِيٌّ به))؛ ولذلك عنونتُ لهذا المقال بها. شبهة ودفعها:
وقبل هذا أو ذاك، أرى أنه من المستحسن أن أشير إلى أن كثيرًا ممن يحتج بهذه الجملة وبمثيلاتها من نصوص الوحيين من أهل الضلال ومن في قلوبهم زيغ، يمكن أن يصنف تحت ما يسمونه: بـ: (الحرية)، هو في الحقيقة من الأمور التي لا تملك تجاهها إلا أن تقول: سبحان الله! إذ كيف تطيش عقولهم عن الحق وتعمى؟! ذلك أن هذا من أفسد الاستدلالات قاطبة عند أدنى تأمل - كما هو واضح وسيأتي معنا شيء منه.ولنا - بادئ ذي بدء - أن نتساءل معهم: هل هذا بيان من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يأذن لهم به أن يعملوا ما شاؤوا؟! وهل معناه حقًّا الإذن المطلق للإنسان أن يصنع ما شاء؟! وهل الأمر هنا للإباحة، فللإنسان أن يفعل ما يشاء دون حساب ولا عقاب؟! وهل هو دليل على الحرية - المزعومة والمشؤومة - التي ينادي بها الكثيرون في هذا الباب؟! أم أن الأمر على خلاف ذلك كله، وأنه مسوقٌ للتهديد، وبيان أن على الإنسان ألا يغتر بمثل هذا، فضلًا عن غيره، بل ينبغي عليه أن يخاف ويحذر منه؛ لأن هناك دومًا رقابة صارمة، وتدوينًا لما يقدمه - قولًا أو فعلًا - بين يديه؟! إننا لو سمعنا برجلٍ ما يقول: إن الأرض مربَّعة مثلًا، أو آخر يزعم: أن مياه البحار والمحيطات غاية في العذوبة، أو ثالث يقول: إن الواحد نصف الأربعة، فإننا - ولا شك - سنقيم الدنيا ولا نقعدها، وسنزري به وبعقله أيما إزراء، ومنا من سيرميه - ولا شك - بالجنون والسفه؛ كل ذلك لا لشيء إلا لأنه أخطأ في فهم بعض الحقائق الدنيوية! فبالله قل لي: كيف إذا ما كان هذا الخطأ يتعلق بنصوص الوحيين الكريمين، التي ينبي عليها الكثير والكثير؟! فيا ليت شعري! أين ذوو الأقلام النيرة، والأفهام السوية؛ حتى يدلوا الناس على ما يحفظ لهم دينهم، ويحصّن كيانهم، ويزرع الثقة في مبادئ شريعتهم، ومناهج تعليمهم، ويحذروهم بالمقابل من شرور المبغضين، وحسد الحاسدين، ولا سيما والإسلام مستهدف، وثوابت الشريعة الغراء تواجه تضليلًا وتشكيكًا من خارجها وداخلها، بل وممن على أرضها، ويتكلمون بلغتها؟! ألا فليتقِ الله الجميع، ولا أقل من أن يكون الأمر كما قيل: ليت الذي لم يكُنْ بالحق مقتنعًا ♦♦♦ يُخْلِي الطريق ولا يوهِنْ مَن اقتنعا وأعود إلى ما كنت بصدده فأقول: لا شك أن ظاهر هذا الحديث - بحسب الوضع اللغوي - التخيير بين الأعمال، ولكن المراد منه ليس هو التخيير، وإنما المراد به التهديد والتخويف، والتهديد بمثل هذه الصيغة التي ظاهرها التخيير هو في الحقيقة أسلوبٌ من أساليب اللغة العربية معروف ومشهور. ومما يؤكد هذا: أن جبريل - عليه السلام - عندما حمل هذا الخطاب الرباني للرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولأمته من باب أولى، لم يرد أن يطلق العنان لهم لاختيار الأعمال، ولم يقصد ألبتة ما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة عند البعض - وإن كان ليس هو المتبادر لمن له أدنى اهتمام بلغة العرب أصلًا - إنما كان هذا منه من باب التهديد والوعيد الشديد؛ فهو يأمرهم على طريق التهديد بأن يفعلوا ما يشاؤون، فهو وإن كان ظاهره الأمر فإنه ليس مرادًا، بل المراد منه الوعيد من الله - عز وجل، لكنه خرج مخرج الأمر - كما يقال - والمراد به: الزجر، بل إن هذا - في الحقيقة - نهاية في التهديد، ومبالغة في الوعيد، فكأنه يقول: أنت أعرف، فاعمل ما شئت، أو افعل ما تريد، لكنك سترى عاقبته الوخيمة؛ ولذلك نراه يقرر هذا ويؤكد ذلك - التهديد والزجر - بقوله: ((فإنك مَجْزِيٌّ به)).
كما أن مما يؤكد هذا، بل هو أصرح دليل على أن المراد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((واعمل ما شئت؛ فإنك مَجْزِيٌّ به))، التهديدُ والتخويف - أنه لو كان الأمر على بابه - التخيير - كما قد يظن البعض، لَمَا توعَّده بقوله: ((فإنك مَجْزِيٌّ به)). وتدليلًا وتأكيدًا عليه أقول: ألا ترى أن الشارع الحكيم لم يكتفِ بتحرير إرادتهم في باب الأعمال فحسب، بل تعداه - في بعض الأحيان - ليصل إلى الإذن لهم في أن يعبدوا ما شاؤوا، فقال - عز وجل -: ? فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ? [الزمر: 15][4]، ومعناه كما يقول ابن جرير - رحمه الله -: "يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: قل يا محمد لمشركي قومك: اللهَ أعبُدُ مخلصًا، مفردًا له طاعتي وعبادتي، لا أجعل له في ذلك شريكًا، ولكني أُفرده بالألوهة، وأبرأ مما سواه من الأنداد والآلهة، فاعبدوا أنتم - أيها القوم - ما شئتم من الأوثان والأصنام، وغير ذلك مما تعبدون من سائر خلقه، فستعلمون وبالَ عاقبة عبادتكم ذلك إذا لقيتم ربَّكم"[5]. فهذه الآية[6] - وتلك الجملة من الحديث - إذًا هي في الحقيقة مبالغة في التقريع والتهديد، وجميعها - جزمًا - من قبيل قوله - عز وجل -: ? اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ? [فصلت: 40]. قال السعدي - رحمه الله -: "لما تبين الحق من الباطل، والطريق المنجي من عذابه من الطريق المهلك، قال: ? اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ? [فصلت: 40]، إن شئتم، فاسلكوا طريق الرشد الموصلة إلى رضا ربكم وجنته، وإن شئتم، فاسلكوا طريق الغي المسخطة لربكم، الموصلة إلى دار الشقاء"[7]. فالأمر من باب - وكما يقول الرازي رحمه الله -: "تفويض الأمر إليهم على سبيل التهديد"[8]. ومثاله: أن ترى الرجل قد عزم على أمر، وعندك أن ذلك الأمر خطأ، وأنه يؤدي إلى ضرر عظيم، فتبالغ في نصحه واستنزاله عن رأيه، فإذا لم ترَ منه إلا الإباءَ والتصميم، حردت عليه[9]، وقلت: أنت وشأنك، وافعل ما شئت، فلا تريد بهذا حقيقة الأمر. وكيف والآمر بالشيء مريد له، وأنت شديد الكراهة متحسر؟! ولكنك كأنك تقول له: فإذ قد أبَيْتَ قبول النصيحة، فأنت أهل ليقال لك: افعل ما شئت، وتبعث عليه؛ ليتبين لك - إذا فعلت - صحة رأي الناصح، وفساد رأيك[10]. ونظيره - أيضًا -: ما يقوله الملك المهيب عند الغضب الشديد، إذا أخذ يعاتب بعض عبيده، ثم يقول لهم: اعملوا ما شئتم؛ فإن هذا مما يدل على الوعيد الشديد[11]. أو كما تقول للرجل: لا تدخلن هذه الدار، فإذا حاول أن يدخلها، قلت: ادخلها وأنت رجل، فلست تأمره بدخولها، ولكنك توعده وتهدده[12]. إذًا: هذا كله - أيضًا - كقوله - عز وجل -: ? قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ? [إبراهيم: 30]، وكقوله - عز وجل -: ? قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ? [الزمر: 8][13]، وكقوله - عز وجل -: ? لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ? [العنكبوت: 66][14]، وكقوله - عز وجل -: ? اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ? [الأنعام: 135]، وكقوله - عز وجل -: ? فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ? [الكهف: 29][15]، وكقوله - عز وجل -: ? لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ? [الكافرون: 6] في أحد أوجه تفسيرها[16]. إذًا: فهذا كله وعيد، ليس مصانعة، ولا مراشاة، ولا تفويضًا[17]، وتهديد وزجر، وليس بتخيير؛ ولذلك كانت النتيجة: ستعلمون الجاني على نفسه، والمخطئ في حقها، والمصيب في فعله المحسن إلى نفسه. ولذلك يعد هذا الحديث - ((واعمل ما شئت؛ فإنك مَجْزِيٌّ به)) - وهؤلاء الآيات: من الأدلة الكثيرة التي استدل بها أهل الأصول وغيرهم على أن صيغة الأمر قد تخرج عما وُضِعت له، ولا يراد منها الطلب، وأنها تأتي لمعانٍ أخرى غير إرادة امتثال المأمور، والذي يهمنا منها هنا التهديد[18]، وهو ما دلت عليه الآيات السابقة - ويكون هذا في مقام عدم الرضا بالمأمور به؛ ولذلك عد العلماء هؤلاء الآيات - وتلك الجملة من الحديث السابق - وغيرها: من النصوص المتعلقة بالجزاء على الأعمال. ولا أدل على ذلك - أيضًا - من أن كل الآيات التي بهذا المعنى قد تبتدئ أو تنتهي - أو تشملهما غالبًا - بذكر صفة العلم، وهذا كثير جدًّا؛ لتدلنا على هذا المعنى وتقرره، وهذا يورث بلا شك عندنا مبادئ كثرًا، ولعل من أهمها مبدأ المراقبة؛ ولذلك قيل للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ختام هذه الجملة: ((فإنك مَجْزِيٌّ به)). كما أن هذا التهديد - في هذه الجملة - يمكن التعرف عليه - أيضًا - من خلال السياق والسباق، وقرينة السياق هنا تفيد: أن المقصود هو التهديد ليس إلا؛ ففيه إشارة واضحة إلى التعرض لمبدأ المساءلة، وأنه على قدر عملك ستجازى وتحاسب. وبعد الوقوف على هذه المعاني والدلائل يظهر لنا جليًّا أنه لا خسران أقوى من خسران، ولا حرمان أعظم من حرمان، من غفلوا عنها، وحرَّفوها؛ فنعوذ بالله من هذا الضلال؛ ولذلك استحقوا بصنيعهم هذا العذاب العظيم، والعقاب الشديد. بيان معنى الأمر وإيضاحه: وبعد هذا الاستطراد - الذي أرى أنه كان من الأهمية بمكان ذكره هنا؛ لأمور، منها: أنه ينبني عليه ما بعده - أعود فأقول: إنه حتى نوضح معنى الأمر هنا نقول: إن قول جبريل - عليه السلام - لرسولنا صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث: ((واعمل ما شئت))، للعلماء في بيان معناه قولان اثنان لا ثالث لهما:
الأول: أن صيغة الأمر هنا ليست بمعنى الأمر، وأن معناها أن يفعل من شاء ما شاء - كما سبق - فإن هذا ومع أنه يتنافى مع مقاصد الشريعة، ومبدأ الطاعة المطلقة لها، فإنه كذلك غير مراد بأي وجه من الوجوه، ولكنه على معنى الذم والنهي عنه، ولأهل هذا القول طريقان اثنان: أحدهما: أنه أمرٌ بمعنى التهديد والوعيد، والمعنى: اعمل ما شئت؛ فإن الله سيجازيك عليه، على حد قوله تعالى: ? اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ? [فصلت: 40].
والثاني: أنه أمر، ومعناه الخبر. والثاني - من معاني هذا الأمر -: أنه أمر بفعل ما يشاء على ظاهر لفظه، وأن المعنى: إذا كان الذي تريد فعله مما لا يعود عليك بالضرر، أو على غيرك حتى من فعله، وليس في فعله ما يغضب الله، ولكونه من أفعال الطاعات، أو من جميل الأخلاق والآداب المستحسنة، فافعل منه حينئذ ما شئت. محاسبة ومساءلة: وهنا يقال: فليعمل من شاء ما شاء من الأعمال القبيحة، أو غيرها؛ فإنها لا تخفى على خالقنا وخالقهم - عز وجل - كيف وهو البصير بنا وبهم، والمطلع على أفعالنا وأفعالهم، وسيجازي عليها الجزاء العادل؟! وعندها إذا كان العمل حسنًا سيسرُّنا ويسرُّهم جزاؤه، أو سيئًا فسيسوءنا ويسوءهم لقاؤه. وليتذكر الجميع قول الله - عز وجل -: ? فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ? [الحجر: 92]، وقوله - عز وجل -: ? وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ? [الصافات: 24، 25]. إذًا: فليسلُكْ من شاء ما شاء؛ فهو مخير بين سلوك طريق الرشد الموصلة إلى رضا الله - عز وجل - وجنته، وبين سلوك طريق الغي المسخطة لله - عز وجل - والموصلة بالتالي إلى دار الشقاء. ولذلك يقول الله - عز وجل -: ? يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ? [الانشقاق: 6].
ومعنى الآية: "يا أيها الإنسان، إنك عامل إلى ربك عملًا، فملاقيه به: خيرًا كان عملك ذلك، أو شرًّا، يقول: فليكن عملك مما ينجيك من سخَطه، ويوجب لك رضاه، ولا يكن مما يُسخطه عليك، فتَهْلِكَ"[19]. والمعنى من هذه الآية متحقق، سواء كان الضمير في قوله: ? فَمُلَاقِيهِ ? [الانشقاق: 6] يعود إلى الله - عز وجل - أو كان يعود للكدح، بمعنى: ملاقٍ جزاء هذا الكدح، وهما قولان لأهل التفسير في الآية؛ فإن المعنى المراد أنك كادح ولا بد، وأنك بعد هذا الكدح وما فيه من العناء ستصير إلى لقاء ربك، وهو وحده الذي سوف يحاسبك عليه، فقدِّمْ ما يسرك أن تراه، واحرص على أن يكون هذا الكدح والسعي الحثيث في طاعته - عز وجل - لكي تنال ثواب ربك ورضاه؛ ولذلك قال من قال من العلماء: إن كلا القولين متلازمان. شاهد الحديث من القرآن: وهذا الشطر من الحديث في الحقيقة تشهد له الكثير من آيات القرآن وتقويه، ومنها: قول الله - عز وجل -: ? إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ? [الغاشية: 25، 26]. ولذلك ابن كثير قد جعل هذا الحديث شاهدًا للآية في تفسيره[20]. وقول الله - عز وجل -: ? يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ? [آل عمران: 30]. وقول الله - عز وجل -: ? وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ? [الأنبياء: 47]. وقول الله - عز وجل -: ? وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ? [الكهف: 49]. وقول الله - عز وجل -: ? وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا * مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ? [الإسراء: 13 - 15]. وقول الله - عز وجل -: ? أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ? [الجاثية: 21]. وقول الله - عز وجل -: ? أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ * يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ * فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ? [القلم: 35 - 45].
Haut du formulaireBas du formulaire