من مواقف البخلاء
قال رجل من البخلاء لأولاده اشتروا لي لحما فاشتروه فأمر بطبخه فلما استوى أكله جميعه حتى لم يبق في يده إلا عظمة وعيون أولاده ترمقه فقال ما أعطى أحدا منكم هذه العظمة حتى يحسن وصف أكلها فقال ولده الأكبر أمشمشها يا أبت وأمصها حتى لا أدع للذر فيها مقيلا قال لست بصاحبها فقال الأوسط ألوكها يا أبت وألحسها حتى لا يدري أحد لعام هي أم لعامين قال لست بصاحبها فقال الأصغر يا أبت أمصها ثم أدقها وأسفها سفا قال أنت صاحبها وهي لك زادك الله معرفة وحزما
من الموصوفين بالبخل أهل مرو يقال إن عادتهم إذا ترافقوا في سفر أن يشترى كل واحد منهم قطعة لحم ويشكها في خيط ويجمعون اللحم كله في قدر ويمسك كل واحد منهم طرف خيطه فإذا استوى جر كل منهم خيطه وأكل لحمه وتقاسما المرق
وقال دعبل كنا عند سهل بن هارون فلم نبرح حتى كاد يموت من الجوع فقال ويلك يا غلام آتنا غداءنا فأتى بقصعة فيها ديك مطبوخ تحته ثريد قليل فتأمل الديك فرآه بغير رأس فقال لغلامه وأين الرأس فقال رميته فقال والله إني لأكره من يرمي برجله فكيف برأسه ويحك أما علمت أن الرأس رئيس الأعضاء ومنه يصيح الديك ولولا صوته ما أريد وفيه فرقه الذي يتبرك به وعينه التي يضرب بها المثل فيقال شراب كعين الديك ودماغه عجيب لوجع الكلية ولم نر عظما أهش تحت الأسنان من عظم رأسه وهبك ظننت أني لا آكله أما قلت عنده من يأكله أنظر في أي مكان رميته فأتني به فقال والله لا أدري أين رميته قفال ولكني أنا أعرف أين رميته رميته في بطنك الله حسبك
من كتاب البخلاء - للجاحظ