المشبهات بليس
المشبهات بليس
فصل في (ما ولا ولات وإن) المشبهات بليس:
إعمال ليس أعملت ما دون إن..... مع بقا النفي وترتيب زكن
وسبق حرف جر أو ظرف كما..... بي أنت معنيا أجاز العلما
تقدم في أول باب (كان وأخواتها) أن نواسخ الابتداء تنقسم إلى: أفعال وحروف، وسبق الكلام على (كان وأخواتها) وهي من الأفعال الناسخة، وسيأتي الكلام على الباقي.
وذكر المصنف في هذا الفصل من الحروف الناسخة قسمًا يعمل عمل (كان) وهو (ما ولا ولات وإن) النافيات، المشبهات بليس.
أمَّا (ما) فلغة (بني تميم) أنَّها لا تعمل شيئًا، فتقول: ما زيدٌ قائمٌ، فــ(زيدٌ) مرفوع بالابتداء، و(قائمٌ) خبره، ولا عمل لــ(ما) في شيء منهما، وذلك لأنَّ (ما) حرف لا يختص لدخوله على الاسم؛ نحو: (ما زيدٌ قائمٌ)، وعلى الفعل نحو: (ما يقومُ زيدٌ)، وما لا يختص فحقه ألا يعمل.
ولغة (أهل الحجاز) إعمالها كــعمل ليس؛ لشبهها بها في أنها لنفي الحال عند الإطلاق، فيرفعون بها الاسم، وينصبون بها الخبر نحو (ما زيد قائمًا)، قال الله تعالى (ما هذا بشرًا)، وقال تعالى (ما هُنَّ أمهاتِهم)، وقال الشاعر:
أبناؤها متكنفون أباهم ....حنقو الصدور وما هُمْ أولادَهَا
لكن لا تعمل عندهم إلا بشروط ستة ذكر المصنف منها أربعة:
-الأول: أَلَّا يزاد بعدها (إن)، فإنْ زِيْدَتْ بَطُلَ عَمَلُهَا نحو (ما إِنْ زيدٌ قائمٌ) برفع (قائمٌ)، ولا يجوز نصبه، وأجاز ذلك بعضهم.
- الثاني: ألا ينتقض النفي بــ(إلا) نحو (ما زيد إلا قائمٌ)، فلا يجوز نصب (قائم)، وكقوله تعالى (ما أنتم إلا بشرٌ مِثلُنَا)، وقوله (وما أنا إلا نذيرٌ)، خلافًا لمَنْ أجازه.
- الثالث: ألا يتقدَّم خبرها على اسمها وهو غير ظرف ولا جار ومجرور، فإن تقدَّمَ وجب رفعه نحو (ما قائمٌ زيدٌ)، فلا تقول (ما قائمًا زيدٌ).
وفي ذلك خلافٌ، فإنْ كان ظرفًا أو جارًا ومجرورًا فقدمته فقلت (ما في الدار زيدٌ)، و(ما عندك عمرو)، فاختلف الناس في (ما) حينئذٍ: هل هي عاملة أم لا ؟ فمَنْ جعلها عاملة قال: إنَّ الظرف والجار والمجرور في موضع نصب بها، ومن لم يجعلها عاملة قال: إنهما في موضع رفع على أنهما خبران للمبتدأ الذي بعدهما.
وهذا الثاني هو ظاهر كلام المصنف، فإنه شرط في إعمالها: أن يكون المبتدأ والخبر بعد (ما) على الترتيب الذي زكن، وهذا هو المراد بقوله: (وترتيب زكن)؛ أي: علم. ويعني به أن يكون المبتدأ مُقدمًا، والخبرُ مؤخَّرًا، ومقتضاه أنه متى تقدَّم الخبر لا تعمل (ما) شيئًا، سواء كان الخبر ظرفًا أو جارًّا ومُجرورًا أو غير ذلك، وقد صرح بهذا في غير هذا الكتاب.
-الشرط الرابع: ألا يتقدم معمول الخبر على الاسم وهو غير ظرف ولا جار ومجرور، فإن تقدم بطل عملها نحو (ما طعامك زيد آكل) فلا يجوز نصبُ (آكل)، ومن أجاز بقاء العمل مع تقدم الخبر يجيز بقاء العمل مع تقدم المعمول بطريق الأولى لتأخر الخبر، وقد يقال: لا يلزم ذلك لما في الإعمال مع تقدم المعمول من الفصل بين الحرف ومعموله، وهذا غير موجود مع تقدم الخبر، فإن كان المعمول ظرفًا أو جارًا ومجرورًا لم يبطلْ عملها نحو (ما عندك زيدٌ مُقيمًا) و(ما بي أنت معنيًّا)؛ لأن الظروف والمجرورات يتوسَّعُ فيها ما لا يتوسع في غيرها.
وهذا الشرط مفهوم من كلام المصنف؛ لتخصيصه جواز تقديم معمول الخبر بــ(ما) إذا كان المعمول ظرفًا أو جارًا ومجرورًا.
- الشرط الخامس: ألا تتكرر (ما) فإنْ تكرَّرت بطل عملها نحو (ما ما زيدٌ قائمٌ)، فالأولى نافيةٌ، والثانيةُ نفت النفي فبقي إثباتًا (نفي النفي إثباتٌ)، فلا يجوز نصب (قائم)، وأجازه بعضهم.
-الشرط السادس: ألا يبدل من خبرها موجب، فإن أبدل بطل عملها نحو (ما زيدٌ بشيء إلا شيء لا يعبأ به)، فبشيء في موضع رفع خبر عن المبتدأ الذي هو (زيد)، ولا يجوز أن يكون فى موضع نصب خبرًا عن (ما)، وأجازه قوم.
وكلام سيبويه رحمه الله تعالى في هذه المسألة محتمل للقولين المذكورين أعني القول باشتراط ألا يبدل من خبرها موجب، والقول بعدم اشتراط ذلك، فإنه قال بعد ذكر المثال المذكور وهو (ما زيد بشيء إلى آخره) استوت اللغتان؛ يعني: لغة الحجاز، ولغة تميم، واختلف شراح الكتاب فيما يرجع إليه قوله (استوت اللغتان)، فقال قومٌ: هو راجع إلى الاسم الواقع قبل (إلا)، والمراد أنه لا عمل لــ(ما) فيه، فاستوت اللغتان في أنه مرفوع، وهؤلاء هم الذين شرطوا في إعمال (ما) ألا يبدل من خبرها موجب.
وقال قومٌ: هو راجعٌ إلى الاسم الواقع بعد (إلا)، والمراد أنه يكون مرفوعًا، سواء جعلت (ما) حجازية أو تميمية، وهؤلاء هم الذين لم يشترطوا في إعمال ما ألا يبدل من خبرها موجب، وتوجيه كل من القولين وترجيح المختار منهما وهو الثاني لا يليق بهذا المختصر.