من فضاء دليل الموقع للاستاذ/ أحمد عقون خبار بلادي**
الشيخ أحمد المجذوب ، رائد التصوف الخلواتي في الجنوب الوهراني
بقلم : الأستاذ علـي النّــــابتي
تحتفل بلدية عسلة خلال منتصف شهر أكتوبر من كل سنة بالاحتفالية الشعبية المخلدة لذكرى و مآثر الولي الصالح الشيخ أحمد المجذوب و هو ما يعرف لدى العامة بالوعدة. فمنذ أكثر من قرن دأب أحفاده على تنظيم هذا اللقاء السنويّ لإحياء صلة الرّحم ، والنظر في شؤون القبلية من النواحي الاجتماعية والإقتصادية .
تنخرط هذه المساهمة العلمية ضمن المواضيع التي تعنى بتراث أولياء الله الصالحين في منطقة الجنوب الغربي الأعلى من الجزائر ، سعيا إلى ربط تراثنا الثقافي بإقتضاءات العصرالمعيش ، فيما يتعلق بمسائل تدوين التاريخ و تأصيل الهوية .
تتمحور هذه المداخلة حول سؤال مفاده : ماذا نعرف عن شخصية أحمد المجذوب ؟ تفيد المعلومات والمعطيات الأولية ، بأنّه رجل متصوف ، اشتهر بالزّهد والانقطاع عن الدنيا وملذاتها ، فانجذب إلى مراتب التصوف العليا حتى لقبوه بالمجذوب .
وحتى يتسنى لنا فهم وتحليل هذا الطراز من الصالحين ، أعتقد من الضروري إلقاء نظرة على السياق التاريخي والجينيالوجي الذي ظهر على إثره الشيخ أحمد المجذوب ، من خلال استعراض مسار جده الأكبر معمر المكنى بأبي العالية .
يذكر الباحث حمزة بوبكر في دراسة له حول شخصية الولي الصالح سيد الشيخ ، أن معمر كان على رأس القبائل البدوية العربية التي أبعدها الزيانيون من تلمسان ، فإنتقلت إلى ضواحي قصر أربوات
( ولاية البيض ) ، إقليم كان يحكمه مندوب عن حاكم محلي من الخوارج ، يدعى السلطان الأكحل .غير أن الباحث خليفة بن عمارة صاحب كتاب سيرة البوبكرية ، يذكر أن معمر وأتباعه تنقلوا من تونس إلى الجنوب الشرقي الجزائري ، في حين أن إقامتهم بالجنوب الغربي جاءت بعد دعوة رؤساء قبيلة بني عامر لهم .
وبالرغم من سقوط الدولة الرستمية منذ قرون بتيهرت ( 296/ 909 ) ظلت قصور: بوسمغون ، الشلالة ، أربوات ، غاسول ، بريزينة ومعظم القرى البربرية ، معتنقة للمذهب الخارجي الإباضي فكانت مساعي معمر أبي العالية ، هو إقناع الخوارج لإتباع المذهب السني المالكي. و الملاحظ أن شجرة النّسب التي يتفرع منها أحمد المجذوب لها علاقة بالتّحولات العميقة التي شهدتها المنطقة ، ولعل هذا ما دفع بالدكتور بن نعوم ، أحد المهتمين بملف التّصوف ، إلى الإشارة لأبرز فقرات هذا المعنى بقوله :"..... من معمر بن العالية المبعد من تونس ، والذي قام بإجلاء السلطان الأكحل من أربوات إلى أحمد المجذوب حفيده الثامن ، الذي أبعد القائد الأعلى لبني عامر ( عبد الحق ) " .
من خلال سرد مقاربتنا الجينيالوجية ، نشير إلى أسماء : بوسماحة وابنه سليمان - والد أحمد المجذوب- و الذي اشتهر بعلمه وحنكته ، تلقى العلم على يدي مشايخ فيجيج و فاس كما سافر إلى الأندلس . أصبح سليمان أول مقدم للنظام الصّوفي الشاذلي بالجنوب الغربي بعد تتلمذه على يدي الشيح أحمد بن يوسف . عزّزت هذه المكانة من مقام سليمان بن أبي سماحة بوصفه زعيما للبوبكرية .
تفيد شجرة النسب المشهورة لدى كبار المجاذبة فإن سليمان خلّف ولدين هما محمد وأحمد وبنت هي صفية . ولد أحمد الملقب بالمجذوب حوالي سنة 1490 ، أما وفاته فكانت سنة 1571 ، علينا في بداية هذه اللمحة المختصرة حول هذا الرجل المتصوف ، إلقاء الضوء حول نسبه ودور الأولياء الصالحين في النّاحية في ظل الإرهاصات السوسيو ــ سياسية لتك الحقبة ، وأخيرا مناقشة طبيعة بعض الكرامات التي تفرد بها الشيخ أحمد المجذوب .
يعتبر أحمد المجذوب ، أبرز أبناء سليمان بن أبي سماحة ، بوصفه من أشهر المتصوفة في الشجرة البوبكرية بالجنوب الغربي الجزائري ، تأثر منذ شبابه بشخصية أحمد بن يوسف ،عرف بالإنضباط في تطبيق قواعد التّصوف حيث نهج سلوك الزّهد و الاعتزال حتى نال مرتبة الجذب وأصبح يدعى المجذوب
كان يمضي وقتا طويلا في الاعتكاف والخلوة متنقلا بين عين ورقة ، عسلة ومسيف ، كان يدعو النّاس إلى التآخي والمحبة في الله ومحذرا إياهم من غرور الدنيا الفانية . لقد كانت أخلاقه وخصاله مدرسة وسبيلا ، وهو ما أكسبه الاحترام والوقار، فكان يرجع إليه النّاس فيما اختلفوا فيه ، فكان منهجه إصلاح الدنيا بالدين .
استطاع الصالحون أي أولياء الله أن يجمعوا حولهم عددا هائلا من التلاميذ والمريدين والمحبين من أمصار مختلفة تنتمي إلى سلطة مركزية متباعدة ، وهذا بفضل قوتهم في القيام بالوساطة من خلال كراماتهم المبهرة أو ما يعبر عنه بالبركة بالنظر إلى النجاح والرفعة التي وصلوا إليها ، نستطيع أن نرجح أنّهم قد تجاوبوا مع حاجة حقيقية ، كانت تطمح إليها القبائل التي التفت حول الصالحين بحثا عن التحرير والإنعتاق .
تمكن رجال القداسة من تصفية بؤر التوتر والعنف ، مما أدى إلى توحيد القبائل التي كانت مستقلة وغالبا ما تنزع إلى الصّدام الدموي فيما بينها ، لهذا نعتقد بأن فهم الدور الهام الذي كان يقوم به رجال القداسة وفهم الأسباب الكاملة في سلطاتهم الحقيقية ، يجب أن ينطلق من فهم مكانتهم كوسطاء في إصلاح ذات البين ، في هذا السياق نسعى إلى إعادة تركيب موقع الشيخ أحمد المجذوب .
من خلال المناقب نستطيع تصنيف هذا الولي الصالح ، في ذات الوقت ، زاهدا صوفيا و صاحب كرامات . فمفهوم " مجذوب " يعني المتصوف بامتياز، يتحدث الباحث رشيق في كتابه " القداسة المضادة لمثالية المجذوب " عن وجود تمة خلط بين صورة المجذوب وصورة المجنون ، فالمجذوب يقتضي أن ننظر إليه على أنّه " المنور " صاحب الرؤيا الثاقبة .
كان الشيخ أحمد المجذوب على عكس أبيه و جده ، لم يكن له تلامذة أي لم يؤسس مركزا للتعليم ، كما أنّه لم يقحم نفسه في مسائل الصّراع السّياسي ، كان يخرج من خلوته التعبدية في أحايين نادرة ، كان يرتدي ألبسة متواضعة ويركب حمارا .
تخبرنا المناقب عن كراماته وعن قدراته الإيمانية ، فالدكتور بن نعوم يصف لنا خاصية هذا الولي الصالح مقارنة بأسلافه بقوله : " لم يكن مبعدا كما حدث للآخرين ، إنه الأول الذي قام بفعل الإبعاد (....) ليس لقائد أو لأي شخص ، إنّما لقبيلة كبيرة يتعلق الأمر بـ بني عامر لتحرير قطاع شاسع منهم " .
ما يهمنا هنا هو التّركيز على القدرات الكراماتية لهذا الولي الصالح الذي يعتبر نموذجا من حيث أنّ خاصيته تتجاوز حقائق الفضاء ، يقال عن حماره بأنّه روحاني ، يتنقل به بسرعة .
لم يكن لبني عامر أيّ اعتراض أو مقاومة لفعل التهجير ، وهو ما يدل على القدرة والسطوة الروحانيتين للشيخ أحمد المجذوب ، وتلك الهجرة الاضطرارية ،والتي استوعبت على أنّها بركة ، لأن المنطق يقتضي أن تبقى قبيلة بني عامر ملتفة حول قائدها ، في حال براءته . من جهة أخرى فإنّ تدخل الشيخ أحمد المجذوب جاء لإقرار العدالة ، فالمعنى الذي تحمله هذه القصة يتعلق بإعادة الاعتبار لإمرأة .
هذا التحليل السريع يمنحنا عرض حال حول وظيفة رجل الكرامات ، المتصوف أحمد المجذوب ، فهو يجمع ما بين البساطة والهيبة ، وهو كذلك الجد الأكبر لقبيلة منحها اسمه : " المــــجاذبــة" . لقد سعى ابنه التومي إلى تأسيس زاوية تحمل اسم والده ، تعنى بتعليم القرآن الكريم ، وتستقبل الزوار وتأوي عابري السبيل ، وكان هذا الإطار الأمثل الذي لازال ينبض بالحياة من خلال إصرار الأحفاد على الحفاظ على موروثه ذي القيم الدينية ، الاجتماعية والثقافية ، في منطقة تعتبر بوابة الجنوب الغربي الجزائري ، ومن أهم المعابر التي تربط الصحراء بالتّل .
بقلم الأستاذ: علي نابتي أستاذ جامعي مختص في علم النفس الاجتماعي.
تستعرض هذه الورقة البحثية التعريف بفضاء تراثي يجمع ما بين الوجدان الديني و التراث الاجتماعي،تتمظهر استقطابيته من خلال ارتباط الناس و بخاصة النساء مع ولي صالح يسمى سيدي بوجمعة حيث تحملت نسوة في مدينة العين الصفراء على عواتقهن مسؤولية استمرار الحياة الطقسية في هذا الفضاء التراثي العابر و المخترق لأزمنة التقانة و التحديث،و المتحدي للخطابات الدينية اللاغية لعلا قة الانسان الجزائري مع الزمان و الأمكنة.
أ - مدينة العين الصفراء والفضاءات المقدسة :
تجمع معظم المصادر التي تناولت تاريخ قصر العين الصفراء، على أن تأسيسه يعود إلى سنة 1580 م (987 هـ)، حيث قدر الباحثون عمره العمراني بستة قرون خلت. لقد عرفت المنطقة هجرات بشرية متتالية من الجيتول، السكان الأوائل، ثم عرب بني عامر خلال القرن الثالث عشر الميلادي. يقع قصر العين الصفراء (عين الصافية) على أعالي الضفة اليمنى لواد صفرا، تم تشييده أسفل الكثبان الرملية عند ملتقى وادي البريج ووادي الميلح، في صلب جبال القصور على مرتفع ( 1070 م ) بين جبل مكثر (2062م) جنوبا، وجبل عيسى ( 2236 م ) في الشمال الشرقي، أما على الشمال الغربي فيقع جبلا : مرغاد ( 2135 م )، الحيرش (1686م)، أما على شماله الشرقي فيوجد جبل بني سمير(1800م).(1)
- فضاءات الأولياء في مدينة العين الصفراء :
توصلنا من خلال زياراتنا الميدانية التي استهدفنا بها التعرف على تشكيلة الفضاء المقدس لمدينة العين الصفراء إلى مايلي :
توجد داخل النسيج العمراني للقصر، قبة مقام سيدي عبد القادر الجيلالي، قبة مقام سيدي أبي الدخيل، وقبة سيدي بن السهلي، بالإضافة إلى قبر لالة كلثومة زوجة سيدي أحمد المجذوب. في الناحية الشرقية للقصر توجد قبة سيدي عبد الله، أما خارج القصر بإتجاه الغرب على الطريق المؤدية إلى قصر الصفيصيفة نجد قبة ضريح الولي سيدي بوجمعة.
في شرق وسط المدينة (القرية الكولونيالية سابقا) توجد قبة مقام زاوية سيدي بلال، وفي نفس الحي توجد كذلك دار الزاوية الطيبية.
لاحظنا أن القباب المنتشرة على أعالي الضفة اليمنى لواد صفرا، تعرف توافدا للزوار حيث أن الغالبية العظمى منهم هي من النساء، وهو ما يدعم مسعانا الدراسي، لفهم تفاصيل وخلفيات هذه الظاهرة الاجتماعية، في وسط نسوي لا يزال في منأى عن إهتمامات البحث العلمي.
إن الحصيلة الإخبارية التي توصلنا إلى رصدها ميدانيا، فيما يتعلق بالممارسات الطقسية في قباب أولياء منطقة العين الصفراء، نستطيع أن نقول بشأنها، أن عصبها الرئيس في مجمل التفاعلات، يعتمد بالدرجة الأولى على الاتصال بنوعيه اللفظي وغير اللفظي، وبخاصة في الممارسات الطقسية الفردية.
إن ما يميز الفضاء المقدس لمدينة العين الصفراء، هو عراقته وتأثره بأحداث تاريخية مرت بها المنطقة، أدت إلى حدوث تفاعلات اجتماعية، ساهمت في صهر التشكيلة الإثنية بمختلف أعراقها ومشاربها (أمازيغ، عرب، سودانيون) حيث كان للدين الإسلامي بالغ الأثر في الحفاظ على حالة الاستقرار والتناغم والتعايش السلمي بينهم.
ب من هو سيدي بوجمعة ؟
عندما هبطنا إلى الميدان بهدف السؤال عن هوية سيدي بوجمعة، إعتقدنا بأن الإجابة على هذا السؤال ستكون كافية ووافية ، غير أن لسان الحال حوّل سؤالنا إلى لغز محيّر.
منذ ما قبل مطلع القرن العشرين ، كانت ظاهرة زيارة ضريح سيدي بوجمعة متواجدة ، حيث أننا تمكنا من معرفة ماضويتها، من خلال إطلاعنا على بعض الملاحظات و المعلومات التي جمعتها الكاتبة الصحفية "إزابيل إيبرهاردت "عن الفضاء المقدس لمدينة العين الصفراء ، تذكر في مقالة بعنوان "عودة " القباب البيضاء المحيطة بالقصر العتيق ، و الصامدة على مر القرون : "سيدي بوتخيل عمدة العين الصفراء ، سيدي عبد القادر الجيلاني أمير أولياء الإسلام ، سيدي سهلي حامي رعاة الإبل و البدو".(2)
وصفت الكاتبة الصحفية تجانس الأشكال الهندسية للقباب المتواجدة في العين الصفراء ، كما تطرقت إلى حرص سكان المدينة ، بخاصة النساء المسنات ، على زيارة أضرحة الأولياء ، نكتشف هذه المعطيات التي استعملت الكاتبة في جمعها تقنية المشاركة المباشرة، و هو ما نقرأه في مقالة بعنوان" سيدي بوتخيل " : "يدخل الزوار إلى القبة ، يقبلون الأسترة والسبحات ، ثم يجلسون على الأرض في اتجاه القبر ، باسطين أيديهم أمام أعينهم وكأنهم يقرأون في كتاب بصوت منخفض و في خشوع عميق، يدعون الله طالبين و متوسلين التدخل الكرامي للولي ؛ و قبل مغادرتهم يسلمون لحارس القبة عطايا متواضعة ...." (3)
تطلعنا الكاتبة "ايزابيل " عن وجود قبة سيدي بوجمعة عندما كانت في طريقها إلى قصر الصفيصيفة (60 كلم غرب العين الصفراء). نقرأ في مقالة بعنوان "موت إسلامي ": (...) قبة سيدي بوجمعة الصغيرة المنتصبة على طريق بن يعو و الصفيصيفة "، لقد توقفت واقتربت من القبة ونقلت لنا هذا المشهد: "يقف عرب حول القبة ، إنهم زوار ، جاؤوا من بعيد طلبا لحماية الولي الكبير. لقد تجمعوا منذ طلوع
النهار ، صلوا مطولا ، بحركات جميلة رخيمة من الشعيرة الإسلامية، تجعل المتواضعين عظاما " (جمع عظيم) ؛ تخبرنا الكاتبة بأن هؤلاء الزوار من البدو : "خلف السور الصغير المحيط بالقبة، نسوة يتبادلن أطراف الحديث و هن متحلقات حول نار قد خبى جمرها ، بدويات جئن مع رجال من قبيلتهن ، إنهن متسترات و بالكاد يظهرن وجوههن".(4)
في ذات المقالة تحدثت" إيزابيل " عن مقبرة سيدي بوجمعة المقابلة لقبة الولي ،واصفة طقوس دفن ميت بالملاحظة. في غياب دراسة سابقة تناولت فضاء الأولياء في مدينة العين الصفراء وظاهرة التردد على أضرحتهم ، لم نتمكن سوى من العثور على مقالات "إيزابيل ايبرهاردت" فيما يتعلق بالنصوص التي تناولت فيها البيئة الاجتماعية والدينية الثقافية لمدينة العين الصفراء خلال بداية القرن العشرين ، "فنص إيزابيل ، نص وثيقة ، إنه ورقة إنثروبولوجية لا نملك غيرها إلا تلك المصادر الشفوية غير الموثقة (...) يهمنا النص في حد ذاته و الذي يمدنا بمجموعة من المعارف ...".
اقتربنا من السيد (ع، ي ) من مواليد 1915 ، و هو أكبر أفراد العائلة التي تشرف على قبة ضريح سيدي بوجمعة، فلم نتمكن من طرح أسئلة المقابلة عليه نظرا لضعف سمعه ، و لكن من حسن الحظ أننا تمكنا من إجرائها مع السيد ( ع، ق) من مواليد 1929 ، حيث حرصنا على توفير الأجواء المريحة له كما قمنا بتكرار نفس اللقاءات على فترات متباعدة ، للحصول على أكبر قدر من المعلومات وتأكيدها من جديد ، وهو ذات الأسلوب الذي اتبعناه مع السيدة (ز، ع) من مواليد 1948 ،وهي التي تشرف حاليا على قبة سيدي بوجمعة.
أفصح السيد (ق) بصريح العبارة أن عائلته تجهل أصول الولي سيدي بوجمعة، والموطن الذي جاء منه قاصدا العين الصفراء ، و لا الفترة الزمانية التي جاء فيها إلى البلدة ، كما أنهم لا يملكون أية معلومات تخص حالته الزواجية و إن كان قد خلّف أبناءا (6)
لم نجد عند عائلة "ع" المشرفة على استقبال زوار الولي سيدي بوجمعة ، أدنى البيانات حول الانتماء الطرقي الصوفي لهذا الولي ، و ما إذا كان قد ترك أثارا مكتوبة أو حتى شفوية ، أو له تلامذة، كما لم نجد عند الناطقيّن الرسميين إجابات تخص الرصيد الكرامي لسيدى بوجمعة ، لقد توارى هذا الولي أمام المعلومات التي تتعلق بجدهم المعاصر والمرافق لشخصية سيدي بوجمعة.
الراجح أن الولي سيدي بوجمعة، قد عاش خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي ، وقام جد عائلة (ع) ببناء قبة على ضريحه ، وأوصى أبناءه بدفنه إلى جوار الولي ، بناءا على رؤيا رآها في نومه
خاطبه خلالها الولي قائلا :" كَبَّرْ الشَّايَرْ باش يَرْفَدْني و يَرَفْدَك" ؛ هذه الرؤيا المتواترة تبرر بها العائلة وجود قبر جدهم إلى جوار ضريح سيدي بوجمعة ، و أكثر من هذا، فهي مشفوعة برواية مفادها أن جدهم قد أخطر باشا آغا قصر تيوت المدعو سي مولاي (عُيّن من طرف سلطات الاحتلال الفرنسي من عام 1897 إلى غاية موته في :12/11/1930) ، مخاطبا إياه قائلا : " موتي تكون نهار الأحد ..."، فهمنا ضمنيا أن دفنه داخل قبة ضريح سيدي بوجمعة ، تمت بمباركة حاكم محلي كان يصول و يجول.
أمام هذا الفراغ الهوياتي لشخصية الولي ، مركز استقطاب نساء المنطقة و حالة دراستنا ، وجدنا أنفسنا بصدد جمع معلومات ، توصف بالشحيحة ، حول رفيقه السيد جلول بلهاشمي ، لقد قال عنه حفيده و حفيدته : " بأنه كان إنسانا بوهالي ، ميالا إلى الاعتزال ، يتفوه من حين إلى آخر بجمل مختصرة، تحمل معان ودلالات من وحي الحكمة" لقد ساقا لنا بعضا منها ،كقوله :" يا رَايْهُم يارَايْهُم " ، "دير النية ورْقُدْ في الثْنية"، وعندما كان يسمع صوت القطار ، كان يقول : "الحق الحق".
الجديد في تصريحات السيد (ق) ، هو اتصال نفر من الرجال حوالي سنة 1974، قادمين من قرية تقع نواحي ولاية عين تموشنت ، جاؤوا للاستفسار عن نسب و هوية سيدي بوجمعة ، للتأكد من مدى صحة مطابقته مع حلقة نسبية تحمل إسم بوجمعة في شجرة النسب التي كانت بحوزتهم ، مند ذلك الحين لم يعاودوا الاتصال مجددا؛ فهمنا عدم وجود وجه للمطابقة ، بعد جهودنا المضنية ، التي توزعت بين التنقيب في الأعمال و الدراسات التي قام بها الفرنسيون أو تلك التي تناول فيها الباحثون المعاصرون، موضوع الطرق الدينية و الأولياء في الجنوب الغربي الجزائري ، توصلنا في الأخير إلى معلومة مقتضبة حول شخصية الولي سيدي بوجمعة، في منوغرافيا دائرة العين الصفراء لسنة 1949، كما يلي : "نشاهد بمغرار الفوقاني قبتين (02) في شكل عمراني رديء. إحداهما خاصة بسيدي عبد القادر الجلالي، أما الأخرى فتحمل اسم سيدي راشد (...). جاء سيدي راشد من قورارة رفقة إخوانه الستة، أولياء كبار مثله. لقد وافته المنية بمغرار الفوقانى ودفن فيها. فيما تتوزع قباب إخوته على نقاط مختلفة : سيدي معمر بالصفيصيفة ، سيدي بوجمعة بالعين الصفراء ، سيدي عبد الله بإيش ، سيدي مولاي مكتوبة بدرمل ، سيدي عيسى بقصر بني ونيف , سيدي مومن في جبل بشار"(7).
تخبرنا منوغرافيا دائرة العين الصفراء لسنة 1949 :" بأن سكان مغرار الفوقانى ينتمون إلى طريقتين دينيتين : أولاد لحسن لسيدي عبد القادر/ أما أولاد عيسى لمولاي الطيب "(8).
نلاحظ أن الفقرة الواردة عاليه ، لم تعطينا إجابة مدققة وأكثر عمقا حول شخصية سيدي بوجمعة
إذن في ظل عدم توفر معلومات واضحة و موثوقة ، نستطيع تصنيف شخصية هذا الولي في خانة الأولياء المجهولين.
ج - سيدي بوجمعة والعائلة المشرفة على قبة ضريحه :
أكد لنا كل من السيد (ق) و السيدة (ز) بوابة الضريح ، عن عدم وجود أية علاقة قرابة
أو علاقة مصاهرة، بين الولي سيدي بوجمعة وعائلتهم ،كما أنهما عجزا عن إعطائنا إيضاحات، حول السياق الذي تم فيه تولي العائلة مهمة الإشراف على قبة ضريحه. حسب محدثينا، فإن عائلتهم تنحدر قبليا من فرقة تسمى " أولاد العربي " ، قادمة من الساقية الحمراء. وبعد وفاة جدهم، تولى ابنه (م) مسؤولية تسيير شؤون قبة ضريح سيدي بوجمعة ، من استقبال للزوار ، واستلام للعطايا والهبات
أو مايعرف بـ: "الزيارة " ، بعد وفاته حوالي عام 1943 ، تولت السيدة (ف،ب) والدة السيد (ق) مقاليد الإشراف على قبة الولي إلى غاية وفاتها سنة 1973 حيث خلفتها السيدة ( ز،ع) إحدى الحفيدات ، والتي لازالت تتولى هذه المهمة إلى يومنا هذا.
دائما حسب إجابات محدثينا ، وحسب تصريحات بعض الإخباريين من كبار السن ، فإن أبرز الأوفياء من الزوار الملازمين على زيارة ضريح سيدي بوجمعة، هم من البدو الرحل ، خاصة
من قبيلتي : العمور المنتشرة على مراعي منطقة عين الصفراء ، و حميان المنتشرة على مراعي منطقة المشرية .
إن هذا الإقبال الذي استمر ، ولا يزال منذ ما يزيد عن قرن من الزمن ، إلتزم خلاله الزوار الأوفياء بالمظاهر الطقسية المرتبطة بالمقدس ، بدءا بالآداءات والممارسات التي كانوا يؤدونها بجدية وصرامة ، إلى العطاءات التي كانت تبذل بسخاء منقطع النظير ، خاصة من لدن أهل البوادي في سنوات الغيث والخير .
لقد لخصت بوابة قبة سيدي بوجمعة ، تلك الفترة التي ساد فيها المقدس ، في قيمتين هما : النية والحياء (الحشمة). نعتقد أن المعلومة الواردة في منوغرافيا دائرة العين الصفراء لسنة 1949 ، بخصوص مجيء سيدي بوجمعة مع إخوته إلى المنطقة من إقليم قورارة ، تجانب الصحة و الصواب، على اعتبار أن القبيلتين السالفتي الذكر، كانتا تشدان الرحال إلى إقليم توات_قورارة ، قصد إجراء مبادلات تجارية
وما نتج عنه من تأثر العمور وحميان بالطرق الدينية التي كانت منتشرة في الجنوب الغربي ، وبخاصة الطريقة الطيبية، والطريقة الكرزازية، والطريقة الزيانية، الأكثر انتشارا في أوساط القبائل العربية البدوية.
يتفق السيد (ق) والسيدة (ز) بوابة القبة، على أن مجريات التردد على فضاء سيدي بوجمعة قد عرفت تغيّرات عميقة بالمقارنة مع السنوات الماضية؛ فبالأمس كانت النساء في الغالب ، يحضرن إلى القبة برفقة الرجال ، أو يقصدن الولي في مجموعات نادرا ما يكون ضمنها صغيرات السن، وكان لباسهن المشهور "الحايك"، حيث أن المرأة لا ترسم مسارها نحو قبة سيدي بوجمعة إلا من خلال "العوينة "، و هي عبارة عن ثقب تشكله بكلتا يديها، أما المحظوظات منهن في وضوح الرؤية ، تلك اللواتي يضعن " العجار" أي النقاب.
كان مكوث النساء بفضاء سيدي بوجمعة ، متوقف على انتظار الدور لأداء الزيارة
أو لحضور إحتفائية "الحضرة " النسوية؛ فالمكوث كانت تستفيد منه النساء في الأعياد والمناسبات الدينية، فإن حدث تسجيل مكوث لبعضهن عقب أداء طقوس الزيارة، فلا يدوم ذلك طويلا.
تحدث الناطقان الرسميان للعائلة المشرفة على قبة سيدي بوجمعة عن قيم : الاحترام ، الوفاء ، الحياء التضامن الاجتماعي ، التي كانت سائدة في التفاعلات الاجتماعية، حيث كان فضاء سيدى بوجمعة مسرحا لها ، من خلال توظيف الإكرام (الإطعام ) لإشاعة المحبة و التآخي والأمان، وهي خصال أخلاقية لازالت تسري في العلاقات الاجتماعية للمعيش اليومي لسكان العين الصفراء.
د- قبة ضريح سيدي بوجمعة ، الموقع والأهمية :
تقع قبة ضريح سيدي بوجمعة على إمتداد الضاحية الغربية لإقليم قصر سيدي بودخيل، تعلو وهدة تتوسد كثيبا رمليا ، وتتوسط مجرى وادي البريج ووادي المويلح.
لاحظنا إثر ترددنا الميداني على فضاء سيدي بوجمعة، تردي حالة المسالك المؤدية لقبته، حيث وقفنا على الحطام الذي طال ربط جسر وادي البريج من الضفتين، فهو يشكل همزة وصل بين قصر سيدي بودخيل وحي سيدي بوجمعة، وحي أمزي (بومريفق سابقا-) ، أما الثاني فيعلو وادي المويلح ليربط حي أمزي بحي سيدي بوجمعة. عاينا الصعوبات التي يكابدها المارة، خاصة من النساء و الأطفال وسط ركام من الحجارة و الطين، من مخلفات الفيضان الذي اجتاح العين الصفراء في منتصف شهر أكتوبر من سنة 2007.
يستمد فضاء سيدي بوجمعة أهميته، من حيث كونه مقصدا لأعداد هائلة و مستمرة من أفراد المجتمع، و بخاصة العنصر النسوي، وهو ما دفع بنا إلى اختيار هذا المكان لدراسة الظاهرة الاتصالية فيه وما ينجر عنها من تفاعلات اجتماعية تخفي وراءها ظواهر متعددة تتخطى سقف الاتصالات ذات الصبغة المقدسة.
يرى الباحث خ. بن عمارة، أحد المهتمين بتاريخ التصوف في منطقة الجنوب الغربي، بأن موقع قبة ضريح سيدي بوجمعة، لا يستمد أهميته فقط من وجود قبة ضريح الولي، فالمكان به كذلك ثاني أعرق مقبرة للمسلمين ، تضم قبورها أجيالا تخطت عتبة القرن ، زد على ذلك ، أن المقبرة لا تزال مفتوحة لإستقبال الموتى، إذن الأحياء مرتبطون بها، وهو ما يجعل الاتصال الشعبي فعلا دائما ومتواصلا مع هذا المكان. أما المعطى الثاني، حسب نفس الباحث، يتمثل في إقبال بعض المرضى بداء المفاصل على العلاج "بالردم خلال فصل الصيف في رمال الكثيب، المتاخم لقبة سيدي بوجمعة".
يوجد مرقد الولي سيدي بوجمعة خلف مساكن العائلة المشرفة على قبته، تحيط به البساتين و تقابله أرضا شاسعة، يتكون المبنى من فناء، أرضيته مغطاة بالإسمنت ، على اليسار يوجد كنيف، وحجرة مطبخ أما على اليمين فتوجد حجرة مجاورة لقبة الضريح.
القبة مربعة الشكل، لونها أخضر، بابها من حديد، عند دخولك مباشرة إليها يقابلك ضريح سيدي بوجمعة، يعلوه تابوت من خشب، مكسو بستار من كتان لونه أخضر باهت، على يمينه نجد قبر صاحبه جلول بلهاشمي، جد عائلة (ع). أول رسالة لونية يلاحظها الزائر، هي " الأبيض " و "الأخضر"
فالأول -حسب تأويل البوابة- يدل على السلام ، أما الثاني فيدل على الحياة .
الحضرة النسوية ، تراث فني من عمق الذاكرة الشعبية
بقلم الاستاذ: علي نابتي
يعتبر نشاط الحضرة من أبرز الطقوس الدينية الثقافية الاجتماعية، التي اعتادت الأوساط الصوفية تنظيمها بشكل جماعي ، حيث تدخل طقوسها في صلب خصائص و مبادئ كل طريقة دينية . فهي عبارة عن احتفال صوفي، يُنظم كل أسبوع أو شهر، قد يتزامن موعده مع المناسبات الدينية وإحياء الوعدات من لدن أتباع ولي معين ، حيث يلتقون في مقر زاويتهم أو في منزل أحد الأوفياء ، يتلون أذكار و أوراد الطريقة و ينشدون الأشعار الصوفية و الرموز الصوفية؛ والتي تكون عادة من تأليف الولي، مؤسس الطريقة. ويصبح هدف المريدين من جميع تلك التفاعلات هو التقرب من حضرة الله باتباع مبادئ السلوك الصوفي والاقتداء بأخلاق الولي، فتكون الحضرة عبارة عن غسل نفسي من أوساخ باطن الإثم، يحرص الأوفياء على ممارسة طقوسها دوريا.
تأتي الحضرة التي ينظمها النساء في رحاب قباب أضرحة و مقامات الأولياء ، بوصفها احتفالا صوفيا يستمد شرعيته واستمراريته من مباركة الأوساط الطرقية الصوفية الإسلامية، وهو مجال ديني ثقافي اجتماعي، يستفيد منه النساء، وبخاصة الأميات الماكثات في البيوت ، يمكن تصنيفه كمظهر أو مستوى يعبر فيه النساء عن مشاعرهن الجمعية بالمديح الديني الصوفي و أداء رقصت الجذب على إيقاع " آلة البندير " و الزغاريد وسط دخان " البخور" المعطر.
وحتى يتسنى لنا فهم البناء السوسيولوجي للاتصال في تنظيم الحضرة النسوية بفضاء قبة سيدي بوجمعة، سنحاول إجراء اقتراب من بعض النماذج المثالية في صياغة تحديد لخصائص سلوك وهوية مجتمع الدراسة، في إحدى أهم لحظاته التفاعلية والانفعالية، من خلال ما لاحظناه فعلا من أنماط السلوك، لنكتشف سيرورة الاتصال ومختلف أشكاله؛ وكيف يتبلور في خضمها التفاعل الاجتماعي، المنتج لتلك الحمولة الرمزية الثقافية للحضرة .
و من مسلمات هذه الدراسة، أن النساء اللائي يترددن على الفضاء المقدس سيدي بوجمعة ، ينتمين إلى جماعات أولية قد ساهمت، بما لا يدع مجالا للشك ، في صياغة قيمهن و تحديد سلوكهن فيما يتعلق بزيارة الأولياء، أو ما يعبر عنه كذلك بالإسلام الشعبي؛ فالنظرة السوسيولوجية،كما خلُص إليه الباحث "روبرت ميرتون" ، تضع في الحسبان أثر الجماعة الأولية التي تساهم في صياغة قيم الفرد و تحديد سلوكه. لقد لاحظنا خلال الدراسة الميدانية ميل كل إمرأة إلى تبني جماعة الحضرة النسوية، كمصدر للتوجيه ، وهو ما يحيل على وجود روابط اجتماعية ، تتكامل داخل نشاط الحضرة ، فتُؤدي كل امرأة دورها كمرسلة باعتبارها جزءا من بناء نسق الاتصال.
أ- الخصائص المورفولوجية لنشاط الحضرة :
يبدأ الإعداد لنشاط الحضرة ، بالتفاعل مع المناسبات الدينية ( عيد الفطر ، المولد النبوي عاشراء ... اِلخ) ، أو كفقرة من فقرات الاِحتفاء بوعدة سيدي بوجمعة ،فهي تمثل احتفالا صوفيا نسائيا ,يعبرن خلاله عن تفاعلاتهن الرمزية واِنفعالاتهن الشخصية ، كعربون مساهمة دلالية في عملية الوفاء وتجديد التعاقد مع الولي . قد يكون الداعي كذلك إِلى تنظيم الحضرة النسوية وفاء إِحدى النساء بنذر قطعته على نفسها ، أويرتبط بالإستجابة إِلى رؤيا في المنام، في هاتين الحالتين قد يكتفي المعنيات بتنظيم الحضرة على مستوى منازلهن.
تتضح مكانة "البوابة " عند إعداد الحضرة، كمستقبلة للأخبار والمعلومات , لتتحول إِلى مصدر موثوق ومأذون , حيث تُؤدي دورها كمرسلة. لاحظنا بأن وصول النساء إلى تقوية شبكة الاتصالات، يرجع إِلى المواظبة على زيارة قبة سيدي بوجمعة ، حيث دأبت العادة على تشكيل هيكل غير رسمي، يتكون من مكتب تنظيم يتألف من ست نساء تعود إِليهن مهمة الإشراف على التحضير للحضرة، فيما تبقى وظيفة التنسيق العام من أداء البوابة (الوكيلة).
نعاود التذكير بموضوع الاتصال، كما عرفه "هال E.T. Hall " : " بأنه الوسائل التي بمقتضاها ينكشف لنا معنى ما يقوم به البشر " ، فمن هذا المنطلق سنعرض لكيفية بناء الاتصال في تحضير وممارسة نشاط الحضرة بوصفها منظومة اِجتماعية ثقافية، تحتوي على عناصر أخرى إلى ِجانب مرسل ومستقبل.
تلتقي العضوات المكلفات بإعداد الحضرة في منزل السيدة (ز) ،حيث يتم التخطيط لشبكة الإتصالات مع النساء الوفيات للإستجابة بتضامنهن الآلي ,كما سماه "دوركايم "، فمن هذه المرحلة الأولى يتحدد "المدى " الذي يعكس الدرجة التي يتأثر بها سلوك المشاركات و الأشكال التي تتخذها ومدى تفاعل مضامينها من خلال فرص التقارب بين عضوات الحضرة و فرص اِندماجهن فيها .
قالت لنا بوابة قبة سيدي بوجمعة : "كنا في الماضي ، نجد مشقة في الاِتصال بالعضوات المشاركات في الحضرة ، حيث أن عملية الإتصال كانت تتطلب لقاء المعنيات شخصيا، ليحرصن على تقديم مساهمتهن النقدية والعينة ( دقيق, سكر، شاي , خضر ...) أما اليوم فبفضل الهواتف الخلوية، أصبحت مساعي التحضير والتنسيق والإعلام والإتصال تتم بدون مشقة...". تتضح الإفادة من خدمات الهاتف الخلوي بوصفه وسيلة تكنولوجية عصرية في وسط تقليدي نسوي، من مظاهر التفاعل مع التحديث وفقا لشروطهن الخاصة؛ فوقوفنا على عينات من المكالمات الهاتفية أجرتها و استقبلتها السيدة (ز) بمناسبة التحضير لنشاط الحضرة، جعلنا نتأكد عمليا من أن الإتصال يفضي إِلى وحدة الشعور ووحدة التفكير ، لقد لمسنا من الإتصال الشخصي الذي أجرته أمامنا السيدة (ز) أو بعض مساعداتها ، بأن العلاقات التي تربط هؤلاء النساء تطبعها مظاهر الإتفاق والرغبة في إِنجاح إحتفال الحضرة، ليس بتبادل الرسائل فحسب، بل وبترجمة القول إلى عمل ، إِنها ترجمة فورية للأحاسيس، والعواطف، والدوافع و الحاجات بكلمات معينة تعكس اِعتقادهن في صحة ما يقمن به. نسوق بعض النماذج كما ما يلي :" ها عندك نتكل عليك"-" كُني هانيى حببتي " - " أنا نْدبَر راسي "-" خُصْهم يحضروا "- "يْليق كلشي يْكُون واجد " - "اِنشاء الله ما يكون غير لخير "-" مسلمين مكتفين لسيدي بوجمعة "-"ها عندك خبري جاراتك " " الله ينفعنا بهذا الخير "- " الله يجعلها صداقة مقبولة ".
نستشف من معاني هذه الجمل وجود نسق من المعتقدات، يعطي دلالة للأشياء المنتجة و التي تبدو قيمة اجتماعية ، من خلال الحمولة الرمزية التي تتفاعل في فضاء سيدي بوجمعة ، فاللغة هنا ليست وصفية فحسب ، بل هي أدائية ، وظيفتها الحقيقية إنجازية من حيث أن القول هو الفعل .
يشرع العضوات المشاركات في إيداع مساهماتهن على مستوى المطبخ الملحق بقبة سيدي بوجمعة، منذ يوم الخميس الذي يسبق الموعد المحدد لإنطلاق الحضرة ، صباح يوم الجمعة ، لاحظنا ثمة مسايرة و انصياع، لأساليب معينة في شكل مجموعة من المعايير، هي بمثابة الإطار المرجعي الذي يساعد جماعة النساء على اختيار الاستجابة، بما تحتويه من مؤثرات مستمدة من الوفاء و الخضوع للولي (مستضيف الحضرة ) ، وهي من الدلائل و المحددات التي تعكس التضامن الأنثوي و التلاحم الآلي لهؤلاء النسوة، مما جعلنا نسجل ميل هذه الجماعة الأنثوية نحو إحداث تجانس بين عضواتها نظرا لألفة تلك المثيرات و وضوح معالمها من جهة ، ولتبني الجماعة كمرجع من جهة ثانية ، وهو ما دفع بهن إلى قبول و تداول مختلف الأداءات، مما تمخض عنه، تسهيلا في الاتصالات الاجتماعية وما أعقبها من تفاعلات.
لقد بدا واضحا أن "المدى"، الذي بلغت مقداره كل إمرأة في العلاقات التي تربطها مع غيرها من النساء المهمات بالنسبة لها في جماعة الحضرة النسوية ، إنما تعكسه عوامل إلتزامها بالمعايير الاجتماعية المرتبطة بهذا الفضاء المقدس والتي يأتي في مقدمتها اقتناع النساء بدلائلها و اتفاقهن حولها، و ثقتهن في بعضهن البعض ، فهذا العامل قد رسخته عضوية كل منهن و شعورهن بالانتماء إلى ثقافته الخاصة و حرصهن على علاقتهن مع باقي عضوات الجماعة ، فهذا يعتبر بمثابة عامل هام من عوامل الإلتزام بمعايير الجماعة، دونما الحرص على بلوغ الوضوح المعرفي.
لاحظنا فيما يتعلق " بالكثافة " في الشبكة الاجتماعية للحضرة ، بأنها قوية و مندمجة ، بفعل تعدد العلاقات بين النساء، مما أدى إلى تحقيق معرفة متبادلة بين أغلب المشاركات فيها ، وهو ما يمنح الفرصة لكل امرأة ، كما عبر لنا بعض المبحوثات ، لإحداث اتساع في "شبكة مجال" كل واحدة من هن من خلال تعدد اتصالاتهن بنساء أخريات يختلفن عنهن كثيرا في الخلفيات الاجتماعية ؛ لقد منحتنا الشواهد الكمية التي جمعناها في هذا الصدد تردد مجموعة من النساء غريبات عن مدينة العين الصفراء ، جئن رفقة أزواجهن في إطار ارتباطات مهنية مختلفة.
ب- المعايير التفاعلية :
يعتبر الشروع في الحضرة، أهم نشاط تفاعلي في تجمع النساء من وجهة النظر السوسيولوجية فهو يتعلق بالمعاني التي ينسبها النساء لعلاقاتهن مع قداسة فضاء سيدي بوجمعة ، فمضمون الروابط يتلخص في تعاونهن لتفعيل نشاط الحضرة في حدود المعايير الخاصة بها ، فالحضرة هي السياق المعياري الذي يحدث فيه التفاعل .
يبدأ التوافد النسوي على قبة ضريح سيدي بوجمعة منذ صباح يوم الجمعة ، حيث تقوم البوابة باستقبالهن في أجواء معطرة بروائح " العود "و "البخور" ، فتكون مناسبة الحضرة فرصة لهن للمبادأة بزيارة ضريح سيدي بوجمعة ، لقد لاحظنا حضور نساء من مختلف أحياء المدينة ومن مختلف الأعمار خاصة بعد صلاة الجمعة ، أين تزداد وتيرة التوافد ، حيث تقدم للحاضرات، وفي مقدمتهن المداحات (القوالات) والمسنات ، وجبة الغداء تحت رعاية مكتب تنظيم الحضرة ؛ لاحظنا أن طبيعة أشكال الاتصال من دوائر قرابية وجيرة و صداقة، كانت متفاعلة في مضامينها المتنوعة ، فهي التي حددت فرص الاقتراب بين النساء، و فرص اندماجهن قبل بلوغهن ذروة الحضرة، فالاتصال في هذه الأثناء يكاد ينطبق عليه وصف "دوركايم" عندما قال في شأنه :"هو تفاعل ضمن شبكة تتبادل فيها وتتوزع فيها التمثلات"، فالاتصال ضمن هذه التفاعلات النسوية يتمظهر بالمحادثة ، أين يكون الإنسان الركيزة الأساس في كل اتصال .
ج دراسة وظائف النشاط الاتصالي للحضرة :
ينتظم المشاركات في حلقة كبيرة على مستوى فناء القبة ، قبالة المداحات اللائي يتأهبن، وهن حاملات " لبناديرهن " للانطلاق في المدائح الدينية و الأشعار الصوفية . تنطلق الحضرة في شكل رسالة طقسية دينية ثقافية انفعالية ، يمثل المداحات بأصواتهن الصداحة الجهورية خلالها عنصر التنشيط وتأصيلا على وظائف الاتصال التي وضعها الباحث " شانون" ، سنحاول مقاربتها مع عناصر الحضرة، علّنا نوفق في إجراء كشف علمي لبناء الاتصال على النحو الآتي :
? المداحات : يؤدين دور المرسل من منطلق وظيفتهن في الحضرة، فهن الحاملات و الحافظات للذاكرة التراثية الشعبية المحلية، في دلالاتها الدينية و الثقافية، في كل ما له علاقة بالإسلام الشعبي من مآثر و بطولات وكرامات و مفاخر ، تخص في المقام الأول الرسول محمد وآل بيته، ثم كبار الأولياء والأولياء المحليين، لهذا وجب توفر مواصفات صارمة في المداحات، قصد التصدي لمثل هذا الدور الطلائعي، فإلى جانب حفظهن للمدائح و الأشعار الصوفية عن ظهر قلب، من الضرورة بمكان أن تكون لهن أحبال صوتية سليمة وقوية، ومؤثرة في المستمعات، لإحداث التفاعل مع رسائلهن اللفظية (المديح والإنشاد) لدى المستقبلات لها ، وفقا لتعدد و تنوع أغراض الأشعار الصوفية .
يتألف طاقم المداحات اللائي نشطن الحضرات ، التي واكبت الإطار الزمني للدراستة الحالية، من أربع نساء (اثنتان يتجاوزن سن الخمسين ) ،حرصن على الظهور باللباس النسوي التقليدي للمنطقة ( ليزار الأبيض اللون ذو الحواشي الخضراء) ، وحتى زينتهن تقليدية ( صبغة خضاب نبات الحناء نلاحظها على أيدهن و أرجلهن، صبغة عود المسواك على شفاههن ، الإثْمدُ على جفون عيونهن - وهو مسحوق معدني اسود تكتحل به المرأة باستعمال المرْوَد ، بالإضافة إلى الأسورة و الخواتم و القراريط والعقود من الذهب و الفضة).
نستطيع أن نعتبر المداحات من خلال ما سبق مؤثرات في الرأي المحلي النسوي لفضاء سيدي بوجمعة ، بعد حارسة البوابة حيث أن كلاهما يُؤدي وظيفة مرجعية بالنسبة للنساء المشاركات في الحضرة فهن المسؤولات على تنشيط وتفعيل البعد العاطفي و الوجداني الذي يربط المشاركات بالمكان و بهذه الجماعة النسوية ، هذا فضلا على أنهن يمثلن في نظر الزائرات مصادر شخصية موثوقة ، يستقين منها الأخبار و المعلومات .
? المشاركات في الحضرة: هن من نساء المدينة ، من فئات عمرية متباينة، جئن من مختلف أحياء العين الصفراء قديمها و جديدها ، يمثلن حالات زواجية متنوعة (متزوجات ، عازبات ، أرامل مطلقات )، معظمهن من عائلات وفية لزيارة أولياء الله و منتمية للوسط الصوفي الطرقي ، ومن النساء من حضرن لإشباع فضولهن والاستمتاع بالفرجة.
يتمركز المشاركات في الحضرة لأداء دور "المستقبل" في مرحلة أولى، ثم يتحولن إلى دور "مرسل" بصيغ وأشكال اتصالية متنوعة على قدر موقف كل إمرأة في هذا الطقس الديني الثقافي ؛ يكون النساء في وضعية الاستقبال بالسماع إلى طرب المداحات ، ثم يحدث التفاعل عند قيامهن بالتصفيق المرافق لإيقاع البندير و تحولهن إلى مجموعة صوتية مرافقة للاداء الصوتي للمداحات ، من خلال ترديدهن لمقاطع معينة من كل قصيد أو مديح. في خضم هذا التفاعل رصدنا بروز الانفعالات التعبيرية ، و التي يصبح بعض النساء بمقتضاها مرسلات بامتياز لرسائل رمزية غير لفظية ، تُؤدى برقصات الجذب، وهي نوبات تنتاب بعض النساء عند بلوغهن ذروة التفاعل مع رسائل الحضرة اللفظية وغير اللفظية ( الإيقاع ،روائح البخور ، زغاريد ... الخ) وهو ما نصطلح عليه بمرحلة الإغراء و التحريض، فعادة ما تنتهي رقصات بعضهن بالبكاء و الإغماء كما لاحظنا ذلك - أو بشفاء من مرض.
? رموز الحضرة : هي كل الأدوات الثقافية، من لباس تقليدي مميز يرتديه بعض المشاركات ومن رقصات جذب على إيقاع البندير ومن تصفيق، وما يتخلله من زغاريد و أصوات انفعالية وما إلى ذلك من بكاء وإغماء في وسط تعطره روائح البخور و تُرَش فيه العطور ، و تُوقد خلاله الشموع ، وتُوزع أثنائه خلطة "الروينة " ، فهي أشكال اتصالية أغلبها غير لفظي ، تساعد على دعم مواقف النساء المشاركات ، التفاعلية والانفعالية، و التأثير فيها، وعلى حفر و ترسيخ الأنماط السلوكية و تحقيق الحد الأقصى من الإشباع في إطار وحدات هذا النسق الاجتماعي النسوي ، فالتكامل و الترابط بين تلك الوحدات من خلال الأهداف أو التوجيهات العامة لسلوك النساء في الحضرة و المعايير التي تحكم مختلف الأداءات و الصلات وفقا لنسق من الرموز الثقافية المشتركة ، كلها خصائص بعضها يبدو شديد الوضوح خلال هذا التفاعل الطقسي الثقافي.
إن توقف العلاقات الاجتماعية عند تنظيم الحضرة ، على الاتصال الشخصي ، يجعل من التفاعلات بين المشاركات عملية اجتماعية، تساهم في ربط و إذابة الاهتمام المشترك للنساء من خلال توافقهن مع مكان غني بالرمزيات، يمثل مصدر شحنة انفعالية و اجتماعية ، تحاول كل امرأة البحث في حدود إمكاناتها الوجدانية و الإدراكية عن تحقيق تكيّف، ولو جزئيا، عن طريق التأقلم و علاقات الاستطاعة ، من منطلق دخولها في تفاعل مع الأخريات عبر مسارات المطابقة والتقمص.
لاحظنا خلال حضورنا لخمس حضرات نسوية في فناء قبة ضريح سيدي بوجمعة ، أهمية الوقت المخصص لهذه التظاهرة الطقسية الثقافية، حيث انطلقت بعد صلاة الجمعة وهو تعبير على أن الحضرة أقل مكانة وأقل أهمية من طقوس صلاة الجمعة ، كما قالت لنا إحدى المداحات ؛ فيما أُسْدل الستار على هذا التجمع النسوي قبيل صلاة المغرب. إن أهمية هذا الحجم الساعي يعطينا انطباعا عن الثقافة السائدة في هذا المجتمع المحلي الصغير، فمجمل الشواهد الكيفية والكمية التي قمنا برصدها، تُؤكد بأن النساء يتمتعن بحرية خلال هذا الزمن الاجتماعي ، حيث يُؤدين ممارستهن وفق نظام معياري، يكشف عن نوع التفاعل بين عضوات هذه الجماعة الأنثوية ، لقد أرجعنا ذلك إلى طبيعة البناء الاجتماعي لفضاء سيدي بوجمعة ، فهو قائم على القرابة و المصاهرة بين معظم الزائرات ، هذا فضلا عن العلاقات الاجتماعية بينهن و التي تستمد شدتها و قوتها من الجيرة والصداقة، وما تمتاز به الأشكال الاتصالية من تأثير وفعالية. لقد كشفت لنا تلك العلاقات غير الرسمية ، في هذا الوسط الاجتماعي عن مدى عمق وتجدر وجدان النساء في ارتباطهن بهذا الفضاء المحلي.
غار غنجاية.. المغارة العجيبة غار غنجاية. المغارة العجيبة , والتي كثرت حولها الروايات و الأساطيرجئتكم اليوم منها ببعض الصور حتى تتعرفوا ولو بفكرة بسيطة على هذه المغارة العجيبة يقع غار غنجاية غرب حمام ورقة بولاية النعامة , حيث يبعد عن حمام ورقة حوالي العشر كيلومترات , يقال أن طول هذه المغارة يعد بمئات الكيلومترات , وقد حدد البعض مخرج هذه المغارة بجبل العصفور بضواحي تلمسان ومن جهة أخرى يرى الكثيرون , أن هذه المغارة تعد العاصمة الجهوية للجن بمنطقتنا , فقد روي أن العديد من الناس الذين حاولوا دخولها , واستخراج الكنوز منها , تعرضو للصرع من طرف الجن بل ان بعضهم ملكه الجن و أصبح عندهم خادما في معامل استخراج الملح بحمام ورقة, وقد روي لنا أن ثلاثة مستكشفين أوربيين في زمن الاستعمار حاولوا الدخول اليها لكنهم لم يعودوا لحد هذه الساعة.
المهم لقد دفعني الفضول هذه المرة أن أزور هذه المغارة و آتيكم ببعض الصور منها , ولكن لم أستطع الدخول إلى مسافة أطول وذلك بسبب الظلام الدامس فقد كنت أمشي بضوء فلاش آلة التصوير فقط , و السبب الثاني هو انتشار رائحة قوية سببها فضلات الخفافيش و الحشرات و الزواحف التي تعيش في هذه المغارة, مما يسبب صعوبة في التنفس, كما يقل منسوب الأكسجين كلما زدت في التقدم إلى الأمام .وكذلك احتمال التعرض إلى خطر بعض الحشرات و الزواحف السامة التي تأوي إلى هذا الغار.
يتميز الغار بمدخل ضيق يصل طوله حواي 60م ثم يتسع الغار بعد قطع هذه المسافة زحفا بوضعية البطة , ثم يمكن مواصلة السير بداخله وقوفا.
نحن الآن متوجهين إلى الوادي الذي يقطع الجبل نصفين و الذي وجد به غار غنجاية صمت رهيب يعم المنطقة عند الاقتراب من مكان المغارة مدخل المغارة نحن الآن داخل المغارة حوالي 60م مخرج المغارة بعض بقايا حمم بركان عين ورقة على هذه الحجرة بعض قبور التيميلوس البدائية قرب المغارة و التي سيكون لنا بحث خاص بها ان شاء الله أظن أن هذا محاولة حفر كهف من طرف الانسان البدائي , فقد عثرت على العديد من الأدوات البدائية في المنطقة و التي سنخصص لها بحثا خاصا كذلك ان شاء الله استراحة لاستعادة الأنفاس
أستودعكم الله من فوق قمة جبل غنجاية أتمنى أن تكونوا قد استمتعتم بهذه الجولة