عَوْدٌ على بَـدء
عَوْدٌ على بَـدء
أُعالِجُ في طَريقِ الْعُمْرِ هَـمّا || أحــالَ الصّـــبحَ لـيْلاً مُـدْلَهِــمّـا
وأَقـدَحُ مــنْ زِنادِ الفـكـرِ نـاراً ||لَعـــــلّي أهْـتدي وأُضيءُ ظَـلْما
تُدور بِيَ اللَّــيالي مسْرِعاتٍ || ولسـتُ أَرى على الآفاقِ نَجْما
على نَفسي يَمُدُّ اللّيلُ ظِلاًّ || كَثـيفـاً مِـثلَما في الأرض عَــمّا
وأَيّامــي تَوالـتْ داجِـــيــاتٍ || يَزيــدُ سَـوادُهــا يَـوْمــاً فَــيوْمـا
أَضـيقُ بِمــا يُخَــبِّـئهُ زَمانِي || وَما يُـبْــديهِ إِجْـحـافـاً وَظُــلْـمــا
ونفْسي تَعشَقُ الأَنوارَ دَوْماً ||وتَهْـفــو أن تُعـانِقَـها وتَظْـــمــا
وأفْــرحُ لِلـنُّجـومِ إذا أَطــلّـَتْ ||وأسْبَحُ نَحْـــوَها روحـاً وَجِسمـا
فَتغْــمـرُنِي بِنـورٍ عَـبْـقــرِيٍّ ||فَيغْـسِلُ قامَتي لَحْـماً وَعَظْـمـا
ويَسْـري لِلْفُــؤادِ بِــلا تَــوانٍ || فَـيَمْـلأُهُ على العِـلاّتِ سِلْـمـا
وأنْسى وحْشَةَ اللّيلِ الْمُعادي ||وأبْصرُ خـلـفَهُ الْجَنّاتِ نُعْـمى
ولكنْ يوقِـظُ الإحْساسَ داعٍ ||مِن الـدّنْـيــا يُنـاديـني: هَـلُـمّـــا
لهُ صوتٌ يَسُدُّ الأُفْقَ حَوْلِي ||ويُسْمِــعُـني ولوْ كُنتُ الأَصَـمّـــا
هَـلمَّ إلَى ديارٍ ليسَ فيها ||سِوى التَّغريبِ والتَّنْغيصِ حُكْمـا
فلا أدْري هلِ الْماضي دَعانِي||فــأَيْـقــظَ فِيَّ آلامــاً وَهَـــمّـــا
أَمِ الآتِي تَراءَى لِـي جَـلِـيّاً ||فَـفــيهِ رَأيتُ ماذا الغَـيْبُ ضَـمّـا
فأيقَظَ فِيَّ خَوْفِي مِن مَصيري|| وبدَّدَ مِن حَنايا القـَلبِ حُلْمــا
فليتَ الدَّهرَ يَصفـو لِي زَماناً ||وَتَْنقـَشِعُ الْغَمامـةُ عنهُ يَومـــا
لأُدْركَ أينَ قادَتْنـي طَـريقي || أفَـوْقَ الأرضِ أمْ يَـمّــمْـتُ يَمّــا
تَعـودُ إِلَيَّ أنْفـاسي ونَفْسي||وأفـهَــمُ مـا يَدورُ وَمــا أَلَــمّــا
قـلـيلٌ من نَهــارِ العُـمْرِ باقٍ ||ومـــا زالَ الفـــؤادُ يراهُ جَـــمّــــا
فَيمْضي بانِياً من غـيرِ يأْسٍ ||يُـريـدُ بِـنــاءَهُ أسْـمى وَأسْـمى
ويَحْـلُـمُ أنْ يُلاقي ما تَمـنّى||ويَنسى أنَّ ليـلَ العــمْرِ هَــمّـــا
فـيا لَهْـفي على صـرْحٍ بَناهُ || زَمــان الـنّــورِ لكـنْ مــا أتـَمّــــا
وَتُمْــطرُنا اللّيـالِي كلَّ حينٍ || شِهـاباً يَصْدِمُ الصَّـرحَ الأشَـمّـا
وتَرْشُقُــنا سِهـاماً نافِــذاتٍ || وظُـلمُ النّاسِ أفْـتَكُ تلـكَ سَهْـما
ولكنْ رغْمَ ذاكَ ورغـمَ هـذا || نَظــلُّ نَزيدُ تَصـمـيــماً وَعَــزْمــــا
ولا نَرْضى بأنْ نَحْـيا عَـليها || بِغــيـرِ إِرادةٍ صُـــمّــاً وبُـكْــمــــــا
ولا نَرضى الْخُضوعَ ولا التَّراخي || ولا نَرضى بغـيرِ الْمَجدِ مَرْمى
وما الْمجدُ الذي نَسعى إليهِ|| سِوى حُـلُــمٍ قَصيرٍ كانَ وَهْـمـا
ونَـترُكُـهُ وَيَتْـركُـنا وَنَـمــضي ||وتُطْـوى صَفحةُ الأَجلِ الْمُسَمّى
فـأوَّلُ عــمـرِنا لُغـــزٌ كَـبـيــرٌ || وآخِــرُ عُـمـرِنــا سِــرٌّ مُـعَـمّـى
*****
الشاعر حسن منصور
ديوان: (في دائرة المعنى)، ص35.
دار أمواج للطباعة والنشر والتوزيع ـ ط1 عام 2014م