رمضان فى المغرب دروس حسنية وعبادة وموشحات أندلسية
×××××
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع سرا بأصحابه في مكة في دار الأرقم بن أبي الأرقم في بداية دعوته، وكانوا يتعلمون أسس الإسلام وكانوا يقرأون ما ينزل الله عز وجل من القرآن الكريم على رسوله محمد صلى الله عليه و سلم وكانت الدعوة في ذلك الوقت سرية.لئلا يصيبه أو يصيب أحدا ممن اتبعه وآمن به ، الشرُّ والأذى من سفهاء قريش، فيتعطل سبيل الدعوة، حتى نزل قول الله تعالى: ( فأصدع بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) الحجر/ 94، فجهر النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته. فكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم أول مركز دعوي إسلامي، انطلقت منه الدعوة، واجتمع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين يعلمهم ويزكيهم.
إن المتأمل للشأن الدينى فى المملكة المغربية لا يفوته ذلك التمازج والتشابك مع نظيره المصرى، جديد رمضان في المغرب هذا العام أنه مع دخول الشهر الفضيل كشف الواقع عن ظاهرة الإلحاد التي تفشت بين بعض الشباب. وكان شعار “ماصيمنيش”.. عنوانا للتمرد الذى انطلق من ساحة “حسان” بالعاصمة المغربية الرباط، امتدادا لدعوة انطلقت العام قبل الماضى ولا تزال تمارس فعالياتها، حينما نزل مجموعة من الشباب الى الشوارع لإعلان إفطارهم، وأطلق شباب آخرون دعوة على شبكات التواصلالاجتماعي”الفيسبوك” أسموها “حق إفطار رمضان جهرا “وعقدوا مؤتمرات وتابعتهم كاميرات وقنوات إخبارية وخرجوا الى الشاشات يعلنون موقفهم.
وجاء الرد واضحا من الواقع الدينى والاجتماعي المتماسك والصلب والقادر على إذابة كافة ألوان التطرف بداخل المجتمع المغربي، واحتشد ??? الفا من المصلين لأداء صلاة تراويح رمضان فى مسجد الحسن الثانى على شاطئ المحيط في كزابلانكا، وهيرسالة تمثل إجابة دالة وكافية على قدرة هذا المجتمع على المقاومة الناعمة للجيل الرابع من الحروب، حيث تكثر مظاهر العبادة بشكل مميز، ويتوادد المجتمع المغربى بصورة مثالية لا تتوافر باقى العام.
والتراويح في “مسجد الحسن الثاني”، أكبر مسجد في المغرب وشمال إفريقيا، لها نكهة خاصة في رمضان، حيث تتوافد أفواج الصائمين، لأداء صلاة التراويح في هذا المسجد بالذات. وفي الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان يصل عدد المصلين إلى أكثر من 200 ألف شخص، يأتون من الدار البيضاء والرباط والمدن الأخرى المجاورة، ويتناول بعضهم إفطارهم في المسجد؛ ليصلوا بالقرب من الإمام، للاستمتاع بالأجواء الروحانية. وهو أكبر مسجد في المغرب، وسابع أكبر مسجد في العالم، مئذنته أندلسية الطابع، ترتفع 210 أمتار، وهي أعلى بناية دينية في العالم. وقد اكتمل بناؤه ليلة المولد النبوي يوم 11 ربيع الأول 1414الموافق 30أغسطس 1993، في فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني..
ويشكل رمضان فى المغرب ظاهرة دينية واجتماعية مؤثرة فى البنيان الأسرى وبين العائلات التى لا يزال قطاع كبير منها يختار الهوية الإسلامية ومنذ زمن بعيد يحارب لأجلها ويبنى تاريخه وحضارته وحاضره من تجلياتها وعظمتها.
ويمكن لأي مسلم يزور المغرب أن يلحظ مدي احتفاء الشعب المغربي بقدوم شهر رمضان المبارك, وبمجرد أن تأكد دخول الشهر انطلقت ألسنة أهل المغرب بالتهنئات قائلين:( عواشر مبروكة). والعبارة تقال بالعامية المغربية, وتعني (أيام مباركة) مع دخول شهر الصوم بعواشره الثلاثة: عشر الرحمة, وعشر المغفرة, وعشر العتق منالنار. والوجود الرمضاني الكثيف داخل المساجد, حيث تمتليء المساجد بالمصلين لا سيما صلاة التراويح وصلاة الجمعة, إلي حد تكتظ الشوارع القريبة من المساجد بصفوف المصلين, مما يشعرك بالارتباط الوثيق بين هذا الشعب وبين دينه وتمسكه بقيمه ومبادئه.
وتشرف وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية علي (الدروس الحسنية الرمضانية) والتي تعقد تحت رعاية الملك محمد السادس, وهي عبارة عن سلسلة من الدروس اليومية تقام خلال أيام الشهر الكريم بحضور كوكبة من العلماء والدعاة من المغرب وعدد من الدول الإسلامية, وتلقي هذه الدروس اهتماما من الأفراد, لما يلمسونه من أهمية هذه الدروس ومدي ارتباطها بواقعهم وإجابتها عن أسئلتهم.
وليالي رمضان عند المغاربة تتحول إلي نهار, فبعد أداء صلاة العشاء ومن ثم أداء صلاة التراويح, يسارع الناس إلي الاجتماع والالتقاء لتبادل أطراف الحديث. وهنا يبرزالشاي المغربي كأهم عنصر من العناصر التقليدية المتوارثة, ويستمر هذا السهر طويلا حتي وقت السحور.
ويفضل أكثر الناس الإفطار في البيوت, إلا أن هذا لا يمنع من إقامة موائد الإفطار الجماعية في المساجد من قبل الأفراد والمؤسسات الخيرية لاسيما في المناطق النائية والقري والبوادي, وللمائدة حظها الوافر من الخصوصية في المغرب, فثقافة الطبخالممتدة في التاريخ الأندلسي المغربي تعكس التنوع العرقي للمجتمع المغربي.
وبعيدا عن جو العبادة والتصوف فإن الموسيقي الروحية لها حضورها القوي في المجتمع المغربي, وقد تتجمع بعض الأسر علي المدح مع استعمال بعض الأدوات الموسيقية,بل حتى علي بعض الترانيم دون آلات موسيقية.
ومع قرب انقضاء أيام هذا الشهر تختلط مشاعر الحزن بالفرح, الحزن بفراق هذه الأيام المباركة بما فيها من البركات ودلائل الخيرات, والفرح بقدوم أيام العيد السعيد, وبين هذه المشاعر المختلطة يظل لهذا الشهر أثره في النفوس والقلوب وقتا طويلا.
سعد سلطان - جريدة الأهرام المصرية
الصورة عن موسوعة المسافر