مقال كتبه الراحل عبد الحميد مهري في وداع الراحل محمد بوضياف
هذا مقال كتبه الراحل عبد الحميد مهري في وداع الراحل محمد بوضياف، ونشرته جريدة المجاهد الأسبوعي في سنة 1992 بعد اغتيال الطيب الوطني، أعيد نشر المقال لأنه يطرح الأسئلة الحقيقية، ويجلي بعض اللبس الذي يخالط الصورة التي علقت في أذهان كثير من الناس عن بوضياف، ومن المفيد التنبيه هنا إلى أن مهري كتب هذا الكلام وهو على خلاف سياسي عميق مع السلطة.
(نقلا عن نجيب بلحيمر)
-----------------
وداع وعهد
بقلم عبد الحميد مهري
اغتيال الأخ محمد بوضياف حادث يهز بعمق عواطف كل الذين عرفوه مناضلا في سبيل تحرير الجزائر، ومبعدا من الجزائر لتعلقه بالديمقراطية. كيف يموت مناضل جزائري من وزن الأخ محمد بوضياف بأياد جزائرية ؟ وكيف يموت في الجزائر، وهي تجتاز امتحانا قاسيا في مسيرتها نحو الديمقراطية، من حرم نفسه متعة العيش فيها بعد أن تحررت، لأنها لم تلبس في نظره جلباب الديمقراطية؟
يموت بوضياف وأجيال غفيرة من الشباب الجزائري تجهل ما قدمه بوضياف من تضحيات وجهود مضنية في معركة التحرير. ويموت بوضياف وهو متهم في نظر كثيرين بأنه معاد للديمقراطية. هل يمكن أن يتصور كل الذين عرفوه نهاية أكثر بعدا عن تطلعاته من هذه النهاية؟ وهل يمكن لرفقاء جهاده ونضاله أن يتصوروا ظلما لتاريخه أكثر من هذا الظلم؟
إن محمد بوضياف ذهب ضحية شعوره العميق بالواجب الوطني. فعندما اقتنع بوضياف، أو أقنع، في تحمل المسؤولية بأن الواجب يدعوه إلى الموقع الذي قاده إلى نهايته، فإنه لم يتردد. وعندما وجد الساحة السياسية في الجزائر لا تعكس صورة الديمقراطية كما يتصورها هو، اندفع دون حسابات لتكييف هذه الساحة مع الصورة الجميلة لعروس الديمقراطية كما كان يتمناها هو للشعب الجزائري. ولا شك أن غيابه الطويل عن الجزائر لم يمكنه من قراءة كاملة وسليمة للتطورات التي عرفتها، وأن الظروف والأحداث التي ساقته إلى المسؤولية لم تترك له من الوقت ما يمكنه من هذه القراءة المتأنية النافذة، التي كانت لازمة لرسم أهداف المسيرة وتكييف خط المسيرة.
إن موت الأخ محمد بوضياف يترك في أنفسنا حسرة وتساؤلا ملحا، نحن الذين عرفناه في نضاله ومنفاه. هل عملنا كل ما نستطيع حتى لا تقترن أعماله وهو على قمة هرم السلطة، ونهايته وهو في هذا الموقع المتقدم، بظلم مر لتاريخه وماضيه في أذهان الكثير من الشباب الجزائري ؟
لقد حاولنا، وربما كنا نستطيع أكثر، وسنحاول أن نوفيه حقه علينا بمواصلة النضال الذي جمعنا في سبيل الجزائر. سنحاول نحن البقية القليلة من جيل نوفمبر أن نواصل رسالة نوفمبر، ورسالة نوفمبر اليوم هو أن يكون مصير الجزائر في يد الشعب الجزائري دون وصاية: أن يكون مصير الجزائر مجسدا في مؤسسات ينتخبها الشعب ويراقبها الشعب ويغيرها الشعب إذا أراد. تلك هي الرسالة التي يجب أن يجتمع حولها جيل نوفمبر، والكلمة التي نودع بها الأخ محمد بوضياف ونحن مطمئنون إلا أنها هي التي تجمعنا به في نهاية المطاف.
رحم الله الأخ محمد بوضياف، ووفقنا لما فيه خير الجزائر وعزتها.