المأمون الحارثي
** من فصحاء العرب
* المأمون الحارثي
قعد المأمون الحارثي فِي نادي قومه فنظر إِلَى السماء والنجوم ثم أفكر طويلا ثم قَالَ : "أرعوني أسماعكم ، وأصغوا إِلَى قلوبهم ، يبلغ الوعظ منكم حيث أريد ، طمح بالأهواء الأشر ، وران عَلَى قلوب الكدر ، وطخطخ الجهل النظر ، إن فيما نري لمعتبرا لمن اعتبر ، أرض موضوعة ، وسماء مرفوعة ، وشمس تطلع وتغرب ، ونجوم تسري فتعزب ، وقمر تطلعه النحور ، وتمحقه أدبار الشهور ، وعاجز مثر ، وحول مكد ، وشاب مختضر ، ويفن قد غبر ، وراحلون لا يئوبون ، وموقوفون لا يفرطون ، ومطر يرسل بقدر ، فيحيي البشر ، ويورق الشجر ، ويطلع الثمر ، وينبت الزهر ، وماء يتفجر من الصخر الأير ، فيصدع المدر عَنْ أفنان الخضر ، فيحيي الأنام ، ويشبع السوام ، وينمي الأنعام ، إن فِي ذلك لأوضح الدلائل عَلَى المدبر المقدر ، البارئ المصور.
يأيها العقول النافرة ، والقلوب النائرة ، أني تؤفكون ، وعن أي سبيل تعمهون ، وفي أي حيرة تهيمون ، وإلى أي غاية توفضون ، لو كشفت الأغطية عَنِ القلوب ، وتجلت الغشاوة عَنِ العيون ، لصرح الشك عَنِ اليقين ، وأفاق من نشوة الجهالة ، من استولت عليه الضلالة "
والمختضر : الذي يموت حدثا ، وهو مأخوذ من الخضرة ، كأنه حسد أخضر.