الكتيبة الجلولية
الكتيبة الجلولية :
في نوفمبر 1956 أنشأت المنطقة الرابعة في مكان المنطقة الأولى التي كانت إقليميا تابعة للولاية السادسة وتشمل جبل الديرة (سور الغزلان) , جبل بلقرون ( ما بين سور الغزلان- البرواقية) والكاف لخضر ( "شلالة العذاورة "- "ماجينو" Maginot سابقا- في اتجاه عين بوسيف) ليتسع إقليم الولاية الرابعة جنوبا .
أما الكتيبة الجلولية فتشكلت مطلع سنة 1957 وهي كتيبة الألف شهيد بنواحي بوقعودن- الدشمية (سور الغزلان ) وبجبل صباح في المنطقة الخامسة الناحية الثالثة بالولاية الرابعة التاريخية و سميت باسم مؤسسها الشهيد "دحماني جلول بن طويجين" و تحت قيادته قامت بسلسلة من المعارك من بينها:
-معركة أولاد سيدي عامر.
-معركة بن سحابة (الدشمية).
-معركة بالقرب من حمام فراكسة (سور الغزلان).
سقط على إثر هذه الأخيرة "سي جلول" شهيدا بنفس السنة(1957) في ساحة الوغى ليخلفه المرحوم "صديقي النوري" وفي حسبان قيادة الثورة تعيينه لاحقا على رأس الكتيبة لخبرته الحربية وبسالته في القتال، وبنفس الوتيرة وكلهم عزم في النصر أو الاستشهاد خاض أفراد الكتيبة تحت قيادته النيرة عدة معارك ضارية وعلى سبيل الذكر:
- معركة في جبل صباح حيث استعمل العدو قنابل النبالم .
- معركة بني معلوم قرب بوسكن (المدية) .
- هجوم على مركز الاعتقال بحوش الريش ببلدية البرواقية وقتل فيه أغلبية عساكر العدو.
- هجوم على مدينة السواقي وسور الغزلان.
- وفي 13 ديسمبر1957 قامت مجموعة يترأسها المرحوم "صديقي النوري" بنصب كمين في جبل ديرة بالقرب من سور الغزلان أسفر عن غنم 30 قطعة سلاح ورشاش من نوع ف.م. بار.
-معركة الكاف لخضر بنواحي شلالة العذاورة .
-كمين بذراع التمر بجبل موقورنو في الجنوب الغربي من البرواقية الذي يعتبر امتداد لسلسلة الونشريس.
-كمين بالقرب من الكحاحلة قرب بوسكن (المدية).
تواصلت الأعمال القتالية للكتيبة تحت قيادة المرحوم إلى غاية 1959 ، ولمواجهة مخطط شال الجهنمي أصدرت قيادة الثورة تعليمات تنص على تقسيم وحدات جيش التحرير إلى مجموعات قليلة العدد تتميز بخفة الحركة وسرعة المناورة بغية التواجد والانتشار لكن "الجلولية" بقيت على البنية المعتادة لأن " نهاي" كان حسب معلومات مخابرات العدو ينوي الإقدام على القيام بضربة موجعة لهذا الأخير ولم تتحقق لسبب معركة فرضت على الكتيبة الجلولية في 20 أوت 1959 وقد كانت معركة طاحنة وغير منتظرة و لا متكافئة العدة والعتاد في جبل بوقعودن الذي يقع في منطقة تشمل سور الغزلان، بني سليمان وقرية جواب (شرق البرواقية).
معركة بوقعودن الشهيرة:
وقد تم الاستناد في ذلك إلى قراءاتنا لبعض حيثيات معركة جبل بوقعودن التي نشرت في الصحف الاستعمارية الصادرة في 22/08/1959:
بعد المغادرة الاضطرارية للجنرال "ميزن روج" (Maison rouge) من القطاع العملياتي لسور الغزلان بأمر من القيادة العسكرية الفرنسية بسبب فشله في هزم الكتيبة الجلولية رغم كل ما سخر له من إمكانيات اتخذ قرار استخلافه بالجنرال "ماكس برياند"( Max Briand) الذي توعد بإلقاء القبض على"نهاي" و فور التحاقه بالقطاع وبالصدفة كان من الحظ أن يستفيد عن طريق وشاية يوم الأربعاء 19 أوت 1959 مساءا من معلومات عن تحركات تشكيلة تابعة لجيش التحرير و هي الكتيبة الجلولية ورمزها 611 المعروف أن تعدادها لا يتجاوز 100 جنديا حدد تواجدها على بعد 30 كم غرب Aumale سور الغزلان حاليا بضواحي Stéphane-Gsell حاكيمية حاليا المدية في جبل بلقرون طريق البرواقية- سور الغزلان وهو جبل صخري يتسم بشدة منحدراته و تقاطعه بأودية كثيرة وعميقة .
نتيجة للمعلومات المتحصل عليها تم في بضعة ساعات تحضير وتجهيز قوة معادية تعدادها 1200 فردا بنسبة تفوّق عددي 1/12 لصالح العدو المدجج بأحدث الوسائل الحربية و بغطاء وإسناد جوي بطائرات T6 وطائرة توجيه Piper تنطلق من القاعدة الجوية لبوفاريك وتتكون من التشكيلات القتالية التابعة للقطاع ألعملياتي لسور الغزلان:
- الفوج 2 للمشاة (2ème RI).
الفيلق 17 17ème Bataillon de tirailleurs
- الفوج الإفريقي الأول للدبابات( 1er RCA) ووحدة الدبابات (Dragons 27é) .
- بالإضافة إلى كتيبة كومندوس تعرف بكيمونو 11 - (Kimono 11) متخصصة في حرب العصابات المضادة تتشكل من عناصر الوحدات الفرعية التابعة للفوج2 للمشاة .
عند وصول قوات العدو شرعت الدبابات بغلق المنافذ الجبلية لتأمين عملية تسلق وتمشيط الجبل طيلة صباح الخميس 20/08/1959 من قبل أفراد المشاة .
وقد كان لحرارة هذا الفصل الأثر في زيادة التعب والعناء، لكن المعرفة الجيدة لطبيعة الأرض سمحت للمجاهدين البواسل الاستفادة من تضاريسها وغطائها النباتي الكثيف أين قاموا في منتصف نهار نفس اليوم بمبادرة خوض أول اشتباك مباغتين الفصائل المتقدمة للكومندوس -كيمونو11- أسفر عن عدة قتلى و جرحى من جنوده بالإضافة إلى غنم أسلحتهم وتواصلت الاشتباكات المتتالية بتدخل الطيران، حتى الساعة السابعة (سا 07 ) مساءا في نفس اليوم.
لقد كان حشد كل هذه القوات البرية الضخمة والغطاء الجوي المرافق لها طيلة مجريات المعركة تحت قيادة ضباط على غرار الجنرال "برياند" خريجي أحسن المدارس العسكرية العليا الفرنسية مقابل الإمكانيات المتواضعة و العدد القليل لمجاهدي الكتيبة الجلولية والذين عقدوا العزم أن تحيا الجزائر حتى آخر قطرة من دمائهم الزكية في جزائر الثورة وهو لا محالة في فترة جزائر الثورة حافز للخلف أن يبقى على العهد حتى الفلاح .
الطائرات ت- 6(6 T-) في حرب الجزائر:
هي من صنع أمريكي صممت لتدريب قواتها وبعد امتلاكها من قبل الفرنسيين في سنة 1956 قاموا بإدخال تعديلات إضافية عليها تتلاءم مع تكتيك حربهم في الجزائر حيث جهزت تحت الأجنحة برشاشات لإسناد القوات البرية بنيرانها في هجوماتها على الأهداف الأرضية وزودت فيما بعد ببراميل النابالم وقذائف للقصف وتقوم أحيانا بمهمة الاستطلاع.
فرضية قصة عسكري فرنسي لمعركة بوقعودن :
مغتنما زيارته للجزائر، قام العسكري الفرنسي يوم الخميس صباح الـ 20 ماي 2005 بمعاينة مكان المعركة التي جرت في 20/08/1959، المعركة التي شارك ميدانيا في فعالياتها ليتذكر و يكتب فرضيته لحيثياتها و مراحلها لكن رغم تحيزه فإن وقانع أرض الميدان فرضت عليه أن يعترف بشهامة وخبرة المجاهدين حيث يقص في نص المعنون بـ: "في 20 أوت كيمونو 11 يشتبك بالكتيبة 611".
يتذكر قائلا أنه في 20/08/1959 وصلنا على الساعة 06 صباحا عبر مسلك جبل بلقرون الذي يبتدئ من ماسكاراي لينحدر إلى سهل بني سليمان وننطلق من جديد على الساعة سا 11 و 45 د في الاتجاه المعاكس بصعود المنحدر وعند وصول الممر الجبلي يأتي أمر النزول من المركبات من نقيب الفيلق، الطقس في ذلك اليوم كان مشمسا، ليشرع الجنود في تسلق الجبل الصخري الكثير التشجير من نوع البلوط والكثيف من حيث الغطاء النباتي الذي يساهم سلبا في انعدام الرؤية على مسافة تفوق 10أمتار، نتوقف على القمة للاستراحة، الساعة تشير إلى سا 12 و45د، نحن على مشارف مسكاراي (جواب) وكلنا أمل في العودة.
لكن تجري الرياح بما لا تشته السفن، "باولي" Paoli رمز مركز قيادة الفيلق تموقع في خلف التشكيلة و باتخاذ الفصائل وضعية القتال الملائمة نشرع على الفور بهبوط المنحدر، أتواجد برفقة النقيب في وسط التشكيلة التي يتقدمها أفراد من الفصيلة 03 ولحظة اجتيازهم لقطعة الأرض العارية ثم الدخول عبر الحافة الثانية للغابة نتفاجأ بإطلاق وابل من الرصاص يستهدف عساكر المقدمة أسفر عن سقوط العديد من أفرادنا وصعود جنود جيش التحرير إلى الهجوم لنلاحظ الرصاص يأتي من كل الجوانب وأوراق الأشجار تتساقط كأننا في فصل الخريف وفي نفس الوقت نسمع ضجيج تفجيرات الألغام اليدوية.
الحصيلة الأولى تكشف عن 07 قتلى و08 جرحى في صفوفنا. المشهد جهنمي. تصرفاتنا أصبحت أليا وأنا لا أشعر بأي إحساس إلا التفكير في الانتقام والإصرار على أن أبقى حيا. نسمع أنين الجرحى ودوي الطلقات النارية ثم عم الهدوء . نظرت إلى ساعتي و كانت تشير إلى 13سا و 30 د . الهيلكوبتر من نوع ألووات-Alouette تقوم بإخلاء قتلانا وجرحانا.
أمام صمود جنود جيش التحرير نقيب كيمونو 11 يستنجد و يطلب التدخل السريع للطيران العسكري. لحظة وصول طائرات –ت6- استعملت نيران رشاشاتها في اتجاه مجاهدي الكتيبة لتجبرهم على الرجوع إلى الخلف في عمق الوادي الوسيلة الوحيدة التي مكنت العدو بإرغام أفراد الكتيبة اتخاذ وضعية مزرية للدفاع و بتغيير زاوية الرمي صوب الاتجاه الجديد يقوم الطيران باستخدام قوة نيران أسلحته بالتعاون والتنسيق مع كل الوحدات القتالية المحيطة بميدان القتال بهدف استسلام الكتيبة والتي يعرف عن جنودها القدرة العالية في الكفاح حتى النصر أو الاستشهاد دفاعا عن قضية عادلة و أمام هذه الصرامة وهذا التعنت في المواجهة النقيب "د...." يطلب بإلحاح بواسطة جهاز الراديو الجنرال" ب.... " بقنبلة مكان تواجد المجاهدين بالنبالم لكن بدون جدوى. رفض الجنرال لن يكون لأسباب إنسانية بل هو يدرك جيدا بتنفيذه لهذه العملية الحريق الناشب للغابة فيما بعد يكون له بدون شك عواقب وخيمة على القوات العسكرية الفرنسية. تفوق القوات المعادية الضخمة أسفر عن التراجع المستمر للكتيبة ومعرفة المجاهدين الجيدة لأراضي جبل بوقعودن سهلت لهم بالاستفادة وقتيا من تضاريسها و هو الذي يقع في شطره هذا على مشارف "جواب" القرية السهلية المبنية من المستعمر وكانت تسمى بما سكاراي (Masqueray) .الاشتباكات تواصلت حتى الساعة السابعة مساءا في نفس اليوم.
3/ الإصابة والاعتقال
بعد المقاومة الشرسة لأسود الكتيبة الجلّولية وكلهم تضحية و فداء أستشهد عدد كبير من المجاهدين وجرح آخرون من بينهم قائد الكتيبة المرحوم "صديقي النوري" الذي أصيب بجروح بليغة لم تسمح له بالتحرك وعند استنطاقه وهو طريح الفراش بمستشفى سور الغزلان Aumale)) محاطا بثلاثة من ضباط العدو من بينهم الملازم الأول دي سيلوزDe Sulauze من المكتب الثاني للاستخبارات وحسب وصف الفرنسيين لحالته النفسية لوحظ أنه كان عادي التصرف رغم الآلام وكأنه في وضعية استرخاء ونظرة عيناه تعبر على الهدوء و الاطمئنان و كيف لا وهو خريج الكتاتيب القرآنية التي تحث في تعاليمها السماوية بالتمسك بالإيمان و بقضاء الله وقدره.
في تناوله لموضوع معركة بوقعودن صحفي جريدة L’Echo d’Alger ليوم 22/08/1959 يصف المجاهد القائد "صديقي النوري" بعد إلقاء القبض عليه بما يلي :"عمره الآن 26 سنة والإعجاب الذي يميزه لدى رفقاء الجبل سمح له بسرعة فائقة بتجاوز المراحل والوصول إلى مهمة قيادة الكتيبة 611 ,"نهاي" يتحكم جيدا في كتيبته ورغم اشتباكين في الثلاثة أشهر الماضية والأخيرة إمكانات الكتيبة ظلت سليمة "(Robert Soulé).
أما Georges Bousquet من يومية La Dépêche quotidienne d’Algérie فوصفه بالشهير:"نهاي الشهير" ونفس الوصف للكتيبة.
وصول الجنرال ماسي Massu مرفوقا بالعقيد دي جاكلو De Jacquelot والرائد نافروNavarro على الساعة 15 مساء في 21/08/1959 للقطاع العملياتي Aumaleسور الغزلان حاليا خصيصا لتهنئة الجنرال برياند Briand وجنوده حاله حال الجنرال شال Challe والذي قام بنفس المبادرة عن طريق إرسال برقية تهاني للقطاع، كل هذا دليل على ما كانت تشكله الكتيبة الجلولية من خطورة على تواجد قوات الاحتلال الفرنسي في منطقة سور الغزلان (L’Echo d’Alger).
أعتقل المرحوم في معتقل سور الغزلان لمدة قصيرة ليتم نقلة إلى سجن برباروس (سركاجي) بالعاصمة ليحول بعدها إلى سجن ران ( Rennes, ILLe-et-Vilaine) بفرنسا وبتواجده في هذا الأخير حكم عليه بالإعدام من المحكمة العسكرية.
في كتيب بعنوان " نورنبارق للجزائر" Nuremberg pour l’Algérie » « المدينة الألمانية في إشارة إلى محاكمة قادة النازية بتهمة جرائمهم ضد الإنسانية الذي صدر في سنة 1961 والممضى من السادة الأساتذة المحامين بن عبد الله و أو صديق وفرجاس (Verges) ينددون فيه بالقمع والإبادة الجماعية وبتعسف العدالة وعدم الاعتراف لأفراد جيش التحرير بصفة مقاتل تتبع بقائمة لحالات مجاهدين تعرضوا للتعذيب أو للقتل بدون محاكمة أو شبه محاكمة يلاحظ في أخرها الإشارة إلى انقطاع الأخبار عن الملازم الأول" نهاي" صديقي نوري.
وشاءت الأقدار أن لن ينفذ قرار الحكم حتى نالت الجزائر استقلالها وأطلق سراحه ليعود إلى أرض الوطن معززا مكرما وينضم برتبة نقيب إلى صفوف الجيش الوطني الشعبي ثم يوظف بمصلحة الغابات بالجزائر العاصمة حتى إحالته على التقاعد إلى أن وافته المنية بتاريخ 06 نوفمبر 1983 عن عمر ناهز 50 سنة.
للعلم تحمل وتخلد اسمه الثانوية التي تقع بحي أول نوفمبر 1954 بمدينة البرواقية ( المدية) وحي ببلدية سطاوالي الواقعة غرب الجزائر العاصمة يعرف بتسمية الكتيبة الجلولية.
عمرت الكتيبة على مدار الثلاث سنوات بفضل حنكة وتجربة كل من القائدين سي جلول و سي صديقي النوري رحمهم الله والتدريب الجيد لأفرادها و نظامها السياسي، الإداري والعسكري المستوحى من مؤتمر الصّومام الذي لم يستثن مساهمة الأهالي في العمل الثوري بالإمدادات والمعلومات وكذلك نوعية الأسلحة الحربية المتوفرة بالكم الكافي و قاعدتها الخلفية التي تتمثل في مغارة في الجبل يلجأ المجاهدين إليها للاستراحة ومخبئين محصنين وبتمويه محكم، الأول لتخزين الاحتياطات المختلفة من الأسلحة والذخيرة والقنابل اليدوية والألبسة والمؤن والمخبأ الثاني هو عبارة عن عيادة لاستقبال وعلاج الجرحى والمرضى و تملك الكتيبة في ميدان الاتصال جهازين راديو يسمحان لها بربط الاتصال داخل الولاية وخارجها .
منذ تأسيسها والجلّولية تحافظ على بنيتها التحتية لتتمكن في كل مراحل مسارها القتالي استعادة جاهزيتها واستعدادها من جديد للقتال الأمر الذي أثار جنون وتكالب العدو للرمي بكل ما يملكه من ثقل في الميدان لوضع حد من عزم مجاهدي الكتيبة الجلّولية وقائدها المجاهد صديقي النّوري "نهاي"المستهدف بالدرجة الأولى بالنظر لما ألحقته الكتيبة بقوات الاحتلال من خسائر جسيمة في كل العمليات القتالية وتقديرات أركان الجيش الفرنسي تقر بذلك في تحاليلها العسكرية .
رحم الله الفقيد واسكنه فسيح جنانه وألحقه بإخوانه ومن سبقوه من الشهداء والصديقين في جنات النعيم .
(*) للموضوع مراجع
الكلمات الدلالية :
الإدريسية الثورة الجزائرية صديقي النوري نهاي الكتيبة الجلولية دحماني جلول بن طويجين معركة بوقعودن قسنطينة