مختارات من دروس البلاغة
في قوله تَعَالَى: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} إيجازٌ بالحذف، على سبيل الاكتفاء، إذِ التَّقْدير: تقيكُمُ الْحَرَّ والْبَرْدَ.
قالوا: وخُصَّ الحرُّ بالذكْرِ لأَنَّ المخاطَبين الأَوَّلِينَ كانوا عَرباً، وبلادُهُمْ حارَّة، والوقاية من الحرّ هي الأهم لدى معظمهم.
الجملة الاسمية لا تفيد إلاّ ثبوت شيء لشيء، نحو (زيد شجاع) لكن إذا كان خبر المبتدأ فعلاً، أو كان هناك قرينة، أفادت التجدد أيضاً، نحو: (الكريـــم يفرح بالضيف) وقوله تعالـــى: {وانك لعـــلي خلق عظيم}( القلم: 4).
(الإيجاز): هو وضع المعاني الكثيرة في ألفاظ أقل، مع وفائها بالغرض المقصود ورعاية الإبانة والإفصاح فيها.
و (الإطناب): زيادة اللفظ على المعنى لفائدة.
و (المساواة): تساوي اللفظ والمعنى، فيما لم يكن داع للإيجاز والإطناب.
كما أنه إذا لم تف العبارة بالغرض سمّي: (إخلالاً).
وإذا زاد على الغرض بدون داع سمّي: (تطويلاً)
مثال الإيجاز، قوله تعالى: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف:199)
ومثال الإطناب، قوله تعالى: {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} (طـه:18)
ومثال المساواة، قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (الاسراء: من الآية13).
قال الله عزّ وجلّ: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} ( القمر:16).
ونُذُرِ: أي: ونُذُرِي، فَحُذِفَتْ ياء المتكلم لمراعاة التناظر في الفواصل.
قال الله عزّ وجلّ في عرض لقطة من أحداث يوم الدّين: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً...} [النحل:30].
أي: قالوا: أنْزَلَ رَبُّنَا خَيْراً. إنّ إجابتهم تقتصر على ذكر المفعول به فقط، وهو لفظُ "خيراً" وقد دلَّت قرينة المقال في سباقه على المحذوف.
ينقسم الزائد على أصل المراد إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ الإطناب، وهو تأدية المعنى بعبارة أكثر منه لغرض مّا.
2 ـ التطويل، وهو تأدية المعنى بعبارة أكثر بلا فائدة، مع كون الزيادة في الكلام غير متعيّنة نحو قول العبادي:
وقدّدت الأديم لراهِشيه وألفى قولها كذباً ومَينا
فإن (الكذب) و(المين) يمعنى واحد، ولا يتعيّن الزائد منها، لصلاحية كل منهما لذلك.
3 - الحشو، وهو تأدية المعنى بعبارة أكثر بلا فائدة، مع كون الزيادة متعيّنة في الكلام غير مفسدة للمعنى نحو قول الشاعر:
واعلم علم الــيوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غدٍ عمي
فإنّ كلمة (قبله) زائدة لوضوح أن الأمس قبل اليوم.
قال الله عزّ وجلّ :
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (البقرة:164).
في هذه الآية إطنابٌ بالبسط، لتوجيه الأنظار لآيات كونيَّة دالاَّتٍ على طائفةٍ من صفات الله عزّ وجلّ، منها شمول علمه، وعظيم قدرته، وكمالُ إرادته، وجليلُ حكمته وإتقانه وإبداعه لمخلوقاته، وعنايته بعباده.
وهذا البسط آتٍ من ذكر طائفة مفصّلة من آياته في كونه، كلُّ واحدة منها تدلُّ على كلٍّ هذه الصفات، فذكرها هو من البسط في إقامة الأدلّة دون زيادةٍ في الألفاظ لدى ذكر كلّ آية منها.
قال الله عزّ وجلّ :
{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ }(غافر: من الآية7).
إنّ عبارة {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} وَصْفاً للملائكةِ الذين يَحْمِلُون العرش، وللملائكة الذينَ من حول العرش من الإِطناب بالبسط، وذلك لأنَّ إيمانهم معلوم من نصوص سابقة التنزيل، ومن كونهم يُسبّحون بحَمْدِ رَبِّهم.
والغرض البلاغيّ من هذا الإِطناب إظهار شرف الإِيمان، والترغيبُ فيه، والإِشارة إلى أنّ تسبيحهم بحمد ربِّهم ثمرةٌ من ثمراتِ إيمانهم، وليس تسبيحاً جَبْرِياً كتسبيح السماوات والأرض والشجر والجماد، إذن فهم يملكون جهازاً يُفَكّر، وجهازاً يؤمن بالإِرادة.
قال الله عزّ وجلّ : {تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ}(القدر:4).
إنّ عبارَة: {والرُّوح} وهو جبريل عليه السلام من الإِطناب بالزيادة، لأنّ جبريل داخلٌ في عموم الملائكة، ولكنّها زيادة ذاتُ فائدة، إذ الغرضُ من تخصيصه بالذكر بعد دخوله في عموم الملائكة الإِشعارُ بتكريمِهِ وتعظيمِ شأنه، حتَّى كأنَّهُ جنْسٌ خاصٌّ يُعْطَفُ على الملائكة.
الغالب في الدعاء الإطناب وقد يكون إيجازاً مثل: رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةًالبقرة:201 هذا إيجاز يعني يشمل ما لا يحصى، لكن اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أعلنت وما أسررت هذه كلها إطناب.
الشيخ ابن عثيمين
هناك موارد يستحسن فيها الإطناب، منها:
1 ـ الصلح بين الأفراد، أو الجماعات، أو العشائر.
2 ـ التهنئة بالشيء.
3 ـ المدح والثناء على أحد.
4 ـ الذمّ والهجاء لاحد.
5 ـ الوعظ والإرشاد.
6 ـ الخطابة في أمر من الامور العامّة.
7 ـ رسائل الولاة إلى الرؤساء والملوك.
8 ـ منشورات الرؤساء إلى الشعب
يقسم الرماني الإيجاز إلى قسمين: إيجاز حذف، وإيجاز قصر، فيقول رضي الله عنه: الإيجاز على وجهين: حذف وقصر، والحذف إسقاط كلمة للاجتزاء فيها بدلالة غيرها من الحال أو فحوى الكلام، والقصر بنية الكلام على تقليل اللفظ وتكثير المعنى من غير حذف، فمن الحذف: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} ومنه {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} ومنه {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} ومنه حذف الأجوبة، وهو أبلغ من الذكر، وما جاء منه في القرآن كثرة كقوله - جلَّ ثناؤه: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} ومنه قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 73]، كأنه قيل حصلوا على النعيم، وإنّما صار الحذف في مثل هذا أبلغ من الذكر؛ لأن النفس فيه تذهب كل مذهب، ولو ذكر الجواب لقصر على الوجه الذي تضمنه البيان، فحذف الجواب في قولك: (لو رأيت عليًا بين الصفين) أبلغ من الذكر لما بيناه.
من كتاب: المعجزة الكبرى القرآن للشيخ محمد أبو زهرة
يقول تعالى : إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ .
يقول الباقلاني : " هذه تشمل على ست كلمات ، سناؤها وضياؤها على ما ترى ، وسلاستها وماؤها على ما تشاهد ، ورونقها على ما تعاين ، وفصاحتها على ما تعرف .
وهي تشمل على جملة وتفصيل وجامعة وتفسير : ذكر العلو في الأرض باستضعاف الخلق بذبح الولدان وسبي النساء ، وإذا تحكم في هذين الأمرين ، فما ظنك بما دونهما ؟ لأن النفوس لا تطمئن على هذا الظلم والقلوب لا تقر على هذا الجور . ثم ذكر الفاصلة التي أوغلت في التأكيد ، وكفت في التظليم ، وردت آخر الكلام على أوله وعطفت عجزه على صدره ".
إعجاز القرآن للباقلاني ص 193 و 194
ذكروا شروطاً سبعة لجواز الحذف، منها ما هو بلاغيّ، ومنها ما يدور في فَلَكِ الصناعة النحويّة، ولكِنْ لم يتّضِحْ منها بلاغيّاً غير شرطين:
الشرط الأول: أنْ لا يُؤَدّيَ الحذْفُ إلى الجهل بالمقصود، فَيُشْتَرطُ أنْ يُوجَدَ دليلٌ يدلُّ علَى المحذوف، وقد يُعَبَّرُ عنه بالقرائن الدالة.
الشرط الثاني: أنْ لا يَكُونَ المحذوف مُؤكِّداً للمذكُور، إذْ الحذْفُ منافٍ للتأكيد.
إيجاز الْقِصَر
هو الذي تكون فيه العبارات ألفاظُها قليلة، ومعانيها غزيرة، دون أن يكون فيها ما يدُلُّ على كلام مطويّ محذوف من اللّفظ، مُشارٍ إليه بقرينة من قرائن المقال، أو قرائن الحال، أو الاقتضاء العقلي..
مثل قوله تعالى : {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (البقرة: من الآية179) من أبْدع وأتْقَنِ "إيجَازِ الْقِصَر" الذي لا حَذْف فيه، إنّما فيه حُسْنُ انتقاء الكلمات، مع إتقان الصياغة، فهي على قِصَرِها وقلّةِ ألفاظها تَدُلُّ على معنىً كثيرٍ جِدّاً.
ومثل قوله تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف:199).
إذا أُرِيدَ إفادةُ السامعِ حُكْمًا فأيُّ لفْظٍ يَدُلُّ على مَعْنًى فيهِ فالأصْلُ ذكْرُه، وأيُّ لفْظٍ عُلِمَ من الكلامِ لدَلالةِ باقيهِ عليهِ فالأصلُ حَذْفُه.
وإذا تَعارَضَ هذانِ الأصلانِ فلا يُعْدَلُ عنْ مُقْتَضَى أحدِهما إلى مُقْتَضَى الآخَرِ إلاَّ لداعٍ.
فمن دَوَاعي الذِّكْرِ:
1- زيادةُ التقريرِ والإيضاحِ، نحوُ: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
2- والتسجيلُ على السامعِ حتَّى لا يَتأتَّى لهُ الإنكارُ، كما إذا قالَ الحاكِمُ لشاهِدٍ: هل أَقَرَّ زيدٌ هذا بأنَّ عليهِ كذا؟ فيقولُ الشاهدُ نعمْ، زيدٌ هذا أَقَرَّ بأنَّ عليهِ كذا.
ومِنْ دواعي الحذْفِ:
إخفاءُ الأمرِ عنْ غيرِ المخاطَبِ، نحوُ: (أقبِلْ)، تريدُ (عليًّا) مثلاً.
وضِيقُ الْمَقامِ: إمَّا لتَوَجُّعٍ، نحوُ:
قالَ لي: كيفَ أنتَ؟ قلتُ: عليلُ = سَهَرٌ دائمٌ وحُزْنٌ طويلُ
وإمَّا لخوفِ فواتِ فرصةٍ، نحوُ قولِ الصيَّادِ: (غزالٌ).
والتعميمُ باختصارٍ، نحوُ: {وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ}، أيْ: جميعَ عِبادِه؛ لأنَّ حذف المعمول يُؤْذِنُ بالعمومِ.
وتنزيلُ المتعدِّي مَنزلةَ اللازمِ لعَدَمِ تَعلُّقِ الغرَضِ بالمعمولِ، نحوُ: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}.
ويُعدُّ من الحذفِ إسنادُ الفعْلِ إلى نائبِ الفاعلِ، فيُقالُ: حُذِفَ الفاعلُ للخَوْفِ منهُ أوْ عليه، أوْ للعلْمِ به، أو الجهلِ، نحوُ: (سُرِقَ المتاعُ)، و{خُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا}.
دروس البلاغة لحفني ناصف و آخرين
قال تعالى في سورة النمل[حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (1]
ذكروا من بلاغة النملة في هذه الجملة ثلاث عشرة نكتة فقالوا
النملة أحست وبادرت ونادت ونبهت وأمرت ونهت وأكدت ونصحت وبالغت وبينت وأنذرت وأعذرت ونفت
وهذا بيانها أحست بقدوم سيدنا سليمان وجنوده
وبادرت إلى إخبار جماعة النمل
ونادت بقولها [يا]
ونبهت باستخدام هاء التنبيه يا أي[هـا]
وأمرت بقولها [ادخلوا مساكنكم]
ونهت بقولها [لا يحطمنكم]
وأكدت باستخدام نون التوكيد في [يحطمنكم]
ونصحت قومها حين أمرتهم بالدخول حفاظا على سلامتهم
وبالغت في قولها [لا يحطمنكم] يعني جميعا وهذا مبالغة
وبينت من الذي سيحطمهم بقولها [سليمان وجنوده]
وأنذرت قومها بالخطر الذي يهددهم
وأعذرت جعلت العذر لسليمان وجنوده في قولها [لا يشعرون]
ونفت عن سليمان وجنوده الشعور بهم في قولها [لا يشعرون]
نقلا عن الدكتور فاضل السامرائي
المذهب الكلامي:
هو أن يأتي المتكلم بدليل وحجة على صحة دعواه يسلم بها المخاطب, وتكون المقدمات التي سلم بها تؤدي إلى التسليم بالمطلوب.
مثل قوله تعالى : { لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا } ( الأنبياء:2).
فالمقدمة التي سلم بها المخاطب هي الفساد وهو باطل , فكذا يجب التسليم بالمطلوب وهو تعدد الآلهة وهو باطل.
ونحو قوله تعالى : { يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب} ( الحج:5).
فالمقدمة المسلم بها هي ( الخلق من التراب) , فكذلك يجب التسليم بـ ( البعث).
ونحو قوله تعالى : { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } ( الروم:27).
فالمقدمة المسلم بها هي( بداية الخلق) , فكذلك يجب التسليم بـ ( إعادة الخلق) .
أي وكل ما هو أهون عليه فهو أدخل تحت الإمكان , فالإعادة ممكنة.
الاستطراد:
هو أن يذكر المتكلم غرضا و ينتقل منه إلى غرض أخر يناسب الغرض الأول , ثم يرجع إلى إتمام الغرض الأول.
كقول الشاعر:
وإنا أناس لا نرى الموت سبة إذا ما رأته عامر و سلول
يقرب حب الموت أجالنا لنا وتكرهه أجالهم فتطول
وما مات منا سيد حتف أنفه ولا طل منا حيث كان قتيلا
فسياق القصيدة هنا للفخر, واستطرد منه إلى هجو قبيلتي عامر و سلول.
ثم عاد إلى مقامه الأول وهو الفخر بقومه .
قد يخاطبكَ إنسانٌ أو يسألك سائل عن أمر من الأمور وأنت تريد أن تعرض عن الخوض في هذا الحديث, أو تريد ألا تجيب عن هذا السؤال بسبب أن السائل ربما يكون عاجزا عن فهم الجواب وتريد أن تصرفه لما هو أنفع له.
ومنها: أنك تخالف من يحدثك في الرأي ولا تريد أن تدخل معه في جدال , وفي تلك الحال وأمثالها تَصرفه في شيءٍ من اللباقة عن الموضوع الذي هو فيه إلى نوع أخر من الحديث تراه أجدر وأولى.
مثل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ..} (البقرة:189)
تجد أن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم سألوه عن الأَهلة، لِمَ تبْدو صغيرةً ثمْ تزداد حتى يتكامل نورها ثم تتضاءل حتى لا تُرى، وهذه مسألة من مسائل علم الفلك يُحتاج في فهمها إِلى دراسة دقيقة طويلة فَصرفهم القرآن الكريم عن هذا ببيان أن الأهلة وسائِل للتوْقيت في المعاملات والعبادات؛ إِشارة منه إلى أن الأَولى بهم أن يسألوه عن هذا, وإِلى أَنَّ البحث في العلوم يجب أن يُرْجأَ قليلاً حتى تتوطد الدول وتَسْتَقِرَّ صخرةُ الإِسلام.
حُسنُ التَّعْلِيل :
أنْ يُنْكِرَ الأَديبُ صَرَاحَةً أوْ ضِمْناً عِلَّةَ الشَّيْءِ الْمَعْرُوفَةَ، وَيَأْتي بعلَّةٍ أَدَبيَّةٍ طَريفَةٍ تُنَاسِبُ الغَرَضَ الَّذِي يَقْصِدُ إِلَيْهِ.ً
نحو:
قول المعري في الرثاء:
وَمَا كُلْفَةُ الْبَدْر الْمُنِيرِ قَدِيمَةً …وَلَكِنَّهَا فِي وَجْههِ أَثَرُ اللَّطم.
يرْثي أبو العلاء في هذا البيت ، ويبالغ في أن الحزن على المرثي شَمِل كثيرًا من مظاهر الكون، فهو لذلك يدّعي أَن كلفةَ البدر وهي ما يظهر على وجهه من كدْرة، ليست ناشئة عن سبب طبيعي، وإِنما هي حادثة من اللطم على فراق المرثي.
الفرق بين الطباق والمقابلة :
أن الطباق يكون بين كلمة وضدها.
بيما المقابلة تكون بين تركيب أو جملة وما يقابلها في المعنى.
والمقابلةُ في الكلام من أَسباب حسنه وإيضاح معانيه، على شرط أَن تتاح للمتكلم عفوًا(أي بدون تكلف و اصطناع)، وأَما إِذا تكلفها وجرى وراءها، فإنها تعتقل المعاني وتحسبها، وتحرم الكلام رونق السلاسة والسهولة.
طِباَقُ السَّلبِ: هُو ما اخْتَلَف فِيه الضِّدان إِيجَاباً وسَلْباً.
* نحو قوله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ ..} (النساء:108) .
إذا تأملت هذه الآية وجدتها تشتمل على فعلين من مادة واحدة أَحدهما إيجابي وهو (يستخفون) , والآخر سَلبي وهو ( لا يستخفون)، وباختلافهما في الإيجاب والسلب صارا ضدين، وهو ما يسمى طباق السلب.
* ونحو قول الشاعر:
ونُنكِرُ إن شِئنا على النّاسِ قولَهم ولا يُنكِرونَ القولَ حينَ نَقولُ .
انظر إلى هذا البيت تجده مشتملا على فعلين من مادة واحدة أيضاً أحدهما إيجابي وهو( ننكر) والأخر سلبي وهو ( لا ينكرون), وهذا هو الطباق السلبي.
طِبَاقُ الإيجاب: هُو ما لَمْ يَختَلِفْ فِيهِ الضدَّان إِيجَاباً وَسَلْباً.
* نحو قوله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رقود..} (الكهف:18).
إذا ما تأملت هذه الآية وجدت أن فيها كلمة ( أيقاظا) و ضدها وهي ( رقود), وهذا هو الجمع بين الشيء وضده , وهو ما يسمى بالطباق.
ولما كان الجمع بين كلمتين متضادتين وكل منهما مثبتة, كان طباق بالإيجاب.
* ونحو قوله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ الْمَالِ عَيْنٌ سَاهِرَة لِعَيْنٍ نَائمة".
إذا ما تأملت هذا الحديث وجدت فيه أيضاً كلمة وضدها وهما : ( ساهرة) و (نائمة)
وهذا ما يسمى طباق الإيجاب.
قال تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رقود..} (الكهف:18).
إذا ما تأملت هذه الآية وجدت أن فيها كلمة ( أيقاظا) و ضدها وهي ( رقود), وهذا هو الجمع بين الشيء وضده , وهو ما يسمى بالطباق.
التَّوْريَةُ : أَنْ يَذْكُرَ المتكلِّمُ لَفْظاً مُفْردًا له مَعْنَيانِ، قَريبٌ ظاهِر غَيْرُ مُرَادٍ ، وَبَعيدٌ خَفيٌّ هُوَ المُرادُ.
نحو: قول سِرَاج الدين الوَرَّاق:
أصُونُ أديمَ وجهي عَن أُنَاس … …لقاءُ الموتِ عِنْدهُم الأديبُ
وَرَبُّ الشعر عندهُمُ بَغِيضٌ … …وَلَوْ وَافَى بهِ لَهُمُ "حبَيبُ"
نجد كلمة "حَبيبٍ" في هذا المثال لها معنيان:
أحدهما: المحبوب وهو المعنى القريب الذي يتبادر إلى الذهنْ بسبب التمهيد له بكلمة "بغيض".
والثاني : اسم أبي تمام الشاعر وهو حبيبُ بنُ أَوْس، وهذا المعنى بعيد. وقد أَراده الشاعر ولكنه تَلطف فَورَّى عنه وستره بالمعنى القريب.
ويسمَّى هذا النوع من البديع تورية.
الاستخدام : هو أن يذكر لفظ له معنيان و يراد أحد هذين المعنيين , ثم يذكر ضمير يعود على هذا اللفظ و يراد به المعنى الأخر.
نحو قوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه} ( البقرة:185) أريد بالشهر الهلال , وبضميره الزمان المعلوم .
الاقْتِباسُ: تَضْمِينُ النَّثْر أو الشِّعر شَيْئاً مِنَ الْقُرآن الكريم أو الحديثِ الشريفِ مِنْ غَيْر دلالةٍ عَلَى أنَّهُ منهما، ويَجُوز أنْ يُغَيِّرَ في الأَثَر المُقْتَبِس قَليلاً.
ومعنى هذا التعريف أن الأديب قد يأتي في الشعر أو النثر بشيء من القرآن أو الحديث من غير أن يشير إلى أنه اقتبسه , ويجوز له أن يغير قليلا فيما اقتبسه.
السَّجْعُ:َ توَافُقُ الْفَاصِلَتَيْن في الْحَرْفِ الأخِير، وأَفْضَلهُ ما تسَاوَتْ فِقَرُهُ( أي ما كانت الفقرات فيه متساوية).
والفاصلة هي الكلمة الأخيرة منْ كل فقرة ، وتُسكَّن الفاصلةُ دائماً في النثر للوقف.
نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا ).
الجِنَاسُ أَنْ يَتَشَابَهَ اللفظانِ في النُّطْق وَيَخْتَلِفَا في الْمَعْنى.
نحو قول أبو تمام:
ما مات مِنْ كرمِ الزمان فإِنَّه … …يحْيا لَدى يحْيى بْنِ عبد الله
انظر إلى هذا البيت فيه لفظان متشابهان في النطق وهما ( يحيا) و( يحي) وكلمة يحيا الأولى معناه فعل وهو يعيش , و يحي الثانية علم, فوجدنا اللفظين متشابهين في النطق و قد اختلفا في المعنى وهذا هو (الجناس).
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} (الروم:55).
انظر إلى هذه الآية تجد أَن لفظ "الساعة" مكررٌ مرتين، وأن معناه مرةً يومُ القيامة، ومرة إحدى الساعات الزمانية.
فهما اتفقا في نوع الحروف و شكلها وعددها و ترتيبها , وقد اختلفا في المعنى وهذا ما يسمى ( جناسا تاما).