من ملعب الرباط إلى معرض الدار البيضاء!!
شعيب حليفي
ليس في إيحاء العنوان، انتقالا من المجال الرياضي إلى المجال الثقافي ، أية رغبة في وقوع ما يمكن أن يكون التفاتا قمعيا إلى حال المسؤولية ببلادنا .
إن المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء هو محطة سنوية يأتيها المغاربة من كل جهات البلاد ، وأيضا النخب المثقفة من أدباء وناشرين وصحفيين من خارج المغرب بدعوة من وزارة الثقافة أو على حسابهم الخاص.. لذلك فإنه يشكل صورة سنوية للمغرب المتعدد ، ليس ثقافيا فحسب ، وإنما ما وصل إليه اجتماعيا وسياسيا .
ولعل وزارة الثقافة ، سابقا وفي عهد وزراء، بعضهم لا علاقة لهم بالتدبير السياسي للثقافة ،أدركوا أهمية هذه المحطة جيدا ، فكانوا يؤثثون فضاء المعرض بأروقة لجمعيات ومنظمات ومؤسسات تعرض أنشطتها غير التجارية وتعكس التعدد وهامش الحرية وتنوع الأفكار ، لأن فلسفة معرض الكتاب ليست فقط في تهيئ مكان أو "سوق" لتُجار الكتاب ، بل صورة المغرب في تحولاته ، وفي سيرورة الفكر بمختلف تجلياته .
سياق هذا الكلام ، الخطورة التي تهدد بها وزارة الثقافة ، منذ السنة الماضية ، هذا المكسب من خلال ضرب مَنح بعض المؤسسات رواقا من مترين × مترين لمدة أسبوع واحد .. فقد توصلت هذه الأيام المنظمة النقابية الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ، برسالة من وزارة الثقافة تقول بأنه لا مكان لها بالمعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته 21 خلال الفترة ما بين 12و 22 يبراير 2015 ، وإن هي أرادت رواقا فما عليها إلا الأداء على غرار التّجار .
وقد تعودت السي دي تي ، التي تصدر منشورات في الفكر الاجتماعي والنقابي كل سنة ، أن تستفيد من رواق مثل باقي جمعيات المجتمع المدني ، وكان ذلك في ظروف أصعب من هذه، ومع وزراء لا تربطهم والطبقة العاملة أية رابطة. إن السي دي تي التي يُعد منخرطوها المباشرون بالملايين في كل شبر من المغرب مؤهلون بما يكفي للدفاع عن مكتسباتهم المشروعة ، كما دافعوا عن التغيير والديمقراطية ودولة المؤسسات الحقيقية ، ورسموا أبلغ صور النضال ، اعتقالا واستشهادا . إن هذا الرصيد النضالي – وأنا هنا لا أعطي دروسا لأحد- غيّر وطبع مسار التاريخ الاجتماعي والسياسي بالمغرب. إنها منظمة نقابية لم تأت بأمر فوقي، وإنما بفعل الشرط التاريخي ومن التحام النضال اليومي الشرس، المؤسس على فلسفة تستمد أسسها من الفكر الثوري للمغاربة ومن إرث القيم الإنسانية الكبرى.
لا أقول أن من حق الطبقة العاملة ، في تمثيليتها الواسعة، أن تكون حاضرة في محطة معرض الكتاب في دورته القادمة ، بل أيضا الدستور المغربي يمنحها هذا الحق في التأطير و توعية المجتمع بكافة الأساليب والأشكال ، ومن بينها النشر و العرض.
وأعتقد أن أسلوب خلخلة صورة المغرب المتعدد والمتجدد والعودة إلى سياسة إقصاء الجمعيات والمنظمات من الحضور في تظاهرة باسم المغرب والمغاربة ، يدخل في إطار "الحساب الصغير" الذي يضيع بسببه " الحساب الكبير " ، من وزير محسوب على اليسار وعلى أسرة اشتهرت بالعلم والفهم ، سيحول معرض الكتاب ، هذه السنة إلى نسخة أشبة بملعب الرباط .. وهو أمر لا نتمناه .