شنهور

قال تعالى:(ولا تجعل يدَكَ مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعدَ ملومًا محسورا)

كان الخليفة المهدي بن المنصور العباسي محببا للخاص والعام من الناس، لأنه ابتدأ خلافته برد المظالم.. فكان يرفع الظلم عن المظلومين ويبسط يده بالعطاء لكل محتاج من رعيته.. حتى إنه أنفق كل ما خلفه له والده المنصور وهو 600 ألف ألف درهم و 14 ألف ألف دينار ..
ذلك علاوة على ما جمعه هو في أيام خلافته.. فلما فرغت بيوت المال أتى أبو حارثة النهري وهو خازن بيوت أمواله إلى مجلسه ثم وقف وألقى بالمفاتيح بين يدي المهدي وقال غاضبًا: ما معنى مفاتيح لبيوت فارغة؟!!!!فنظر إليه الخليفة نظرة الحكيم المتأني ثم أمر مجموعة من رجاله بالذهاب إلى ولاة الأمصار وحثهم على إرسال أموال الجباية ، أو إرسال ما اجتمع عندهم من
أموال مستحقة لخزينة الخليفة.. وبعد أيام قلائل وردت الأموال تباعًا إلى بيت المال ، فتشاغل أبو حارثة النهري بقبضها وتصحيحها عن مجلس الخليفة ثلاثة أيام.. لأنه أخذ يحصر ويسجل ويفرز الصحيح من الزائف أو الناقص الوزن .. فأرسل الخليفة المهدي بطلبه..
فلما دخل عليه سأله: ما أَخَّرك؟ فقال أبو حارثة: شُغِلْتُ بتصحيح الأموال.. فقال له المهدي: أنت أعرابيٌّ أحمق،!!! كنت تظن أن الأموال لا تأتينا إذا احتجنا إليها؟ فقال أبو حارثة: إن الحادثة إذا حدثت لن تنتظرك حتى توجه رجالك ليستخرجوا الأموال ويحملوها إليك.. وبعد أن سكت المهدي قليلا قال للخازن: يا أعرابي في هذه صدقت، يجب عند الحادثات أن تجد رصيدا.. أي لا بد أن يكون في بيت المال مال رصيد يستعان به عند الحادثات فلا نفرغه عن آخره كما كان... ..
قال أبو حارثة: نعم يا أمير المؤمنين.. فقال له الخليفة: هذه من صميم عملك يا أبا حارثة، فلا يصح أن تسكت حتى يفرغ ما عندك.. اذهب وافعل..
فقام أحد الحاضرين قائلًا يمدح المهدي:
وللمَهْدِيِّ أشباهٌ فمنها***، القمر الزاهر والربيع الباكر
والأسدُ الخادر ، والبحرُ الزاخر
ثم أخذ يشرح للحضور معنى ما قال:فأما القمر الزاهر فأشبه منه حسنه وبهاه.. وأما الربيع الباكر فأشبه منه طيبه وهواه.. وأما الأسد الخادر فأشبه منه غُرَّتُه ومُضاه.. وأما البحر الزاخر فأشبه منه جوده وَسَخاه.. وهكذا الناس كما قال الشاعر:
رأيتُ الناسَ قد مالوا،** إلى مَن عنده مالُ
ومَن لا عنده مالُ،** فعنه الناسُ قد مالوا