في مدح سيد الخلق
فيروزجُ الصبـحِ أمْ ياقوتـةُ الشفـقِ : بدَتْ فهَيّجَتِ الوَرقـاءَ فـي الـوَرَقِ
أمْ صارِمُ الشّرقِ لمّـا لاحَ مُختَضِبـاً : كما بَدا السّيفُ مُحمَـراً مـن العلَـقِ
و مالتِ القضبُ إذْ مـرّ النسيـمُ بهـا : سَكرَى كما نُبّهَ الوَسنـانُ مـن أرَقِ
و السحُّبُ تَبكي و ثَغـرُ البَـرّ مُبتَسِـمٌ : و الطّيرُ تَسجَعُ من تيهٍ و مـن شَبَـقِ
فالطّيرُ في طرَبٍ و السُّحبُ في حَـربٍ : و الماءُ في هربٍ و الغصنُ في قلـقِ
و عـارضُ الأرضِ بالأنـوارِ مكتمـلٌ : قد ظلّ يشكرُ صوبَ العـارِضِ الغـدِقِ
و كلّلَ الطلُّ أوراقَ الغصـونِ ضُحًـى : كمـا تكلـل خـدُّ الخـودِ بالـعـرقِ
و أطلَقَ الطّيـرُ فيهـا سَجْـعَ مَنطِقـه : مـا بَيـنَ مُختَلِـفٍ منـهُ و مُتّـفِـقِ
و الظلُّ يسرقُ بيـنَ الـدوحِ خطوتَـه : و للمِيـاهِ دَبِيـبٌ غَـيـرُ مُسـتَـرَقِ
و قـد بـدا الـوردُ مفتـراً مباسمُـهُ : و النرجِسُ الغضُّ فيها شاخصُ الحدقِ
من أحمرٍ ساطـعٍ،أو أخضـرٍ نضـرٍ : أو أصفـرٍ فاقـعٍ أو أبيـضٍ يقـقِ
و فـاحَ مـن أرجِ الأزهـارِ منتشـراً : نشـرٌ تعطـرَ منـهُ كـلُّ منتـشـقِ
كـأنّ ذكـرَ رسـولِ اللهِ مـرّ بهـا : فأكسبتْ أرجـاً مـن نشـرهِ العبـقِ
مَحمّدُ المُصطفَى الهادي الذي اعتصَمَتْ : بهِ الورَى فهداها أوضـحَ الطـرُقِ
و مـن لـهُ أخـذَ الله العهـودَ علـى : كـلّ النّبييّـنَ مـن بـادٍ و مُلتَـحِـقِ
و مَن رَقى في الطِّباقِ السّبعِ مَنزِلَـة ً : ما كانَ قـطّ إليهـا قبـلَ ذاكَ رَقـي
و مَـن دَنـا فتَدَلّـى نَحـوَ خالِـقِـهِ : كقابِ قَوسَينِ أو أدنَـى إلـى العُنُـقِ
و مَن يُقَصِّـرُ مـدحُ المادِحيـنَ لَـهُ : عَجزاً و يَخرَسُ رَبُّ المَنطِـقِ الذَّلـقِ
و يُعـوِزُ الفِكـرُ فيـهِ إنْ أُريـدَ لَـهُ : وصفٌ و يفضلُ مـرآهُ عـن الحـدقِ
يا خاتمَ الرسلِ بعثـاً أنت أولُهـا : فضلاً و فائزُهـا بالسبـقِ و السبـقِ
جمعتَ كـلّ نفيـسٍ مـن فضائلهـمْ : مِـن كـلّ مُجتَمِـعٍ منهـا و مُفتـرِقِ
و جاءَ في محكمِ التوارة ِ ذكـرُك والــــإنجيلِ و الصّحُفِ الأولى علـى نَسَـقِ
و خصكَ اللهُ بالفضـلِ الـذي شهـدتْ : به لعمرُكَ في الفرقانِ مـن طـرقِ
فالخلقُ تقسـمُ باسـمِ اللهِ مخلصـة ً : و باسمِكَ أقسمَ ربُّ العـرشِ للصـدقِ
عَمّتْ أياديـكَ كـلَّ الكائنـاتِ و قـد : خُـصّ الأنـامُ بجُـودٍ منـكَ مُندَفِـقِ
جـودٌ تفلـتَ أرزاقَ العـبـادِ بــه : فنابَ فيهمْ منـابَ العـارضِ الغـدِقِ
لو أنّ آدَمَ في خِـدرٍ خُصِصَـتَ بـهِ : لكانَ من شرّ إبليـسَ اللّعيـنِ وُقـي
أو أنّ عزمكَ في نـارِ الخليـلِ و قـد : مستّهُ لم يَنجُ منهـا غيـرَ مُحتـرِقِ
لو أنّ بأسكَ في موسَى الكليـمِ و قـد :نوجي لما خرّ يومَ الطـورِ منصعـقِ
لوْ أنّ تبعَ فـي محـلِ البـلادِ دَعـا : للهِ باسمكَ و استسقى الحيـا لسُقـي
لو آمنَتْ بكَ كـلُّ النّـاسِ مُخلِصـة ً : لم يُخشَ في البعثِ من بخسٍ و لا رَهَقِ
لـو أنّ عبـداً أطـاعَ اللهَ ثـمّ أتَـى : ببُغضِكُمْ كانَ عندَ اللَّـهِ غَيـرِ تَقـي
لو خالفتكَ كمـاة ُ الجـنّ عاصيـة ً : أركَبَتهم طَبقاً في الأرض عـن طَبَـقِ
لو تودعُ البيضُ عزماً تستضيءُ بـه : لم يُغنِ منها صِلابُ البيـضِ و الـدَّرَقِ
لو تَجعَلُ النّقعَ يومَ الحـربِ متّصِـلاً : بالليلِ مـا كشفتـهُ غـرة ُ الفلـقِ
مَهّدَتَ أقطـارَ أرضِ اللَّـهِ مُنفَتحـاً : بالبيضِ و السُّمرِ منها كـلُّ مُنغلِـقِ
فالحربُ في لذذٍ و الشركُ في عـوذٍ : و الدينُ في نشزٍ و الكفـرُ فـي نفـقِ
فضلٌ بهِ زينـة ُ الدنيـا فكـانَ لهـا : كالتاجِ للـرأسِ أو كالطـوقِ للعنـقِ
و آلكَ الغـررِ اللاتـي بهـا عرفـتْ : سبلُ الرشادِ فكانتْ مهتـدى الغـرقِ
و صحبكَ النُّجبِ الصِّيد الذيـنَ جـرَوا : إلى المناقـبِ مـن تـالٍ و مستبـقِ
قومٌ متى أضمرتْ نفسٌ امرىء ٍ طرفاً : من بُغضِهم كانَ من بعد النّعيمِ شَقـي
ماذا نقولُ إذا رُمنـا المَديـحَ و قَـد : شَرّفْتنـا بمَـديـحٍ مـنـكَ مُتّـفِـقِ
إذ قلتَ في الشّعرِ حكمٌ و البَيانُ بـهِ : سحرٌ فرغبتَ فيـهِ كـلّ ذي فـرقِ
فكنـتَ بالمـدحِ و الإنعـامِ مبتـدئـاً : فلو أرَدنا جزاءَ البَعـضِ لـم نُطِـقِ
فـلا أخـلُّ بعـذرٍ عـن مديحـكـمُ : ما دامَ فكريَ لـم يرتـج و لـم يعـقِ
فسوفَ أصفيكَ محض المدحِ مجتهـداً : فالخلقُ تفنى و هذا إن فنيـتُ بقـي
" شعر : صفي الدين الحلي "