بوحٌ بخصوص ديوان " بوحُ الروح "
لم تعط لي الفرصة السانحة لإبداء دراسة ولو في سطور قليلة، حول دويوني الشعري الأول " بوحُ الروح " إبان حفل تقديمة و توقيعة، وقد جاءت دراسة الأستاذ محمد خالص في الديوان؛ دراسةً جمالية تذويقية بعنوان : " هندسة الروح و مقامات البوح "، كانت دراسة يميزها الطابع الفلسفي عبر الإستفهامات التي عودنا عليها المفكر محمد خالص، دراسةً تبحث في دواخل القصائد و تترجم إيقاعاتها الموسيقية إلى أسئلة فأفكار ثم مواضيعَ للدراسة، باستيحاء من طبيعة الواقع المعاش. فدراسة الأستاذ في عمقها مزجت بين مناهج عديدة؛ بين ما هو فلسفي فكري و ما هو افتراضي دراسي بحكم طبيعةِ تجربةٍ معينة للشاعر ، تجلت في سبعة قصائد، فكان ديوان " بوحُ الروح " للشاعر الواعد معاد وشطين هو ثمرة هذه التجربة.
سأحاول في السطور الآتية أن ألملم بضعة أفكار حول الإشكالات المحورية التي تراود قارئ الدويون، و التي بتوفرها تُمنح له صورة واضحة حول ما كنتُ أتغياه من تحديد سبعة قصائد في الديوان.
طُرحتْ استفهامات عديدة من قبل قراء الدويون، منها :
لماذا حدد معاد سبعة قصائد فقط في ديوانه، رغم تعدد قصائده ؟
لماذا أقصى معاد وشطين الشعر الوطني في هذا الدويون حيث أنه تألق في هذا الغرض ؟ معاد و الشعر التقليدي، أية علاقة ؟ ما غايته من المزج بين زمنين؛ ( الشكل و اللغة التقليديين ) زمن الشعر القديم و ( المضمون ) زمن الشعر المعاصر ؟ هل كان معاد يقصد هذا المزج ؟ أم أنه عاينه صدفة في قصائده ؟
...
محاولا الإجابة عن كل هاته الأسئلة و غيرها، و توضيحا لما جاء في الدويون و عن فكرة تأليفه بهذا الشكل، أقدمُ اعترافات بشأن هذا الدويون بعنوان :
بوحٌ بخصوص ديوان " بوحُ الروح "
دويون " بوحُ الروح " هو تجربة حب في عالم الخيال، سيرورتها، تحولاتها ونهايتها، هي القصائد السبعة في الدويون، أو في العمق هي طريقة ترتيب القصائد، حيث تاهَ الشاعر المبتدئ صاحب القصائد السبعة في ملهى الخيال، متنقلا بين فقاعات الاحلام الوردية، فانتابهُ ذلك الإحساس الواضح- الغامض " الحب "؛ إحساسٌ يشتهي البوح، فكانت قصيدة ( لسعة الحب ) هي التجلي لما عايشه في المرحلة الاولى من هاته التجربة في عالم الخيال.
بعد ذلك بدأتْ تعاليم من كان هذا الإحساس ناتجًا عنها و نِتاجا لها، هي ( الشقراءُ ) ذاتُ العينين العسليتين إلى من آدعى أن أعيُنَ الشقراءِ تكون فقط زرقاء، و في عالم الخيال كانت نتيجة هذه المرحلة هي قصيدة ( شقراء ) .
أما بالنسبة لقصيدة ( بوحُ الروح ) فقد كانت نتاجا للمرحلتين السابقتين، فبعد الإصابة بالحب و ظهور أعراضه و مسببتِه ، لم تَجدْ روحُ الشاعر – العاشق – سوى أن تبوحَ و أن تعترف بما يخالجها من مشاعر و أحاسيس.
ولكن من بعد هذا البوح بدأ الحب يأخذ - دوما في أحشاء الخيال - منحى سلبيا لمعرفة الشاعر أنّ كلما عاينَه خلال المراحل الثلاثة الفارطة ما كان إلا نفاقا و حبا ملفقا و أن كل ما كان يدعيه لا أساس له من الصحّ فكانت قصيدة ( حب ملفق ) هي التجلي الواضح لما سبق.
من بعد هذا يدخل صاحب القصائد في المرحلة الخامسة، مرحلة المعاناة بانقلاب كل ما عايشه منذ البداية إلى ألم و عذاب، فكان السبيل لترجمة هذه المرحلة هي قصيدة ( تعويذة المآسي ).
و في مرحلة سادسة من هاته التجربة الغرامية الخيالية يتحول الشعر الذي كان وسيلة يعبر بها الشاعر المبتدئ عن تجربته منذ خمسة مراحل، من وسيلة للتغزل فالوصف ثم البوح... إلى مصدر للعذاب و الأسى ثم تغدو كتابته حرقة و نظمه آستنجادا و إلقائه آهات ورغبة في الموت.
هنا، يتحول الشعر الذي آستحسن الحب و تغزل بالشقراء و آستمتع بالبوح و تألم من جراء كون الحب ملفقا فاكتوى بانفجار حمم المآسي العقيمة ليصبح في مرحلته السادسة قاتلا عبر قصيدة ( يا قاتلي ).
بعد ستة مراحل عاينها خيالا طالب الشعر معاد وشطين في الكل الخالي من الحقيقة، تتحول نظرته للحياة بعد ما عاناه إلى نظرة متمعن في حركة و صيرورة الحياة، من نظرة عاشق طغى عليه قلبه و عواطفه في المراحل الثلاثة الأولى دون أن يبلغ غايته، فزاوج بين القلب و العقل في المرحلة الرابعة، الخامسة و السادسة. ولم تُجدِ محاولاته نفعا في خلق توازن بينهما؛ بين عذاباته و أفراحه، بين تطلعاته و ما يعايشه. فتغيرت نظرة معاد للحياة عبر قصيدة فلسفية هي ( عيونُ الزمان ) في مرحلته السابعة و الأخيره من تجربته هاته. فكل قصيدة تجسد مرحلة من مراحل الحب ، البوح فالعذاب... التي تترجمها قصيدة من قصائد البوح السبعة و لهذا سمي الديوان بـــ " بوحُ الروح " فالمراحل أو التجارب السبع إنما هي اعترافات لما رأته هاته الروح – روح معاد – في مسبح الخيال.
هكذا يصبح دويون " بوحُ الروح " للمبتدئ معاد وشطين ديوانا رمزيا شيئا ما، ديوانا حمل في طياته رسالة البوح مرفقة بهذه التجربة التي لم ينفذ إليها الكثير من القراء... تجربة شاعر مبتدئ في عوالم الخيال. فكان هذا الديوان هو ثمرة هاته التجربة و لذلك اخترتُ أن تكون فيه هذه القصائد السبع بالضبط لما يوضح تلك التجربة و لما يجعلها كما عاينها صديقكم معاد؛ تجربة مكتملة من جميع الجوانب، و لأشارككم إياها.
أما بالنسبة لإشكالية المزج بين زمنين متباينين في الديوان و التي وقف عليها اول دارس في الديوان؛ الأستاذ و الكاتب محمد خالص بمعية الأستاذين و الشاعرين أحمد الرجواني و نجيب طبطاب، و قد أشاروا إليها في حفل التقديم و التوقيع؛ زمن الشعر القديم ( من الناحية الشكلية و الدلالية و الفنية ) و زمن الشعر الحديث ( من حيث المضمون ). أقول :
لقد كان لي في الشعر القديم النموذجَ المثالي للنظم من حيث التقيّد على مستوى أغلب البنيات سواء : الموسيقية، اللغوية، الفنية و الشكلية. فنهجتُ هذا الأسلوبَ محاولا اتباع سبل شعراء الإحياء و المدرسة الكلاسيكية لتخليد النموذج، إلا أنني حاولتُ أن أجدّدَ في الجانب الموضوعاتي؛ فعوض أن أبدأ قصائدي بالبكاء على الأطلال و أن أصف رحلتي صوب المعشوقة، فالتغزل ثم ان أنهيها بالحكمة... آخترتُ أن أجددَ بالنسبة للمواضيع و ألا اتقيد بها، بل مازجا بين جماية الشعر القديم شكلا و موسيقى و صورا و بين حداثة و آنتفتاح مواضيع الشعر الحديث أفكارا و رسائلا. إلا أنه تبقى آراء الشعراء، الأساتذة ، الكتاب و النقاد هي الحاسمة في تقييم مدى نجاحي في تحقيق هاته المحاولة أو لا.