غزة فى المقام الأول التى تتوق إلى وقف لإطلاق النار ووقف جرائم الحرب الوحشية التى يرتكبها العدو الصهيونى فى حقها ، فغزة اليوم مصممة على انتزاع حقوقها " الإنسانية " التى حرمت منها على مدار سنوات مضت بعد أن تحول القطاع إلى سجن كبير تأديباً له على اعتماده خيار المقاومة كخيار استراتيجى فى مواجهة عدو متغطرس وحلفائه من الجيران " الكبار " الذى كان يفترض فيهم النصرة والموالاة ولكنهم خيبوا الظنون واصطفوا مع " العدو " على خط المواجهة غير الأخلاقية . غزة اختارت طريقها ومضت فيه من زمن طويل بدأته بحجارة صغيرة ويومها قال الصهاينة العرب ما فائدة الأحجار فى مواجهة الدبابات ، ولكن والحق يقال لم يكونوا بنفس الفجر والعهر الذى هم فيه الآن . ومرت السنوات وإذ بالطفل الذى كان يحمل الحجارة يكبر وتكبر معه أحلامه فيطور أحجاره إلى صواريخ بدائية نالها ما نال الأحجار من السخرية والاستهزاء حتى أن أحد مشايخ الفضائيات – منذ سنوات – قال مستهزئاً وساخراً : " بمب يا حماس ميخرمش حيطة " ، وما لبثت الصواريخ البدائية أن تطورت شيئاً فشيئاً حتى رأيناها اليوم توجع العدو وتسقطه من برجه العاجى . كما أن غزة اليوم تعزف ملحمة صمود لم نرها منذ سنوات طويلة فالتماهى بين شعب غزة والمقاومة تراه فى عيون الغزاويين وتصريحاتهم فالجميع مقاومة وشعباً حسم أمره وقراره وأنه لاتنازل عن نيل الحرية ورفع الحصار وضمان العيش الكريم لشعب غزة . لهذا فغزة اليوم ليست هى التواقة لوقف إطلاق النار فى المقام الأول ولكنها جهات أخرى فى مقدمتها الأنظمة العربية التى راهنت على سحق حماس والمقاومة فى غضون أسبوع على الأكثر وأعطت الضوء الأخضر للعدو الصهيونى لشن حملته ناهيك عن الدعم اللوجستى والمعلوماتى السخى الذى حصل عليه إضافة إلى الدعم الإعلامى الذى هبط إلى الحضيض ولم تعد تشعر بكبير فرق بين إعلامى القنوات المصرية وإعلامى الدولة العبرية حتى أصبحت برامج التوك شو المصرية مادة ثرية للقنوات الصهيونية. النظام العربى اليوم يقف عارياً حتى ورقة التوت التى كانت تستر عورته فيما سبق سقطت عنه ، بعد أن أيقن الجميع أن العدو ما تجرأ على الإقدام على هذه المجازر إلا بعد أن حصل على الضوء الأخضر من الأنظمة العربية ولم يعد الكلام يدور فى السر والخفاء بل انتقل إلى مجال العلانية ، كما أن أزمة النظام العربى تتعمق يوميا بفعل الصمود الأسطورى للمقاومة الفلسطينية التى راهنت عواصم التآمر العربية على سحقها بعد أيام قليلة من بدء العدوان ، مما يضطرها إلى الهرولة جاثية على ركبتيها طلبا للعون والمساعدة مما يهيىء الأجواء لنزع سلاحها وإنهاء تواجدها وسيطرتها على قطاع غزة خاصة حركة حماس " الإخوانية " . ولكن الذى حدث فاق توقعات الأصدقاء والأعداء على حد سواء فقد فاجأت المقاومة العالم بأداء عسكرى متطور ، وتطوير هائل لقدراتها التسليحية والمخابراتية على حد سواء والتى مكنتها من اختيار أهدافها داخل العمق الصهيونى بعناية فائقة ، كما أثبتت المقاومة قدرة هائلة على القتال مما جعل من تقدم قوات العدو الصهيونى بضع أمتار داخل غزة انتحاراً وكابوسا مفزعاً . ليست غزة هى التواقة اليوم لوقف إطلاق النار بقدر ما يمثل حاجة ملحة للمجتمعات العربية التى أصيبت بحالة من الترهل والتفسخ غير مسبوقة ولولا بقية من أصحاب الضمائر الحية لخرجت هذه المجتمعات من السياق نهائياً ، فقد كشفت حرب غزة عن استشراء سرطان " النفاق " العقدى فى مجتمعاتنا " المسلمة " لذا كانت الصدمة بالغة عندما قرأنا وسمعنا أصواتاً تتبجح بطلب النصرة للكيان الصهيونى وسحق الفلسطينيين ، ولأول مرة فى تاريخ الإعلام المصرى نرى من يرفع حذاءه لشعب غزة ويصفهم بأنهم ليسوا رجالاً ، وللأسف فقد تغلغل ذلك السرطان فى مجتمعاتنا حتى وصل إلى المواطن البسيط لذا فمثل هذه المجتمعات باتت فى أمس الحاجة لوقف القتال عساها تعود إلى رشدها وتتخلص من أمراضهاوتسترد عافيتها . غزة اليوم ليست مجرد معركة بل هى مرحلة فاصلة وفاضحة ستتمخض عن معسكرين الأول المتماهى مع المقاومة والمنسجم مع ثوابت أمته العقدية والمتصالح مع تاريخه وتراثه ، أما الثانى فهو المتمرد على ثوابت أمته ، الرافض لتاريخه وعقيدته ، الذى رضى لنفسه اليوم أن يتخندق فى صف الصهاينة المعتدين . شكراً غزة فقد كشفت الجميع .
تقييم:
0
0
مشاركة:
التعليق على الموضوع
لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===
في موقع خبار بلادي نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين خدماتنا. وبالضغط على OK، فإنك توافق على ذلك، ولمزيد من المعلومات، يُرجى الاطلاع على سياسة الخصوصية.