شنهور

بين يدي رمضان

الشيخ الطبيب محمد غسان جزائري

الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول ،لا إله إلا هو ،إليه المصير. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد البشير النذير وعلى آله وصحبه وتابعيه إلى يوم الدين.

أيها المؤمنون: اتقوا الله رب العالمين، واعلموا أن كل ما سوى طاعة الله وهمٌ وسرابٌ وهباء. وأن العمر قصير لا يحتمل التقصير ، فاستعدوا ليومٍ تعرضون فيه على الله لا تخفى منكم خافية.

إن من كلام الله تعالى قوله : ( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28))النساء. وقال أيضاً: (الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)) العنكبوت.

يؤسفني أن أفتتح خطبة اليوم بخبرٍ سيء ، ونبأ مزعج ، وحقيقةٍ مرة.بين يدي رمضان

بعد بضعة أيام أنتم جميعاً ستخضعون لاختبار قاسٍ ولفتنةٍ شديدة ، يتميز فيها الخبيث من الطيب ، وضعيف الإيمان من قويه، وعابد الشهوات من عابد الرحمن .

بعد بضعة أيام ستتكشف حقيقة الإيمان في قلوب الناس، سيحل رمضان ضيفاً كريماً في ربوعنا ، وسوف تصفد الشياطين ، وتُحجَب وساوسها عن الناس ، وما من تقصير وغفلة ومعصية تتبدى من مؤمن في الأيام المقبلة إلا لضعفه وعجزه ورقة إيمانه.

بعد بضعة أيام سيتوافد الناس زُرافاتٍ ووحداناً إلى المساجد ، وما هي إلا أيام ويبدأ التساقط على طريق رمضان ، سيبدأ التساقط من صلاة الفجر ، وسيبدأ التساقط من صلاة التراويح ، وسيبدأ التساقط من معالي الأخلاق ، وسيبدأ التساقط من الإرادة القوية إلى وحول الشهوات و النزوات .

هل ستصمد ؟ هل سنراك حتى آخر فجر في رمضان؟ هل سنراك حتى آخر ليلة في رمضان؟ هل سنراك بعد رمضان؟ هل سيكون رمضان نقطة تحول في حياتك ؟

ها هو رمضان قد عاد فاغتنمه فلعلك لا تعود إليه.

كم كنت تعرف ممن صام في سلف من بين أهل وجيران وإخوان

أفناهم الموت واستبقاك بعدهم حياً فما أقرب القاصي من الداني

قال يحيى بن أبي كثير: كان من دعاء السلف: اللهم سلِّمني إلى رمضان، وسلِّم لي رمضان، وتسلَّمه مني متقبلاً .

-و يعلم الناس ما في رمضان لتمنوا أن تكون السنة كلها رمضان.

هل تعلمون فضائل هذا الشهر؟ عدوا على أصابعكم:

1-موسم لمغفرة الذنوب: في أجزائه مفاصل كثيرة للعفو والتوبة، وكله من مبدئه إلى منتهاه يحمل المغفرة لمن رعاه .

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر ) رواه مسلم. ويقول صلى الله عليه وسلم: ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) رواه السبعة.

إيماناً :أي أن صومنا ليس عادة وليس تقليداً إنما هو استجابة لأمر الله وطاعة له. واحتساباً : أي أننا لا نصوم طلباً لثناء الناس علينا، ولا ابتغاء مدحهم لنا ، ولا نصوم طلباً لصحة جسم؛ وعافية بدن ؛ ورشاقة قوام ،إنما نصوم فقط نطلب الأجر من الله عند الله سبحانه وتعالى.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ).

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ). أخرجه البخاري ومسلم.

ما أرحمك يا مولانا! ما أشد رأفتك بنا يا خالقنا! ما أعطفك علينا يا إلهنا! كل هذه الأبواب تفتحها لتغفر لنا .

2– فيه ليلة هي خير من ألف شهر ،إنها ليلة القدر , ( وما أدراك ما ليلة القدر ،ليلة القدر خير من ألف شهر ).

3- لا يعلم ثواب الصوم إلا الله ، جاء في الحديث القدسي : ( كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف, قال الله عز وجل : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ،يدع شهوته وطعامه من أجلي). رواه مسلم .

4- سبب للنجاة من النار: ( من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاَ) متفق عليه

5- رائحة فم الصائم لها مكانة عليا عند رب العزة لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) رواه مسلم.

6- يمتاز الصائم بفرحه ،( للصائم فرحتان ؛ فرحة عند فطره ؛وفرحة عند لقاء ربه). رواه مسلم

7 - إذا كان أول ليلة من رمضان صفِّدت الشيطان ومردة الجن .

8 - وغلِّقت أبواب النار فلم يفتح منها باب .

9 - وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب.

10 - وينادي منادٍ يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.

11- ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة. رواه الترمذي .

12 - لما للصوم من مكانة فإن الله عز وجل يخصص للصائمين يوم القيامة باباً خاصاً يدخلون منه إلى الجنة لا يدخل معهم من الناس أحد. (إن في الجنة بابًا يقال له الريان فإذا كان يوم القيامة قيل أين الصائمون فإذا دخلوا أغلق عليهم فيشربون منه فمن شرب منه لم يظمأ أبدًا) متفق عليه

13- يشفع الصيام لصاحبه يوم القيامة : ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ,يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه) رواه أحمد .

14- من فضل الصيام أن الله يستجيب دعاء الصائمين : (ثلاث دعوات مستجابات : دعوة الصائم و دعوة المظلوم و دعوة المسافر) . البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة .

- لمن كل هذا ؟ لكل صائم ؟ لا ...........

بل هو لنوع خاص من الصائمين, إذ ليس كل الصائمين صائمين حقاً , وليس كل المصلين مصلين حقاً.

من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له . ورب تال للقرآن والقرآن يلعنه . ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش . ومن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.

من هم المرشحون لنيل ذاك الثواب العظيم؟من هم الذين سيفوزون بتلك الدرجات العلا ؟لمن تلك الفضائل ؟ لمؤمن أو مؤمنة : ملكا زمام أمرهما؛ صلبت إرادتهما ؛ لم تستذلهما الشهوات.

ما استطاع فراش وثير أن يمنعهما من صلاة فجر مع الجماعة.

وما استطاعت شاشة أن تحجزهما عن قيام ليل في المسجد.

وما لانا أمام أغنية مصورة تستثير الغرائز والمشاعر.

وما استطاع أحد أن يستفزهما من الفجر حتى المغرب فيتكلما بكلمة نابية.

ومهما حاول الآخرون فتنتهما عن حلمهما وعن أخلاقهما الرفيعة لا يستطيعون إلى ذلك سبيلاً.

ذلك الأجر العظيم لمن ملك سمعه وصان بصره وحفظ لسانه وضبط شهوته عما لا يرضي الله عز وجل.

ذلك الأجر العظيم كله لصائم عقد العزم في رمضان على أن يجدد صلته بالله، ويصحح علاقته مع الله.

ذلك الأجر العظيم كله لصائم جعل من رمضان موسما يتعلم فيه نهي نفسه عن الهوى ، والاستعلاء على الشهوات والنزوات ، واتقاء المعاصي والمنكرات .

ذلك الأجر العظيم كله لصائم تحامل على نفسه و صابرها على تلاوة القرآن ؛ وقيام الليل؛ وكريم الأخلاق .

مر الحسن البصري على قوم يضحكون في رمضان فوقف عليهم وقال: إن الله تعالى قد جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه بطاعته، فسبق أقوامٌ ففازوا،وتخلف أقوام فخابوا. فالعجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه المسارعون وخاب فيه البطالون .

<!-برنامج رمضان ...

أيها المؤمنون : المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه ، تعالوا لنتساعد معاً في هذا الشهر المبارك، ولنأخذ بيد بعضنا بعضاً ، لعلنا نفوز بجميع خيرات هذا الشهر العظيم .

لدينا برنامج لرمضان ، وأنتم مدعوون جميعاً للعمل به وتطبيقه وتنفيذه رجالاً ونساء ، شباباً وفتيات.

أولاً- النوم الباكر: أطلب منك أن تلغي كل اللقاءات والاجتماعات والزيارات بعد الحادية عشرة ليلاً ، المطلوب منك نوم باكر ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.

أ- عن أبي برزة قال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن النوم قبلها والحديث بعدها ـ يعني عشاء الآخرة ـ رواه ابن حبان

ب- كان عمر بن الخطاب يضرب الناس على الحديث بعد العشاء ويقول: أسمرٌ أولَ الليل ونوم آخره؟! مصنف ابن أبي شيبة.

ثانياً –تأخير السحور.

أ‌- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال:(تَسَحَّرُوا، فإِنَّ فِي السَّحُورِ بركة ).متفق عليه

ب‌-عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - : أَنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال : ( فَصْلُ ما بين صيامِنا وصيامِ أهل الكتاب : أكلَةُ السَّحَرِ ).رواه مسلم

ت‌- عن زيد بن ثابت رضي الله عنه : قال : ( تَسحرنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قمنا إِلى الصَّلاةِ ، قال أنس بن مالك : قلتُ : كم كان قَدْرُ ما بينَهما ؟ قال : قَدْرُ خمسين آية ).متفق عليه .

أذان الإمساك الآن في الرابعة ؛ قم إلى السحور قبل ذلك بربع ساعة .

ثالثاً: صلاة التهجد .

بعد السحور أنت على موعد مع الله تعالى ، أبواب السماء مفتحة ، ولعلك في غير رمضان لا تدرك مثل هذه اللحظات .

قال تعالى:( كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18))الذاريات.

قال تعالى: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17))آل عمران .

صل ركعتين تهجداً وابسط يديك إلى الله ، تب إليه ، عد إليه، ابك على ذنوبك ، ابك خوفاً من النار ، ابك شوقاً للجنة، ابك على تقصيرك ، اسأل الله العفو والعافية وحسن الختام. أخرج البخاري ومسلم عن أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يدعوني فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يسألني فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يستغفرني فَأَغْفِرَ لَهُ ).

رابعاً : صلاة الفجر في جماعة .

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من صلى الفجر فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله بشيء من ذمته ).

وأخرج مسلم عن عثمان بن عفان قال سمعت رسول الله يقول: ( من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله)

خامساً – أداء عمرة يومياً ! في ساعة واحدة فقط ! كيف ذلك؟

أخرج الإمام الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ صَلَّى الفجر في جماعة، ثم قَعَدَ يذكرُ الله، حتى تطلُع الشمس،ثم صلى ركعتين ، كانت له كأجر حجة وعمرة، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ( تامة تامة تامة).

الفجر يؤذن تقريباً في الرابعة والنصف ، تقام الصلاة بعد ربع ساعة ، تستغرق الصلاة ما بين خمس إلى عشرة دقائق، يبقى لشروق الشمس وارتفاعها قدر رمح ساعة تقريباً، تجلس فيها تالياً لكتاب الله، تقرأ جزءاً وتنتظر بعد طلوع الشمس ربع ساعة ثم تصلي ركعتين فإذا بك قد فزت بثواب حجة وعمرة تامة، تامة، تامة.

سادساً- قيام الليل : صلاة قيام الليل هي صلاة التراويح . يقول قدوتنا صلى الله عليه وسلم : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) رواه الستة.

قال الشاعر :

رمضان أقبل قم بنا يا صاح هذا أوان تبتل وفلاح

الكون معطار بطيب قدومه روح وريحان ونفح أفاحي

صفو أتيح فخذ لنفسك قسطها فالصفو ليس على المدى بمتاح

فاغنم ثواب قيامه وصيامه تسعد بفوز دائم وفلاح