"اللهم بلغنا رمضان"
عودتنا الحياة أن نبتعد عمن نحب من دون أن نحب وأن نودع من نعشق من دون أن نقبل وأن ننتهى دوماً إلى أجل الفراق ونحن من كنا نظن أن بلوغنا ذلك الأجل لا يعنى سوى صعود أرواحنا للسماء، الفراق ذلك الوحش الكاسر الذى يمتلك قلباً فولاذياً كالحجارة، قلبٌ لا يشعر بلوعة المحبين ولا يرحم أنهار أدمعهم ولا يتراجع أو يهتز أمام نزيف قلوبهم ولا يستمع لأرواح تتوسل له بكل ما زال بها من حياة بأن فراقها عمن تحب لا يعنى لها سوى حياة الأموات.
من منا لم يفارق عزيزاً غالياً فى تلك الحياة الدنيا أياً ما كان هذا العزيز بشر، وطن، مكان، زمان، أوحتى أى شئ آخر؟ من منا لم يتمنى أن تعود به آلة الزمن إلى الوراء حتى يرى ولو لثوانٍ معدودة من أحب؟ هل أحدٌ لم يفارق؟ هل من أحدٍ لم يتذوق يوماً عذاب الفراق؟ هل استجابت آلة الزمن يوماً لأنين روح معذبة وعادت إلى الوراء؟ كيف يشعر من عاد له غالٍ فرقته عنه الأيام؟
أيها المسلمون فى كافة أنحاء البسيطة أبشروا فما هى إلا أيام قليلة وتعود لكم أيام ولا أروع، أيامٌ ليس كمثلها أيام أخر أُيامٌ كنتم قد فارقتموها منذ عام وها هى على مشارف العودة أيامٌ إحدى لياليها خيرٌ من 1000 شهر مما تعدون أيام شهر رمضان المعظم تلك الأيام التى أُنزل فيها أعظم ما أُنزل من كتب سماوية من عند الله ألا وهو القرآن الكريم والتى روى فى فضلها البخارى ومسلم فى صحيحيهما عن أشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا دخل رمضان فُتِّحت أبواب الجنة وغُلِّقت أبواب جهنم وسُلسلت الشياطين" أيها المسلمون فى كل مكان عليكم أن تعوا وأنتم تستعدون لاستقبال شهر رمضان المعظم أن حياتكم فى ذلك الشهر الكريم ليست كغيرها من الحياة التى تحيونها فى هذه الدنيا فهى حياة خاصة جداً ولا تختلف عن غيرها كما يعتقد البعض خطئاً فى المسمى الزمنى الخاص بها فقط بل هى أشمل وأبلغ من ذلك بكثير إنها حياة بكل ما تحمله تلك الكلمة من معانٍ إنها حياة روحية ينصهر ويتوحد فى آداء شعائرها الملايين من مختلف الطبقات والثقافات والأيدولوجيات والحضارات من جميع أنحاء العالم و فى نفس التوقيت، حياة أقرب إلى التصوف، إلى الزهد، إلى الورع، مناسك وعبادات كالصيام والتراويح والتهجد لا يتذوق حلاوتها سوى أتباع الإسلام الحنيف، إنها حياة خاصه، حياة عادلة، حياة لا تميز غنى عن فقير، قوى عن ضعيف ولا يعلو فيها شخص عن آخر، حياة يشعر خلالها المسلم بأنه نقى نافذٌ إلى سموات المولى العلا وأن نور المولى نافذٌ فيه يقّوّى إرادته ويعظم عزيمته ويجعله مالكاً لأمره متحكماً فى سلوكه عفى صافى الذهن صحيح الجسد محب تملؤه المحبة للعالم أجمع، حياة اجتماعية منضبطة ليس لها مثيل فالمسلم يرى الكثيرين من أشقائه غير المسلمين وقد أمسكوا عن الطعام والشراب فى وجوده محبة له واحتراماً لعقيدته يرى المساجد وقد امتلأت عن آخرها بالمصلين فى معظم الفروض، يرى الشباب الصائم وقد نزلوا ساعة الإفطار إلى الشوارع بالتمور والماء ليقدموهم للمارة وهم بذلك يؤثرون غيرهم على أنفسهم وهو أمرٌ نادر الحدوث ومخالفٌ للفطرة البشرية، يرى موائد الرحمن وقد فتحت أبوابها على مصراعيها للجميع ودون تفرقة، يرى الفوانيس، يستمع فى الإذاعات والفضائيات إلى الآذان وإلى ما تيسر من القرآن الكريم بصوت قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت وإلى ابتهالات النقشبندى، إنها حياة خاصة جداً ادعوا الله لى ولكم أن نبلغها جميعاً "اللهم بلغنا رمضان.. اللهم بلغنا رمضان".