إبليس لم يكن من الملائكة
_______ رأس الكفر إبليس لم يكن من الملائكة ________
إعلم أنّ من يُقْدِم على تفسير القرآن أو آية منه وهو ليس أهلا لذلك يُعرّض نفسه ويعرّض من يستمع إلى أخطائه بالتفسير لأشدّ المهالك.
وذلك لأنّ كلام الله غزير المعاني ويحتاج لعلماء تتوفر فيهم شروط معيّنة كي يفسروا ما أمر اللهُ أن يُنزّلهُ جبريل عليه السلام على نبيّنا محمّد صلوات ربي وسلامه عليه.
فمن صفات هؤلاء العلماء أن يكون مشهودا لهم بالعلم والمعرفة وما تناقلوه عن غيرهم بالسند المتصل عن آبن عباس ومجاهد و غيرهم من الصحابة, وكذلك أن يكون المُفسِّر مُحيطاً بأساليب اللغة العربية مُتمكنا في النحو والصرف، وغير ذلك من هذه الفنون.
يقول عزّ و جلّ في مُحكم التنزي: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ} ( البقرة:34).
و يقول سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ} ( الأعراف:11).
بعض الناس لمّا قرؤوا هاتين الآيتين، ذهب ظنُّهم أنّ إبليس كان من الملائكة...لأن الأمر مِنَ الله جاء مخاطبا الملائكة .....ولمّا مرّ هؤلاء عند قراءة الآية على أداة الاستثاء { إلاّ}....ظنوا أنّ إبليس كان من الملائكة واستُثني لكونه لم يسجد....
والحق أن إبليس كان من الجنّ وكان حينها مؤمنا يعبد الله مع الملائكة.
والجواب هنا سيكون مقتصَرا على شيء من النحو، لأن الردّ إن أردناه بالقرآن والحديث فالنصوص مفصحة بذلك...ومن ذلك قوله تعالى: {إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} ( الكهف:50).
وقوله تعالى: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون} سورة الحجر...ولم يرد هنا استثناء بالمرّة.
وقال عليه الصلاة والسلام: "وخُلق الجانّ من النار".
وجاء على لسان إبليس ( وخلقتني من نار )
اعلم أنّ الاستثناء في اللغة نوعان: استثناء مُتّصل و استثناء منقطع.
ومعنى الإستثناء الُمُتصل: أن يكون المُستثنى من جنس المُستثنى منه ...مثال ذلك إذا قلنا "قام زيدٌ و عمرو إلاّ بكرا"....فالعبارة هنا تفيد قيام زيد وعمرو دون بكر لأن بكرا آستثني. ونقول عن هذا الاستثاء "آستثناء" مُتّصل و ذلك لأنّ بكرا هو من جنس زيد وعمرو فكلهم جنسهم من البشر.
ومعنى الإستثناء المنقطع: أن يكون المُستثنى من غير جنس المُستثنى منه. مثال ذلك كما تقول العرب "قام القومُ إلاّ حمارا"....فالحمار بهيمة وليس من جنس المُستثنى منه.
ومنه قول العرب:
ليس عليك عطش ولا جوع *** إلا الرقاد والرقاد ممنوع
فالاستثناء في البيت استثناء "منقطع" وليس استثناء متصلا, لأن المستثنى وهو "الرقاد" ليس من جنس المستثنى منه وهو الجوع و العطش!
فقوله تعالى: {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ}, استثاء منقطع.
فإبليس من الجن وليس من جنس الملائكة. إنما وقع الاستثاء هنا في قوله تعالى: {إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ}.....لأنه كما أسلفنا أن الأمر لمّا جاء من الله كان الجنيّ إبليس من ضمن الحضور مع الملائكة, أي كان معهم في الجنة يعبُد الله فشمله الأمر.
فإبليس هو رأس الكفر لا خلاف في ذلك فهو أول من اعترض على الله فرد الأمر عليه والاعتراض على الله كفر.
قال النسفي: " رد النصوص كفر "
والحاصل أن إبليس لم يكن من الملائكة طرفة عين لعدة أدلة :
تصريح القرآن ، وصفات إبليس الخَلقية ، وصفاته الخُلُقية .
1. أما تصريح القرآن بذلك ، فقد جاء في قوله تعالى : { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن } الكهف /50 .
قال الحسن البصري : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين ، وإنه لأصل الجن ، كما أن آدم عليه السلام أصل البشر .
رواه الطبري بإسناد صحيح كما قال ابن كثير في تفسيره (3/89).
2. وأما الصفات الخَلقية ، فقد ذكر الله تعالى أنه خلق إبليس من نار ، فقال { خَلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار } الرحمن / 14،15 . وثبت في صحيح مسلم (2996) من حديث عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم " .
المارج لهب النار الصافي ، أو الذي خالطه الدخان ، ( تفسير السعدي 7/248 ) ، ( لسان العرب 2/365 )
فتبين الفرق بين خلق الملائكة وبين خلق إبليس ، فعلم قطعاً أنه ليس منهم.
3. وأما الصفات الخُلُقية ، فإن إبليس قد عصى الله تعالى في عدم سجوده لآدم ، وقد علِمنا من القرآن أن الملائكة لا يمكن لهم أن يعصون الله تعالى، قال الله عز وجل { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } التحريم / 6 .
وقد ورد عن بعض السلف آثار غير صحيحة منها أنه طاووس الملائكة ، وأنه من خزنة الجنة ..إلخ ، وقد علَّق على ذلك الإمام ابن كثير فقال :
وقد رُوي في هذا آثار كثيرة عن السلف وغالبها من الإسرائيليات التي تُنقل لينظر فيها والله أعلم بحال كثير منها ، ومنها ما قد يُقطع بكذبه لمخالفته للحق الذي بأيدينا ، وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة ؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان ، وقد وضع فيها أشياء كثيرة ، وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذي ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين كما لهذه الأمة من الأئمة والعلماء والسادة والأتقياء والبررة والنجباء من الجهابذة النقاد والحفاظ الجياد الذين دونوا الحديث وحرروه وبينوا صحيحه من حسنه من ضعيفه من منكره وموضوعه ومتروكه ومكذوبه وعرفوا الوضاعين والكذابين والمجهولين وغير ذلك من أصناف الرجال كل ذلك صيانة للجناب النبوي والمقام المحمدي خاتم الرسل وسيد البشر صلى الله عليه وسلم أن ينسب إليه كذب أو يحدث عنه بما ليس منه فرضي الله عنهم وأرضاهم وجعل جنات الفردوس مأواهم . " تفسير القرآن العظيم " ( 3/90).