مغزى الإسراء والمعراج
فى ذكرى الإسراء والمعراج، دأب الكثيرون على تناول أحداثها.. ويحاولون فى كل مرة إثبات كيفية الحدوث هل كانت بالجسد والروح معا أم بالجسد فقط من مكة إلى بيت المقدس ثم المعراج بالروح بعد ذلك أم كانت كلها رؤيا منامية، سافرت خلالها الروح من مكة لبيت المقدس ثم من بيت المقدس إلى سدرة المنتهى، حيث قاب قوسين أو أدنى.
ونحمد الله تعالى أن منَّ علينا بداعية مثل المغفور له الشيخ الشعراوى، الذى رد الأمر إلى أصله وقت أن نبه إلى عدم إغفال قدرة وقوة من أسرى بعبده محمد (ص)، فالرسول لم يدع أنه هو الذى أسرى، ولكن أسرى به والفاعل هو الله جل جلاله وتقدست أسماؤه، إذن فلا جدال فى هذا الموضوع، ويجب أن نرد الأمر إلى القادر وهو الله، لأن الجدل دليل على خفة وزن الإيمان فى النفوس.
لذلك فلن أخوض فى هذه المناقشات العقيمة، ولن أعنى بذكر تفصيلاته، وإنما سوف أركز على الجانب الأخلاقى وبيان المغزى الحقيقى من ورائه.
يقول الإمام عبد الحليم محمود فى كتابه الرسول (ص) لمحات من حياته، نقلا عن ابن إسحق: " وكان فى مسرى النبى، وما ذكر منه بلاء وتمحيص، وأمر من أمر الله فى قدرته وسلطانه، فيه عبرة لأولى الألباب وهدى ورحمة وثبات لمن آمن بالله وصدق وكان من أمر الله على يقين، فأسرى به كيف شاء، وكما شاء، ليريه من آياته الكبرى ما أراد حتى عاين ما عاين من أمره، وسلطانه العظيم، وقدرته التى يصنع بها ما يريد.
إن البعض يريد أن يجعل أساس الأخلاق هو الضمير وهذا خطأ بين، والبعض يريد أن يجعله المصلحة سواء أكانت عامة أم خاصة، أما الإسلام فيقيس الأخلاق بميزان المبادئ الدينية التى حددها القرآن وبينتها السنة، وأهم هذه المبادئ هى دوام صلة العبد بربه وعبادته كأنه يراه فإن لم يكن يراه فليعلم أن الله ناظر إليه لذلك ولأهمية هذه الصلة فرضت الصلاة ليلة الإسراء والمعراج لكى لا يحرم الله أمة محمد من سعادة القرب منه سبحانه وتعالى، كما أحسها الرسول وهو قاب قوسين أو أدنى، عند سدرة المنتهى.
فنحن فى جميع صلواتنا نتدرب على الإسراء من أماكننا التى نعيش فيها إلى حيث الكعبة قبلة المسلمين، ثم ومن هناك تعرج أرواحنا إلى الملأ الأعلى، حيث نرى الله بعين البصيرة، بعد تفريغ القلب من كل العوائق التى تغبش سطح مرآته، عندئذ تصفو قلوبنا ونحن نحيى الله بقولنا: "التحيات لله والصلوات والطيبات لله"، ثم نستعيد مخاطبة الله لرسوله: "السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته"، ثم تتردد فى جنبات قلوبنا ونفوسنا كلمات الرسول: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله".. هذا نص الحوار الذى دار بين الرسول (ص) ورب العزة تبارك وتعالى، والذى نردده ونعيشه بقلوبنا تسع مرات فى اليوم والليلة فى الصلوات المكتوبة، إنها نعمة كبيرة أنعمها الله علينا، والسعيد هو الذى يسافر من خلالها إلى الله، خمس مرات فى اليوم بشرط سلامة القلب. !!