آه يا أهلى.. سامحكم الله
حينما كنت صغيرا فشل أهلى فى تعليمى ذلك لأنهم علمونى أن الأبيض أبيض والأسود أسود. ولم يدركوا أننى سوف أعيش حتى يوم أرى فيه الأبيض يقال عنه أسود. والأسود الحالك السواد يقسمون أنه أبيض ناصع البياض!
لم يعلمنى أهلى أن «الفضائل» يمكن أن تصبح «رذائل». علمونى أن «الكرم» فضيلة دون أن يتخيلوا أنه سيأتى على ولدهم يوم يعقر فيه الناكرون اليد التى امتدت إليهم بالإحسان!
وعلمونى أن «الرحمة» فضيلة، ولم يقل لى أحد منهم لكنك يا ولدى ربما تعيش حتى تجد وضيعا يستظل برحمتك فى وقت، ثم يصفك بالغفلة و«العبط» لنفس السبب فى وقت آخر!
وعلمونى أن «الشجاعة» فضيلة ولم يخبرونى أن هذه الشجاعة شارع ينتهى بالهلاك والضياع. وعلمونى أن «القناعة» فضيلة لكنهم ماتوا وتركونى فى دنيا يحترم فيها الناس الأثرياء قبل الصفات، والمال قبل الأعمال!
علمونى أن «الغضب» رذيلة وأن «الحلم» فضيلة، ولم يخطر على بال أحد منهم أن فلذة كبدهم سيأتى عليه يوم يعيش وسط أناس أشرار يحملون شرورهم فى صدورهم، ويدورون بها فى كل مكان يطلبون رأسا يصبون هذه الشرور عليه ولا يعجبهم سوى الرأس الحالم المسالم الذى لا يحسن الدفاع عن نفسه!
آه يا أهلى.. لماذا لم تقولوا لى إن الحياة معركة أبطالها الأشرار وأسلحتهم الرذائل، وأن من لا يحاربهم بنفس سلاحهم مصيره الهلاك أو الجنون! لماذا لم تخبرونى أن الموجود فى الكتب غير الذى سوف أراه فى الحياة وأن ما قرأته وتعلمته من حكايات الكرم وقصص الشجاعة وعزة النفس والصدق ما هى إلا روايات تاريخية اصفرت أوراق الكتب التى حوتها وطواها النسيان؟ لماذا لم تعلمونى أن أقاوم الشر وأن أدفع الظلم بالظلم، وأن الظالم لا يظلم إلا إذا وجد بين يديه ضعيفا والمحتال لا يحتال إلا إذا وجد أمامه غبيا؟!
آه يا أهلى.. سامحكم الله ورحمنى!