الصحراء المغربية وفخ المينورسو
بقلم محسن زردان (باحث في العلاقات الدولية)
ملف الصحراء، المشكلة المزعجة، طالت مدتها وشاخت عبر الزمن، لم نعد نسمع في قرارات الأمم المتحدة سوى تمديد مقام المينورسو لفترات أخرى، لحد الآن لا أحد يعرف مداها، ليس من شك أنها مشكلة لها ارتدادات عميقة ومعقدة على المنطقة، بلغت إلى درجة تعطيل التحام دول المغرب العربي وحرمانها من ربح أشواط مهمة من التنمية، هذا الملف لا يزال بين يدي الأمم المتحدة منذ زمن ليس باليسير، حيث تعاقب عليه زمرة من المبعوثين الدوليين الذين تراوحت مهمتهم بين الفشل وإدراك صعوبة اقناع الأطراف المتنازعة بالحل.
تقرير الأمم المتحدة الأخير
يبدو أن تقرير المتحدة الأخير قد آثار حفيظة المغرب، حيث ألمح إلى إمكانية توسيع صلاحيات المينورسو ليشمل مراقبة احترام حقوق الإنسان في الصحراء المغربية وكذا بمنطقة تندوف التابعة للجزائر حيث يتواجد اللاجئون الصحراويون في المخيمات مع إثارة قضية تقسيم الثروات في سياق ما اصبح يعرف بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، هذا التلميح يشكل خطوة تصعيدية في نظر المغرب الذي يرى أن سلطته السيادية على ترابه ستمس وتنتهك، مما سيبيح للمينورسو تجاوز اختصاصاته التي جاء من أجلها وهي مراقبة وقف إطلاق النار بين الطرفين والحفاظ على السلام إلى التدخل في شؤون المغرب الداخلية، مما يعطي الانطباع بوجود دولة داخل دولة.
ما ينبغي قوله، أن هذه الخطوة تحتمل قراءات متعددة، منها أنها من جهة خطوة يراد منها الضغط على الطرفين المتصارعين وخصوصا المغرب لتقديم تنازلات تعجل بحل هذا الملف ، حيث من المعلوم أن موضوع حقوق الإنسان أصبح متعارف عليه في أدبيات العلاقات الدولية كحصان طروادة يفي بالغرض للوصول لأهداف أخرى غير معلنة، من جهة أخرى من المحتمل جدا أن يكون الثقل الذي مارسته المنظمات الحقوقية الدولية مستغلة في ذلك بعض المناوشات التي يحدثها بعض انفصاليو الداخل، وكذا الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها الصحراويون بمخيمات تندوف قد أثمر بدفع الأمم المتحدة بتبني هذا التوجه الجديد مما قد ينبئ بتحول من التركيز على المشكل في شقه السياسي إلى الشق الحقوقي، فضلا عن فشل الدبلوماسية المغربية بالأمم المتحدة في فرض تصور المغرب لهذا الملف، خصوصا أن ما يعزز هذا الطرح مبادرة المغرب بتغيير السفير الدائم بأروقة الأمم المتحدة عمر هلال بدل محمد لوشيكي لإعطاء نفس جديد لهذه الدبلوماسية، فضلا عن الزيارة التي قام بها العاهل المغربي لمدينة الداخلة بالأقاليم الجنوبية في هذه الظرفية لتبليغ رسالة مفادها الحضور والتواجد والسبق في روح المبادرة لدعم مغربية الصحراء.
السياق الدولي
الشيء الجدير ذكره، أن ملف الصحراء المغربية مرتبط بشكل مباشر بالتقلبات و التحولات السياسية الدولية، فالحليفين التقليدين في هذا الملف للمغرب، الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا فعلاقاتهما بالمغرب ليست في أحسن أحوالها، حيث الأولى كانت السباقة بشكل مفاجئ إلى المطالبة بإدخال صيغة حقوق الإنسان ضمن مهام بعثة المينورسو الأممية مما أغضب المغرب، الشيء الذي أدى بالولايات المتحدة الأمريكية إلى التراجع عن هذه الخطوة، في السياق ذاته، علاقة المغرب بفرنسا عرفت مؤخرا توترا في العلاقات نتيجة لامتعاض فرنسا من مزاحمة المغرب في ملعبه الأفريقي من خلال زيارة العاهل المغربي ومعه رجال الأعمال المغاربة إلى مجموعة من الدول الأفريقية بغية تدعيم الروابط الاقتصادية، مما حدى بفرنسا باستفزاز المغرب من خلال حادثة محاولة متابعة رئيس المخابرات المغربية بناء على دعوى قضائية لإحدى الجمعيات الفرنسية، فضلا عن بهدلة وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار في أحد المطارات الفرنسية من خلال إجباره على التفتيش وخلع ملابسه.
الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من كونها حليفة للمغرب غير أن استراتيجيتها ما تزال تحافظ على منطق التوازنات في مواقفها حفاظا على مصالحها بين قطبي المنطقة في الصراع المغرب والجزائر، حيث أن تعثر حل مشكل الصحراء في كل الأحوال يخدم اقتصادها الصناعي للأسلحة التي تجد زبونين مستعدين لانفاق المليارات من أجل تسليح جيوشهما.
على هذا النحو فالمغرب لا يمكن أن يعول على أمريكا واوروبا في هذه القضية، فمجريات الأحداث في أوروبا حاليا والتوتر القائم بين دول الاتحاد الأوروبي وروسيا حول مسألة أوكرانيا، تدفع بالقول إلى أن الغرب يبحث عن بديل آخر لتزويدها بالغاز الطبيعي للإفلات من التهديدات الروسية بقطع امدادات الطاقة، وبالتالي فالغاز الجزائري مرشح لأن يكون ضمن الخيارات الممكنة التي يمكن أن تستغله الجزائر للمزايدة وتبادل الصفقات السياسية ويكون دعم موقف البوليساريو من بينها.
من جهة أخرى، تداعيات استراتيجية تفتيت الدول كانت جد مكلفة على جميع المستويات، المثال الحي الذي تورط فيه المجتمع الدولي وتركه للمجهول، هو جنوب السودان الذي استفاد من حملة اعلامية وحقوقية دولية غير مسبوقة سعيا لاستقلاله رغم كونه لا يتوفر على مقومات دولة، لكنه بعد ذلك وجد نفسه يؤسس لنشأة حرب أهلية جديدة أبطالها قادة الجيش وبالتالي استمرار واستفحال المآسي الإنسانية والاجتماعية.
هذا الأمر تدركه أوروبا التي لن تتمنى بالطبع نشوب صراعات وحروب في منطقة شمال أفريقيا وخلق كيانات هي أقرب إلى القبيلة من الدولة تؤدي إلى مخلفات كارثية قد تغرق أوروبا بأفواج من اللاجئين والمهاجرين الفارين من شبح الحرب والفاقة والقهر.
استراتيجية المغرب في ملف الصحراء
ما ينبغي قوله، أن المغرب دخل غمار تجربة التسوية السلمية من خلال قبوله لعمل المينورسو منذ سنة 1991 قصد تنظيم إجراء الاستفتاء في الصحراء، إلا أن هذا الطريق في التسوية اعترضته بعض الصعوبات المتعلقة بإحصاء الساكنة التي يحق لها إجراء هذا الاستفتاء، لتنتقل محاولة التسوية هذه المرة مع مخطط جيمس بيكر أو ما يعرف بالحل الثالث، يروم منح حكم ذاتي موسع للصحراء لمدة خمس سنوات يمكن بعدها تنظيم الاستفتاء، غير أن هذا الحل تم رفضه من طرف البوليساريو والجزائر، إذ اقترحت هذه الأخيرة تقسيم الصحراء بين طرفي الصراع، الشيء الذي رفضه المغرب بالإطلاق.
في حديثنا عن استراتيجية المغرب زهاء قضية الصحراء، يمكن القول أنها اتسمت بالحزم في فترات بداية التحرر من الوجود الإسباني، غير أن هذا الحزم ما لبث أن تحول إلى نوع من المهادنة من خلال فتح هذا الملف على التسوية الدولية في ردهات الأمم المتحدة، حيث على الأرض حاول المغرب نهج سبيل التنمية والاستثمار في البنية التحتية، فضلا عن تمتيع أعيان القبائل الصحراوية بامتيازات خاصة ودعم القدرة الشرائية للمواطنين الصحراويين من خلال دعم المواد الأساسية، وأيضا الاتكاء على مساندة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا اللتان تربطهما مصالح مشتركة في مقدمتها دور المغرب في ما يعرف بدول الاعتدال التي تساهم في مساندة عملية السلام المتعثرة في الشرق الأوسط، وكذا دورها المحوري في محاربة منابع الإرهاب في منطقة شمال أفريقيا، وعلاوة على مساهمتها الحيوية في ضبط ومراقبة تدفق المهاجرين الأفارقة إلى الضفة الأوروبية.
الشيء الجذير بالذكر، أن المغرب يواجه رهانات جد صعبة تملي عليه التفكير مليا في وضع استراتيجية مناسبة وفق المتغيرات الدولية، فمسألة حفر المينورسو في اتجاه تبني امكانية مراقبة حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية ينذر بخسارة موجعة للمغرب، لاسيما وأن البعد الحقوقي سيتنامى مستقبلا مع ظهور أفواج من جيل جديد من الشباب المنحدرين من الأقاليم الصحراوية يحملون زادا مهما من التعليم العالي الجامعي الذي يؤهلهم إلى المطالبة بتقاسم ثروات المنطقة، خاصة و أن هذه الأخيرة غدت أمرا مقلقا عندما أشار التقرير الأخير إلى التشكيك في أحقية المغرب في استغلال تلك الثروات.
هذا المعطى، يتطلب من المغرب الخروج من استراتيجية الدفاع إلى استراتيجية الهجوم المضاد، الذي ستكون تكلفته صعبة لا محالة، لكن يبقى ضرورة ملحة لأن الحرب حسب ميكيافيلي تتم وفق خيارين إما بالقانون أو القوة أو هما معا.
على هذا الأساس، فالمغرب يواجه أكبر عائق يتمثل في الجارة الجزائر الداعم القوي للبوليساريو والساعية إلى تفتيت البلد، وقد بات لازما على المغرب المعاملة بالمثل في هذه الحالة وتفعيل الاستراتيجية الإلهائية، عن طريق بحث إمكانية دعم المحاولات الانفصالية في منطقتي القبائل الأمازيغية والطوارق في الصحراء الجزائرية حتى يتذوق قصر المرادية من نفس الكأس التي يعاني منها المغرب، أو خيار إنهاء مهام المينورسو بشكل عاجل واستباقي من جانب المغرب قبل أن تضطر الأمم المتحدة إلى سحبهم في أفق ما بعد 2015 كخطوة أولى للإعلان عن فشل مهمتها، وبالتالي التحضير لتدويل القضية.