أصحاب السَّبت
أصحاب السَّبت
" السَّبْت ُ " في العَـرَبيَّـة أي : الـرَّاحـة ُ،
يُـقـالُ : سَـبت َ- يَسْـبت - ُسَـبْتـاً " أي : اسْـتـراح َوسَـكَـنَ ،
وقِـيْـلَ :" " السَّبْت ُ " مُعَـرَّبُ " شـبت " العِـبْـريَّـة "
وتعْـنِي : الـرَّاحـة َو السُّـكُـون َ.
وكانَ يُسَـمَّى في الجـاهلية ( شَـبار) .
وقد ورد ذكره في آيات خمس من القرآن الكريم في مَعْـرض ِالحَــديْث ِعَـن ِاليَهـُـــود ِ
وهي :
- (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) سورة البقرة {65 } .
- ( وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوايَفْسُقُونَ ) سورة الأعراف {163} .
- ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ) النساء {47} .
- ( وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ) النساء {154} .
- ( إنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) النحل{124} .
قصة أصحاب السَّبت :
هم جماعة ٌمنَ اليهود ِ، كانوا يسكنون قرية ًساحلية َلم يذكُـرْ القرآن ُ الكريم ُاسمها وإنما اكتفي بعرض ِالقصةِ لأخذ ِالعِـبرة َمنها .
وكان هؤلاءُ اليهود ُلا يعملونَ يوم َالسَّبتِ ، وإنما يتفرَّغون فيه لعبادةِ اللهِ
فقد فرضَ الله ُعليهم عَدم َالانشغال ِبأمور ِالدنيا فى ذلك اليوم ِ ،
بعد أنْ طلبوا منه - سُبحانه - أن ْيُخصِّص َلهم يوماً للراحةِ والعبادة ِ ،
لاعَمل َفيه سوى التقرُّب لله .
وجَرَتْ سُنّة الله ِفي خلقه.. وحانَ موعد ُالاختبار ِ والابتلاء ِ
اختبارٌ لمَدَى صبْرهم واتباعهم لشرع ِ الله ِ ..
وابتلاء ٌيخرجونَ بعْـدَه أقوى عَـزماً ، وأشَدَّ إرادة ً..
تتربَّى نفوسُهم فيه على تـرْك ِ الجشع ِوالطمع ِ.. والصُّمودِ أمام َالمُغرياتِ
لقد ابتـلاهُم الله ُ - عز وجل - بأن ْجعل َالحيتانَ تأتي يومَ السَّبتِ للساحِل ِ
وتتراءى لأهل ِ القرية ِ ، بحيث يَسهُـلُ صـيـدُها ، ثم تبتعِـدُ بقية َأيام ِ الأسبوع ِ
فانهـارَت ْعـزائمُ جماعة ٍ منَ القوم ِ ، واحتــالوا الحيَــل َ – وتلك دائماً عاداتُ اليهود ِ– خرجـوا يوم َالسَّبتِ لا ليصطادوا السَّمكَ مباشرة ً، وإنما أقـاموا الحَـواجـزَ و نصـبوا الشِّباك َيومَ السَّبتِ حتى إذا قدِمَتْ الحيتانُ وقعـت فيها ،ثم اصطادوها يوم َالأحَد ِ!! كان هذا الاحتيـال ُبمثابة ِصـيْـد ، وهو مُحَـرّم ٌعليهم .
فانقسم َأهل ُالقرية ِ في مَوقفهِم من هذا الاحتيــال ِثلاثَ فِـرَق ٍ:
فِـرقة ٌعاصية ٌ، تصطاد ُبالحِـيلة ِ .
وفِـرقة ٌ لا تعْصِي الله َ، وتحـذّرُ المُخـالفين مِن ْغضبه ِ.
وفِـرقة ٌ ثالثة ٌسلبيَّة ، لا تعْصِي الله َ، لكنها لا تنهَى عن ِالمَـكْـر ِوالحِـيلةِ
وكانتْ الفِرقة ُالثالثة ُ تتجـادلُ مع الفِرقة الثانية ِالناهية ِعن ِالمَـكْـر ِ المُحَـذِّرة ِمِنْ مُخـالفة أوامر ِالله ِوتقـولُ لهم :
ما فـائِدة نصْحكُـم لهـؤلاء العُصاة ِ؟! .. إنهم لن يتوقفوا عنْ احتيـالهم ،
حتى يصيبهم مِنَ الله ِعَـذابٌ ألـيْمٌ بسببِ جٌُـرْمِهم وانتهــاكِـهم حُـرُمـاته ، فلا جَدوى منْ نصحهم وسيُصيبُهم تحذيرهم بعْـدَما كتب َالله ُعليهم الهَـلاك .!!
وبصرامةِ المؤمن ِالذي يعرف ُواجباتِه ، كانَ أصحــابُ الفِـرقة ِالثانية ِالناهين عَن ِالمَـكْـر يجيبُــون :
إننا نقومُ بواجبنا في الأمْر ِبالمعروفِ وإنكــار ِالمُنكَـر ِ، لنُـرضِي الله َ- سُبحانه - ،ولا تكونُ علينا حُجَّة ٌيومَ القيامة ِ، ربَّما تفيد ُهذه الكلماتُ ، فيعودون إلى رُشْدِهم ،ويتركون عصيانهم .
لم تجْـد ِكلماتُ المؤمنين نفعــاً معهم ، وجاءَ أمرُ اللهِ ِ، وحَـلَّ بالعُصاةِ العَـذابُ .
لقد عَـذّبَ الله ُالعُصاة َ وأنجى الآمرينَ بالمَـعروف ِوالناهين َعَن ِ المُـنكر ِ..
أمَّـا أصحــاب ِالفِـرقةِ الثالثة ِ ، فقد سَكَتَ النصّ القرآني عنهم ..
وفي ذلك يقـول ُ الشبخ ُسيّد قطب - رحمه الله- فى الظلال :
" رُبَّما تهْـويناً لشأنها - وإنْ كانت ْلم تـؤخذ ْبالعَـذاب - إذ أنها قعَـدَتْ عن ِالإنكــار الإيجابيّ , ووقفت ْعند حُـدود ِالإنكــار السلبيّ فاستحقَّتْ الإهمــال وإن لم تستحقُ العَـذاب" .
وأمّـا العـادُون أصحـابُ الفِـرقة ِالأولى الذين خالفـوا أمْـرَ ربِّهم وعَصَـوه فقـد كانَ عَـذابُهم شديداً .. لقد مَسَخَهم الله ُ ، وحــوّلهم إلى قِـرَدَةٍ عِقـــاباً لهم لإمعانهم في المَعْصية .