الرحالة عبد المالك بوسدريم
×××××
قصة الرحالة عبد المالك بوسدريم عبر المغرب و ما واجهه من مشاكل في الناظور
ذات يوم، اقترح علي صديقان من سوق السبت القيام برحلة إلى جهة المغرب الشرقي باستعمال دراجتهما الهوائية على أساس آن أرافقهما” بالسيارة
قضينا أول ليلة في محطة بنزين مهجورة في مدينة ميدلت و في صباح اليوم الموالي
وصلنا إلى قرية زبزات فانحرفنا يسارا في اتجاه ميسور تم اوطاط الحاج ‘ وقبلها زرنا قرية ” ألقصابي ” وفي ما يلي صورتها.
وهي قرية صغيرة مقسمة إلى منطقة عليا حيث المصالح الإدارية ومنطقة منخفضة يخترقها نهر استغله السكان في إقامة زراعة مختلطة ‘
وبعد مدينة وطاط الحاج كان لا بد من الاستفادة من المناظر الطبيعية لواحة ” تساف ” بسواقيها ومغار سها التي تغلب عليها أشجار الزيتون
وبعدها اتجهنا نحو مدينة تندرارة في طريق طويل محفوف بسهوب نبات ” الشيح والحلفاء ” ومن حين لآخر كنا نتجنب مرور سيارات تمر بسرعة مخيفة
وأخبرنا بعض الرعاة بأن هذه السيارات تعرف محليا «بالقاتلات” والتي تهرب بترول الجزائر مستغلة خلو الطريق من المراقبة,
قضينا الليلة الثانية في خلاء مطلق بعيدين عن السكان وكانت ليلة كثيرة هبوب الرياح الباردة .
غادرنا تندرارة في اتجاه مدينة جرادة ثم وجدة مرورا بكنفودة ,واغتنمنا فرصة تواجدنا في وجدة لزيارة المركز الحدودي بين المغرب والجزائر في ” زوج بغال” ومنها شاهدنا جبال الجزائر .
ومن هناك اتجهنا نحو شاطئ السعيدية لنصعد إلى جبال “فوغال” وأول ما أثار انتباهنا حين توقفنا للتمتع بمنظر بساتين أشجار ” المزاح ” ومرور كتل من ضباب الصباح القادمة من جهة البحر الأبيض المتوسط. وسرنا صعودا ومما يستحق المشاهدة والتأمل :
1) أشجار المزاح على طول وادي فوغال الموجود في دائرة زكزل وهي منطقة رائدة في إنتاج فاكهة المزاح”الزعرور” في المغرب.
جبل مرتفع وفوقه صخرة ضخمة تبدو من بعيد وكأنها على شكل جمل رابض وفي أسفل الجبل توجد مغارة كبيرة تسمى “مغارة الجمل” أو تاسراغوت باسمها الامازيغي الذي تعرف به محليا.
ومن بين صخور هذه المغارة تنساب مياه متدفقة عذبة باردة ويزورها بعض المغاربة من المناطق المجاورة وكذا الأجانب ولا يغادرها زائر إلا وقد أخذ صورا تذكارية.
وغير بعيد توجد مغارة “الحمام” وقد وجدناها مغلقة أمام الزوار نظرا لوجود فريق من الباحثين الأجانب ،وعند مدخلها لافتة كتبت عليها معلومات تفيد بان الحفريات تشهد بكون أقدم إنسان في افريقية قد عاش
في هذه المغارة منذ زمن بعيد. ولا زالت الابحاث مستمرة. وقد انطلقت منذ وقت طويل من طرف مجموعة من الباحثين الأجانب وبتعاون مع المغرب. وقد أسفرت هذه الأبحاث لحد ألآن عن:
- تواجد حضارة بشرية في هذه المنطقة منذ العصر الحجري القديم ويعرف “بإنسان تافوغالت”.
-العثور على هياكل بشرية وأدوات حجرية وعظمية وبقايا هياكل حيوانية وحلي تعتبر من بين أقدم الحلي في العالم
وسميت بمغارة الحمام نظرا لكثرة الحمام الذي يعيش فيها وهي الأهم من الناحية الأثرية مقارنة مع مغارة الجمل وكلاهما في وادي زكزل.
تابعنا الرحلة بمتعة متتبعين وادي فوغال الذي تطل عليه جبال عالية صخرية تغطيها غابات مختلفة الأشجار, وكم هو رائع وجميل أن تكون على مقعد دراجتك الهوائية وسط المناظر الطبيعية والمعالم السياحية والأصوات الطبيعية والآثار القديمة والممرات المنعزلة. واعلم أنه لا يمكنك الاستمتاع بقيادة الدراجة على مدار العام بسبب هبوب رياح عكسية مع انخفاض أو ارتفاع درجات الحرارة. وربما تساءل البعض كيف استعملت السيارة والدراجة؟ فالجواب كما يلي: كنت أبتعد بالسيارة مسافة معينة .اترك السيارة وأركب الدراجة عائدا حتى نلتقي ونسير جميعا كي أصل للسيارة وهكذا خلال الرحلة.
ولكن ماذا عن البرابول اللحية والمسجد بالناظور
مساء يوم ( 13 _4_ 2013 ) وصلنا إلى مدخل سلوان حيث كان الحدث ينتظرنا فماذا وقع ؟
كان لرفيقنا دياني حسن صديق تعرف معه كإمام في سوق السبت وهو يعمل حاليا في مسجد صغير في دوار” جواهر” قرب سوناسيد جماعة سلوان.
علم الإمام أننا في رحلة في اتجاه المغرب الشرقي واقترح علينا أن نزوره لكن في مساء نفس اليوم اخبرنا بأنه مسافر لغرض خاص وبأنه كلف إماما آخر لينوب عنه في المسجد على أن يستقبلنا وبأنه كلف إماما ثانيا ليرشدنا إلى المسجد.
فعلا مع غروب الشمس وجدنا مرشدنا في المكان المتفق عليه وركب معي في السيارة وتبعني أصحاب الدراجات متتبعين مسلكا صعبا بين الحقول وبعد مدة تبين لمرشدنا أنه أخطأ في الطريق فرجعنا أدراجنا لنتخذ مسلكا أخرثم آخر في ظلام الليل وبعد مشقة وصلنا إلى الدوار(جواهر) ولم نجد المسجد. وقفنا نتشاور فيما بيننا ولاحظنا وجود بعض الأشخاص على مقربة منا يستمعون إلينا ثم اقترب منا احدهم وبادرناه بالسؤال عن مكان المسجد فأجاب بأن المسجد قريب مشيا عبر الحقول وبأن السيارة لابد أن تسلك مسلكا آخر ’ فركب معي ليرشدني فتتبعت مسالك أخرى بالالتفاف حول الدوار للوقوف أمام المسجد حيث رحب بنا الإمام الذي كلفه صاحبنا’ تناولنا طعام العشاء.
ونام رفاقي في بيت الإمام وذهبت إلى السيارة وقمت بوضع “البرابول” فوق السيارة وفتحت جهاز التلفاز لبعض الوقت تم خلدت إلى نوم عميق.
الشوط الأول
عند منتصف الليل بينما كنت مستغرقا في النوم سمعت دقات شديدة على باب السيارة فاستيقظت مذعورا وسمعت أصواتا, فتحت الباب الخلفي للسيارة فاذا بجماعة من الشبان ( أكثر من عشرة ) يلتفون حول السيارة رأيت بعضهم يخفي وراء ظهره عصا أوشيئا من هذا
القبيل وانهالوا علي بأسئلة مختلفة منها:….من أنتم ؟ ومن أين جئتم ؟وما هو غرضكم هنا؟ ولماذا وضعت هذا الجهاز فوق السيارة اننا لم يسبق لنا أن رأينا هذا في حياتنا؟ لقد تتبعناكم وانتم تجوبون الدوار يمينا ويسارا فما أنتم إلا لصوص البقر …اااعطيناالبطاقة؟
حاولت تهدئة الوضع والحوا على البطاقة مهددين , وقلت لهم هل من بينكم عون السلطة ( المقدم ) لأسلمه البطاقة فأجابوا بصوت واحد كلنا “مقدمين ديال الدوار” واقترب مني احدهم ووضع يده على كتفي صائحا ” طلع لكارة اعمي طلع”. ارتبك الأمر عندي كيف أتعامل مع هذ ا الوضع وقد سبق أن سمعت عن سلوك الريافة فكيف أتجنب شرهم؟ في تلك اللحظة، خرج الإمام الذي كان قد أرشدنا من المسجد غاضبا دون أن يفكر في العواقب فبدأ برفع صوته عليهم وهو يلوح بيديه فانصرفوا عني وتوجهوا إليه وبدأ التصعيد معهم وبدأ التلاسن و أوشك التدافع بالأيدي وخفت من تطور الأمور الى ما لم يكن في الحسبان فتدخلت في الوقت المناسب قائلا لهم: اسمحوا لنا لأننا جئنا إلى قريتكم وما كنا نعلم أن هذ ا هو أسلوبكم في التعامل مع ابن السبيل ونعتذر على دخول بلدكم أمهلونا بعض الدقائق لنغادر ونقضي ما تبقى من الليل بعيدا عنكم ، والحمد لله فأرضه واسعة ورجال الله كثيرون. فسمعت أحدهم قال”اتركوهم سنخبر المخزن”
الشوط الثاني
انتهى الشوط الأول بانصراف الجميع دون أن يعلم رفقاء الرحلة شيئا عما حدث , وبقيت بعض الوقت أفكر في الأمر وتمنيت فعلا أن يخبروا “المخزن” وبذلك ينتهي المشكل.عدت إلى النوم وفي الساعة الرابعة استيقظت على دقات على الباب الخلفي للسيارة وكنت مذعورا لكون شر أولائك القوم لم يفارقني فتحت الباب فإذا المنظر مختلف تماما. ماذا أرى؟؟؟ ستة من رجال الدرك وكل واحد منهم في وضع خاص ومدروس بإحكام كيف ذلك؟
واحد منهم وقف في وسط المجموعة مقابل الباب الخلفي للسيارة كأنه كلف بمهمة ما بمفرده فرجله اليسرى إلى الأمام والرجل اليمنى إلى الخلف وهو مدجج بالسلاح وأصبع يده اليمنى على الزناد ونظرته إلي ثاقبة. ولو أبديت حركة غير عادية لانطلق الرصاص لا قدر الله. والى يمينه دركيان يمسكان العصي الكهربائية وفي يساره واحد يحرك في يده هراوة عادية وبجانبه آخر ليس معه أي شيء وهو الذي اقترب مني وبدأ يسألني, ومعهم قائد المنطقة وبعض المخازنية والمقدمين وآخرون لا اعرفهم وخلفهم جمع غفير من الفضوليين الذين سهروا الليلة لكي يعيشوا ويتفرجوا كيف وبماذا تنتهي المباراة؟ بعضهم حضر مند الشوط الأول والبعض الآخر لم يدرك إلا الشوط الثاني وبصفة عامة فالمشهد يستحق أن يوصف بحالة استنفار قصوى’ وفيما بعد سيتضح لنا لماذا كل هذه” الحيحة”.
بعد أخد البطاقة وأوراق السيارة تلقيت عدة أسئلة منها:
1)هل سبقا أن سألك رجال الدرك؟ – نعم وعدة مرات ولكن ليس بهذا العدد وليس في هذا الوقت من الليل وليس بهذه الطريقة, واسمحوا أن الخص لكم كل هذه ” الحيحة” في تلات كلمات:” رجال التعليم في عطلة وفي رحلة “.
2)ما هي هذه الأجهزة التي نراها في السيارة؟ -إنها مسجلة,جهاز الدفد,التلفزة,والبارابول وجهاز الحاسوب المحمول.
3)هل جهاز البارابول متصل بجهاز”الدونجل” ؟ – لا يختلف هذا البرابول عن غيره في شيء ا لا في وجود هذا فوق السيارة والذي عندك فوق سطح منزلك.
{ الدونجل جهاز استقبال بيانات بصورة سريعة من القمر الاصطناعي لفتح وقراءة البرامج المشفرة.}
وخلال هذا الحوار معي دخل المقدم بعنف وبدون أدب على الإخوة وهم نائمون صائحا” نضو,نوضو راه هذا المخزن للي معاكم”
فرد عليه الأخ عوام محمد ” مشرفين, وليس بهذه الفوضى راه النعاس هذا احنا أولاد المخزن وخدامين معه ,أش واقع؟” وبعد الاطلاع على هويتنا نادى علي قائد الدرك قائلا: أستاذ تعالى معي فأمسك بيدي حتى ابتعدنا عنهم وهمس في أذني قائلا:خذوا راحتكم وأتموا نومكم فما بلغنا لا أساس له من الصحة ,وغدا في الصباح التحقوا بمركز الدرك لسحب أوراقكم” فودعونا بأدب واحترام فخاب أمل الذين سهروا الليل ليحضروا اعتقالنا.
الشوط الثالث
بعد انصرافهم جمعنا أمتعتنا وغادرنا المكان وصلينا الصبح أمام مركز الدرك الملكي في سلوان وبعد تناول وجبة الفطور لبس الإخوة البذلة الخاصة بالدراجات وجلسنا في قاعة الانتظار وحوالي التاسعة صباحا دخل رجلان في زي مدني واتجها نحو مكتب الاستقبال وسمعت احدهما يسأل”أين الذين تم القبض عليهم في الليل؟ فأشار الدر كي المستقبل برأسه إلى جهتنا,ونظر إلينا بنوع من التأمل والاستغراب.”الدراجون؟”
بدأ التحقيق مع الأخ عوام وبعد نصف ساعة خرج عندي السيد المحقق وكنت أتجول في ساحة المركز غير مكترث بأي شيء وقال لي: يا أستاذ؟ أنا واتق بكلامك ماذا في الأمر؟ – نعم الأمر بسيط جدا .هوايتنا ركوب الدراجة فانا أستاذ متقاعد احد رفاقي معلم والأخر موظف نظمنا هذه الرحلة ونزلنا ضيوفا عند احد معارفنا وتفاجأنا بما حدث ولا علم لنا لماذا هذه الضجة؟ فقال: في وقت متأخر من الليل أخبرنا بان ثلاث رجال كلهم ملتحون اختبأوا في مسجد الدوار ليلا( في جنح الظلام) وعندهم سيارة مجهزة بجهاز الاستقبال (البرابول) . وعلى أي دعونا نتمم العمل.
وفي اليوم الموالي نسينا كل ما وقع ونحن نتجول ونستمتع بركوب الدراجات تحت شمس مشرقة, وفي طقس ممتاز,وتنوع التضاريس التي نمر بها ونحن فوق الدراجات ، فمن المناطق ذات التربة المتنوعة إلى المناطق الصخرية ومن المنحدرات إلى المناطق المستوية أو المرتفعات أو المنعرجات بين الحقول والبساتين مما يتيح الفرصة لتجربة جميع أنواع الطرق خلال فترة زمنية قصيرة وهذا ما يؤكد متعة ركوب الدراجة لمسافة طويلة. والى رحلة أخرى بحول الله.
نقلها على هذه الصفحة صديق التدريس بايت السري محمد الناصري