ساكنة مول البركي تطالب بجمع عام لاختيار نواب جماعيين وتعويض الموتى
×××××
كيف تستغل لوبيات العقار «ثغرات القانون» للاستيلاء على أراضي الجموع
تلجأ إلى الاستفادة من تقادم «قانون الوصاية» وإغراء بعض نواب الجماعة السلالية
محفوظ آيت صالح
في شمال مدينة أكادير وفي غيرها من مناطق المغرب أصبحت أراضي الجموع هدفا للوبيات العقار مع ارتفاع الطلب على الأرض، في مقابل ذلك مازالت الترسانة القانونية المؤطرة لأراضي الجموع عتيقة وتعود إلى سنة 1919، الأمر الذي لا يساير التطورات التي عرفها المجتمع المغربي، وحاجة ذوي الحقوق إلى الاستفادة من الأراضي التي خلفها أجدادهم، وكانت موضوع استفادة جماعية، مما راكم العديد من الملفات داخل ردهات المحاكم، وتحول ذلك إلى فتيل لإشعال العديد من الاحتجاجات بمختلف مناطق المغرب.. في هذا التحقيق سنقارب إشكالية أراضي الجموع من خلال نموذج بشمال أكادير.
مع مرور الأيام وتعقد الملفات الخاصة بأراضي الجموع، تحولت الوصاية التي نص عليها المشرع إلى ذريعة يتم الاستناد عليها من طرف لوبيات العقار، من أجل الاستيلاء على أراضي ذوي الحقوق، على اعتبار أن كل دعوة مرفوعة ضد الدولة لابد وأن تنتهي لصالح المدعين، فتحولت بذلك «الوصاية» إلى ثغرة ينفذ منها «لصوص» العقار.
تلكؤ السلطة
كشفت رسالة وجهها بعض ذوي الحقوق إلى والي جهة سوس ماسة درعة عن الوضعية التي أصبحت تعيشها الجماعة السلالية «أفرني» بعد وفاة نائب من نوابها (م.ا) واستقالة (ع.أ)، كما أن المرض أقعد نائبا ثالثا يدعى (أ.ط) ولم يعد مؤهلا لممارسة مهامه كنائب عن ذوي الحقوق، وبناء على هذه الوضعية تقدم ذوو الحقوق المعنيون بلائحة تضم توقيعاتهم، يطالبون من خلالها بضرورة عقد جمع عام من أجل اختيار نواب جدد وتجاوز وضعية الشلل التي تعرفها الجماعة السلالية، إلا أنه ومنذ تاريخ 21 يناير من سنة 2013 ظلت السلطة تتلكأ في عقد هذا الجمع العام، وبررت ذلك بكونها تقوم بإحصاء لذوي الحقوق في مختلف الدواوير التابعة للجماعة السلالية المعنية، في مقابل ذلك، أشرت هذه السلطات على أزيد من 12 شهادة إدارية، دون أن تمر من المراحل القانونية المنصوص عليها، إذ لم تعرض على نواب أراضي الجموع من أجل دراستها وإبداء الرأي فيها، وهو ما اعتبره أصحاب الرسالة المشار إليها بأنه انتهاك لحقوقهم.
من يلزم.. من؟
من الدفوعات الشكلية التي يتم الدفع بها في قضايا الاستيلاء على أراضي الجموع القول بأن وزير الداخلية لا يمثل الجماعة السلالية، بينما الممثل الوحيد لها هم نوابها، من أجل قطع الطريق على الوزارة، والإنفراد بنواب الجموع الذين يخضعون للتعيين في ظروف غامضة، كما أن العديد من هذه المجالس تشكل من أشخاص أميين ومسنين يسهل التلاعب بهم، كما هو الحال بالنسبة للجماعة السلالية «أفرني» التي تعتبر مثالا لإنجاز هذا التحقيق. هذه الدفوعات ترد عليها وزارة الداخلية بكون المشرع قد خولها اختصاصات الوصاية على الجماعات السلالية، والقيام بكل الإجراءات والتدابير التي تهدف إلى حماية مصالح هذه الجماعات، وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 3 من ظهير 27 أبريل 1919 بشأن تنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات، وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها، والذي ينص على ما يلي: «يعهد بالوصاية على الجماعات إلى وزير الداخلية ...» كما تنص الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من الظهير نفسه على أنه « يؤهل وزير الداخلية عند الحاجة ليعمل وحده باسم الجماعة التي هو وصي عليها». وتبعا لذلك فإن وزير الداخلية له صلاحية الدفاع عن حقوق الجماعات السلالية وحمايتها وعلى رأسها التكفل بتأمين الدفاع عن مصالحها أمام المحكمة في مسطرة التحفيظ، من خلال تقديم المذكرات وكل ما من شأنه أن يفيد في الدفاع عن الجماعة.
الإذن بالترافع
من الحيل التي تلجأ إليها لوبيات العقار مقاضاة بعض نواب الجماعة السلالية، وبموجب الثغرات القانونية يتم الحكم لصالح هذه اللوبيات، ويتم التنازل لها على أراضي دون علم بقية ذوي الحقوق، وهو ما تم التنبيه إليه في مذكرة تعقيبية حول قضية الجماعة السلالية «أفرني»، إذ أشارت المذكرة ذاتها إلى أن مديرية الشؤون القروية والجماعية التابعة لوزارة الداخلية هي التي تعين نواب الجماعة السلالية وتعطيهم الإذن بالترافع أمام المحاكم، وهو ما يستفاد من الفقرة الخامسة من ظهير 27 أبريل 1919، الذي يخول وزير الداخلية التقاضي وحده عند الضرورة عن الجماعات السلالية، التي هو وصي عليها للدفاع عن مصالحها. هذه الدفوعات وغيرها تم الإدلاء بها من أجل القبول باستئناف الحكم ضد أربعة أشخاص، قاموا بتقديم مطالب لتحفيظ أراضي بشمال مدينة أكادير تابعة للجماعة السلالية أفرني.
الحقيقة الضائعة
بالرغم من السلطات التي منحها المشرع لوزارة الداخلية في حماية ذوي الحقوق، تبين في جماعة «أفرني» أن لوبيات العقار تسببت في اندلاع صراع بين عمالة أكادير إداوتنان ومصالح وزارة الداخلية، التي طالبت أكثر من مرة برفع تعرض الجماعة السلالية «أفرني» على مطالب التحفيظ تقدم بها مجموعة من الأشخاص لتحفيظ أملاك تابعة لأراضي الجموع، وتفيد رسالة تم توجيهها من والي جهة سوس ماسة درعة إلى وزير الداخلية ومديرية الشؤون الداخلية أن عمالة أكادير إداوتنان سبق وأن أبدت عدم موافقتها على رفع تعرض الجماعة السلالية، وذلك لكون الأرض موضوع مطالب التحفيظ من طرف مجموعة من الأشخاص تعتبر أراض تكتسي الصبغة الجماعية.
وذلك استنادا إلى كون حدود القطعة الأرضية المطلوب تحفيظها، منصوص عليها في طلب التحفيظ الأصلي المودع باسم الجماعة السلالية «أفرني» لدى المحافظة العقارية بأكادير داخل الملك المسمى «أمجاد»، كما تم توجيه مراسلة في الموضوع ذاته إلى المحافظ على الأملاك العقارية والرهون بأكادير، من طرف والي جهة سوس ماسة ينبهه فيها إلى قبوله شهادة إدارية تنفي الصبغة الجماعية عن هذه العقارات الجماعية من أجل إعداد رسوم الملكية، وتكشف هذه الرسالة أنه بلغ إلى علم مصالح الولاية قبول المحافظة العقارية بأكادير لشهادة إدارية صادرة عن الجماعة السلالية «أفرني» تحت عدد 28/05 بتاريخ 16 شتنبر 2005 ضمن الوثائق التي تم الإدلاء بها في ملف مطلب التحفيظ عدد 35531/09، وطالبت الرسالة بعدم قبول مثل هذه الشواهد، وشددت على إلزامية الإدلاء بشهادة مسلمة من طرف مصالح الولاية ضمن ملفات مطالب التحفيظ غير المتوفرة على وثائق الملكية.
سري للغاية
تفيد المعطيات المرتبطة بهذا الملف أن أصل هذا القضية، يعود إلى إقدام مجموعة من لوبيات العقار على استدراج بعض نواب الجموع المنتمين إلى الجماعة السلالية المذكورة، من أجل توقيع إشهادات تنفي عن الأراضي المذكورة الصبغة الجماعية، تمهيدا لتحولها إلى أملاك خاصة عن طرق تحفيظها، وهو ما فتح شهية هذه اللوبيات على مجموعة من الأراضي في المنطقة، نظرا لموقعها الاستراتيجي على الساحل، وكذا لتهافت مجموعة من الأجانب على اقتناء هذه الأراضي. خاصة وأن السواحل الشمالية لمدينة أكادير من أكثر المناطق التي يسيل لها لعاب لوبيات العقار على المستوى الوطني، بحيث تستقطب هذه المنطقة عددا كبيرا من الأشخاص الذين يسعون لامتلاك سكنيات ثانوية خاصة بقضاء فترة العطل، إذ تنتشر بالمنطقة العديد من الفيلات والإقامات السياحية، وذلك بالنظر إلى المناخ الذي تعرفه المنطقة، فضلا عن كونها مناطق مرتفعة وتطل بشكل مباشر على البحر.
وشهد شاهد من أهلها
في قضية الجماعة السلالية «أفرني» كشف ذوو الحقوق في رسالة سبق وأن وجهوها إلى المدير العام للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والخرائط والمسح الطبوغرافي، أنه بفضل بعض الموظفين بمحافظة أكادير، استطاعوا التحقق من مجموعة من التجاوزات التي عرفها الملف. وأضافت الرسالة ذاتها أن الأراضي السلالية تعرضت لبيوعات مغشوشة من طرف بعض الأشخاص الأجانب عن الجماعة وبحياد سلبي من نواب الجموع. وأكد ذوو الحقوق أن مصالح المحافظة العقارية بأكادير تغاضت عن التعرضات التي تقدم بها ذوو الحقوق، وتعرض وزارة الداخلية الوصية على أراضي الجموع، كما تبين لهم أن هناك مطالب تحفيظ جديدة قيد الاستصدار خارج المساطر القانونية المتبعة في هذا الشأن.
التبريرات الخاصة
في مقابل ذلك عملت المحافظة العقارية على تبرير قبولها لهذه المطالب، إذ ورد في الرسالة التي وجهتها المحافظة العقارية بأكادير إلى والي جهة سوس ماسة تبريرا لقبولها مطالب التحفيظ موضوع النزاع، على أن التعرض بالنسبة لمطلب التحفيظ رقم 34938/09 فإن مسطرة تحفيظه انتهت دون صدور أي تعرض في شأنه. أما مطلب التحفيظ رقم 24875/09 فقد بررته المحافظة بكون نواب الجموع تخلفوا عن الموعد الذي قرر أن يكون فيه تحديد هذا الملك، بحيث حضر المهندس مندوب المحافظ ولم يحضر نواب الجموع، وفي المرة الثانية لم يتمكن هؤلاء النواب من معرفة حدود الملك المراد تحديده، وفي المرة الثالثة وبتاريخ 12 يوليوز 2006 انتقل المهندس إلى عين المكان، ولكن عدم حضور أي من نواب الجموع حال دون القيام بإجراء عملية التحديد.
عقود ملكية
في مقابل ذلك يشير محرر عدلي مؤرخ سنة 1409 الموافق لسنة 1988 أن الأملاك المسماة (تكرامين ) و (وزراراك ) و(تسكاوت) و(تخبريت) و(أمان وناس)، والتي يقدر مجموع مساحتها 18 هكتارا، ممتدة على طول الطريق الرئيسية المؤدية إلى الصويرة، والتي تبدأ عند النقطة الكيلومترية 37 وتنتهي عند النقطة الكيلومترية 40، وتشير الوثيقة ذاتها إلى أن هذه الأراضي تكتسي صبغة الاستغلال الجماعي من طرف سكان الدواوير التالية تزمورت وتكانت وأيت داود والسيحل، وكلها دواوير تابعة لجماعة تامري أزيد من أربعين سنة.
أصابع الاتهام
الأطراف المتهمة حسب ذوي الحقوق في هذا الملف هي المحافظة العقارية والسلطات المحلية، وبعض نواب الجموع المفتقدين لكل أهلية، بحيث يسقطون عند أبسط إغراء أو تهديد، بالنظر إلى الأوضاع الاجتماعية التي يعيشونها، إذ يتم إغراؤهم بمبالغ مالية تكون في بعض الأحيان هزيلة، من أجل التوقيع على شواهد إدارية يتم بموجبها تفويت أراضي شاسعة للمضاربين العقاريين. أما السلطات المحلية فإنها تستغل سلطتها بحكم أنها تمثل الوصاية من أجل إلزام نواب الجموع على التوقيع على هذه الشواهد، وتقوم هي بالتصديق عليها، كما أنها تماطل في تعيين نواب جدد في حالة ما إذا وصل بعضهم إلى درجة العجز عن القيام بمهامهم النيابية. أما مساهمة المحافظة العقارية في القضية فتكمن من عدم تحقق مصالحها، لأن الأراضي التي يتم التقدم بمطالب للتحفيظ في شأنها لا تحمل الصبغة الجماعية. وكمثال على ذلك ما كشفت عنه رسالة سبق وأن وجهها بعض ذوي الحقوق بالجماعة السلالية «أفرني» إلى وزير الداخلية، عندما طالبو بعزل نواب الجموع بسبب رفضهم الحضور لعملية تحديد العقار الجماعي موضوع مطلب التحفيظ عدد 31356 /09 المقررة في يوم 12/07/2006، الأمر الذي فسره أصحاب الرسالة برغبة النواب في الاستفادة من المضاربة العقارية التي دخلتها ممتلكاتهم الجماعية، كما اتهم ذوو الحقوق نواب أراضي الجموع بالزور والإخلال بالأمانة التي وضعتها الجماعة السلالية «أفرني» على عاتقهم، وسعوا فقط إلى تحقيق مكاسب مادية على حساب الجماعة. كما اتهمتهم الرسالة بالتآمر ضد ذوي الحقوق، نظرا لتوقفهم عن الدفاع عن حقوقهم، وتقاعسهم عن الحفاظ على الأملاك العقارية
الجماعية.
السباعي: ليست هناك آلية شفافة تحدد مآل مداخيل أراضي الجموع
قال إن استغلال هذه الأراضي كان ومازال خاضعا لقوانين استعمارية لم يتم تعديل جوهرها
- ينطوي مصطلح «مجلس الوصاية» على نظرة دونية لذوي الحقوق ويعتبرهم قاصرين عن حماية أراضي الجموع، ما تعليقكم؟
< يعيش المغرب أزمة اقتصادية واجتماعية نتيجة تراكم العديد من القضايا، التي أصبحت تشكل بركانا وشيك الانفجار، ويهدد باحتقان اجتماعي جراء النهب الممنهج للأراضي السلالية، بعدما رفعت رياح «الربيع العربي» حاجز الخوف، وأصبحت الجماعة تطالب الدولة برفع وصايتها عن أراضي الجموع، وتعتبر الأراضي السلالية أراضي في ملكية الجماعة، لذلك يطلق عليها أيضا اسم أراضي الجموع.
وأراضي الجموع، هي تلك الأراضي المعروفة بأرض “الجماعة”، السلالية، العرشية؛ التي ترجع ملكيتها للقبيلة وليس للفرد، كان يتم استغلالها والانتفاع منها عن طريق تنظيم «الجماعة» كأداة تنظيمية مؤطرة داخل القبيلة لفائدة العائلات المكونة لها، وفقا لمنطق متكون من تقاليد وأعراف خاصة بها، قبل أن تتدخل الدولة في تدبير شؤون هذا النوع من الأراضي بخلق جهاز تابع لوزارة الداخلية، هو مديرية الشؤون القروية، وأصبح هو الوصي عليها بدل «الجماعة» مع صدور الظهير المنظم لأراضي الجموع عام 1965، وتقدر عدد الجماعات السلالية بما يناهز 4 آلاف و563 جماعة موزعة على 55 عمالة وإقليم? وتقدر المساحة الإجمالية للرصيد العقاري الجماعي بـ 15 مليون هكتار? تشكل الأراضي الرعوية نسبة تفوق 85 في المائة منها? تستغل بصفة جماعية من طرف ذوي الحقوق? فيما توظف أهم المساحات الباقية في النشاط الفلاحي.
لكن في السنوات الأخيرة ومع التمدد العمراني للمدن أصبح بعضها ضمن المدار الحضري، مما أدى إلى جشع المضاربين العقاريين، وارتفعت قيمتها العقارية والمالية بعد اقتنائها بطرق تدليسية عن طريق استغلال النفوذ والتسلط بالاحتماء بالسلطة المتواطئة.
إن استغلال هذه الأراضي كان ومازال خاضعا لقوانين استعمارية لم يتم تعديل جوهرها، بالنظر إلى كون المشرع المغربي متأثر بالمدرسة الفرانكفونية، التي تتعمد ترك الفراغات والثغرات في القانون، مما يجعلها معرضة للنهب والاستغلال، فالمستعمر كانت له استراتيجيته الخاصة من وراء وضع هذا القانون، لإحكام قبضته على موارد البلاد وخيراتها، وهو ما يطرح السؤال حول استمرار خضوع هذه الأراضي لآلية قانونية قديمة، في ظل دستور 2011، والذي جاء بعدة إصلاحات لم تترجم على أرض الواقع، فبقيت دار لقمان على حالها، ولم تعد تنسجم والتحولات الاجتماعية العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي، مما جعلها عرضة لمنازعات كانت عائقا أمام استثمارها استثمارا أمثل، مما أثر سلبا على التنمية.
فرفع وصاية وزارة الداخلية عن أراضي الجموع يبقى مطمحا سرابا، والسراب هو ما تراه العين ولا تدركه، فالمناظرة الوطنية المنعقدة سنة 1995صدرت عنها عدة توصيات مازالت حبرا على ورق ومازال رجال السلطة يعينون نوابا أميين وطيعين وغير منتخبين، منفذين توصية العقلية الاستعمارية، والنظرة الدونية لذوي الحقوق الذين تعتبرهم قاصرين عن حماية أراضي الجموع.
ولعل مرد ذلك خفوت الأصوات التي لم تواجه طيلة سنوات الرصاص السياسي والاقتصادي جبروت وزارة الداخلية أم الوزارات، واستمرت طيلة خمسة عقود في الحيف والظلم نفسه، الذي يحول دون إمكانات استغلال أو استثمار هذه الأراضي لفائدة مالكيها الفعليين، وبالتالي يحرم مناطق بكاملها من حقها في التنمية، ويحرم سكانها من الحق في حياة كريمة على أرض أجدادهم؟
- تعرف مجموعة من المحاكم دعاوى قضائية لأشخاص قاموا بالاستيلاء على أراض سلالية غالبا ما تنتهي بانتصارهم ما تعليقكم على هذا الأمر؟
< إن الوعاء العقاري لأراضي الجموع يدر أموالا لا تعد ولا تحصى، سواء من خلال الاستغلال أو من خلال البيع والكراء والاستثمار في هذه الأراضي، وهذه الأموال، عدا كونها مستحقة لذوي الحقوق الذين لا يستفيدون منها، لا يعرف كيف أو أين تصرف، ومازال المجلس الأعلى للحسابات لم يصدر أي تقرير عن مصير المداخل التي تقدر بالملايير، ويمكن القول بأن مداخيلها تعتبر حكرا على وزارة الداخلية وتذهب إلى ما بات يطلق عليه الإعلام «الصناديق السوداء» لوزارة الداخلية والأجهزة التابعة لها. فحتى الآن ليست هناك أيه آلية شفافة توضح وضعية الصندوق الذي توضع فيها تلك الأموال، فعدد طلبات إلغاء قرارات مجلس الوصاية المعروضة على أنظار المحاكم الإدارية وصل خلال سنتي 2006و2007 إلى 246 ملف، وهي ملفات تتراكم ويتم حفظ بعضها. وهي دليل على حالة الفوضى التي تعرفها عمليات التفويت، وقسم الشؤون القروية بوزارة الداخلية المتدخل الرئيسي في الملف، لا يعتمد معايير دقيقة للتفويتات، فمن يملك سلطة القرار الاقتصادي ببلدنا بعدما تحرر من السياسة الاستعمارية ? إنه اللوبي العقاري أو ما أصبح يوصف بمافيا العقار، فالمعمرون الجدد عادوا ليخلفوا أسلافهم، ووزارة الداخلية تتوفر على قاعدة للمعلومات شاملة ومحينة في مجال تدبير أراضي الجموع? لكنها لا تعمل على حمايتها من اللوبيات والمافيات العقارية، لقد تحولت قضية الأراضي السلالية وأراضي الجموع في السنوات الأخيرة إلى قضية حقوقية تبنتها الكثير من الجمعيات الحقوقية. وهناك اليوم أكثر من لجنة حقوقية تنشط في المناطق التي تعيش مشاكل مرتبطة بقضايا الأراضي السلالية، لدعم نضالات ذوي الحقوق، ومن بين هؤلاء من دخلوا في اعتصامات مفتوحة، وتشكلت في الفترة الأخيرة اللجنة الوطنية للدفاع عن الأراضي الجماعية السلالية بالمغرب.
فالحديث عن أراضي الجموع والأراضي السلالية ومناقشة مشاكلها لم يعد فقط حبيس أدراج المحاكم، وإنما انتقل إلى الفضاء العام من خلال عدة ندوات ينظمها نشطاء وذوي الحقوق، من أجل التعريف بقضيتهم التي تحولت إلى قضية رأي عام ببعض مناطق المغرب، فغياب المحاسبة والمساءلة بالنسبة للمتورطين في نهب الأراضي السلالية وكشف المتواطئين معهم، أصبح أمرا لا يحرك إلا القلة القليلة من المنتفضين.
وأخطر حالة نهب أراضي الجموع لذوي الحقوق في ملف الأراضي السلالية لأهل «إكلي» بميسور هو حماية مافيا العقار من طرف النيابة العامة طيلة 12 سنة، إذ اغتنى أحد نواب الوكيل العام بفاس غنى فاحشا جراء تسهيل إفلات مافيا العقار بميسور من العقاب، فالمتضررون يتهمون مافيا العقار المعتمدة على التزوير في الوثائق الرسمية، والتواطؤ آنذاك مع قاضي التوثيق وعدول ميسور وعامل سابق ومنتخبين، وأول من سهل نهب الأراضي بميسور هو عامل ميسور، الذي أعطى لهذه المافيا شهادة إدارية لتملك مساحة شاسعة من أراضي أهل «إيكلي» رسم حدودها من الجبل إلى الجبل، ومن الوادي إلى الوادي، دون ذكر للمساحة، فلو كنا في دولة الحق والقانون لكان وزير الداخلية وعامل ميسور المذكور في السجن، وكل الأمل معقود على ما سيصدر من حكم في ملف الجنايات عدد 12/412 الرائج أمام محكمة الاستئناف بفاس، حيث تحاكم عصابة نهب العقار، فليست كل الدعاوى القضائية لأشخاص قاموا بالاستيلاء على أراضي سلالية تنتهي بانتصارهم، بل إن الأمل معقود على القضاة النزهاء الشرفاء، والذين هم الحصن الحصين لحماية الحقوق والحريات والثروات، فاستقلالية السلطة القضائية لا تعني التواطؤ مع الفساد وحمايته وشرعنته، لأن للقضاء دور رئيسي وجوهري في مواجهة وتقوية المناعة ضد التركيع أمام جبروت الفساد المستأسد.
فالقضاة الشرفاء و النزهاء لن ينتهي دورهم بعد صدور القانون التنظيمي للسلطة القضائية المستقلة كما ينص على ذلك الدستور، فالجميع سيحاسب كل من استمع لأصوات الثكالى والفقراء والمحرومين والمظلومين والمقهورين دون إنصاف فالتـــاريخ لا يرحم.
- يقوم نظام تشكيل نواب أراضي الجموع على التعيين وليس الانتخاب ألا ترون أن هذا النظام أصبح متجاوزا؟
< حسب ظهير 27 أبريل1919 فالأراضي السلالية تتصرف فيها القبائل، لكن تحت مراقبة وزير الداخلية باعتباره ممثلا لسلطة الوصاية. وهناك مستويين من تدبير أراضي الجموع، الأول يتمثل في جماعة النواب، وتتكون من ممثلين للجماعة يتم تعيينهم من طرف السلطة المحلية، من اختصاصهم توزيع الانتفاع بين أفراد القبيلة، وتنفيذ قرارات مجلس الوصاية. لكن الملاحظ أن الذي يرأس الجلسة النيابية ويصدر المقرر النيابي، هو القائد كممثل للسلطة الترابية، بينما دور النواب هو التوقيع. والمستوى الثاني يتمثل في مجلس الوصاية المكون من ستة أشخاص، أربعة منهم ينتمون إلى الحكومة واثنان يعينهم وزير الداخلية، وله اختصاصات مهمة في مجال تدبير هذه الأراضي، وتوزيع واستثمار الأموال المتأتية من أوجه التصرف فيها.
كان الهدف من تشكيل نواب أراضي الجموع هو إشراك الملاكين لهذه الأراضي في تدبيرها، ووضعت معايير ضمن دليل نائب أراضي الجموع لسنة 2008، لكن الاتجاه الذي سارت فيه سلطات الوصاية هو تعيين نواب أراضي الجموع دون توفرهم على هذه المعايير المحددة، ونصبوا بدون انتخاب حتى يكونوا أداة طيعة في أيديهم ليفوتوا باسمهم الأراضي بأبخس الأثمان، الشيء الذي رفضه العديد من السلاليين، إذ خاض ذوو الحقوق للأراضي السلالية لقبيلة «الكرارمة» بتاوريرت وقفة احتجاجية أمام مقر عمالة إقليم تاوريرت يوم الأحد 19 ماي 2013، مستمرين بذلك في نهج كل إشكال الاحتجاج لإيصال كلمتهم لمن يهمهم الأمر، أملا في تحقيق مطالبهم المشروعة، مطالبين بالإسراع في تطبيق المساطر القانونية في حق النواب العشرة الفاسدين وما قاموا به من تجاوزات، وعلى رأسها نصبهم على ذوي الحقوق.
إن العديد من النواب المعينين أصبحوا يخدمون أجندة لوبيات العقار المدعومة من قوى الفساد، ويدعون كذبا أن المشاريع الاستثمارية هي مشاريع ملكية، ولدينا العديد من الحالات التي تم خلالها السطو على أراضي الجموع باستعمال أسلوب الترهيب.
- هل في اعتقادكم تحولت أراض الجموع إلى وسيلة لنهب المال العام بطرق ملتوية؟
< بمجرد دخول الفرنسيين إلى المغرب في إطار تطبيق نظام الحماية لوحظت ظاهرة المضاربات العقارية في العالم القروي، والمتمثلة في السيل الجارف للاقتناء التي بمقتضاها اشترى الفرنسيون مساحات شاسعة من الأراضي مقابل مبالغ مالية جد مغرية، وحتى تتم عمليات البيع بناء على سندات تثبت ملكية البائعين للعقارات المراد تفويتها، لجأ المعنيون بالأمر إلى تملك الأراضي الموجودة تحت تصرفهم، فمنهم من بادر إلى تأسيس رسوم الملكية، ومنهم من أقام شهادات على ملكية أراضي شاسعة رعوية عائدة لجماعات سلالية، وغالبا ما يحوز المقتني العقار على وجه التملك على حساب أصحابه الشرعيين بمجرد إبرام عقد البيع.
إزاء الفوضى التي أصبحت تشكل خطرا على أملاك المخزن والأراضي الجماعية كان لزاما للحفاظ عليهما، اتخاذ موقف حازم لمنع كل البيوعات التي تنصب على الأملاك المذكورة، فكانت أول مبادرة في هذا الشأن إصدار أول دورية بتاريخ فاتح نونبر 1912 عن الصدر الأعظم (الوزير الأول) الموجهة للعمال والقضاة، والتي حددت الأملاك غير القابلة للتفويت من بينها الأراضي المستغلة بشكل جماعي من طرف القبائل والحفاظ على طبيعتها، من غير أن تكون موضوع بيع أو توزيع. ومنعا لكل استحواذ أو ترام وضع قانون يهدف إلى تحديد هذا النوع من العقارات، وضبط العلاقات بين مستغليها وسن مسطرة لتسيير شؤونها.
ولهذا فوصاية وزارة الداخلية على أراضي الجموع باءت بالفشل الذريع، إذ تم الاستيلاء على أجود الأراضي وتفويتها بأثمنة بخسة، إذ تتواطأ جماعات محلية ومؤسسات عمومية متخذة صيغة المنفعة العامة كوسيلة للاستيلاء على أراضي الجموع، ليتم تفويتها لشركات خاصة تحايلا على القانون. ولهذا فقد حان الوقت لرفع وصاية وزارة الداخلية عن أراضي الجموع، بل فتح تحقيق قضائي في العديد من قضايا التفويتات المشبوهة، وتقديم كافة المتورطين والمشاركين إلى العدالة، وإرجاع الأراضي المنهوبة إلى أصحابها.