فرع "الاتحاد الاشتراكي" بآسفي : تجديد بنكهة غير شرعية
×××××عمر لشكر
دي توكفيل " إن الناس لا تفسُد بممارسة السلطة ولا تفسُد بالخضوع للسلطة، وإنما تفسُد بممارسة سلطة غير شرعية وبالخضوع لسلطة غير شرعية "
Haut du formulaire
في ركن محتشم من الذاكرة، انزوت لحظات بئيسة كان المأمول ألا يعيدها التاريخ من جديد، تجاوزنا الشهرين و النصف على الحدث، الذي أحدث رَجَّة قوية داخل فرع "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" بآسفي، و العملية التنظيمية بهذا الفرع لم تتم بعد، إذ لا زال المتتبع للشأن الحزبي المحلي يتذكر يوم 16 فبراير 2014 بالمسبح البلدي، والذي عاش فيه الاتحاديون على وَقْع تبخيس لذكائهم وكبريائهم، بعدما عرفت لحظة تجديد فرع المدينة عدة خروقات كنا قد اشرنا لها في مقال سابق، خلال تلك اللحظة المفصلية توقف كل شيء على مستوى الفرع بانتخاب تحيط به عدة "شبهات" _ حسب عدة مصادر اتحادية _ للسيدة "لطيفة الزيواني"، و التي فشلت لحد الآن في لَمِّ شمل الفرع الحزبي و رأب تصدعاته البنيوية، بل أدى الحدث الأخير إلى تفكيكه و زعزعة "روحه" الشكلية على الاقل .
إن عدم استكمال هيكلة الفرع بعد مرور أكثر من شهرين على انتخاب كاتبه له دلالتين : الاولى أخلاقية تتلخص في أن عدم قبول المناضلين الاتحاديين بممارسات "الأحد البئيس"، و توقف الأجهزة الساهرة على عملية التجديد، يوحي أن هناك اعترافا ضمنيا بالخروقات و إلا ما الداعي إلى توقيف العملية في عرس تنظيمي يشهد له الطرف الآخر بالاحتفالية، و الدلالة الثانية سياسية بحكم أن عدم القدرة على خلق توافق سياسي حول المنتخبة لقيادة الفرع معناه في عرف الأحزاب التي تحترم منضاليها و تحمل مشعل الديمقراطية،الانسحاب بشرف أو الاستقالة.
وبالرجوع الى الوضع التنظيمي للكتابة الاقليمية التي أشرفت على العملية برمتها بما فيها تجديد الفروع التابعة للإقليم يتضح أنها من حيث المبدأ لم تعد شرعية بحكم تجاوزها للمدة القانونية، فهي منتخبة منذ المؤتمر الاقليمي الخامس الذي مر عليه أكثر من اثنا عشرة سنة، بل إن أعضاءها منهم من غادر وَوَقَّعَ مع المنسحبين، ومنهم من قاطع أشغال التجديد، ومنهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا...، وحسب تصريحات بعض الاتحاديين فقد دعا السيد الكاتب الاقليمي الأعضاء المنسحبين أكثر من مرة بغرض تدارك الخلل و انقاد الحزب على مستوى مدينة آسفي و تم بلورة مقترحين حينها أحلاهما مر : إما المشاركة في تشكيلة مكتب الفرع، أو إعادة العملية برمتها.
وقد كان الاتحاديون المنسحبون منتصرين للحل الأخير، رافضين لكل حل يتجاوز الشرعية، و يتغاضى عما وقع من خروقات استهدفت الفرع في الصميم، ويتناسى التجييش الذي تساهل معه البعض من قبل الحزب الاشتراكي المندمج، والذي يرى فيه العديد من الاتحاديين المنسحبين سبب هذه الأزمة التنظيمية، بحكم تواطئه مع بعض أعضاء الكتابة الاقليمية و مكتب الفرع السابق .
و تجدر الإشارة إلى أن بعض قياديي "الاتحاد الاشتراكي" بإقليم آسفي كانوا يعلنون عن إرادتهم في تجديد فرع المدينة منذ مدة ليست بوجيزة، حتى قبل انعقاد مجلس فرعهم الأخير، وكانوا يبحثون عن آلية لتجديد المكتب نزولا عند رغبة الاتحاديين، لكن شرطهم المعلن عنه "مجازا" كان هو ضرورة توفر "أيادي أمينة" تتسلم الفرع بعد مرحلة التجديد، إلا ان المُصَرِّح بهذا الامر لم يترك الفرصة تمر دون أن يعمل على إعادة إنتاج نفس النكسة التنظيمية، و قد كانت الفرصة سانحة للبحث عن هذه "الأيادي الأمينة" مع التحاق "الجيوش المناضلة" للحزب الاشتراكي المندمج، والتي كانت على ما يبدو متهيئة لاكتساب وزن إضافي استعدادا لتحقيق الاكتساح، و هذا ما جعل أثر النعمة يظهر عليها.
عجيب ... أن يرى البعض نفسه متعاليا عن الآخرين، و أن يلبس نفسه "كاريزما بلورية" لا يجوز لأحد أن يخدشها أو يكسرها و أن الآخرين مجرد "حَقَدَة" و"حَسَدَة" لأنهم مجرد رعاع وُجِدُوا لخدمة نزواته وتنفيذ أوامره، فمن يمارس السياسة هو من الناس و إلى الناس، وأن عهد "الكاريزما" انتهى مع الأنبياء والرسل و الديماغوجيين الكبار...، و انتهى أيضا بنهاية مرحلة القيادة التاريخية، و أن "الكاريزما" معطى فطري وهِبَة طبيعية و ليست مُتَصَنَّعًا مُكْتَسَبًا، فالبعض تحول في زماننا إلى "سيبرمان" قادر على الجمع و التوليف ما بين عدة مهام و مسؤوليات من المفروض فيها أنها تطوعية إضافة إلى مهام وظيفية من الواجب القيام بها حتى نعطي معنى للنضال الحقيقي، فالبعض أصبح يختزل التنظيم فيه: "فهو التنظيم والتنظيم هو"، و الكل خلق خدمة له و تلبية لرغباته، وكأنه "الشيخ" و الآخر مجرد "مريد"، والأخطر من كل ذلك أن يتحول الإنسان إلى مهندس يرسم مكونات الأجهزة قبل أن تعرض على سبورة الاقتراع ... عجيبة هذه الديمقراطية التي نَنْهَلُ منها ما يخدمنا و نتزايد بها على الآخرين الذين يخالفوننا الرأي، بل إن البعض يعتبر أن من كَسَّرَ الزّجاج و كشف الفراغ هو خط أحمر لا أمان له وكأنه "فانوس" مَهِيب على الكل تقديسه ... فما معنى أن يكون الفرد عضوا في الكتابة الاقليمية لمدة تفوق 12 سنة، و عضوا بالكتابة الجهوية لما يفوق 8 سنوات، و أن يتحمل مسؤوليات حزبية منذ 1992، بل أن يصير كائنا انتخابيا بامتياز، مشاركا في جميع المحطات الانتخابية الجماعية من 1992 إلى 2009 مرورا بانتخابات 1997و 2002، و ربما لن توقفه صفعة الجماهير الشعبية التي تلقاها الحزب في الانتخابات الجماعية الأخيرة، مشاركا ايضا في الانتخابات التشريعية 2003، و هو في كل مرة يقسم بأغلظ الأيمان بأنه لن يترشح لكنه ما يلبث أن يحنث و يخلف وعده.
إنه فاعل جمعوي، سياسي، حقوقي،إعلامي و سياسي، إنه يعزز ثقافة الولاء داخل تنظيم حزبي من شعاراته "التحديث و الحداثة"، يُخَوِّنُ خصومه و ينعتهم بالتبعية للسلطة، و كأن هذه الأخيرة أصبحت "سُبَّة"، فعلى الأقل السلطة كما يراها ليست كما يراها الشعب الذي يدرك أنها تضمن أمان الناس إذا ما استنجدوا، و تحميه هو حتى وهي تعلم أنه يتزايد عليها و يمارس انفصامية سياسية و قيمية مفرطة.
إن المنتوج الحزبي لم يعد مغريا بحكم أن الفرع الحزبي بآسفي هو قطب رحى الحزب اقليميا، ولئن كانت الكتابة الاقليمية على الأقل قد فتحت نقاشا، في شخص كاتبها الإقليمي، مع المنسحبين بغرض معرفة مطالبهم، والاستماع لمؤاخذاتهم، فإن الجهاز الذي من المفروض فيه التدخل بعد فشلها، هو الكتابة الجهوية، لكن حسب بعض المصادر فلم يتم ولو استفسار من الكتابة الجهوية عن سبب الانسحاب، علما أن الكاتب الجهوي للحزب كان حاضرا إبان مهزلة التجديد، بل دافع بقوة عن أحقية الحزب الاشتراكي وعن هويته، بل لوحظ آنذاك و هو يصول ويجول في القاعة مترافعا عن "الحق" و رافضا "للباطل"، و الأدهى من كل ذلك أن حتى المكلف من قبل المكتب السياسي بالجهة و بالإقليم لم يتدخل لتحليل الواقع و إقرار حل للمشكل، بل لوحظ شبه اختفاء له في هذه اللحظة المصيرية، وكأن لسان حاله يقول "السكوت علامة الرضى و القبول".
قبل تلك المرحلة كان بعض أعضاء مكتب الفرع يؤكدون أن التصويت سيكون بالانخراط والمشاهرة، فاذا به أصبح "هَمْزَة" أمكن للجميع معها التصويت و إعادة التصويت، ومن غير تدقيق في هوية المصوتين، و تروج أخبار موثوقة الآن، أن الحزب المندمج يقترح اتباع "حمية" قاسية جدا يهدف من خلالها تخفيض وزنه من 168 عضوا الى 30 عضوا فقط، و أن مشاركته في عملية التصويت ستكون بأوراق بيضاء لاغية حتى لا يتدخل في عملية تحديد وجهة مكتب الفرع، إلا أن الأخطر من كل ذلك هو لماذا اقصاء أطراف دون أخرى، أليس حريا التعامل مع الجميع على قدم المساواة باعتبارهم مناضلين، ثم ماهي المعايير المعتمدة في عملية اقصاء البعض و الإحتفاظ بالبعض الآخر، أليس لمناضلي الحزب المندمج نفس الوزن النضالي ؟ !
تجدر الاشارة في الختام إلى أن أعضاء مجلس الفرع أَلِفوا أن تفتح مجالسهم و لا تغلق أبدا، فبعد فتح مجلس الفرع 2009 الذي خصص لجلد الذات و التعبير عن حميمية الارتباط بالحزب والتنديد بالحقد و الحسد الذي يحمله البعض في حق البعض الاخر، ظل المجلس مفتوحا دون أن ينتبه أحد إلى ضرورة إغلاقه قبل فتح مجلس آخر، و الآن يفتح مجلس فرع لانتخاب قيادة فرع المدينة و ها هي الأيام و الأسابيع تمر، و الريح تهب، و ربما تكسر المزيد من زجاج البيت، و تتلف أثاثه، وتملأ جنباته بالغبار المتناثر، و لا أحد يريد إغلاقه على الأقل سترا لعوراته، و تكميما لأفواه منتقديه... و البدء في تصريف برنامج المستشارة البرلمانية المنتخبة التي وعدت بعقد مجلس فرع كل شهرين، و هاهي الشهرين تمر، و بوادر الإنهاك بدت على الوجوه، و ربما تنجح في عقد مجلس من أجل اتمام الهيكلة و التحقق من هوية أهل الدار، لا من أجل تقويم حصيلة ما وقع خلال الفترة السابقة.